تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إعلالُ ابنِ طاهر المقدسي لحديثٍ في مسلم والردُّ عليه



أهــل الحـديث
04-06-2012, 01:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين، وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
.... وبعد ،،،

فقد رَوَى ابنُ طاهر المقدسي في كتابه "مسألة التسمية" (باب السُنَّة في قراءة القارئ لها في غير الصلاة، ص66) بإسنادِه حديثَ المختارِ بن فُلفُل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ بين أظهرنا في المسجد، إذ أغفَى إغفاءةً. ثم رفع رأسه متبسماً، فقال له: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ((نَزَلَت عليَّ آنفاً سورةٌ)) فقرأ: {بِسْمِ اللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}. ثم قال: ((هل تدرون ما الكوثر؟)) وذَكَرَ الحديث. وقد أَوْرَدَه ابنُ طاهر مِن طريق علي بن مُسهر، عن المختار. ثم قال: ((أخرجه مسلمٌ في صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حُجر، كلاهما عن علي بن مسهر كذلك. فقد احتجَّ بهذا الحديثِ مَن جَهَرَ بها في الصلاة وجَعَلَه عُمدتَه، لإخراجٍ مسلمٍ له ... فنقول: إن سفيان بن سعيد الثوري وعبد الواحد روياه عن المختار، فلم يذكرا {بِسْمِ اللهِ} وهما أَجَلُّ وأَحْفَظُ مِن علي بن مسهر وأَتْقَنُ)). اهـ ثم ساق كلتا الروايتَين - رواية الثوري ورواية عبد الواحد بن زياد - ثم قال: ((فَحَكَمْنَا بروايتهما على روايته، وبَطُلَ بذلك زيادتُه)). اهـ

قلتُ: ووَجْهُ الإعلالِ كما يراه ابنُ طاهر هو أن علي بن مسهر روى الحديثَ عن المختار بن فلفل، فزاد في أول السورة {بِسْمِ اللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ}. وخالفه سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد، فرويا الحديث دون ذِكْر البسملة في أول السورة. وهذا ما حدا به أن يَحْكُم بالصواب لروايتهما على رواية ابن مسهر، واعتبر زيادتَه البسملةَ باطلةً.

طُرُق الحديث
وفي سبيل الردِّ على كلامه، نسوق أولاً تخريجَ هذا الحديثِ وطُرُقَه فنقول: هذا حديثٌ يرويه المختار بن فُلفُل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه عنه:
1- علي بن مسهر (ابن أبي شيبة 31655، ومسلم 400، وبقي بن مخلد في الحوض والكوثر 35، والنسائي في الكبرى 979، وأبو يعلى 3951، وأبو عوانة في مستخرجه 1655 وغيرهم) بإثبات البسملة.
2- ومحمد بن فضيل (أحمد 11996، وهناد في الزهد 133، ومسلم 400، وأبو داود 784، وبقي بن مخلد في الحوض والكوثر 34، وأبو يعلى 3953، والسرَّاج 2547 وغيرهم) بإثبات البسملة.
3- وسفيان الثوري (البزار 7497، وأبو عوانة في مستخرجه 1654، وابن أبي داود في البعث 40) دون ذِكْر البسملة.
4- وعبد الرحيم بن سليمان (السرَّاج 2546) بإثبات البسملة.
5- وعبد الواحد بن زياد (ابن بشران في أماليه 220) بإثبات البسملة (وابن طاهر في التسمية ص67) دون ذِكر التسمية.
6- وزائدة بن قدامة (البزار 7496) دون ذِكْر البسملة.
7- والقاسم بن مالك (أبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث 36، وابن جميع في معجم الشيوخ ص207) بإثبات البسملة.
قلتُ: فتبيَّن أن التسمية قد وقعت في جلِّ روايات هذا الحديث، إلا ما وَرَدَ عن الثوري وعبد الواحد وزائدة.

فأما رواية زائدة بن قدامة: فلا أراها تثبت لجهالة شيخِ البزار، فقد قال في روايته: ((حدثنا ابنُ أبي البختري، وأظن اسمه محمد)). اهـ ولم أَجِدْه حدَّث عنه إلا في موضعين هذا أحدهما، والآخر قال فيه (2859): ((حدثنا محمد بن أبي البختري)). اهـ ولم أقف له على ترجمة.

وأما رواية سفيان الثوري: فلها طريقان. إحداها أخرجها البزار عن شيخٍ له اسمُه صفوان بن المغلِّس، عن بكر بن خداش، عن الثوري. وصفوان هذا لم أقف له على ترجمة. والأخرى أخرجها أبو عوانة وابن أبي داود كلاهما عن علي بن حرب، عن يحيى بن اليمان، عن الثوري. وقد رواها ابن طاهر مِن طريق ابن أبي داود. ويحيى بن اليمان هذا صدوق يخطئ كثيراً. وليس يُعرف هذا الحديث عن أحدٍ مِن أصحاب الثوري.

وأما رواية عبد الواحد بن زياد: فقد أخرجها ابنُ طاهر مِن طريق الزعفراني عن عفان بن مسلم عنه، دون ذِكر البسملة. وأخرجها ابن بشران في أماليه مِن طريق إسحاق بن راهويه عن المغيرة بن سلمة عنه، بإثبات البسملة. فوقع اختلافٌ بين الطريقين، ورواتهما ثقات.

الردُّ على ابن طاهر في إبطال رواية علي بن مسهر
قلتُ: وقد صحَّ إثبات البسملة مِن طريق علي بن مسهر ومحمد بن فضيل وعبد الرحيم بن سليمان والقاسم بن مالك ورواية لعبد الواحد بن زياد، وهذا هو الأشبه بالصواب وعليه الاعتماد. فبان بذلك أن علي بن مسهر لم يتفرَّد بإثبات البسملة في الحديث كما قال ابن طاهر، وإنما تابعه عليه آخرون. وقد أخرج الإمام مسلم متابعة محمد بن فضيل لعلي بن مسهر بعد حديثه مباشرةً، ولكن عُذْر ابن طاهر أن مسلماً لم يَسُق متنَ رواية ابن فضيل. فلو أن ابن طاهر وقف على تلك المتابعات، لما قال عن روايتي الثوري وعبد الواحد: ((فَحَكَمْنَا بروايتهما على روايته، وبَطُلَ بذلك زيادتُه)). اهـ فإنَّ العكس هو الصحيح: إذ رواية سفيان الثوري فيها مقال، ورواية عبد الواحد اختُلف فيها. فكيف يُحْكَم لروايتين هذا حالُهما على الروايات الأخرى الصحيحة؟

هذا والله أعلى وأعلم