المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطلاق بين الرحمة وسوء الاستغلال



سيد سليم
13-09-2005, 02:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، اللهم صل وسلم وبالرك عليه وعلى ىله وصحبه اجمعين ... وبعد
أثارت أخت لنا مشرفة على أحد المنتديات الاجتماعية موضوع الطلاق كمشكلة اجتماعية وأبدت حيرتها مما يترتب عليه الأمر وعرضت الموضوع للنقاش والمشاركة وهذا نص عرضها للموضوع :
" تساءلت كثيراً وأنا أقرأ بعض المشكلات الزوجية ..
أو حينما أسمع عن القصص الزوجية .. أو أشاهد بعض الصور أمامي ..

متى يكون :
الطلاق أبغض الحلال

أسرع من يتخذ قرار الطلاق هو الرجل ..
قد يكون بتعقل وبعد تفكير ..
أو بتسرع ..
وهنا يقع الطلاق بنسبة أكبر ..
ونلاحظ أن على المرأة الصبر ثم الصبر ثم الصبر ..
لاعتبارات عديدة ..
كونها مؤسسة وبانية هذه الأسرة ..
كون المجتمع لا يرحم المطلقة ..
وغيرها من الأسباب ...
هنا ..
من وجهة نظركم .. متى يلزم الزوجة طلب الطلاق ولا يتحتم لها الانتظار ؟؟؟؟
تحيتي "

انتهى عرض أختنا الفاضلة وتوالت الردود والتعليقات من أحبابنا الأفاضل التي جعلتني أعجب بالموضوع ككل وذلك لما يمثله الطلاق من أثر في حياة الأسرة والمجتمع

وكنت قد وعدت في تعليقي على الموضوع أن أكتب مقالاً مستقلا ـ إن أرادت اختنا ذلك ـ وكان ردها مطالبتي بكتابة المقال فأقول وبالله التوفيق :
ذكر الله ـ عز وجل ـ صورة جميلة للحياة الزوجية وعناصر سعادتها فقال سبحانه وتعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " (21ـ الروم) فهي إذن من نفس الإنسان ومكملة له فعندما خلق الله الإنسان الأول أبا البشر سيدنا آدم ـ عليه السلام ـ خلق منه زوجه أم البشر حواء ـ رضي الله تعالى عنها ـ " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدةٍ وخلق منها زوجها واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " (1 ـ النساء ).
ولأجل استمرار الحياة الزوجية جميلة وسعيدة ذكر الله في آية سورة الروم أربعة أركان تبنى عليها تلك الحياة الزوجية السعيدة الآمنة

هي:

1ـ الشعور بأن كلا الزوجين مكمل للآخر ( من أنفسكم ) 2ـ السكينة 3- المودة 4- الرحمة
وبقدر تكامل وثبات تلك الأركان الأربعة تقوى وتمتد الحياة الزوجية فإذا اختل منها ركن اختل بقدره ما يقابله في العشرة . فإذا انهدمت الأركان الأربعة انهارت الحياة الزوجية فالبيت يحتاج إلى أعمدة ، وأعمدة البناء الزوجي السعيد هي الشعور بالتكامل والسكينة والمودة والرحمة
فما أجمل تكاتف وتساند هذه الأركان واتصالها في عش زوجي سعيد !.
فإذا ما حدث خلل أو إخلال بهذه الأركان المتكاملة للبناء الأسري السعيد كان لابد من اللجوء إلى العلاج ـ حتى وإن كان مراً ـ مادامت فيه منفعة بل أن من العلاج ما يكون بتراً
وإذا كان الطلاق هو توقف للعلاقة الزوجية مؤقتاً كالطلاق الرجعي أو قطع للصلة نهائيا كالبينونة الكبرى ؛ فإن معنى ذلك أن الله قد أعطى مساحات للتروي والتريث والتعقل والندم وقد تم ذلك في حالات كثيرة قبل الذهاب إلى هذا الحلال البغيض .

كراهته :

تخت هذا العنوان من كتابه ( فقه السنة ) وفي المجلد الثاني منه يقول الشيخ سيد سابق ـ رحمه الله ـ : " إن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها الإسلام .
وعقد الزواج إنما يعقد للدوام والتأبيد إلى أن تنتهي الحياة ؛ ليتسنى للزوجين أن يجعلا من البيت مهداً يأويان إليه ، وينعمان في ظلاله الوارفة ؛ وليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة .
ومن اجل هذا كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقها .
وليس أدل على قدسيتها من أن الله سبحانه سمى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ ، فقال : { وأخذن منكم ميثاقاً غليظا } ( 21 : النساء ) .
وإذا كانت العلاقة بين الزوجين هكذا موثقةً مؤكدةً ؛ فإنه لا ينبغي الإخلال بها ، ولا التهوين من شأنها .
وكل أمر من شانه أن يوهن من هذه الصلة ، ويضعف من شأنها ؛ فهو بغيض إلى الإسلام ؛ لفوات المنافع وذهاب مصالح كل من الزوجين .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق " ( رواه أبو داود والحاكم وصححه ) وفي رواية لأبي داود : " ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق " .وأي إنسان أراد أن يفسد ما بين الزوجين من علاقة ، فهو في نظر الإسلام خارج عنه ، وليس له شرف الانتساب إليه .
يقول الرسول ت صلى الله عليه وسلم ـ : " ليس منا من خبَّب امرأة على زوجها " ـ خبب : أفسد ـ ( رواه أبو داود والنسائي ) .
وقد يحدث أن بعض النسوة يحاول أن يستأثر بالزوج ويحل محل زوجته ؛ والإسلام ينهى عن ذلك أشد النهي . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح ؛ فإنما لها ما قُدِّر لها " .
والزوجة التي تطلب الطلاق من غير سبب ولا مقتض ، حرام عليها رائحة الجنة ز فعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأسٍ ؛ فحرام عليها رائحة الجنة " ( رواه أصحاب السنن وحسَّنه الترمذي )

حكمه :

اختلفت آراء الفقهاء في حكم الطلاق ، والأصح من هذه الآراء ، رأي الذين ذهبوا غفلى حظره إلا لحاجة ، وهم الأحناف والحنابلة . واستدلوا بقول الرسول _ صلى الله عليه وسلم ـ : " لعن الله كل ذواقٍ ، مطلاق " ولأن في الطلاق كفراً بنعمة الله ، فإن الزواج نعمة من نعمه ، وكفران النعمة حرام . فلا يحل إلا لضرورة " اهـ .

الطلاق مسئولية جماعية :

ومن حكمة الله ورحمته بخلقه أن أعطى قبل الطلاق فرصاً لتلافي الخلاف بين الزوجين ورأب الصدع الذي يهدد بنيان الأسرة عن طريق الحكمين : حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة ليراجعا الزوجين في إزالة الخلافات والصلح بينهما فإن لم يستطيعا ذلك كان الطلاق علاجا وحلا بل وفضا للنزاع وفي هذا التحاكم ما يعطي المجتمع وخاصة الأهل فرصة للإصلاح ولتكون المسئولية بذلك مسئوليةً جماعيةً ليست قاصرةً على الزوجين فحسب يقول الله تعالى : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً حكيما } ( 35 : النساء ).

