المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة هلموا فلنتفكر (11)



أهــل الحـديث
12-06-2012, 04:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



سلسلة هلموا فلنتفكر(11)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
في الحلقة الماضية ذكرنا شيئا مما يقوم به حكام المسلمين لإفساد دين المسلمين وأخلاقهم.
بقي هنا أن نذكر أمراً أشرنا سابقاً أنه من المهام الرئيسة التي أَوكَل الصليبيون عملاءهم [الحكام] للقيام به في بلاد المسلمين وهو: وأد واستئصال أي دعوة إصلاحية جهادية.
عندما قام الصليبيون بإسقاط الدولة العثمانية وتقسيم دولة الإسلام إلى دويلات صغيرة ممزقة، لم يغب عن أذهانهم إمكانية قيام صحوة إسلامية تُعكّر مزاجهم، وتستهدف مصالحهم، وتدمر مشروعهم، لذلك كان من أهم المهام التي أوكلوها إلى عملائهم التصدي للدعوات الإصلاحية الجهادية.
ولقد قامت دعوات إصلاحية كثيرة في مختلف البلاد الإسلامية، وقد تصدى الحكام لتلك الدعوات ولكن بطرق شتى.
لما كان الحكام يدّعون الإسلام، لم يتخذوا سبيل المواجهة والحرب العلنية كطريقة أولية للتخلص من الدعوات الإصلاحية، إنما حاولوا في البداية امتصاص روح تلك الدعوات وكسبها إلى جانبهم وتسخيرها في مصالحهم.
عندما تقوم دعوة إصلاحية يقوم الحكام من خلال شياطينهم بدراسة تلك الدعوة وأهدافها ومقاصدها، فإن كانت دعوة بعيدة عن السياسة ولا تمس جانب الحكام ولا مصالح الأعداء، فإنهم في الظاهر يُبدون حبهم لها ويفتحون المجال لهم جزئياً ليكسبوا قادة تلك الدعوة إلى صفهم، ومن ثَمّ استغلالهم في تثبيت دعائم حكمهم.
كما يقومون بغرس عملائهم داخل تلك الجماعة للتجسس ولإثارة البلبلة، وإحداث الفرقة، وتحريف مسار الدعوة تدريجياً.
ومن الجهة الأخرى يقومون بتغذية الجماعات المخالفة وتقويتها حتى تنشغل الجماعات ببعضها وتصب كامل أو أكثر اهتمامها في الخلافات والردود والمناقشات، بينما ينشغل الحكام في إتمام مهمامهم وحراسة مصالح الأعداء.
قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}
قال ابن عباس رضي الله عنهما قوله : " أو يلبسكم شيعا " قال : الأهواء والاختلاف.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن هذه الآية:إنّ الأمة إذا قامت بالجهاد جمع الله شملها وجعل بأسها على عدوها، وإذا تركت الجهاد فرق الله شملها وجعل بأسها بينها.
ولقد صدق شيخ الإسلام رحمه الله فها نحن اليوم نرى واقع المسلمين وكثرة الفرق والأحزاب والتناحر والتنافر فيما بينها، وانشغالها بخلافات جزئية صرفتها عن الاهتمام بمسائل الأمة الكبرى.
هذه هي الطريقة التي يستخدمها الطغاة لتفريق كلمة المسلمين وتشتيت جهودهم.
كما قيل: فرّق تسُد.
وأما إذا قامت دعوة إصلاحية تتعرض لأمر السياسة فإن الطواغيت يدرسون منهج تلك الدعوة ومدى قوتها ومدى تماسكها، ثم يسعون في احتوائها، وذلك من خلال تحجيمها ومنع نشاطاتها.
فإن فشلوا في ذلك قاموا باستقطاب قادة تلك الدعوة وإعطائهم بعض المناصب الوهمية في الحكومة وتلبية بعض مطالبهم التي لا تمس بسياستهم ومصالح أوليائهم.
فإن فشلوا في ذلك قاموا باعتقال رموز تلك الدعوة، وأمروا علماءهم الرسميين بالطعن في تلك الدعوة ورموزها، وتكثيف الدعوة المضادة، وذلك بكثيف الدروس والخطب التي تأمر بالسمع والطاعة للطواغيت وحرمة الخروج عليهم، وتخويف الناس وتخديرهم.
فإن فشلوا في احتواء تلك الدعوة من خلال ما سبق فحينئذ يلجؤون إلى الحرب العلنية بالقتل والأسر والتشريد.
على الرغم من قيام كثير من الدعوات في بلادنا الإسلامية، فإن الناظر إلى بدايات تلك الجماعات ونهاياتها يجد أن أكثرها قد سقط في أول الطريق أو وسطه أو مد جسور الموادعة للحكام وانتظم في سلكهم.
إنّ كل دعوة صادقة تكون على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم لابد أن تبتلى وتمحّص، وبقدر ما تكون الدعوة على الحق بقدر ما يحصل لها من البلاء وعداوة الطواغيت.
إن الدعوات السلمية في ظل الحكومات الطاغوتية لا يمكن أن تكون على المنهج السوي الكامل، بل لابد أن يكون فيها من الخلل والتنازلات ما يجعل الطواغيت يرضون عنها ويفسحون المجال لها.
إن من سنن الله الكونية والشرعية دوام الصراع بين الحق والباطل وأنصار الله وأنصار الطاغوت، ولا يمكن العيش بسلام مع أعداء الله إلا بالدخول في دينهم أو السكوت عن الحق.
لقد اختار الله لأنبيائه أفضل الطرق وأقومها وأوضحها في الدعوة ونصرة الدين، وعندما تسلك الجماعات طرقاً أخرى غير طريق الأنبياء فإنها سوف تسير في طريق نهايته مجهولة وفشلها مضمون.
إن الجماعة التي تُبنى على عقيدة راسخة وتحافظ على ثوابت الدين ولا تداهن في الحق ولا تركن إلى الظالمين، هي الجماعة التي يكون لها النصر والعاقبة ولو بعد حين، ومن يتدبر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سوف يرى ذلك واضحاً.
والحل الوحيد لمثل الحال التي تمر بها الأمة هو: إما شريعة الله وإما شريعة الطاغوت، ولا يمكن اندماج حكم الله مع حكم الطاغوت، كما لا يمكن الوصول إلى صفاء التوحيد مع وجود نجاسة الشرك وحكم الطاغوت.
فالمفاصلة هي الحل الأمثل والوحيد، وبدون المفاصلة سوف ندور في حلقة مفرغة وننتهي من حيث بدأنا ولا نجني من الجهود الثمار المرجوة.
فمن أراد إعادة الخلافة على منهاج النبوة فليسر في إعادتها على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله أن يمكن لدينه وينصر أولياءه
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.