المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حسن الخلق (1)



أهــل الحـديث
14-06-2012, 05:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعد
إن حسن الخلق من أحوج ما يحتاج إليه طالب العلم في نشر العلم الشرعي فكم من طلبة العلم نفروا من الحق بسبب سوء خلقهم وكم من أهل البدع اغتر بهم الناس بسبب حسن خلقهم

هذه مقالة لشيخنا أبي عبد الله النائلي حفظه الله نشرها في جريدة الشرق القطرية من سلسلة مقالات عن حسن الخلق أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة



بسم الله الرحمن الرحيم



حسن الخلق (1)

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن للأخلاق في ديننا مكانة خاصة ومنزلة رفيعة ، ولهذا حثنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- على التحلي بها وجمع بينها وبين التقوى ،فقال صلى الله عليه وسلم :" "أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله و حسن الخلق " . رواه الترمذي (2004) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- وحسنه العلامة الألباني –رحمه الله-
يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- معلقا على هذا الحديث:"جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه ، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه ، فتقوى الله توجب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته" . الفوائد ( ص84)
وانطلاقا من هذا الحث كان من أصول أهل السنة و الجماعة الدعوة إلى مكارم الأخلاق و التمسك بها ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) -بعد تقريره لمعتقد أهل السنة و الجماعة في العقيدة الواسطية- (ص41) : " ويأمرون بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء، و الرضا بمر القضاء ، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، ويعتقدون معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" . رواه أبو داود (4682) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه- وصححه العلامة الألباني –رحمه الله-
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله-:" ينبغي أن يكون هذا الحديث دائما نصب عين المؤمن ، لأن الإنسان إذا علم بأنه لن يكون كامل الإيمان إلا إذا حسن خلقه كان ذلك دافعا له على التخلق بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات وترك سفاسفها ورديئها" . مكارم الأخلاق للشيخ ابن عثيمين ( ص10)
إن كثيرا من الناس أيها الأحبة يظن أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون الخالق ،وهذا فهم قاصر! .
فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّق اللَّه حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الترمذي ( 1987) وحسنه العلامة الألباني –رحمه الله-
قال الحافظ ابن رجب–رحمه الله-: " فهذه الوصية وصية عظيمة جامعة لحقوق الله وحقوق عباده" .
وقال أيضا –رحمه الله- :"قوله صلى الله عليه وسلم:"وخالق الناس بخلق حسن"هذا من خصال التقوى، ولا تتم التقوى إلا به، وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه، فإن كثيرا من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده، فنصَّ له على الأمر بإحسان العشرة للناس، فإنه كان قد بعثه إلى اليمن معلِّما لهم ومفقِّها وقاضيا، ومن كان كذلك فإنه يحتاج إلى مخالقة الناس بخلق حسن ما لا يحتاج إليه غيره مما لا حاجة للناس به ولا يخالطهم، وكثيرا ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمال حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جدا لا يقوى عليه إلا الكُمَّل من الأنبياء والصديقين".جامع العلوم والحكم (1/ 398)


ولهذا يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- :
قال أحدهم : حسن الخلق قسمان :
أحدهما مع الله عز وجل :وهو أن تعلم أن كل ما يكون منك يوجب عذرا ، وكل ما يأتي من الله يوجب شكرا ، فلا تزال شاكرا له معتذرا إليه سائرا إليه بين مطالعة منته وشهود عيب نفسك و أعمالك .
و القسم الثاني : حسن الخلق مع الناس ، وجماعه أمران : بذل المعروف قولا وفعلا وكف الأذى قولا وفعلا " تهذيب السنن (7/161) .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- : "حسن الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور :
- تلقي أخبار الله بالتصديق.
- وتلقي أحكامه بالتنفيذ .
- وتلقي أقداره بالصبر و الرضا " . مكارم الأخلاق للشيخ ابن عثيمين ( ص16)
ولازم تصديق أخبار الله تصديق أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه مخبر عن ربه، فعلينا أيها الكرام أن لا يقع في أنفسنا شك أو تردد عند سماعنا خبر الله تعالى لأنه سبحانه أصدق القائلين كما قال تعالى عن نفسه ( ومن أصدق من الله حديثا ) [ النساء:87] ، ونحذر كل الحذر أن نَعرض هذه الأخبار على عقولنا وأهوائنا فإن وافقت قبلناها و إن خالفت رددناه !، فهذا ينافي هذا الأصل ، وليكن شعارنا دائما صدق الله تعالى فيما أخبر وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه .
وكذلك من حسن الخلق مع الله كما ذكر الشيخ (رحمه الله) تلقي أحكامه بالقبول والتطبيق، فرد شيء منها سوء خُلق معه سبحانه،سواء كان رد ها منكر حكمها، أو مستكبرا أو متهاونا عن العمل بها ، فإن ذلك كله مناف لحسن الخلق مع الله عز وجل، نسأل الله العفو و العافية .
فحسن الخلق مع الله مثلا في الأوامر بالنسبة للصلاة أن نؤديها وقلوبنا منشرحة مطمئنة،نفرح إذا كنا متلبسين بها، فمثلا إذا صلينا العشاء كنا في شوق للفجر وإذا صلينا الفجر كنا في شوق للظهر وهكذا في باقي الصلوات، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال –رضي الله عنه-:" يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها ".رواه أبو داود(4985) وصححه العلامة الألباني - رحمه الله-
فالصلاة هي راحة وطمأنينة، وقرة عين المؤمن وزاده اليومي الذي يتزود به للقاء الله تعالى،لا كما يقول البعض! أرحنا منها،لأنها ثقيلة عليهم، وشاقة على أنفسهم و العياذ بالله.
ومثلا في النواهي ، حرم الله سبحانه علينا الربا وحذرنا من مواقعته ، وتوعد من يتعامل به ولم يتب بحرب معه سبحانه،قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278)فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)[البقرة :278-279]
فالمؤمن يقبل هذا التحريم بانشراح ورضا وتسليم ، أما غير المؤمن فإما أنه لا يقبله ويضيق صدره به أو تجده يتحايل على الربا ويسميه بغير اسمه لأجل العمل به ، عفانا الله و إياكم من هذا الصنف .
وكذلك الصبر على أقدار الله و الرضا بها من حسن الخلق ، فعلينا أن نرضى بما قدره الله ، ونتيقن أن كل ما قدره الله علينا إنما هو لحكمة عظيمة و غاية محمودة يستحق عليها سبحانه الحمد و الشكر ، إذا كان منا ذلك رفع الله درجاتنا و حط عنا خطايانا بإذنه سبحانه ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الله تعالى يقول : " إني إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما ابتليته ، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا ، ويقول الرب عز وجل للحفظة : " أنا قيدت عبدي و ابتليته ، فأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيح " .رواه الإمام أحمد في المسند ( 4/123) من حديث شداد بن أوس –رضي الله عنه- وحسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ( 2009)
وبعد أن عرفتم كيف يكون حسن الخلق في معاملة الخالق ، قد تتساءلون أيها الأحبة كيف يكون حسن الخلق في معاملة الخلق ؟ فهذا ما سنجيبكم عنه في تتمة المقالة بعون الله.


وصلي اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله وصحبه وسلم




أبو عبد الله النايلي