المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : {{ يومَ مات أبي ثمّ أيّامي بعدهُ ... عُنقودٌ من سيرةِ حياةٍ . }}



أهــل الحـديث
11-06-2012, 02:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



في المدينة كل البيوت متزاحمة على بعضها البعض ، تشعر عندما تنظر إليها كأنَّها بُنيت دفعة واحدة كتلاصق الطفل بأمِّه لا يريد أن يفارقها كذلك هي البيوت ، لا تريد أن تفترق عن بعضها البعض ، وفي وسط هذا الزحام من البيوت يقطنُ رامي ابن السبعة أعوام له أبٌ يحبُه جداً وأمٌ كذلك .
كان بيتُه يقعُ في وسطِ هذا الركام من البيوت ، رامي دائم الفرح والسرور والضحك منذ وُلِدَ ، كان عندما يرى طفلاً يبكي يسأل نفسه باستغراب وتعجب لماذا يبكي هذا الطفل !! أنا لم أبك في حياتي (كان يمشي متحدثاً لنفسه) .
كان أبو رامي يرجع من عمله حاملاً معه جميع أصناف الحلوى لطفله المحبوب وينتظر رامي عودة أبيه بشغف وحلوته التي معه ،أمّا أمُّه فقد كانت تقضي الساعات الطويلة في المطبخ تصارع جبالا من الأطباق والأكواب بين غسيلٍ وتنظيفٍ ، وبعد سنة ولدت أختٌ لرامي سمّاها الوالدين حنين ، وولدَ معها أيضاً الصراخ والبكاء المستمر فقد كان رامي لا يحب البكاء أبداً ، وفي يوم من الأيام بكت حنين كثيراً إلى حدِّ لا يطاق بالنسبة لرامي فتضايق رامي ومع قدوم أبيه سأله أبوه:
لماذا أنت متضايق؟
فحكى له القصة فقال لأمِّه :
ألبسيه جيداً سأريحهُ من هذا البكاء قالت أمه : إلى أين يا أبا رامي ستأخذه ؟.
قال لها : إلى عرس أبي مسعود جارنا سيتزوج مسعود الليلة.
قالت له : آه لقد نسيت لن أستطيع الذهاب معك بسبب بكاء حنين المستمر، أحس رامي بفرح كبير يغمر صدره ؛ لتعود البسمة مرة أخرى إلى مُحيى رامي .
قال لنفسه : سأنتهي من هذا الصراخ ( وتنفس الصعداء ) آآه .
قال أبو رامي في صوت متهدج : هيَّا يا ولد وإلا ذهبت وتركتك ، ركض رامي بجنون كاد أن يقع من شدة سرعته خوف أن يذهب أبوه ويتركه .
ووضع الأب يده في يد ابنه وذهبا، ولكن قبل خطوات قليلة من العرس سقط أبو رامي على الأرض لم ينتبه رامي على سقوط أبيه لأنه كان مستغرقاً في النظر إلى الشباب وهم سعداء التفت رامي يريد أن يسأل سؤالا أبي لماذا الشباب هؤلا_______ ( لم يكمل السؤال )
أبي أبي أبي ما بك لماذا وجهك هكذا ؟ .
ردَّ عليه : لا بأس سنرجع إلى البيت أشعرُ بأنَّ رأسي يُؤلمنِي وجميع أعضاء جسمي كذلك . هيَّا هيَّا إلى البيت ومع نطق الوالد كلمة البيت ارتسم في عقل رامي بكاء أخته حنين وقال: آه آه سنعودُ إلى البكاء .
رجع رامي وأبوه إلى البيت قالت أم رامي : لماذا عدتما؟ هل انتهى العرس؟ قطع رامي حديث أمه وقال بصوت مرتفع : أبي وقع على الأرض يا أمي .
قال أبو رامي : لا تهتمي ، صداع خفيف ويزول .
قالت له : لا لا وجهك لا يدل على ذلك سأتصل بصديقك الطبيب .
قلت لكِ : صداع ويزول .
قالت له : لا لا سأتصل الآن .
انقضت أم رامي على سماعة الهاتف وكادت أن تقتلعها من مكانها .
ألو الطبيب أنا أم رامي.
قال الطبيب : كيف حالك يا أم رامي كيف أبو رامي ؟.
قالت أم رامي : أبو رامي مريض تعال بسرعة ، وفي غضونِ دقائق معدودة يطرق الطبيب الباب تعال بسرعة قالت له أم رامي .
دخل الطبيب على أبي رامي ثمّ خرج .
كانت أمّ رامي تنتظر خروجه بفارغ الصبر قالت أم رامي : أخبرني عن حالته (كانت خائفة مرتعشة ) ورامي المسكين ينظر من بعيد همس الطبيب قائلا : لا أخفي عليك زوجك يعاني من مرض خبيث لا شفاء منه ، سقطت أم رامي مغمياً عليها ورامي ينظر ويقول لنفسه متعجباً : ماذا يجري ؟ أبي سقط وها هي أمي تسقط مثله ، الطفل لا يعلم ماذا يدور حوله ، وعادت الأمُّ إلى وعيها من جديد . وفي اليوم التالي وفي المساء بالتحديد جاء الناس ؛ ليطمئنوا على صحة أبي رامي فهذا أبو مسعود جاء يطمئن عليه ويعاتبه على عدم مجيئه إلى عرس ابنه، ويطرق الباب مرة ً أخرى ولكن في هذه المرة أبا عبد الله خال رامي ، تفضل يا أخي قالت أم رامي .
ويزداد طرق الباب ويزداد الزوار ، وأم رامي المسكينة متنقلةً بين المطبخ مُعدةً للشاي وبين الغرفة لتسليم الأكواب لأخيها حتى يقدّمها للزائرين ، ذاهبةً بالأكواب ممتلئة عائدة بها وهي فارغة ، هكذا كانت تلك الليلة .
وفي إحدى جولاتها المراثونية يسأل أبو عبد الله أين ابنك رامي ؟
قالت له: إنه خارج البيت يشتري فلافل من المطعم .
يرجع رامي من المطعم ومعه خمس حبات فلافل فرحاً ومع وضع قدمه الأولى في البيت شعر بشيء غريب يحوم في البيت ، سمع أصواتًا كثيرة في غرفة أبيه .
سأل رامي نفسه : في هذه الأيام كثرتِ الأسئلةُ ولا أحد يجيب ماذا يجري !؟؟ لا يهم سأكل فلافلي وأخلد إلى النوم .
أكل طعامه وذهب إلى غرفته فإذا بحنين نائمة همس لنفسه قائلا : الحمد لله حنين نائمة لا صراخ الليلة .
وضع رأسه على وسادته بعد مشقة طويلة، شعر بأن دقات قلبه تسرع كأنها تريد أن تخرج من صدره تماماً مثل تلك الفريسة تريد أن تهرب من وحش يلاحقها، ما سبب هذه الدقات لا يعرف.
لم يستطع رامي ليلتها النوم بسبب الأقدام التي تحوم حول غرفة أبيه ، كان أبو رامي في غرفته يحتضر، مات أبو رامي، وقبل أن يغمض رامي عنينه فُتح الباب ، يظهر خاله أبو عبد الله .
رامي: خالي خالي .
نظر رامي إلى عيني خاله وكانت الدموع تنهمر بسرعة من عينيه انتزعه من فراشه وحمله ، لم ينطق خاله بكلمة واحدة ، لكنه عرف أنه سيذهب إلى غرفة أبيه هكذا كانت خطوات خاله تدل .
صعد المسكين إلى غرفة أبيه على ذلك الدرج الذي شعر بظلمته بالرغم أنَّ الضوء مشع ، ومع هذا كان مظلمًا في عيني رامي، متى سينتهي هذا الدرج اللعين ، كان هنالك شيءٌ يريد أن يخنق رامي. دلفا قليلا إلى باب الغرفة ولكن قبل أن يدخل رامي غرفة أبيه .
قال له خاله : لا تبك .
قال رامي : أنا يا خالي لا أحبُّ البكاء أصلاً لأنِّي دائمُ الفرحِ والضحكِ ، ولكنَّ في هذه المرة شعر بأنَّه سيبكي إلى الأبد فتح خاله الباب كانت الغرفة ساكنة كما لو لم يوجد بها أحد ، نظر رامي إلى رجل ممد لم يعرف أنه أبوه بسبب هذا الزحام من الرجال المتناثر حول الغرفة اقترب واقترب فإذا بأبيه ممدٌ على السرير.
سأل رامي خاله : لماذا أبي نائم وأين أمي ولماذا جدتي هنا وكيف ومتى جاءت أسئلة وأسئلة قطع خاله حبل أسئلته قائلاً مات أبوك .
قال رامي في تعجب: مات وما معنى مات , شعر أن الأرض تدور من حوله كما لو يريد أن يسقط مثل أبيه وأمه .
كان البكاء يقتل الصمت في الغرفة ، حمله خاله وهمس في أذنه :
هيَّا قبِّل أباك سيذهب .
قال رامي مرتعشاً كأنَّ في جسده نملًا يسبحُ بين أعضائهِ، تَنَمُّلٌ جسديٌّ أصابه، إلى أين سيذهبون بأبي .
أجاب خاله : إلى القبر ، في حفرة ينزل فيها كل البشر .
ما زال التعجب مستمراً على وجه رامي: وما معنى القبر وأين يوجد ؟ طبعاً سأذهب معه أليس كذلك يا خالي؟
قال له خاله بنبرته الدينية وعلى وجهه يظهر احمرار ممزوج بغضب: اسكت وقبِّل أباك .
رسم رامي على خدِّ أبيه قبلته الأخيرة وشعر بالبكاء لأول مرة في حياتِه انهمرت دموعه على خدِّه مثل شلال غاضب وحزين يتدفق على أرض عطشى حنت إلى الماء منذ زمن ، غطى خاله وجه أبيه فلن يرى وجه أبيه مرةً أخرى ، ذهب الأبُ وحلوته التي كان يحضرها.
وكلُّما دخل المسجد ورأى رجلا ممدا تذكر مشهد وداعه الأخير لأبيه وقبلته التي رسمها على خدِّ أبيه .


أبو سُليمان الخليلي .

الأسماء الموجودة هي أسماء مستعارة ، فقد كنتُ أكتبُ بأسماء مستعارة وأبقيتها كما هي .
الأكثر منها من نسج الخيال ، والحقيقة هي من عند لما رجع رامي يحمل الفلافل ( الطعمية على لغة إخواننا المصريين ).