المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النقد البناء أصوله وضوابطه ـ الحلقة الأولى ـ



النذير
16-09-2005, 05:40 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

النقد البناء أصوله وضوابطه ـ الحلقة الأولى ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

معنى النقد :
جاء في مختار الصحاح:
نقد الدراهم و انتقدها أخرج منها الزيف.
ونقد أي وازن جيد.
و ناقده ناقشه في الأمر.

ومن هذا يتضح أن النقد في اللغة: يطلق على معنيين:
المعنى الأول: تمييز الجيد من الرديء من الدراهم والدنانير والنقود، فأنت تقول: نقدت الدراهم وانتقدتها إذا ميزت جيدها من رديئها، وأخرجت زيفها.
فهذا معنى للنقد: اختيار الجيد، وتمييز الزائف.
المعنى الثاني: العيب والتجريح، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "الناس إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك"، يعني إن عبتهم عابوك، وإن سكت عنهم عابوك -أيضًا- فلا سلامة منهم.

أقسام النقد :
وعليه فـأهل العلم قسموا النقد إلى قسمين على نحو ما ورد في اللغة.
فسموا أحدهما : النقد البنّاء :
وهو النقد الذي يقوّم به صاحبه الخطأ ، ويحاول إصلاحه . وهو معرفة الخطأ والصواب، ويعني: الثناء على الخير ومدحه، وذم الشر ونقده، سواء أكان هذا الخير أو الشر في شخص، أو كتاب، أو عمل، أو هيئة، أو دولة، أو جماعة، أو أمة، أو غير ذلك، وهذا هو المعروف لدى أهل العلم والإيمان أفرادًا وجماعات، خاصة لدى أهل القرون الأولى المفضلة، فإن الغالب على نقدهم أنهم كانوا ينتقدون لبيان المعروف والأمر به، وبيان المنكر والنهي عنه، وهذا هو المعروف من سيرتهم وأقوالهم رضي الله تعالى عنهم ، وهو واجب أو مستحب وهو الذي يحق الحق ، ويبطل الباطل ، ويهدف إلىالرشد .
وسموا الآخر : النقد الهادم أو الهدام :
الذي هو: الثلب، والعيب، والتجريح - فهذا هو الغالب على أهل هذا الزمان، الذين يعدّون النقد - كما أسلفنا - صورة من صور العداوة، والبغضاء، والتشهير، والتأليب على الشخص المنتقد، أو على الجهة المنتقدة ... فهم لا ينتقدون إنسانًا إلا إذا أبغضوه، وحاربوه، فهم ينتقدونه؛ لأنهم يسعون إلى إسقاطه، لا لأنهم يسعون إلى معرفة الحق من الباطل، بل همهم جمع المثالب، وحشد المعايب.
وهو محرم أو مكروه وهو ما يكون لدفع الحق أو تحقيق العناد

الأصل الشرعي للنقد:
ما هو الأصل في موضوع النقد من الناحية الشرعية؟
مما يدخل في باب النقد من الناحية الشرعية أمور:
.أولاً: النصيحة:
فإن النقد نوع من النصيحة، وقد قال الله عز وجل: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِه) [التوبة:91]، فذكر النصيحة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك النصيحة للمؤمنين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه مسلم عن أبي هريرة- في حق المسلم على المسلم: "وإذا استنصحك فانصح له" أخرجه مسلم (2162) ، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضًا: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا وذكر منها: أن تناصحوا من ولاه الله أمركم" أخرجه أحمد (8799)، ومالك (1863) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإسناده صحيح، والحديث المشهور عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة"، قلنا: "لمن؟" قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" أخرجه مسلم (55) ؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال -في الحديث الذي رواه أبو داود بسند حسن كما يقول الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام-: "المؤمن مرآة المؤمن" أبو داود (4882) ، فانظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم شبَّه المؤمن بالمرآة، إذا وقف أمامها الإنسان رأى صورته الحقيقية، بما فيها من حسنات وما فيها من عيوب، فإننا نعرف أن المرآة تعكس صورة الشخص بحسنها وقبحها، وذلك لأن الإنسان ربما لا يستطيع أن يعرف نفسه، ولا يرى نفسه جيدًا، إلا من خلال رؤيته لنفسه في عين أخيه المسلم الذي هو مرآة له.
إذن النصيحة تدخل في باب النقد.


