المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المحاضرة الأولى في شرح كتاب الواضح في أصول الفقه للمبتدئين



أهــل الحـديث
18-06-2012, 08:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




المحاضرة الأولى

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
- هذه هي المحاضرة الأولى من محاضرات شرح كتاب الواضح في أصول الفقه، والكلام في هذه المحاضرة يندرج تحت العناصر التالية:
العنصر الأول: مميزات كتاب الواضح في أصول الفقه.
العنصر الثاني: التعريف بعلم أصول الفقه.
العنصر الثالث: فروق بين علم أصول الفقه وبعض العلوم التي تشتبه به.
العنصر الرابع: مصادر علم أصول الفقه وأدلته.
العنصر الخامس: موضوعات علم أصول الفقه وتصنيفها.
العنصر السادس: نشأة علم أصول الفقه.
العنصر السابع: حكم تعلم أصول الفقه.
العنصر الثامن والأخير: فوائد تعلم أصول الفقه.



تفصيل عناصر المحاضرة الأولى

العنصر الأول: مميزات كتاب الواضح في أصول الفقه.
الميزة الأولى: كتاب مختصر الحجم مقارنة بما يحويه من موضوعات.
- فهذا الكتاب على صغر حجمه إلا أنه قد جمع غالب أو أكثر موضوعات علمِ الأصول تقريبا، وأنت إذا عقدت مقارنة سريعة بين هذا الكتاب المختصر (الواضح) وبين مختصر آخر للمبتدئين في هذا العلم كـ(متن الورقات) ([1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn1))، فستجد أن متنَ الورقات مختصرٌ نعم، لكنه ترك من مسائل علم الأصول أكثرَ مما جمع، حتى أنك ترى كل شارح لمتن الورقات يزيد عليه من مسائل هذا العلم أضعاف أضعاف ما فيه، لكن كتابنا جمع بين الاختصار والجمع.
- إذا تبين لك هذا، فاعلم أن دارس هذا الكتاب بإتقان سيكون لديه قدرٌ مناسب لكي يتعلم الفقهَ ويفقهَ مصطلحاتِ الفقهاءِ وأسبابَ اختلافِهم الراجعةَ إلى المسائلِ الأصوليةِ.
- لكن ينبغي أن تعلم أن دارس هذا الكتاب دراسة متقنة لايعتبر متخصصا في علم أصول الفقه بل يكون اجتاز أول مرحلة من مراحل الدراسة في هذا العلم ؛ فإن دراسة علم أصول الفقه تمر بأربع مراحل:
المرحلة الأولى للمبتدئين، وهذا يظهر لك من عنوان هذا الكتاب [الواضح في أصول الفقه (للمبتدئين)].
المرحلة الثانية للمتوسطين – المرحلة الثالثة المنتهين – المرحلة الرابعة المتخصصين.([2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn2))
الميزة الثانية: سهولةُ الكتاب مقارنة بكتب الأصول الأخرى، وذلك للأسباب الآتية:
1- استخدام المؤلف أسلوبا عربيا سهلا، بخلاف الحاصل في كثير من كتب أصول الفقه التي استخدمت أسلوبا عربيا يصعب فهمه، فالناظر مثلا في مقدمة كتاب روضة الناظر ــ وهو من كتب أصول الفقه المشهورة ــ لا يكاد يفهم شيئا؛ وما ذلك إلا لصعوبة اللغة فيه، واستخدام مؤلفه غريب الألفاظ العربية.
2- إكثار المؤلف من ضرب الأمثلة الإيضاحية، بل إنه سلك مسلكا جديدا إلى حد ما، وهو أنه يضرب الأمثلة قبل أن يذكر القاعدة([3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn3))؛ وهذا من شأنه أن يثير الذهن لفهم القاعدة، والله تعالى أعلم.
3- خلو الكتاب ــ في غالب مباحثه ــ من علم الكلام كان من أسباب سهولة هذا الكتاب؛ لأن مما زاد هذا العلم صعوبة على صعوبته إدخال علم الكلام فيه، و بعبارة أخرى نقول: مما زاد الطين بِلةً أن غالب كتب الأصول تضمنت مباحث كثيرة من علم الكلام وهو علم عسير وصعب جدا.
- هذا الأمر دفع بعض العلماء أن ينظم نظما في علم أصول الفقه دون أن يضمنه أي مبحث من مباحث علم الكلام، قال فيه([4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn4)):

اعلم بأن هذا النظم فائق
لبعده عن منهج الكلام
إذ جعل الفن معقداً فلا
أمنية الطلاب نيل رفده
فبعده عن ذوق فهم الناس
قــــال ابن تيــمــية قــولا ينـبغـــي
مفندا قواعد المناطقة
لا يفهم البليد منه الغرضا
بـــــذا يبــين أنــــه لاينبـغــــــــــــي
إذ لست تحتاج لدى فهم الكتــاب
بـــل هــو ضر خـالص مضيــــــع

لأنه أعذب سهلٌ رائق
معدن كل الضنك والملام
إليه فهم الراغبين وصلا
خائبة لصدهم ببعده
أعدم نفعه لدى المراسِ
كتـبه بالذهـب عنـد المبتــغــــــــــــــي
لأنها خزعبلات حالقة
أما الذكي فغنىٌ منتــضى
أن تشـــغل الوقـــت به يـــا مبتـغــــي
والســـنة الغــرا له فــــــلا عتـــــــاب
للـــوقـت مــــن فهمــــه لا ينفــــــــع

- تنبيه: قد يظن الناظر في الكتاب أن الكتاب أسلوبه صعب، والجواب عن هذا الظن: أن علم الأصول نفسه فيه شيء من الصعوبة لابد أن يعرض لها دارس هذا العلم، لكن هذا الكتاب ــ مقارنة بالكتب الأخرى في هذا العلم ــ حاول مؤلفه أن ييسر هذا العلم قدر استطاعته.
الميزة الثالثة: شهرة الكتاب واعتماده في كثير من الدورات العلمية.
- هذه الميزة في غاية الأهمية، فإن الذي ينبغي على طالب العلم إذا أراد أن يدرس علما من علوم الشريعة أن يتجه إلى الكتب المشهورة في هذا العلم؛ وذلك لسببين:
السبب الأول: أن شهرة الكتاب تكون سببا في كثرة شروحه، فمثلا متن كزاد المستقنع له شروح كثيرة منها الروض المربع والشرح الممتع ومختصر للروض وهو الملخص الفقهي وحاشية على الروض للشيخ ابن قاسم.
- وكثرة الشروح للكتاب تنفعك في تحصيل أكبر قدر ممكن من العلم الذي في هذا الكتاب، لأن الذي يفوت شارحا ستجده عند شارح غيره.
السبب الثاني: أن الكتاب المشهور إن وقع فيه خطأ ستجد كثيرا من أهل العلم تعرض لهذا الخطأ وبيَّنه؛ وذلك لكثرة شارحيه، فالخطأ إن فات شارحا سيفطن إليه غيره بخلاف ما إذا كان الكتاب غير مشهور ووقع فيه خطأ.
الميزة الرابعة: مؤلف الكتاب ــ الشيخ محمد بن سليمان الأشقر ــ اجتعمت فيه ميزتان قلَّ أن تجتمع في مؤلفي كتب الأصول.
الأولى: أنه سلفي العقيدة، فإن الآفة في كثير من كتب الأصول أن كثيرا من الأصوليين القدماء معتزلة وكثيرا من الأصوليين المعاصرين أشاعرة وهؤلاء وهؤلاء يضمنون منهجهم العقدي في أصول الفقه، فإذا كان المؤلف سلفي العقيدة فإنك ستأمن من التلبس بأي عقيدة تخالف منهج السلف في اعتقادهم.
الثانية: أن المؤلف له باع في علم الأصول، يدلك على هذا أنه صنف كتابا في الأصول سماه (أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم) تكلم فيه عن السنة الفعلية وجمع فيه جمعا لم يُسبَق إليه، ثم إنه إذا كان متبحرا في هذا العلم ومع ذلك يؤلف مختصرا للمبتدئين لاشك أن هذا المختصر سيكون عصارة ذهنه وخلاصة علمه، وخذ مثلا لهذا بابن قدامة؛ فإنه تبحر في علم الفقه حتى صنف كتاب (المغني) في الفقه المقارن ومع ذلك صنف للمبتدئين كتابا جمع فيه عصارة ذهنه وخلاصة علمه سماه (عمدة الفقه)، وهذه هي الربانية في تعليم العلم أن تبدأ بصغار العلم قبل كباره قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79] أي علموا صغار العلم قبل كباره
- يضاف إلى ذلك أن مؤلفَ الكتاب ــ الشيخ محمد الأشقر ــ قد توفي قريبا والعادة جرت أن الناس تقبل على الكتب بعد وفاة مؤلفيها إن كانوا مخلصين، واعتبر في هذا بالشيخ ابن عثيمين رحمه الله.([5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn5))
العنصر الثاني: التعريف بعلم أصول الفقه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (التعريف بعلم أصول الفقه قال: علم أصول الفقه هو مجموعة القواعد العامة التي تستخدم في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية).
قال أبو أسلم عفا الله عنه: - الذي درج عليه أهل العلم في تعريف أي كلمة أنهم يذكرون معنى هذه الكلمة في اللغة أولا ثم معناها في اصطلاحهم، وأضرب لك مثلا يوضح هذا: كلمة الطهارة، يقول فيها الفقهاء: الطهارة في لغة: النظافة، والطهارة في الاصطلاح: رفع الحدث وزوال الخبث.
- ومعنى كلمة: (الاصطلاح) أن يتفق جماعة من الناس أن معنى هذه الكلمة هو كذا، وسمي اتفاقهم على هذا المعنى اصطلاحا؛ لأنهم تصالحوا عليه أو اصطلاحوا عليه، أي اجتمعت كلمته عليه، والله أعلم.
- إذا تبين لك هذا، فاعلم ما يأتي:
أولا: أن أهل العلم عندما يصطلحون على (لفظ) ما أن (معناه) كذا، فإنهم عند اختيارهم لهذا اللفظ دون غيره لاحظوا المعنى اللغوي له، ولاحظوا أيضا أن هذا المعنى اللغوي له علاقة بالمعنى الاصطلاحي عندهم؛ فالمعنى الاصطلاحي مستخرج من المعنى اللغوي،
لكن "لا ينبغي الخلط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، أو لاينبغي أن نتصور أن المعنى الاصطلاحي يتوافق مع المعنى اللغوي من جميع الجهات"([6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn6)).
- يتبين لك هذا في المثال السابق؛ فإن الفقهاء عند اختيارهم للفظة (الطهارة) لتكون مصطلحا لهم على (رفع الحدث وزوال الخبث) لاشك أنهم لاحظوا معناها اللغوي (النظافة)؛ لأن (رفع الحدث وزوال الخبث) نوع من أنواع النظافة، لكنه ليس كل النظافة؛ فالنظافة أو الطهارة في اللغة أنواع كما هو معلوم([7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn7))
- فلا شك أن المعنى الاصطلاحي أضيق من المعنى اللغوي، وهذا هو الغالب في كل المصطلحات([8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn8)).
ثانيا: أن المؤلف لم يجر على عادة أهل العلم في تعريف الألفاظ لغة ثم اصطلاحا، بل عرَّف (أصول الفقه) في الاصطلاح دون اللغة؛ وذلك طلبا للاختصار، ولأن الكتاب للمبتدئين، لكن لا مانع من ذكر المعنى اللغوي إتماما للفائدة، فأقول:
- تعرف لفظة (أصول الفقه) بطريقتين:
الطريقة الأولى باعتباره مركبا من جزأين: (أصول) و(فقه)
الجزء الأول: أصول، الأصول جمع أصل، والأصل في اللغة: هو ما يبنى عليه غيره، تقول لأساس البيت أصل البيت؛ لأن البيت مبني عليه، وتقول لجذر الشجرة أصل، لأن الشجرة قائمة عليه، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24].
والمراد بالأصل في اصطلاح الأصوليين هنا: الدليل، تقول: أصل الوضوء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } الآية [المائدة: 6]؛ فعلى هذا معنى أصول الفقه هو أدلة الفقه.
أما الفقه، فهو في اللغة: الفهم، قال تعالى:{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود: 91] يعني: ما نفهم كثيرا مما تقول.
والفقه في الاصطلاح فهو: العلم بالأحكام الشرعية العملية (الفرعية) المكتسب من أدلتها التفصيلية.([9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn9))
الطريقة الثانية: تعريف أصول الفقه باعتباره لقبا وعلما على علم أصول الفقه ــ يعني في اصطلاح الأصوليين ــ هو ما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى: (علم أصول الفقه هو: مجموعة القواعد العامة التي تستخدم في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية).