تعدد الطلقات وبقاء المرأة في بيتها من فرص استمرار الحياة الزوجية : ـ

لقد جعل الله الطلاق الشرعي وهو ما يطلق عليه الفقهاء ( الطلاق السني ) يتم على مراحل زمنية تعطي مساحات أكبر للتفكير في عدم الانفصال الكلي والرجوع إلى عش الزوجية خاصة إذا كان هناك ما يربط الزوجين برابط قوي يخشى كلاهما على ضياعه أو التأثير بالسلب في مستقبله ( الأطفال ) فهناك الطلقة الأولى الرجعية التي يحق للرجل فيها أن يعيد إليه زوجه قبل انقضاء عدتها دون تدخل من أحد ، فإن طلقها بعد ذلك ثانية أو إن تركها بعد الطلقة الأولى دون مراجعة حتى انقضت عدتها تكون الزوجة بذلك قد بانت بينونة صغرى لا يحق له مراجعتها إلا برضاها وبعقد ومهر جديدين قال الله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروفً أو تسريح إحسان } (229 : البقرة ) فإذا طلقها الثالثة فقد ذهب بذلك إلى التسريح وحرمت عليه نهائياً ؛ لأنه بهذا استنفذ ما له من طلقتين فيهما مراجعة وذهب إلى التسريح الذي لا رجعة بعده ـ اللهم إلا إذا تزوجت بغيره زواجاً شرعيا صحيحا ثم حدث انفصال ـ فبذلك يمكن أن يعود الزوجان بزواج جديد .

بقاء المرأة في بيت الزوجية :

وبقاء المرأة في بيت الزوجية من وسائل استمرار الحياة الزوجية فقد يتذكر الزوجين أحد أو كلاهما ما كان بينهما من صلة ومودة ورحمة ومن أيام سعيدة قضياها في حياهما الزوجية أو يخافان على ما بينهما من أطفالٍ من الممكن أن يتعرضوا لمصاعب فراق أحد الأبوين فيفكران جديا في العودة باتفاقات وشروط بينهما تمنع تكرار ما حدث فيعودان أكثر تلاحما وأوثق صلةً بعد أن ذاقا آلام فترة الفراق وقسوة الوحدة والمعيشة الانفرادية وقد حدث ذلك كثيراً يقول الله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروفٍ أو فارقوهن بمعروفٍ وأشهدوا ذوي عدلً منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا } ( 1 : 3 ـ الطلاق )

قد يكون الطلاق رحمةً :

قد يطرأ على الزوجين ما يعكر صفو حياتهما ـ وهذا وارد بين البشر جميعاً ـ وقد يحدث ذلك بسبب اختلاف في الميول والرغبات ، أو اختلاف في الطباع ، أو في السلوك ، أو في العقل والتفكير ، أو في الاهتمامات ، أو الدرجات العلمية ، أو المنصب والجاه ، أو الحسب والنسب بالإضافة إلى أسباب أخرى عديدة كالملل والكراهية والنفور الطبعي والمزاجي بسبب البعد عن تعاليم الدين ومبادئه في حسن الاختيار قبل الزواج ، فإذا لم يستطع الزوجان الموائمة بينهما وتلافي أسباب الاختلاف لاستمرار حياتهما الزوجية ؛ اتسعت الهوة ما بين الزوجين وكان اللجوء إلى أبغض الحلال نوعاً من أنواع الرحمة لتلافي ما قد يحدث من مصائب وكوارث للزوجين والأطفال والأهل .
ومن الواضح مما سبق أن الأصل هو بقاء الحياة الزوجية واستقرار حال الأسرة على الأسس الواردة في الآية السابق ذكرها (21 من سورة الروم ) والتي هي أعمدة يقوم عليها بناء البيت الزوجي السعيد وهي : 1ـ الشعور المتبادل بأن كلا الزوجين مكمل للآخر وجزء منه { خلق لكم من أنفسكم } ، 2 ـ توفر عنصر السكينة والهدوء والاستقرار العائلي { لتسكنوا إليها } ، 3 ـ وجود عنصر المودة والحب المتبادل بين الزوجين { وجعل بينكم مودةً } ، 4ـ الرحمة والتراحم بين الزوجين { ورحمة } وكل اختلال في عمود من تلك الأعمدة يحدث اختلال بقدره في الحياة الزوجية ، ويكون الرم بمحاولة الصلح فإذا فشل ذلك وانهارت الأعمدة جميعاً ؛ انهارت بالتبعية الحياة الزوجية وتحولت إلى جحيم لا يطاق وهنا يصير الانفصال ضرورة من باب الرحمة بالزوجين والأطفال والأهل وذك من باب ارتكاب أخف الأضرار .

