تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النّــــزَاع بيْن المُسلمِيـــن خَطرُه و آثاره / نصرالدين بلقاسم الجزائري



أهــل الحـديث
07-06-2012, 03:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



النّــــزَاع بيْن المُسلمِيـــن
خَطرُه وَ آثارُه


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله .
(( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون))آل عمران/102
(( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) النساء/1
(( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا () يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)) الأحزاب/ 70_71
أما بعد فإنَّ أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
يتألم المرء المسلم حين يرى أو يسمع ما آل إليه أمر المسلمين من فرقة وخلاف وتنازع ، حتى لا تكاد ترى رجلين من المسلمين إلا وقد سرى بينهما الخلاف والنزاع بحجة أو أخرى ، وفي كثير من الأحيان تكون أسباب النزاع غير شرعية ، إما مادية صرفة ، أو دينية في الظاهر لكنها من تلبيس إبليس يغلب عليها طابع الهوى وضعف الوازع الديني .
وليعلم المسلمون أن الخلافات والنزاعات التي تحدث بينهم ليست إلا من قبيل كفر النعمة التي كان واجبا عليهم أن يشكروا الله بالحفاظ عليها والعمل على تنميتها وتقويتها ، وقد امتنَّ الله على الأنصار بأن جعلهم إخوانا متحابين مجتمعين بعد أن كانوا على شفا حفرة من النار بسبب النزاعات والخلافات التي كانت بينهم في زمن الجاهلية فقال تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (103)
يقول الطاهر ابن عاشور رحمه الله : والخطاب للمؤمنين وهم يومئذ المهاجرون والأنصار وأفراد قليلون من بعض القبائل القريبة ، وكان جميعهم قبل الإسلام في عداوة وحروب ، فالأوس والخزرج كانت بينهم حروب دامت مائة وعشرين سنة قبل الهجرة ، ومنها كان يوم بعاث ، والعرب كانوا في حروب وغارات بل وسائر الأمم الَّتي دعاها الإسلام كانوا في تفرّق وتخاذل فصار الّذين دخلوا في الإسلام إخواناً وأولياء بعضهم لبعض ، لا يصدّهم عن ذلك اختلاف أنساب ، ولا تباعد مواطن ، ولقد حاولت حكماؤهم وأولو الرأي منهم التأليف بينهم ، وإصلاح ذات بينهم ، بأفانين الدّعاية من خطابة وجاه وشعر فلم يصلوا إلى ما ابتغوا حتَّى ألَّف الله بين قلوبهم بالإسلام فصاروا بذلك التَّأليف بمنزلة الإخوان .
وقال أيضا : وقد امتنّ الله عليهم بتغيير أحوالهم من أشنع حالة إلى أحسنها : فحالة كانوا عليها هي حالة العداوة والتَّفاني والتقاتل ، وحالة أصبحوا عليها وهي حالة الأخُوّة ولا يدرِك الفرقَ بين الحالتين إلا من كانوا في السُّوأى فأصبحوا في الحُسنى ، والنَّاس إذا كانوا في حالة بُؤس وضنك واعتادوها صار الشقاء دأبهم ، وذلّت له نفوسهم فلم يشعروا بما هم فيه ، ولا يتفطّنوا لوخيم عواقبه ، حتَّى إذا هُيّىء لهم الصّلاح ، وأخذ يتطرّق إليهم استفاقوا من شقوتهم ، وعلموا سوء حالتهم ، ولأجل هذا المعنى جمعت لهم هذه الآية في الامتنان بين ذكر الحالتين وما بينهما فقالت : { إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً }اهـ. التحرير والتنوير من التفسير (3/176) مؤسسة التاريخ العربي بيروت /ط1
واعلم أخي المسلم أن الله تعالى قد حذر من الفرقة والنزاع ، وأخبر أنها سبب للفشل وذهاب الريح ، قال الله عز وجل: وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [الأنفال:45].
قال الطبري: يقول تعالى للمؤمنين: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ولا تخالفوهما في شيء، ولا تنازعوا فتفشلوا، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا وتذهب ريحكم . تفسير الطبري (10/15)
إن العقلاء في كل زمان ومكان يتفقون على أن الوحدة سبيل العزة والنصرة، وأن الفرقة والنزاع سبيل الضعف والوهن ، فهذا معن بن زائدة الذي وصفه الذهبي بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام وعين الأجواد يوصي أبناءه عند وفاته بقوله:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى ___ خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ___ وإذا افترقن تكسرت آحادا
فالتأريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها التفرق والاختلاف، سقطت الخلافة العباسية بعد أن تفرقت الدول الإسلامية في ذلك الوقت، فنشأت الدولة البويهية، والمماليك، ودويلات الشام، ولم يبق للخلافة العباسية إلا مزع متفرقة متناثرة من العالم الإسلامي، فلما زحف المغول إلى بغداد لم يقف في وجه زحفهم غير أهل بغداد فقط، فأعملوا فيهم القتل حتى قتلوا أكثر من ثمانمائة ألف نسمة، كما قال غير واحد من المؤرخين.
وسقطت الدولة الإسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلات متفرقة متناحرة، لا همّ لأحدهم سوى التلقب بألقاب الملك والسلطان حتى ولو كان على بقعة لا تجاوز حظيرة خراف.
مما يزهدني في أرض أندلس ___ أسمــاء معتضـد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها ____كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
ولم تسقط الدولة العثمانية إلا بعد أن تمزق جسدها إلى أشلاءَ متناثرة، وبعد أغرى الصليبيون الجدد بعض زعماء المسلمين بالانفصال عنها، وأحسنوا اتقان العمل بقاعدة: فرِّق تسُد، وهاهو العالم الإسلامي اليوم منقسم إلى دويلات متناحرة، تعيش على هامش التاريخ، وتتجرع ألوان الهوان.
صوت الشعوب من الزئير مجمعا فإذا تفرق كان بعض نباح
إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق، فالفرقة تجعل هلاك الأمة بيد أبنائها في سلاسل من الحروب في غير معركة، وانتصارات بغير عدو.
ألم تر أن جمع القوم يخشى ___ وأن حريم واحدهم مبـاح
التحذير من التشبه بمن قبلنا في تفرقهم ونزاعهم :
كما يجب أن يُعلم أن الله تعالى حذرنا من أن نكون كمن سبقنا من الملل السابقة حيث تفرقوا
واختلفوا فرقا وشيعا قال تعالى : {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } آل عِمْرَان / 105
يقول السعدي رحمه الله : نهاهم عن سلوك مسلك المتفرقين، الذين جاءهم الدين والبينات، الموجب لقيامهم به، واجتماعهم، فتفرقوا واختلفوا وصاروا شيعا، ولم يصدر ذلك عن جهل وضلال، وإنما صدر عن علم وقصد سيئ، وبغي من بعضهم على بعض، ولهذا قال : {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } اهـ. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص972)
ـ الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعا ليس النبي منهم في شيء:
وقد أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأنَّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ليس هو منهم في شيء ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } (159)
قال الشيخ السعدي رحمه الله : ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف في أهل الدين، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية.
وأمره أن يتبرأ ممن فرقوا دينهم فقال: { لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } أي لست منهم وليسوا منك، لأنهم خالفوك وعاندوك. { إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ } يردون إليه فيجازيهم بأعمالهم { ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ }.تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ( ص282) مؤسسة الرسالة /ط1
وليعلم كل مسلم أنه من تسبب في الفرقة والخلاف بين المسلمين بحجة أو أخرى أنه على خطر عظيم وينتظره وعيد شديد ، لأنه يعمل بخلاف ما يحث عليه الكتاب والسنة ، وإن زعم أنه على هدي السلف ، فمنهج السلف واضح وعليه نور ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ، فالحذر كل الحذر من تلبيسات إبليس واتباع الهوى .واذكِّر نفسي بمقولة بعض السلف : اللهم سلِّمنا وسلِّم المسلمين منا وبقول الله تعالى : (( ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ))



كتبه / أبو هاني نصرالدين بلقاسم