المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة هلموا فلنتفكر (7)



أهــل الحـديث
06-06-2012, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم
{قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا..}
مع تواتر الفتن وتكالب المحن وكثرة الشبهات وغلبة الحيرة، يبقى باب التفكّر والتأمل والتدبر في آيات الله وسننه الكونية وآياته الشرعية، وسيرة أنبيائه وهدي السلف الصالح، هو الحل الأول والأخير لمن أراد النجاة ورسوخ القدم، وصدق الإمام مالك رحمه الله حين قال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
والحرص على باب التفكّر والتدبر والحث عليه والإرشاد إليه إنما هو بسبب ما نراه في واقعنا من تبعية وانهزام وتسليم للعقول.
فيا طالب الحق أرعني سمعك لحظات نتفكّر فيها، وعلى بوابة التفكّر تجرّد للحق وتحلّى بالانصاف واترك الهوى والتقليد على عتبة الباب قبل الدخول.
لقد مرّ من [سلسلة هلموا فلنتفكّر] ست أو سبع حلقات أتمنى مشكورا أن تقرأها لأن هذه المواضيع مرتبطة ببعضها، وإنما قسمتها رغبة في الاختصار وعدم التثقيل على ذهن القارئ الكريم .
ولا زلنا منذ ثلاث حلقات نتكلم عن مسألة الحكام، لأهميتها ولأن واقع الأمة ومستقبلها يرتبط بفهم هذه المسألة وما يتوجب للأمة القيام به نحوها.
لقد بيّن العلماء أن الحكم بالقوانين الوضعية بدلاً عن شرع الله كفر أكبر مخرج من الملّة وبينوا الأدلة على ذلك وردوا على الشبهات، ولكننا نجد أن كثيرا من العلماء وطلبة العلم لا يزالون يُفتون الناس بإسلام الحكام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية، ويقولون:لا يكفر الحاكم بالقوانين الوضعية إلا في صور معينة ومنها:
- أن يستحلّ الحكم بغير ما أنزل الله.
- أن يعتقد أن حكم غير الله مساوِ لحكم الله.
- أن يعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله.
- أن يعتقد أن حكم غير الله أفضل من حكم الله.
- أن يتكبر عن الحكم بما أنزل الله.
- أن يُبغض حكم الله.
ونحن نوافقهم على أن هذه الصور من الكفر الأكبر، كذلك نرى أن استبدال شرع الله بالقوانين الوضعية كفر عملي أكبر.
وهنا سوف نتنزّل ونثبت بالقرائن أن الحكام قد وقعوا في جملة الصور المذكورة أعلاه.
ولأننا لم نسمع من الحكام شيئاً من الاعتذار أو ذكر سبب تنحيتهم لشرع الله وتحكيمهم للقوانين الوضعية فسوف نسأل من يدافع عنهم ويلتمس لهم الأعذار بعض الأسئلة.
ولكن قبل هذا أريد أنبه على بعض الأمور:
-أولاً: قد يحيط بالفعل من القرائن ما يدل على ما في القلب ولو لم ينطق الفاعل باعتقاده، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف بالقرائن واعتبروها في الأحكام الشرعية، وسأذكر اختصاراً ثلاث صور:
- تزوح رجل بامرأة أبيه وأعلن نكاحها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وأخذ ماله.[يعني حكم بردته لكونه مستحل، والقرينة اعلان النكاح].الحديث رواه أصحاب السنن وهو صحيح.
- عندما اعترف ماعز رضي الله عنه بالزنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه أن يستنكه فهمه هل يجد رائحة خمرِ أم لا.[والرائحة قرينة].الحديث في الصحيح.
- ما ثبت في صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه أنه أثبت الرجم للزانية بثلاث أمور: البينة، الحمل، الاعتراف.[والحمل قرينة].
- ثانيا: عندما ننظر إلى أفعال الحاكم ونحكم عليها لابدّ أن نفرّق بين الأفعال الشخصية التي يشترك فيها الحاكم والرعية، وبين أعمال الولاية التي يختص بها الحاكم وتسري على المجتمع، فلا تقاس أعمال الولاية على الاعمال الشخصية.
توضيح هذا: هناك أعمال يشترك فيها الحاكم وغيره فيصح قياس عمله على عمل غيره من حيث الجملة.
مثلاً قد يزني الحاكم أو يشرب الخمر شهوة وهوى، فحكمه كحكم من يزني ويشرب الخمر من الرعية، ولكن عندما يحكم بالقوانين الوضعية فهذا الفعل ليس شخصياً بل هو فعل يتعلق بالشعب كافة وضرره متعدِّ إلى الجميع، مع ما فيه من استغلال الولاية في تبديل حكم الله وإخراج الناس عن شريعة الله، فلا يصح أن يقاس هذا على الافعال الشخصية كالزنى وشرب الخمر.
- ثالثاً: قال عمر رضي الله عنه: إنّ أناساً كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم. رواه البخاري.
ونحن أيضاً لا نعلم الغيب وسنأخذ الحكام بالظاهر ونحكم عليهم بظاهر أعمالهم.
ولكن من يلتمس للحكام الاعذار في تحكيمهم للقوانين الوضعية، هم بين ثلاثة أمور:
- إما أن يدّعوا معرفتهم ببواطن الحكام واطلاعهم على قلوبهم.
- أو يأخذوهم بالظاهر.
- أو يُثبتوا لنا بالبينة أو القرائن ما يُصدق دعواهم.
فتعال معي ننظر إلى حالة الحكام:
- كل حاكم يدّعي أنه يريد لشعبه الأفضل، ويريد لهم السعادة والسلام، وإرساء العدل، والعيش في طمأنينة ورغد، إذاً هو يزعم أنه سوف يختار لشعبه الأفضل والأمثل.
قد يدّعي الحاكم أنه مسلم ويحب الإسلام، ويحب النبي صلى الله عليه وسلم.
- من شروط لا إله إلا الله:[ المحبة، القبول، الانقياد، الكفر بالطاغوت]
- وقد ذكر العلماء أن من أبغض شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كََفَر، وهو من النفاق الاكبر.
والآن سوف نربط بين هذه الأمور وبين أفعال الحاكم:
ـ أنتم تزعمون أن الحكام يعتقدون أن حكم الله أفضل الأحكام وأعدلها، ووجوب الحكم بها وحرمة الخروج عنها، ولا يدفعون حكم الله ولا يردونه، ولكنهم يحكمون بالقوانين الوضعية فقط للشهوة والهوى ونحو ذلك، حسنا فلننظر:
- إذا كان الحاكم يؤمن بأن حكم الله أفضل الأحكام، فلماذا يتركه ويحكم بغيره؟
[أليس هو يريد لشعبه الأفضل؟!فلماذا يحكم بغير حكم الله إن كان يعتقد أن حكم الله أفضل الاحكام؟]
[فالظاهر أن حكم غير الله أفضل عنده من حكم الله]
[إن أنكرتم فأثبتوا لنا خلاف هذا]
[لا يُمكن ولا يصح شرعاً ولا عقلاً أن يزعم أنه يعتقد أن حكم الله أفضل الأحكام وهو جاهز وصالح لكل زمان ومكان، ثم يتركه ويبحث عن أحكام أخرى ليحكم بها بدلا عن حكم الله]
- إذا كان الحاكم يعتقد بأن حكم الله هو العدل، فلماذا يحكم بغيره؟.
[أليس هو يريد إرساء العدل؟!]
[إذاً فحكم غير الله عنده أعدل من حكم الله، ولذلك ترك حكم الله ولجأ إلى غيره]
- إذا كان الحاكم موحداً فلماذا يترك حكم الله ويحكم بحكم الطاغوت؟
[أليس الكفر بالطاغوت شرط في التوحيد؟]
[فكيف لنا أن نثبت كفره بالطاغوت وهو يحكم بحكم الطاغوت؟]
- إذا كان الحاكم يريد الخير للشعب فلماذا يعدل عن حكم الله إلى حكم غيره؟
[أليس يدّعي أنه يريد الخير لشعبه؟!][أليس شرع الله خير للناس؟].
[فلماذا يترك ما هو خير للناس ويأتي بغيره؟]
- إذا كان الحاكم يحب النبي صلى الله عليه وسلم، فلماذا يترك حكمه ويحكم بغيره؟
[أليس النبي صلى الله عليه وسلم أنصح لأمته وأحرص على الخير لهم؟].
[فهل وجد في حكم الله وحكم رسوله قصوراً أو نقصاً حتى يأتي بحكم آخر؟]
- إذا كانوا يحبون شرع الله فلماذا يقتلون ويسجنون ويُضيقون على من يأمرهم بالحكم بشرع الله، بينما يُعظمون ويحترمون ويكرمون القوانين الوضعية وأهلها؟!
[هل هذا هو فعل من يحب شرع الله أم العكس؟].
سوف نحكم عليهم بظاهر فعلهم ونقول: الحكام يفضلون القوانين الوضعية على حكم الله، ويبغضون حكم الله ويحبون القوانين الوضعية، ويتكبرون عن تحكيم شرع الله، ويعادون أحكام الله ويوالون الطاغوت وأحكامه.
ومن ينكر علينا فعليه أن يثبت لنا ما يخالف هذا.
يا طالب الحق تأمل:
مَن يطالب بتحكيم شرع الله والعمل بكتاب الله يسمونهم خوارج ولا يلتمسون لهم العذر فضلاً عن الوقوف معهم، بينما مَن يحارب شرع الله ويحكم بما يخالف حكم الله يسمونهم ولاة أمر ويلتمسون لهم الأعذار!
فما هي حجتهم غداً بين يدي الله؟
قال تعالى: {ولا تُجادل عن الذين يَختانون أنفسهم إن الله لا يُحب من كان خوّاناً أثيما}
وقال تعالى: {ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أمّن يكون عليهم وكيلا}
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين