المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( 4) ليلة الإسراء والمعراج



أهــل الحـديث
09-06-2012, 03:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد

إن من أخبث الطرق في إغماس الجهال في ضلالات البدع والخرافات استغلال معجزات الأنبياء أو كرامات الأولياء مع ما يضاف عليها من كذب ودجل خاصة في ظل غياب العلم الشرعي ومذهب التثبت من الحديث الشريف . ومن هذه المعجزات معجزة الإسراء والمعراج للرسول صلى الله عليه وسلم فقد استغلها المبتدعة قاتلهم الله في تشريع أمور ما أنزل الله بها من سلطانفإلى الله المشتكى وعليه التكلان

هذا هو الجزء الرابع والأخير من سلسلة مقالات عن البدع نشرها شيخنا أبو عبد الله النائلي الجزائري حفظه الله في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة لأكثر عدد ممكن من الناس سائلا المولى عز وجل لي ولشيخي الإخلاص والتوفيق



بسم الله الرحمن الرحيم



( 4) ليلة الإسراء والمعراج

لسنا نتكلم أيها الأحبة في هذا المقام عن معجزة الإسراء و المعراج ، فلا شك ولا ريب أنها من آيات الله العظيمة الدالة على قدرته سبحانه ، وعلى عظم منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم عند الله عز وجل ،قال الله سبحانه وتعالى : ] سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ [الإسراء:1]
فمن عقيدة أهل السنة و الجماعة أن إسراء نبينا صلى الله عليه وسلم حقيقة وقد تواترت النصوص الصحيحة الصريحة بذلك و أنه كان يقظة على الصحيح ، ففي إسرائه صلى الله عليه وسلم ، فتحت له أبواب السموات حتى جاوز السماء السابعة ، وكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، بعد أن كان فرضها سبحانه أولا خمسين ، فلم يزل نبينا صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على نعمه .
قال الإمام الطحاوي -رحمه الله- في عقيدته المشهورة : " والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى ". (ص30)
وقال ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله -: ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى : ] سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى[ [الإسراء :1] ؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح ؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا ، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر ". شرح الطحاوية (1/245)
وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره (3/33) : " و أكثر العلماء على أنه أسري به صلى الله عليه وسلم ببدنه وروحه يقظة لا مناماً ".
وقال الشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله- : " ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس ، شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به الليلة وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليضه معنى ؛ لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاد لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به استبعاد لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " .معارج القبول (3/1067)
وينبغي أن نعلم أيها الأحبة أنه لم يأت في الأحاديث الصحيحة ولا عن سلف الأمة الصالح ( رضوان الله عليهم) ما يدل على تعيين هذه الليلة لا في شهر رجب ولا في غيره ،وكل ما جاء في تعينها كذب لا أساس له من الصحة كما نص على ذلك علماء السنة قديما وحديثا .
قال العلامة ابن دحية الكلبي –رحمه الله- :" وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ، وذلك عند أهل التعديل و التجريح عين الكذب " . أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب ( ص53) ، ونقل كلام ابن دحية – رحمه الله- الحافظ ابن حجر في كتابه تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب ( ص3) و أقره .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله- بعد أن نقل إقرار الحافظ ابن حجر في حاشية تحقيقه على كتاب ابن دحية – رحمه الله- :" بل الواجب تبيين هذا للناس بكل وسيلة ممكنة ، و في كل مناسبة و الله المستعان " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- : " لم يقم دليل معلوم لا على شهرها و لا على عشرها و لا على عينها ، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به " زاد المعاد لابن القيم ( 1/58)
وقال الشيخ ابن باز –رحمه الله- :" وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء و المعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها ، لا في رجب ولا في غيره ، وكل ما ورد تعينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها " . مجموع الفتاوى و مقالات متنوعة ( 1/183)
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :" فأما ليلة السابع و العشرين من رجب فإن الناس يدَّعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم فيها إلى الله عز وجل وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية ، وكل شيء لم يثبت فهو باطل " . مجموع فتاوى الشيخ (3/297)
ثم يقال لو ثبت تعيين هذه الليلة ، لا يشرع لأحد تخصيصها بشيء من العبادة ، لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم و لا عن الصحابة ولا عن التابعيين لهم بإحسان أنهم جعلوا لهذه الليلة ميزة عن غيرها من الليالي ، ولو ثبت ذلك لتكفل سلفنا الصالح بنقله إلينا.
ومن ذلك يعلم أن ما يفعله بعض أهل البدع و الجهلة من الناس من الاحتفال بهذه الليلة في سابع و عشرين من شهر رجب وما يحدث فيها من اجتماع في المساجد لقراءة القرآن و إلقاء الأشعار،وإيقاظ الشموع و المصابيح و الإسراف إلى غير ذلك من الأمور العظيمة التي ترتكب باسم الدين ، ودعوى أن تعظيم ذلك دليل محبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، كله من الأمور البدعية التي نسبها الجهال و أهل البدع إلى الشرع زورا وبهتانا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:"وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار ، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها ، والله سبحانه وتعالى أعلم".الفتاوى ( 25/298)
وقال ابن النحاس – رحمه الله- : "وكل ذلك [ومنه الاحتفال بالإسراء و المعراج] بدع عظيمة في الدين ، ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين ، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد، والتبذير و إضاعة المال ".تنبيه الغافلين(ص330)
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله- : "الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع، وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع ، وهو الذي وضح ما يحل وما يحرم ثم إن خلفاءه الراشدين و أئمة الهدى من الصحابة و التابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى".فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم( 3/103)
ومما يجدر بنا التنبيه عليه في هذا المقام أنه كما لا يجوز تخصيص هذه الليلة بأي عمل والاحتفال فيها كذلك لا يجوز حضورها للفرجة و التسلية و الاستطلاع إلا لمنكر يقوى على البيان ويغلب على ظنه سلامته من الفتن
وقد سئلت اللجنة الدائمة بإشراف الشيخ ابن باز ( رحمه الله ) عن حضور الاحتفالات البدعية ، كالاحتفال بليلة المولد النبوي ، وليلة المعراج و ليلة النصف من شعبان ، لمن يعتقد عدم مشروعيتها لبيان الحق في ذلك ؟
فكان الجواب :
أولا : الاحتفال بهذه الليالي لا يجوز ، بل هو من البدع المنكرة
ثانيا :غشيان هذه الاحتفالات وحضورها لإنكارها و بيان الحق فيها،وأنها بدعة لا يجوز فعلها :مشروع و لاسيما في حق من يقوى على البيان و يغلب على ظنه السلامة من الفتن .
أما حضورها للفرجة و التسلية و الاستطلاع فلا يجوز ، لكما فيه من مشاركة أهلها في منكرهم ،وتكثير سوادهم ، وترويج بدعتهم". فتاوى اللجنة الدائمة ( 3/26)
وفي الختام أيها الأحبة الكرام ، إن الواجب علينا هو ملازمة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتمسك بهديه وأن نحذر كل الحذر من كل البدع والضلالات بجميع أنواعها وكافَّةِ صورها، ونحذر غيرنا منها نصحا للإسلام و المسلمين ، فنسأل الله بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يثبتنا و إياكم على السنة و يمتنا عليها و أن يجنبا شرور البدع و أهلها فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله النايلي