والإسلام لا يرضى أن يعيش بيت تأكل أهله نار العداوة والبغضاء بل جل ند ذلك في الطلاق سعة ورحمة وصدق الله العظيم إذ يقول : { وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيما } ( 130 : النساء ) فعلى الجميع أن يساهم في استقرار الأسر في المجتمعات الإسلامية بحسن الاختيار منذ البداية وسرعة إنهاء الخلافات ووأد أسبابها قبل استفحالها والالتزام بالأصل الشرعي : " لا ضرر ولا ضرار " ورحم الله سيدنا الإمام الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ عندما أجاب من استشاره فيمن يزوجه ابنته فقال : " زوجها من ذي دِينٍ فإن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها " وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فجر الأفق
13-09-2005, 11:20 AM
الله يعطيك العافية أستاذنا

وجزاك الله خيراً في الدنيا و الآخرة

السُّلمي
13-09-2005, 11:23 AM
الدكتور سيد سليم اسعد الله وقتك بكل خير ومسرة

كم انا فخور بتواجدك بيننا فكلماتك مهما قرأتها أعيد قرأتها المرة تلو الاخرى حباً لها .

فالطلاق شرع لحفظ مكانه الشخص وكرامته فعندما تتخثر قلوب الزوجين على بعض وعدم التحمل على العيش سوياً
كان هناك حلاً للعيش بعيداً عما يورق العين ويحطم القلب ولكن ولابد أن يكون بإحسان كما أمرنا به ديننا الحنيف.
مع المحافظه على الابناء وعدم إحساسهم بفقد حنان الاب أو الام .


جزيت كل خيراً وكساك الله ثوب العافيه وأنعم عليك الصحه

ولك فائق التحايا والاحترام

محبك في الله .. السُّلمي

سيد سليم
13-09-2005, 07:44 PM
أختي الغالية : فجر الأفق
بارك الله فيك وشاكر لك هذا المرو الطيب لا حرمنا الله منك
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

سيد سليم
13-09-2005, 07:46 PM
أخي الحبيب : السلمي
بارك الله فيك وشاكر لك هذا المرو الطيب لا حرمنا الله منك وزادك الله من فضله وجعلنا الله من المتحابين في جلاله ومع مزيد من التواصل بفضل الله تعالى وجميل جدا ما أضفت
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أمل عبدالعزيز
14-09-2005, 12:45 AM
,
,
,
الأستاذ الكبير صاحب الفكر الراقي سيد سليم

كلام راائع للغاية ووجهة نظر واعية وشاملة لكل الجوانب التى يُمكِن أن تناقش من قبل مسألة قضية الطلاق...

وقد أحببت التنويه لأمر هنا ألا وهو مقولة: أبغض الحلال عند الله الطلاق...

عدَّ العلماء هذه المقولة بمثابة إلزاق في الدين ماليس منه إذ أنها لم تكُن حديث ولاحتى توافق الشرع في الأصل..

فكُلُ ماشرع الله للعباد هو خير ولا يوجد فيه ماهو بغيض مطلقاً

فالطلاق يعتبر نعمة في حال إذا ماكانت الحياة الزوجية واستمرارها يعتبر كارثة ودمار للأفراد المعنين بهذا الإتصال..

لهذا أحببت التنويه لهذه النقطة

وكل التقدير لك ودام قلمك بخير..

سيد سليم
18-09-2005, 03:43 PM
أختي الغالية : امل عبد العزيز
بارك الله فيك وشاكر لك هذا المرور الطيب
ـ زادك الله حرصا على ديننا وزادنا جميعا معك ولكن يا أختي الغالية الحديث صحيح كما ذكره الشيخ سيد سابق " فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق " ( رواه أبو داود والحاكم وصححه )
وكما ذكر نظيره العلامة المحدث أحمد محمد شاكر هكذا :وفي رواية لأبي داود : " ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق "
ويكون من معناه المحتمل إنه الحلال القريب من الكراهة الذي لا يجب التشجيع عليه او الدعوة إليه وهذا واضح من النصوص الواردة
ومعلوم بالطبع انه ليس كل حلال محبوبا
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم