المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (2) حسن الخلق مع الناس



أهــل الحـديث
18-06-2012, 12:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
إن حسن الخلق هو ثمرة من ثمرات طلب العلم الشرعي ومقصد من مقاصده فإن لم يؤثر طلب العلم في أخلاق طالبه فليتهم نفسه وليراجع حساباته فقد يكون أسس بنيانه على شفا جرف هار فينهار به إلى متاهات الجدال والمراء وقد يهوي به أبعد من ذلك نسأل الله السلامة والعافية

هذا هو الجزء الثاني من مقالة شيخنا أبي عبد الله النائلي عن حسن الخلق والتينشرها في جريدة الشرق القطرية أنقلها في هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة



(2) حسن الخلق مع الناس

أما حسن الخلق في معاملة المخلوق فقد عرفه السلف ( رحمهم الله ) بتعاريف متقاربة ، فمثلا:
يقول الحسن البصري– رحمه الله- :" بأنه كف الأذى وبذل الندى ، وطلاقة الوجه". الآداب الشرعية لابن مفلح ( 2/216)
وقال عبد الله بن المبارك –رحمه الله- : " حسن الخلق طلاقة الوجه ، وبذل المعروف ، وكف الأذى ، و أن تحتمل ما يكون من الناس ". جامع العلوم و الحكم لابن رجب (ص160)
كف الأذى : أن يكف الإنسان أذاه عن غيره سواء كان أذى حسيا يتعلق بالنفس و المال أو معنويا يتعلق بالسب والطعن في الأعراض .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذية المؤمن بأي نوع من أنواع الإيذاء ،في أعظم مجمع اجتمع فيه مع أمته ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : " إن دمائكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام ،كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا " . رواه البخاري ( 67) ومسلم (39) من حديث أبي بكرة ( رضي الله عنه)
بذل الندى : أي بذل الكرم و الجود ، و الكرم ليس محصورا كما يظن البعض في المال فقط ، بل يكون كذلك في بذل النفس و الجاه ،و العلم .
طلاقة الوجه : إشراقته حين مقابلة الخلق، لأن طلاقة الوجه تدخل السرور على قلوب الناس وتوجد المحبة و المودة ، قال صلى الله عليه وسلم :" لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ".رواه مسلم (144)من حديث أبي ذر (رضي الله عنه)
و من ثمار التبسم في وجه الغير أيضا تحصيل الأجور ،قال صلى الله عليه وسلم:" تبسمك في وجه أخيك صدقة ". رواه الترمذي (1956) من حديث أبي ذر (رضي الله عنه) وصححه العلامة الألباني –رحمه الله-
ومن أهم مكارم الأخلاق مع الخلق بر الوالدين لعظم حقهما ، فقد جعل الباري سبحانه حقهما بعد حقه سبحانه و حق نبيه صلى الله عليه وسلم لأن من حق الله طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم فيما أمر و الابتعاد عما نهى عنه وزجر ، فقال تعالى ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) [النساء :36]
لنتذكر معا أيها الأحبة تعب أمهاتنا و أنينهن أثناء الحمل ، وسهرهن على راحتنا خاصة إذا مرضنا ، ولهذا كانت الأم أحق بالصحبة حتى من الأب ، قال رجل للمصطفى صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : " أمك" قال : ثم من ؟ قال : "أمك" قال : ثم من ؟ قال : "أمك" ، ثم قال في الرابعة : "ثم أبوك " . رواه البخاري (5971) ومسلم ( 4628) من حديث أبي هريرة ( رضي الله عنه)
قال الإمام النووي – رحمه الله- :" قال العلماء: "وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه ، ثم إرضاعه ، ثم تربيته وخدمته وتمريضه". الشرح على مسلم (16/102)
ومع ذلك لا يعني أننا نهمل حق الآباء ، فقد كانوا -جزاهم الله عنا خير الجزاء -حريصين جدا على تربيتنا و السعي على توفير حاجياتنا.
ولكن للأسف نجد في هذه الأيام من إذا جلس عند والديه ساعة من الزمن يمل ويضجر كأنما جالس على جمر ! و إذا جلس عند أصحابه انبسط وانشرح، و الله المستعان .
فلنحسن لآبائنا و أمهاتنا كما أحسنوا إلينا ونعاملهم كما عاملونا ولتكن صدورنا منشرحة عند خدمتهما مع شدة الحرص على رضاهما ، و إن كنا و الله رغم ما نقدمه وما سنقدمه لهم بإذن الله ، لن نجازيهم على ما قدموه لنا وليكن دعائنا لهما دائما ( رب أرحمهما كما ربياني صغيرا ) [ الإسراء: 24]
ومن محاسن الأخلاق أن تصل من قطعك من الناس خاصة الأقارب ،ولا تقل من وصلني وصلته ، فإن هذا ليس بصلة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس الواصل بالمكافئ ، إنما الواصل من إذا قُطعت رحمه وصلها "البخاري (5991) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ( رضي الله عنهما )
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال يا رسول الله ! إن لي أقارب أصلهم ويقطعوني و أحسن إليهم ويسيئون إلي ، و أحلم عنهم ويجهلون علي ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن كنت كما قلت فكأنما تُسفُّهُم المَلَّ – كأنك تضع التراب الحار أو الرماد في أفواهم-، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ". رواه مسلم ( 2285)من حديث أبي هريرة ( رضي الله عنه )
حتى و إن كان من تريد وصله قد ظلمك ، فعليك أن تعفو عنه وتصلح ما بينك وبينه طمعا في عفو الله ومغفرته قال تعالى ( فمن عفا و أصلح فأجره على الله ) [ الشورى: 40] وتذكر أن عفوك في الحقيقة هو عز ورفعة و ليس خوفا وذلا مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ". رواه مسلم (4696) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-
ولهذا رتب ديننا الحنيف على حسن الخلق أجورا كبيرة فلنتأمل معا أيها الأحبة بعض ثمار هذا المنقبة العظيمة ، و الخصلة الطيبة :
- الفوز بمحبة الله : فقد سئل نبينا -صلى الله عليه وسلم- ، يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله ؟ قال : "أحسنهم خلقا ". من حديث أسامة بن شريك- رضي الله عنه- رواه الطبراني كما في مجمع الزوائد للهيثمي(8/24) ، و صححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (432)
و إذا أحب الله العبد حبب الناس فيه، قال صلى الله عليه وسلم :" إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي جبريل أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ثم يوضع القبول له في الأرض" . رواه البخاري (5693) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-
- ثقل الموازين:قال صلى الله عليه وسلم:"ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق"رواه أبو داود (4799) من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه-
- علو المكانة ورفعة الدرجة يوم القيامة : قال صلى الله عليه وسلم : " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ". رواه أبو داود(4800) من حديث أبي أمامة –رضي الله عنه-وحسنه العلامة الألباني.
و قال صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " رواه أبو داود (4798) من حديث عائشة – رضي الله عنها- وصححه العلامة الألباني .


قد تتساءل أيها القارئ الكريم بعد أن عرفت بعض الأجور العظيمة عن منشأ الأخلاق الفاضلة ؟
يجيبك الإمام ابن القيم –رحمه الله- عن هذا فيقول :
وأما الأخلاق الفاضلة ، كالصبر ، و الشجاعة ، و العدل ، و المروءة و العفة ، و الصيانة و الجود و الحلم، و العفو و الصفح و الاحتمال ، والإيثار ، و عزة النفس عن الدناءات ، و التواضع ، و القناعة و الصدق ، و الإخلاص و المكافأة على الإحسان بمثله أو أفضل ، و التغافل عن زلات الناس ، وترك الاشتغال بما لا يعنيه ، وسلامة القلب من تلك الأخلاق المذمومة ، ونحو ذلك ، فكلهما ناشئة عن الخشوع و علو الهمة ، و الله سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة ، ثم ينزل عليها الماء ،فتهتز وتربو، وتأخذ زينتها وبهجتها ،فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق . الفوائد ( ص210-211)
إن قلتم أيها الأحبة: هل يمكن أن يقع الخُلق كسبا أو هو أمر خارج عن الكسب أي جبلي ؟ فهذا ما سنجيبكم عنه بإذن الله في تتمة هذا المقال ، سائلين الله لنا ولكم العون و السداد .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله النايلي