قال المؤلف رحمه الله ص [7] : (ولنضرب لذلك أمثلة).
قال أبو أسلم عفا الله عنه:يضرب أمثلة يوضح بها معنى التعريف؛ لأنه بضرب المثال يتضح المقال.
قال المؤلف رحمه الله ص [7]:(قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] هذا دليل تفصيلي).
قال أبو أسلم: ينبغي أن تعلم أن أدلة الشرع قسمها أهل العلم إلى قسمين: أدلة تفصيلية، وأدلة إجمالية.
أما الأدلة التفصيلية، فقد سماها أهل العلم بذلك؛ لأنها تتكلم عن جزئية من جزئيات الشريعة، أما الأدلة الإجمالية، فسميت بذلك لسببين: السبب الأول: أنها تتكلم عن مصادر الأدلة التفصيلية([10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn10))، السبب الثاني: أنها تتكلم عن قضية كلية من كليات الشريعة.
قال المؤلف رحمه الله ص [7]:(إن طريق استفادة الحكم الأول من الدليل التفصيلي هي هكذا:
1- أقيموا الصلاة: أمر 2- والأمر يقتضي الوجوب 3- إذن: إقامة الصلاة واجبة)
قال أبو أسلم عفا الله عنه:
- أولا: قوله: (والأمر يقتضي الوجوب) الأولى أن يقول: الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب انظر ص219 و220 من كتاب الواضح.
- ثانيا: المراد بالأمر في اصطلاح الأصوليين لا يعنى به كل أمر في اللغة، بل يعنى به (الطلب الذي يكون على وجه الاستعلاء من الأعلى إلى الأدنى)؛ لأن الأمر في اللغة قد يكون من نظير إلى نظيره، وقد يكون من أدنى إلى أعلى، وقد يكون من أعلى إلى أدنى، وهذا الأخير هو مرادهم في علم الأصول([11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn11)).
قال المؤلف رحمه الله تعالى ص [7]: ( أما قولنا: (والأمر يقتضي الوجوب) فهذه قاعدة عامة، لابد منها لفهم الحكم، بل إن فهم ....... ينبي عليها أو يتفرع عنها).
قال أبو أسلم عفا الله عنه:
أولا: وقع سقط بين كلمة (فهم) وكلمة (ينبي) أشرت إليه بالنقط، وهذا السقط هو كلمة (الحكم).
ثانيا: قوله: (فهذه قاعدة عامة) يستفاد منه أمران:
الأمر الأول: أن قواعد أصول الفقه قواعد كلية يندرج تحتها جزئيات كثيرة ويتفرع عنها مسائل كثيرة جدا كما قال المؤلف.
الأمر الثاني: أن استخدام قواعد أصول الفقه لا يقتصر على علم الفقه فقط، بل يتعده إلى علم العقيدة وعلم التفسير وغير ذلك من العلوم، مما أدى ذلك ببعض العلماء أن يؤلف كتابا في علم الأصول سماه (تفسير النصوص) ([12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn12))؛ لأن قواعد علم الأصول تستخدم في تفسير أي نص حتى وإن لم يكن شرعيا.
العنصر الثالث: فروق بين علم أصول الفقه وبعض العلوم التي تشتبه به.
أولا: الفرق بين علم أصول الفقه وعلم أصول الدين.
قلت: تفصيل الفرق بينهما ذكره المؤلف في الكتاب ص: [8] فليراجع،
- لكني أذكر هنا السبب في تسميةِ علم العقائد بعلم أصول الدين:
السبب الأول: أن من لم يحقق العقائد لا يقبل منه أي عمل، وإن اجتهد فيه غاية الاجتهاد، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54]، بخلاف من حقق التوحيد والعقيدة، وفرط في الأعمال الظاهرة التي فروع الدين فسينفعه ذلك إن شاء الله، وإن عذب في النار قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه)؛
لهذا سمي العلم بالمسائل الاعتقادية علم أصول الدين، وسمي العلم بالمسائل العملية علم فروعالدين، وهذا لايعني التقليل من الجانب العملي في دين الإسلام بل هو تقسيم اصطلاحي فقط.
السبب الثاني: أن كل المسائل الاعتقادية مجمع عليها إلا ما ندر، بخلاف المسائل العملية فغالبها مختلف فيها، ومسائل الإجماع فيها قليلة.
ثانيا: الفرق بين علم الفقه وعلم أصول الفقه.
قلت: تفصيل الفرق بينهما في الكتاب ص: [8، 9]، لكني هنا أجمل ما في الكتاب فأقول:
بين علم الفقه وعلم أصول الفقه ثلاثة فروق، وينفرد كل منهما بشيء ليس في الآخر، أما عن الفروق الثلاثة:
فالفرق الأول في الأدلة الشرعية:
- وذلك أن علم الفقه يتكلم عن الأدلة على جهة التفصيل، بمعنى أنه يعرض لآيات القرآن آية آية، ولأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حديثا حديثا، وللإجماعات الواردة في كتب أهل العلم إجماعا إجماعا حتى يستخرج منها أحكام المسائل العملية،
- أما علم أصول الفقه فإنه يتكلم عن الأدلة على سبيل الإجمال، بمعنى أنه يدلنا ويعرفنا على المصادر التي يؤخذ منها الأدلة التفصيلية، فيعرفك أن مصادر الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ثم يعرفك ما هو الكتاب؟ ويعرفك متى يكون الكتاب حجة؟ وما هي السنة؟ وما هي أنواعها؟ وما هو الإجماع؟ وما هي أنواعه؟ وهكذا على سبيل الإجمال.
والفرق الثاني في الأحكام الشرعية:
- وذلك أن علم الفقه يتكلم على حكم كل مسألة عملية على حدة، فتجد في الفقه مثلا الالتفات في الصلاة مكروه، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام مستحب، والكلام في الصلاة حرام، والتشهد الأول واجب من واجبات الصلاة، وهكذا فيتكلم عن حكم كل مسألة من مسائل الفقه.
- أما علم أصول الفقه فيتكلم عن الأحكام الشرعية على سبيل الإجمال الذي يندرج تحته كثير من التفصيلات، فيعرفك ما معنى الحكم الشرعي؟ وما هي أنواعه؟ وما أقسام كل نوع؟ وما معنى كون الشيء مستحبا أو مكروها أو واجبا أو حراما؟ ونحو ذلك.
والفرق الثالث في استنباط الحكم الشرعي:
- وذلك أن علم الأصول يتكلم عن طرق استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، فهو يعلمك القواعد التي تستخدم في استخراج الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي بطريقة نظرية، وهذا هو قلب علم الأصول.
- أما علم الفقه فهو الحقل العملي لتطبيق هذه القواعد النظرية التي نتعلمها من أصول الفقه،
ومثال هذا: الطب النظري والطب العملي، فأصول الفقه دراسة نظرية وعلم الفقه تطبيق عملي.
أما الأمر الذي ينفرد به علم الأصول، فهو الكلام على الفقيه والمجتهد وأدوات الاجتهاد ونحو ذلك.
وأما الأمر الذي ينفرد به علم الفقه، فهو أنه يتكلم عن أفعال المكلفين فعلا فعلا، بل إن موضوع علم الفقه الذي تدور حوله مسائله هو: أفعال المكلفين.


تعقيبات على كلام المؤلف في هذه الفقرة

قال المؤلف رحمه الله تعالى ص [8]: (علم الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المتعلقة بأفعال العباد)
قال أبو أسلم عفا الله عنه: الصحيح أن يقول: (علم الفقه: هو العلم بالأحكام ــ أو معرفة الأحكام ــ الشرعية الفرعية [العملية] المكتسب من أدلتها التفصيلية).
قلت: ملخص الكلام عن علم الفقه في هذه الفقرة أن الفقه ينحصر في ثلاثة أشياء العلم بالمسألة، والعلم بحكمها، والعلم بدليها، فلن تكون فقيها حتى تجمع بينها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: الفقيه هو المجتهد القادر على الافتاء بشروطه التي يأتي ذكرها في الباب التاسع والمقلد ليس فقيهاً.
قال أبو أسلم عفا الله عنه: لايكون الفقيه فقيها بالحفظ فقط، ولا بالفهم فقط، بل لابد من الجمع بينهما، وقد ذكر الشيخ ابنُ عثيمين أن رجلا كان يحفظ كتابَ الفروع وهو 12 مجلدا ومع ذلك لم يكن يفهم منه شيئا ولا يستطيع أن يستدل منه على شيء، فهذا ليس فقيها ولكنه مقلد.
ثالثا: الفرق بين علم أصول الفقه وعلم القواعد الفقهية.
من العوم التي تشتبه بعلم الأصول ولم يذكرها المؤلف رحمه الله (علم القواعد الفقهية)، بل لعل علم القواعد الفقهية أكثر العلوم اشتباها بعلم أصول الفقه؛ لذا فإنني أذكر أهم الفروق بينهما؛ ليتم ويكتمل عندك العنصر الثالث إن شاء الله تعالى
أهم الفروق بين القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية ([13] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn13))، هي كما يلي:
الفرق الأول في موضوعهما: أن موضوع علم أصول الفقه هو البحث في أدلة الفقه، أما موضوع علم القواعد الفقهية، فهو البحث في مسائل الفقه.
- مثال ذلك أن من قواعد علم الأصول: (القراءة الشاذة حجة في الأحكام)، فهذه قاعدة في الدليل الأول من أدلة الفقه (القرآن)، ومن القواعد الفقهية: (الشك بعد الفعل لا يؤثر عليه)، فهذه القاعدة يندرج تحتها كثير من مسائل الفقه([14] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn14))، ولا علاقة لها بالأدلة الفقهية
الفرق الثاني في شمولهما: أن قواعد علم أصول الفقه كلية تضم جميع جزئياتها، بخلاف علم القواعد الفقهية؛ فإنها ــ في الغالب ــ أغلبية قد يتخلف عنها بعض جزئياتها.
- مثال ذلك من قواعد علم الأصول قاعدة: الأمر المطلق يفيد الوجوب؛ فإنها تضم جميع جزئياتها، فكل أمر مطلق يفيد الوجوب، ولا يتخلف أمر مطلق عن الوجوب أبدا
- ومثال ذلك في القواعد الفقهية قاعدة: يحكم على الشيء بحكم أكثره وأغلبه؛ فإن كان أكثره حلالا، وأقله حراما فإنه يعامل معاملة الحلال الخالص، والعكس بالعكس؛ فإن كان أكثرُه حراما وأقله حلالا فإنه يعامل معاملة الحرام الخالص
- هذه القاعدة قاعدة أغلبية بمعنى أنه قد يتخلف عنها بعض جزئياتها فلا تندرج تحتها، وأضرب لك أمثلة توضح هذا:
- مثال تحقق هذه القاعدةِ يبين لك في تحريم إطلاق البصر؛ فإن أكثر النظر يكون بشهوة، وقليلا منه بلا شهوة، فحرم الله تعالى كل النظر ، وعومل الكلُّ معاملة الأغلب والأكثر.
- ومثال آخر لتحققها يتبين لك في جواز الفطر في رمضان للمسافر؛ لأن الغالب أن المسافر يلقى مشقة في سفره، فجوز الله الفطر لكل مسافر حتى وإن لم يجد مشقة في سفره، فعامل الكل معاملة الغالبِ والأكثر.
- أما مثال تخلفها في لبس ثوب الحرير بالنسبة للرجل؛ فإن كان الحرير في ثوب الرجل علما أكثر من أربع أصابع متصلة، فإنه يحرم لبسه ولو كان غير الحرير أكثر منه، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لم يرخص في الحرير إلا إذا علما أربع أصابع فما دون" رواه مسلم.
الفرق الثالث في الهدف والغرض منهما: أن علم أصول الفقه يعنى بطرق استنباط الحكم الشرعي، فـالغرض منه هو تيسير استنباط الحكم الحكم الشرعي من الدليل،
أما علم القواعد الفقهية، فإنه يعنى بمجموعة من الأحكام التي استنبطت لكنها ترجع إلى علة واحدة تجمعها، فـالغرض منها هو تسهيل المسائل الفقهية فقط.
الفرق الرابع في وجودهما: أن القواعد علم أصول الفقه قد وجدت قبل الفروع، بخلاف القواعد الفقهية فإنها وجدت بعد وجود الفروع.
- خلاصة هذا الكلام أن علم القواعد الفقهية في منطقة بين علم الفقه وعلم أصول الفقه؛ فهو فوق الفقه ودون أصول الفقه، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
العنصر الرابع: مصادر علم أصول الفقه وأدلته.
أولا: القاعدة الأصولية لابد لها من دليل.
1- استدل المؤلف في كتابه ص [10] لهذه المسألة الأصولية بقياس الأولى، وإيضاحه: أنه إذا كان الحكم الفرعي ــ مع أنه لايندرج تحته أي جزئيات أخرى ــ بحاجة إلى دليل لإثباته، فما بالنا بقاعدة شرعية يندرج تحتها كثير من جزئيات الشريعة، فمن أن تكون هذه القاعدة أكثر احتياجا للد ليل من الحكم الشرعي الفرعي.
قلت: صدق رحمه الله، ومن استقرأ كتب الأصول فلن يجد مسألة أصولية إلا وقد استدل الأصوليون لها بدليل.
2- قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بل إنه ينبغي أن لا تثبت القاعدة الأصولية بدليل فيه ضعف، كالحديث الحسن ونحوه)
قال أبو أسلم عفا الله عنه: في هذا الكلام نظر من وجوه:
الوجه الأول: قوله عن الحديث الحسن: (دليل فيه ضعف)، ليس صحيحا بإطلاق؛ فإن الحسن كما هو معلوم على ثلاث مراتب: الأولى: الصحيح لغيره، وهو الحديث الحسن إذا تعددت طرقه، الثانية: الحسن لذاته، وهو ما تحققت فيه شروط الصحيح لكن خف ضبط ناقله، الثالثة: الحسن لغيره، وهو الضعيف إذا تعددت طرقه، بحيث يحدث هذا التعدد في نفس المحدِّث غلبةَ ظنٍ بثبوت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المرتبة الأخيرة هي التي قد يقال فيها: دليل فيه ضعف.
الوجه الثاني: أن هذه المراتب الثلاث من قسم المقبول عند علماء الحديث، وهذا هو تخصصهم؛ فإن علم الحديث يناقش صحة النسبة لا صحة الاحتجاج، فإذا حكم المحدثون بصحةِ نسبةِ الحديثِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن للأصوليين ولا لغيرهم عدم الاحتجاج به.
الوجه الثالث: أن المؤلف هنا تأثر بالمتكلمين في عدم الاحتجاج بحديث الآحاد؛ لأن الحسن من قبيل الآحاد المقبول، لكنه لم يلتزم ذلك في كتابه، فاحتج على بعض المسائل الأصولية بأحاديث حسنة ([15] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn15))، فدل على اضطراب كلامه رحمه الله.
الوجه الرابع: أن الحديث الحسن يحدث في النفس غلبة ظن بثبوت نسبة الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت الشريعة بالعمل بغلبة الظن في باب العقائد والأحكام، والله أعلم بالصواب.
قال المؤلف في هامش ص: [10] تعقيبا على كلام الغزالي: (الأدلة على القواعد الأصولية يجب أن تكون قطعية ) فقال: ما نصه: (ولكن الحق أن ذلك غير لازم، لأنها مهما كانت أهميتها لا تخرج عن أن تكون عملية، والعملية خلاف الاعتقادية، ويكفي في العملية غلبة الظن).
قال أبو أسلم: قوله: (والعملية خلاف الاعتقادية، ويكفي في العملية غلبة الظن) يعني أن المسائل الاعتقادية لا يكفي فيها غلبة الظن، وهذا الكلام فيه نظر شديد؛ لأن الحديث الآحاد ــ وهو من باب غلبة الظن ــ حجة عند أهل السنة في العقائد والأحكام كما سيأتي في حجية خبر الآحاد في العقيدة ([16] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn16)).
ثانيا: أدلة القواعد الأصولية:
أ- ذكر المؤلف أربعة أدلة وضرب لها أمثلة، وهي
1- نصوص الكتاب، 2- ونصوص السنة، 3- اللغة العربية وعلومها، 4- العقل السليم الموافق للفطرة السوية.
ب- وذكر بعض أهل العلم من أدلة القواعد الأصولية:
5- الآثار المروية عن الصحابة والتابعين، ومثاله: قول عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري: (اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور برأيك)، فهذا من أدلة حجية القياس.
ج- ذكر الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه البيان المأمول ([17] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn17)): أن أهل العلم يستخرجون القواعد الأصولية من الكتاب والسنة بطريقتن:
الطريقة الأولى:معرفة القضايا الكلية.
- معناها: الوقوف على نصوص القرآن والسنة التي تشكل بذاتها قاعدة كلية يندرج تحتها كثير من جزئيات الشريعة.
- ومثالها: قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، فهذه الآية تمثل قاعدة كلية يندرج تحتها كثير جدا من فروع الشريعة مثل: عدم القدرة على الوضوء بالماء فينتقل إلى التيمم لهذه الآية، عدم القدرة على القيام في الصلاة فينتقل إلى القعود لهذه الآية، عدم القدرة على الحج فلا يجب عليه لهذه الآية؛ لذلك أخذ الأصوليون منها القاعدة الأصولية التي تقول: ( لاتكليف إلا بمقدور).
الطريقة الثانية: الاستقراء
- معناه: تتبع المسائل المتماثلة للوقوف على قاعدة كلية تجتمع تحتها كل هذه المسائل.
- مثاله: تتبع بعض الأصوليون الأوامر القرآنية بعد النهي، فوجدوا أن الأمر بعد النهي يفيد الإباحة، مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } [المائدة: 2]، وقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، فاستخرجوا من هذا قاعدة كلية تقول: (كل أمر بعد نهي فهو للإباحة)
ثم بذل أصولي آخر جهدا في تتبع الأوامر الشرعية بعد النهي، فوقع على قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 5]، وعلى قوله: صلى الله عليه وسلم: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها)، ولما كان قتال المشركين وزيارة القبور بعد النهي وليستا للإباحة تغيرت القاعدة وأصبحت: (كل أمر بعد النهي بعود إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي)
د- لا تظن أن الوصول إلى تدوين هذا العلم وتحرير قواعده كان عملا سهلا.
قد يظن ظان أو يتوهم متوهم أن (معرفة القضايا الكلية في الشرع ــ وتتبع المسائل المتماثلة) كان أمرا سهلا ميسورا، لكن الحقيقة أن هذا الأمر أخذ من العلماء الذين سبقونا جهدا جهيدا، وهاك مثلا يوضح هذا:
وأخرج البيهقي بسنده عن المزني أو الربيع قال: كنا يوما عند الشافعي إذ جاء شيخ عليه جبة صوف وعمامة صوف وإزار صوف وفي يده عكاز، فقام الشافعي وسوى عليه ثيابه واستوى جالسا وسلم الشيخ وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له، إذ قال له الشيخ: أسأل؟ فقال الشافعي: سل؟ قال: إيش الحجة في دين الله، قال: كتاب الله،
قال الشيخ: وماذا؟ قال الشافعي: وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم،
قال الشيخ: وماذا؟ قال الشافعي: اتفاق الأمة
قال الشيخ: من أين قلت: اتفاق الأمة؟! من كتاب الله؟!
قال الرواي: فتدبر الشافعي ساعة، فقال الشيخ للشافعي: قد أجلتك ثلاثة أيام ولياليها فإن جئت بحجة من كتاب الله في الاتفاق وإلا تب إلى الله، فتغير لون الشافعي،
ثم إنه ذهب فلم يخرج إلا بعد ثلاثة أيام ولياليهن،
قال الرواي: فخرج إلينا من اليوم الثالث وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام، فجلس فلم يكن بأسرع إذ جاء الشيخ وسلم وجلس فقال: حاجتي،
فقال الشافعي: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} لا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض
فقال: صدقت، وقام فذهب،
فلما ذهب الرجل قال الشافعي: قرأت القرآن كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقعت عليه" ([18] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn18)).
العنصر الخامس: موضوعات علم أصول الفقه وكيفية تصنيفها.
أولا: موضوعات علم الأصول.
- إذا أردت أن تتعرف على موضوعات أي علم فانظر إلى تعريف هذا العلم، فإن كان هذا التعريف جيدا فإنك ستجد كلَّ موضوعات هذا العلم فيه،
- وهذا ما صنعه المؤلف حيمنا أراد أن يبين موضوعات علم الأصول؛ فقال تحت عنوان (تصنيف مباحث علم الأصول) ص [11]:
(قدمنا أن علم الأصول هو مجموعة القواعد العامة التي تستخدم في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية)
قال أبو أسلم عفا الله عنه: بالنظر إلى هذا التعريف ستجد عند الوهلة الأولى أنه يحتوي على ثلاثة مباحث من مباحث علم الأصول، وهي على ترتيب التعريف:
1- (مجموعة القواعدالعامة التي تستخدم في استباط)، وهذا مايسمى بمبحث (طرق الاستنباط).
2- (الأحكام الشرعية الفرعية)، وهذا ما يسمى بمبحث (الأحكام الشرعية).
3- (من أدلتها التفصيلية)، وهذا المبحث من أصول الفقه يتكلم عن مصادر الأدلة التفصيلية التي تصلح لأن يستنبط منها الأحكام الشرعية، وهذا ما يسمى بمبحث (الأدلة الشرعية الإجمالية).
4- يبقى مبحث من مباحث علم الأصول لم ينص عليه التعريف، لكن أشار إليه في كلمة: (استنباط)؛ إذا عملية الاستنباط لا بد فيها من وجود (مستنبط)؛ فلهذا كان المبحث الرابع من مباحث هذا العلم يتكلم عن المستنبط والمستفيد من النصوص الشرعية، وهو إما مجتهد وإما مقلد؛ فكان المبحث الرابع يتكلم عن الاجتهاد والتقليد ([19] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn19)).
ثانيا: كيفية تصينف موضوعاته.
قال المؤلف رحمه الله ص[12]: (وليس من المناسب أن تسرد هذه المباحث سردا كيفما اتفق، بل المناسب لتسهيل تصورها ودراستها أن يكون إيرادها حسب ترتيب معين، وتختلف طرائق الأصوليين في ترتيبهم لها).
قال أبو أسلم عفا الله عنه: أشهر طرق الأصوليين في ترتيب مباحث علم الأصول طريقان،
- قبل بيان هذين الطريقين أضرب لك مثلا يوضح لك حكمة أو علة ترتيب مباحث هذا العلم على هذين الطريقين.
- هذا المثل في طريقة أخذ التمر من النخلة؛ فإن التمرَ هو الثمرةُ، والنخلةَ هي المثمِرُ، وصعودَ النخلة لأخذ التمر هو طريقةُ الاستثمار، والرجلَ الذي يصعد إلى النخلة ليأخذ التمرَ هو المستثمرُ.
- وبتنزيل هذا الَمثَلِ على مباحث علم الأصول ستجد أن الثمرة المطلوبة من تعلمه هي معرفة الأحكام الشرعية للمسائل العملية، وأن المثمر لهذه الثمرة هو الأدلة الشرعية إذ منها يؤخذ الحكم الشرعي، وأن طريقة الاستنباط تساوي من المثل طريقة الاستثمار، وأن المجتهد يساوي من المثل المستثمر، لأنه هو الذي يقوم باستخراج الحكم من الدليل كما أن المستثمر يقوم باستخراج التمر من النخلة.
- إذا تبين لك هذا فاعلم أن الطريقة الأولى في ترتيب مباحث علم الأصول ترتب مباحثه على حسب الأهمية:
أولا: الأحكام؛ ويبدأ بها لأهميتها إذ هي الثمرة التي من أجلها يدرس هذا العلم، ثم بـالأدلة؛ لأن أهم ما يعتنى به بعد الثمرة المثمر لهذه الثمرة، ثم طرق الاستنباط، ثم الاجتهاد والتقليد، وهما يخصان المستثمر أو المستنبط([20] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn20))، وهذه الطريق الأولى هي التي سار عليها مؤلف كتاب الواضح ــ رحمه الله ــ
وأما الطريقة الثانية، فإنها ترتب المباحث على حسب حدوث عملية الاستنباط، وعملية الاستنباط تحدث على هذا النحو: يذهب المستنبط إلى الأدلة، ثم يتعامل معها بـطرق الاستنباط، ثم يستخرج الحكم الشرعي؛ وبناء عليه يكون الترتيب على هذا النحو:
أولا: الأدلة الشرعية الإجمالية، ثم طرق الاستنباط، ثم الأحكام الشرعية، ثم يختمونها بأحوال المستنبط وهو مبحث الاجتهاد والتقليد، وممن سار على هذا النهج كتاب معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، وهو الكتاب الذي سندرسه في المرحلة الثانية من مراحل هذا العلم إن شاء الله تعالى.
العنصر السادس: نشأة علم أصول الفقه.
أتى المصنف بما يكفي في هذا العنصر، فانظر ص [14، 15] من كتاب الواضح، لكنني أُلخص هذه الفقرة في عنصرين حتى يسهل فهمها:
1- علم أصول الفقه كان موجودا في عهد الصحابة والتابعين، لكنه كان يتلقى بالسليقة كعلم النحو والتجويد قبل تقعيد قواعدهما
- ذكر المصنف دليلين على هذا العنصر:
الأول: قول ابن عمر لمن سمعه ينهى عن التمتع بالحج، ودلل به على أن ابن عمر استند في دفع القول بعدم جوازه إلى قاعدة أصولية هي: (الدليل من السنة مقدم على قول الصحابي).
الثاني: قول عمر بن الخطاب لأبي موسى، وفيه تصريح بالعمل بالقياس، وهي مسألة أصولية.
2- أول من صنف في هذا العلم الإمام الشافعي المتوفى سنة 204هـ.
قال الناظم:


أول من صنف فيه الشافعي رسالـــــة كثـــيرة المنافـــــــع
فكــل من صنف بعده تبــع فقصب السبق حواه فارتفع

- وهنا تنبيه مهم أن الشافعي يطلق عليه أنه مؤسس هذا العلم، وهذا الإطلاق صحيح من وجه غير صحيح من وجه.
فإن أريد بمؤسس هذا العلم أنه أول من جمع مسائله وحرر قواعده فالتسمية صحيحة، وإن أريد بمؤسس هذا العلم أنه مُنشئه ومخترعه فالتسمية خاطئة؛ لأن أساسيات هذا العلم، وغالب مباحثه نزلت بنزول الكتاب والسنة على النبي صلى الله عليه وسلم.
العنصر السابع: حكم تعلم أصول الفقه انظر ص [15، 16].
أولا: تعلم أصول الفقه واجب على الكفاية.
- ذكر المؤلف تحت هذا العنوان ما يكفي؛ فذكر ــ أولا ــ السبب في أنه واجب في فقرة، ثم ذكر السبب في كونه كفائيا وليس عينيا ــ في فقرة أخرى ــ ومعنى الواجب الكفائي أنه إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن بقية القادرين على تعلمه.([21] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn21))
- أما السبب في أنه واجب أنه لا يتأتى فهم نصوص الشرع؛ لأجل العمل بما فيها، واستنباط الأحكام منها إلا به، وفهم نصوص الشرع لهذا الغرض واجب، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.
- وأما السبب في أنه على الكفاية؛ فهو أن كل فرد من المسلمين ليس بحاجة إليه، بل يحتاج إليه أولو العلم، والفقه فإذا قام به من يكفي من هؤلاء فإن وجوب تعلمه يسقط عن بقية القادرين على تعلمه ويرتفع الإثم عنهم.
ثانيا: هل يقدم تعلم أصول الفقه على تعلم الفقه؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:-
القول الأول:- إن الذي ينبغي على الفقيه أن يتعلم الأصول قبل الفقه؛ لكي يدخل للفقه وهو قادر على فهم النصوص واستنباط الأحكام منها.
القول الثاني:- يقدم تعلم الفقه على تعلم أصول الفقه؛ واستدلوا بأن الأصولي لا يستطيع أن يفهم أو يتعلم غالب مباحث هذا العلم إلا بضرب الأمثلة، والأمثلة إنما تكون في علم الفقه.
قالوا: فالذي ينبغي عليه أن يأخذ شيئا من علم الفقه حتى يستطيع أن يسير به في علم الأصول .
- والصحيح أن الأمر فيه سعة، ولعل الأكمل ــ والله أعلم ــ أن نتعلم الفقه والأصول معًا.
العنصر الثامن: فوائد تعلم أصول الفقه.([22] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn22))
1- ضبط أصول الاستدلال، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أنه يبين لك ما يصلح أن يكون دليلا وما لايصلح أن يكون دليلا.
- ومثال ذلك استدلال بعض العلماء بالعادة الغالبة على أن أقل سنين الحيض تسع، وأكثره خمسون، والعادة الغالبة لاتصلح أن تكون دليلا في مثل هذه المسألة؛ لأنها ليست دليلا معتبرا.
الوجه الثاني: أنه يبين لك إذا تعارض دليلان معتبران أيهما تقدم.
- ومثال ذلك: أن قول الصحابي مع أنه دليل معتبر، إلا أنه إذا تعارض مع السنة النبوية فإن السنة تقدم عليه.
2- إيضاح الوجه الصحيح للاستدلال، فليس كلُّ دليلٍ صحيح يكون الاستدلال به صحيحًا.
- ومثال ذلك: بعض العلماء بقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } [النساء: 43] على أن مس المرأة ينقض الوضوء، وهذا استدلال خطأ؛ لأنه بالرجوع إلى قواعد علم الأصول ستعلم أن المراد بالملامسة في الآية الجماع([23] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn23)).
3- تيسيرُ عمليةِ الاجتهادِ وإعطاءُ الحوادثِ الجديدةِ ما يناسبها من الأحكام.
ومثال ذلك: المرور بالطائرة جوا من على الميقات؛ فإن هذا لم يكن موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه؛ فاحتاجت هذه المسألة إلى اجتهاد من العلماء؛ لأنها حادثةٌ مستجدة، وبالرجوع إلى القياس وهو قاعدة من قواعد أصول الفقه سنجد أن القياس كان سببا في تيسير الاجتهاد في هذه المسألة ([24] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn24)).
4- صيانة الفقه الإسلامي من الانفتاح المترتب على وضع مصادر جديدة للتشريع([25] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn25))، ومن الجمود المترتب على دعوى إغلاق باب الاجتهاد ([26] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn26)).
5- بيان ضوابط الفتوى، وشروط المفتي، وآدابه ([27] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn27)).
6- معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلاف بين العلماء، والتماس الأعذار لهم في ذلك.
7- الدعوة إلى اتباع الدليل حيثما كان، وترك التعصب والتقليد الأعمى.
8- حفظ العقيدة الإسلامية بحماية أصول الاستدلال والرد على شبه المنحرفين.
9- ضبط قواعد الحوار والمناظرة، وذلك بالرجوع إلى الأدلة الصحيحة المعتبرة.
10- الوقوف على سماحة الشريعة الإسلامية ويسرها، والاطلاع على محاسن هذا الدين ([28] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn28)).


انتهت المحاضرة الأولى والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


([1])متن مشهور معتمد يدرسه الشافعية والحنابلة للمبتدئين في علم أصلو الفقه، وله نظم للعمريطي قام بشرحه الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله .

([2]) لمعرفة الكتب التي تدرس في كل مرحلة انظر كتاب السبل المرضية لطلب العلوم الشرعية ص: (260)

([3])انظر ص: 7، 23 من كتاب الواضح.

([4]) انظر منظومة التحفة المرضية لشبخ محمد علي آدم الأثيوبي حفظه الله تعالى.

[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref5))) استفدت بعض هذه المميزات من شرح صوتي للشيخ عبد المنعم الشحات على هذا الكتاب.

([6]) انظر شرح لغة المحدث لشيخ طارق بن عوض الله بن محمد ص: 45

([7])طهارة من الشرك، وطهارة من أمراض القلوب، وطهارة من المعاصي الظاهرة، وطهارة في اصطلاح الفقهاء.

([8]) هذا هو الغالب، لكن أحيانا يكون المعنى الاصطلاحي أوسع من المعنى اللغوي كما في لفظ (الإيمان) في اصطلاح الشرع.

[9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref9))) سياتي شرح هذا التعريف إن شاء الله تعالى.

[10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref10))) مصادر الأدلة التفصيلية هي الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة المعتبرة عند أهل السنة، ومعنى الكلام عليها بإجمال أي الكلام مثلا على تعريف (الكتاب)، وعلى ما يحتج به من الكتاب وما لايحتج كالناسخ والمنسوخ مثلا وغير ذلك.

([11])انظر ص: 219 من كتاب الواضح.

[12] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref12))) هو الأستاذ محمد أديب صالح وكتابه (تفسير النصوص)قام بطبعه المكتب الإسلامي.

([13]) استفدت هذه الفروق من كتاب الجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح (ص: 12) وزدت عليها أمثلة وبعض الإيضاحات .

([14])انظر شرح منظومة أصول الفقه وقواعده ص: (154).

([15])انظر أدلة حجية القياس الدليل الأول ص: 240 من كتاب الواضح؛ فإنه ذكر حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال له: بم تحكم؟ وهذا حديث مختلف في صحته وضعفه على ثلاثة أقوال انظر المنحة الرضية (1/757- 759)، ومعالم أصول الفقه (ص: 191).

([16]) انظر ص: 111 من كتاب الواضح وراجع رسالة الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام للعلامة الألباني رحمه الله.

([17])انظر البيان المأمول ص: 4 ــ 6.

([18])استفدته من كتاب البيان المأمول في علم الأصول ص: 5.

[19] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref19)))للتعرف على المسائل الرئيسية في كل مبحث من هذه المباحث انظر كتاب الواضح ص 12، 13.

([20])انظر كتاب المستصفى للغزالي ص: 14، 15.

([21]) انظر ص: (16) من كتاب الواضح.

([22])معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (ص: 23).

([23])انظر الشرح الممتع (1/290، 291).

([24])انظر الشرح الممتع (7/59).

[25] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref25))) انظر كتاب الواضح ص: 18ــ 21

[26] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftnref26)))انظر كتاب الواضح ص: 255، 256

([27])انظر كتاب الواضح ص: 277ــ 279

([28])انظر شرح العقيدة الواسطية ص: 298 ط. ابن الجوزي.