ثانيًا: الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
كذلك مما يدخل في باب النقد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهو شعيرة عظيمة، ألّف فيها خلق من أهل العلم كتبًا لا تحصى كثرة، ونصوص هذا الباب أكثر من أن تذكر، وأشهر من أن تحصر، منها قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُـونَ بِاللهِ) [آل عمـران:110]، وذكر عن المؤمنيـن (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة:71] إلى غير ذلك.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يستثنون أحدًا من ذلك لا أميرًا ولا مأمورًا، ولا كبيرًا ولا صغيرًا، ولا يجاملون فيه أحدًا قط.
فقد انتقد عليّ رضي الله عنه عثمان أنه نهى عن نسك التمتع في الحج، ولما سمع أنه ينهى عنها، أهلَّ بهما بأعلى صوته: "لبيك بعمرة وحجة"، وقال: "ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد" أخرجه البخاري (1563) عن مروان بن الحكم، ولم يقل: أجامله، أو أستحي منه، لأنه لا يرى في هذا حطًّا من قدره، فضلاً أن في ذلك إحياء لسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك لما رأى ابن عباس معاوية يستلم أركان البيت كلها ويقول: "ليس شيء من البيت مهجورًا"، انتقده ابن عباس علانية - وذلك معاوية يطوف بالبيت، وعن يسـاره عبد الله بن عباس، فطفق معاوية يستلم أركان الكعبة كلها، فقال له ابن عباس: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم هذين الركنين"، فقال معاوية: "دعني منك يا ابن عباس، فإنه ليس منها شيء مهجور" فطفق ابن عباس لا يزيده، كلما وضع يده على شيء من الركنين قال له ذلك . أخرجه أحمد عن أبي الطفيل (2210) وأورده الهيثمي في المجمع (3/240) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح( قال شعيب في تعليقه على المسند ـ إسناده قوي على شرط مسلم ـ )، ولم ير معاوية أن في ذلك حطًّا من قدره، ولا بخسًا لمكانته، كما لم ير ابن عباس أن مكانة معاوية تمنع من أن يُؤمر بالمعروف، ويُنهى عن المنكر.
( وليس في هذا دعوة للإنكار علانية مطلقاً بل لا شك أن لذلك طرق وأوقات مناسبة )


.ثالثًا: محاسبة النفس:
وكذلك مما يدخل في باب النقد محاسبة النفس، فإن الإنسان قد ينتقد نفسه دون أن يحتاج إلى غيره، وكذلك الجماعة قد تنتقد نفسها؛ بل الدول قد تنتقد نفسها، وتجعل هناك مؤسسات وأجهزة مهمتها المراقبة، والمراجعة، والتصحيح، على سبيل الحقيقة؛ لا على سبيل التغطية أو التمويه .
قد نجد في كثير من الدول مؤسـسات للإشراف، أو المراقبة؛ لكن مهمة هذه المؤسسات تكون شكلية، وهذا لا ينبغي؛ بل على الدولة في الإسلام أن تقيم مؤسسات وأجهزة نزيهة حرة، تقوم بالمراجعة والتصحيح على الكبير والصغير، والأمير والمأمور، دون أن تجد في ذلك حرجًا؛ بل هذا هو عين الكمال، وعين القوة والصواب. فالفرد والجماعة والدولة والأمة كلها بحاجة إلى أن تحاسب وتراقب نفسها.
ولذلك قال عمر رضي الله عنه -كما في سنن الترمذي-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر، وإنما يخِفّ الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا" أخرجه الترمذي (2383)، وقد أورده معلقًا بصيغة التمريض، وأخرجه ابن أبي شــيبة بنحوه في المصنف (34459) بإسنادٍ فيه مجهول ، وجاء عند غيره: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/52) بإسناد حسن.
ومن ذلك خبر حنظلة بن الربيع قال: "لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا. قال أبو بكر: فوالله، إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات" أخرجه مسلم (2750) من حديث حنظلة بن الربيع الأُسَيِّدِي رضي الله عنه. والمعافسة: المداعبة والممارسة، والضيعات: المعايش من مال أو حرفة أو صناعة (انظر لسان العرب 6/144) .
والمقصود أن حنظلة انتقد نفسه وحاسبها حتى اتهم نفسه بالنفاق، وكذلك فعل أبو بكر .

ومن الأمور التي تعد من النقد وإن لم يحث عليها الشارع ولم يرغب فيها بل نهى عنها وحذر منها:


الغيبة :
وهي محرمة ولا شك في ذلك قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} سورة الحجرات الآية: 12.
وقال سبحانه: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} سورة الهمزة الآية: 1.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
”أتدرون ما الغيبة“؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: ”ذكرك أخاك بما يكره“ قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول: قال: ”إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته“مسلم 4/2000.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لّمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل: قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويعقون في أعراضهم“سنن أبي داود 4/269. ( وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 5213 ) .

والمقصود من إيراد الغيبة كصورة من صور النقد أن المغتاب يذكر من اغتابه بأمور هي فيه تكون محل نقد له كمن يغتاب فلان فيذكر عنه أنه أخطأ في أمر معين.
فهي بهذا تكون نقدا من النوع الهدام أو نقدا بطريقة غير مباشرة ، وكلا الأمرين مذموم.
وهذا ما نجده هذه الأيام والله المستعان من كثير ممن سلوا ألسنتهم وأقلامهم في القدح في فلان وعلان من حيث يشعر فيكون سوء أدب أو من حيث لا يشعر فتكون غيبة وقد يتعدى الأمر فيذكر من المثالب والمعائب ما لا يوجد في ذلك الشخص أصلاً فيصل إلى الأمر إلى البهتان والله المستعان .


الاستهزاء والسخرية :
وهو محرم شرعاً
والمقصود من إيراد الاستهزاء كصورة من صور النقد أنه عندما يسخر من شخص فإنه لا يسخر منه عادة إلا بأمر هو فيه سيئ وهذا ليس على إطلاقه لكن متى ما وقع ذلك وسخر منه فلينظر إلى ذلك الأمر وليستفد وليغيره أو يتركه إن كان سيئً .




إلى هنا انتهت الحلقة الأولى
وتتبعها الحلقة الثانية وأولها ( أهمية النقد )

ولقد آثارت عدم ذكر مراجع البحث والعزو وسوف اسرد إن شاء الله في ختام الحلقات مراجع البحث وأود التنبيه إلى أني إنما جمعت هذه المقالات ورتبتها وخرجت أحاديثها التي لم تخرج ونقلت الحكم عليها والله أعلم بالصواب


آمل أن لا تبخل أخي بتعليق أو فائدة ولا تحتقر شيئاً




أخوكم الصغير
راجي عفو ربه الكبير
النذير

سمووره
16-09-2005, 02:12 PM
النذير

موضوع مهم ومفيد كفييت ووفييت وننتظر الحلقه الثانيه

بارك الله فيك وجزاك الله عنا كل خير

النذير
19-09-2005, 09:11 PM
أختنا سمووره



جزاك الله خير



أخوكم الصغير
راجي عفو ربه الكبير
النذير

مــوادع
21-09-2005, 11:38 PM
اخوي النذير بوركت وبورك ما طرحت

نحن بحاجة لفهم معنى النقد دون التجريح الى الاخرين

ودون الاقلال من حقهم في التفكير

وهذا يحتاج الى علم وعقل

اشكرك على ما طرحت وفي انتظار الجزء الثاني

اخوكم/اخــــــلاق

النذير
23-09-2005, 08:19 AM
أخي أخلاق
















جزاك الله خير



أخوكم الصغير
راجي عفو ربه الكبير
النذير

ســـامي
27-09-2005, 02:50 AM
النذير

جزاك الله خيراً على ما طرحت هنا ..

كثيرا منا لا يبالي به ..

دمت بود

اخوكـ/sam 2