المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة طفلتي أشجان/ بقلمي



حواء غرابيل
07-06-2012, 06:20 PM
بكلٍّ البراءة المتحيّرة المندهشةِ... كلمتني عيناها ....

أصغت نبضات قلبي إليها...... واستجابتها...

ولم يفهم أحدٌ غيري .. تلك الرسالة........!!

وليسأل كل من يقرأ رسالتي هذه والتي تسجلني لأجل ابنتي..كيف للعيون أن تنوب عن الفم فتكون هي فم المتحدث ..

والحديث للناظر ...؟!!

وكيف للكلام أن يسكن وللعيون أن تتكلم ؟! وأكون أنا وحدي من يفهم السرَّ ؟؟! ......

تعالوا معي .... في قصتي الموجعة... وشاركوا حسَّ الألم الذي أرتشفه كل يومٍ ... جرعاتٌ .. من .. الصبر!!.

ولا أقول سوى... اللهمَّ لك الحمد..!

بعد أن منَّ الله عليّ ورزقني بالبكر من أبنائي ولدٌ قُرّت به عيني ... مرّت سنواتٌ أربع .. كنت خلالها أتمنى أن

يهبني الله تعالى بنتاً تملأُ حياتي بالبهجة..وتشيع في البيت السرور فالبنت زهرة ٌ تجود بعطرها على كل من حولها

وتنشر رسالات الفرح والسعادة وتستميل قلب والديها وتستأثر بالنصيب الأكبر من الحب...!.. وهذا ماحصل!.

أذكر تلك الليلة الشتوية الجميلة .. وأنا أحضن مولودتي التي استقبلتها الدنيا بولادة سهلة أراحت عنائي ....

ونظرت الى وجهها الجميل كما لو أنني أملك نعيم الدنيا بين يدي... وضممتها الى صدري ورفعت بصري بحمد الله..

وسقطت من عيني دمعة شكر ... وأسميتها ....( أشجان!).

وتمر الأيام ... وتتلوها الشهور ... وتتفتح زهرة ( شوجي )على النصف بعد العام .. وهي لاتزال في بدايات نطقها..

مقتصرة على .. ماما ... وبابا .. وكلمات ٍ متعثرة ٍ ... أخرى وقلنا : لابأس ! فالأطفال يتفاوتون .. وأكد لنا الطبيب

الذي عرضناها عليه أنها لاتشكو من شيء. ... واطمأن .. قلبي ! ولكن كانت الايام بالمرصاد! ... فماذا حدث؟؟؟؟

في إحدى الليالي التي طبعت في ذاكرة حزني كانت ( شوجي ) تصرخ من الألم صراخاً متواصلاً فحملتها وإذا بها

ساخنة كمسِّ الجمار!!!...فأسرعت ووالدها بها الى الطبيب ... !!!

هزّ الطبيب رأسه متعجباً ونظر الينا قائلاً:

لمَ لمْ تحضروها على وجه السرعة ؟! لقد بلغت حرارتها حدّاً خطيراً...

/ لقد جئنا بها حالما شعرنا بذلك .. ارجوك ! طمئننا عليها ..

/ خيراً ... إن شاء الله سنبذل جهدنا..!

وبعد سلسلة من العلاجات انخفضت حرارتها على نحو طبيعي .. فعدنا بها نحملها الى البيت ونحن نتنفس الصعداء!!

ولكن الطفلة ضلت تعاني من الحمى ونحن نتبعها بالدواء المخفض .. مرة ً.. بعد مرة.. حتى ماعاد ينفعها الدواء ..

وسقط في أيدينا !! وامتد العلاج ... وتشفى (شوجي) وتمر دورة الحياة علينا وتستقر الأيام ونحتفل بعيد طفلتنا

الثالث وهي لم تزل على صمتها الذي لا يسفر إلا عن كلمات قلائل ...

قلت لنفسي : يجب أن تعرضيها على أحد الأخصائيين ولا تهملي حالتها..!

وتوجهت إلى مقصدي وأكدوا لي أن مراكز النطق لديها سليمة .... إذن من أين يأتي هذا العجز عن النطق ؟؟

وجاء الجواب .. وكان مفاجأة قاسيةً انقضت على رؤوسنا ..

( لقد تضررت مراكز المخ المسؤولة عن النطق بسبب الحمى التي عانتها وأصبح مستوى ذكاءها أقل من المتوسط !!!

ولن ينفع معها علاج .. ولن تستطيع أن تنطق أكثر مما تعلمته سابقاً .. كان الله في عونكم!!).

وانهرت من هول الصدمة ... وانهمرت دموعي ... وشهقت من أعماقي : رحماك يارب!!.

ولكني كأم محبة مؤمنة لم أيأس .. وأخذتها عندما بلغت السادسة الى مدرسة خاصة بهذه الحالات وبعد اختبار قدراتها

رفضوها ! ... وتوالت سلسلة الرفض وتوالت أحزان قلبي وعدت أحمل همومي في صدري وحيرتي وخوفي على

غاليتي من الأيام وما يحمله المستقبل من المجهول .. من سيرعاها من بعدي ... من سيهتم لأمرها ... من يفهمها ولا أحد

مثلي يفهم ماتترجمه عيناها ... من سيكمل معها مشوار حياتها ؟؟ أسئلة تقتات على راحتي .. وتورثني السهد لأشجاني.

هذه قصتي وبها وقفات تطرق حياتنا اليومية ....


الوقفة الاولى:أن عمر أشجان الآن ست سنوات وهي لا تملك من رصيد الكلمات إلا ثمانٍ.. تخرج غير واضحة المعالم ولكننا

نفهمها ...

الوقفة الثانية: عندما تعجز عن إيصال الرسالة تأخذ بأيدينا فنتبعها لتشير الى ماتريد.

الوقفة الثالثة : أن أشجان طفلة لاتزال تعيش في عالمها محاطة بالحنان مني ومن والدها واخوتها ولا تدرك حجم خسارتها.

الوقفة الرابعة: أنها تملك قلباً من ذهب تحس بي حين أعاني من أي أمر من منغصات الحياة وتبكي معي حين تلاحظ

دموعي التي أحاول إخفائها وتزيح كفي عن عيوني ... لتسكتني!!...

الوقفة الخامسة : شوجي طفلة متفتحة تمتد يدها للأغراب فتصافحهم .. وتأنس للأطفال وتلهو بملء قلبها الصغير ..

الوقفة الأخيرة هي لي .. أنا التي أضحك وأفرح للناس وبين الناس .. فإذا خلوت بكى قلبي .. وأخذني القلق بعيداً

حتى إذا أوشك اليأس أن يطبق علي أدركتني رحمة ربي ويشرع الرجاء لي بابه وابتسم وأنا أرنو الى البعيد..

ويهتف قلبي : إن المعجزات ... لاتزال

والثقة بقدرة الله ... باقية تزرع مخضر الأمل ..

وأن الله تعالى لن يتركني لحيرتي ...

وأن الله تعالى غالب على أمره...

وأن رحمته ستدركني من حيث لاأدري ...

وربما .. سأرى أشجان يوماً شابة يافعة ..

وعروساً جميلة ...

وأنعم بسماعها وهي تقول لي :( أمي .هل أدركت الآن؟......... أن الله معنا؟؟).

فلا تحزني !!!!!.....