المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : {{ مِنْ دَفاتِرِ الذّكرَياتِ لا سَقَى اللهُ تِلْكَ الأيّامَ . ولا درَّ درُّها }}



أهــل الحـديث
01-06-2012, 12:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




{{ مِنْ دَفاتِرِ الذّكرَياتِ لا سقى الله تلكَ الأيّامَِ. ولا درَّ درُّها }}
بعدَ جهدِ يومٍ كامِلٍ فِي إكمالِ تَلْخيصِ مَسائلِ الأصولِ ، وقراءةٍ في السير – رحم الله جميع أهل السير – وقراءةٍ فاحصةٍ في كتابِ السنّة للمروزي محمد بن نصر - عليه رحمات الله تترى - شعرتُ أنّ نفسي ملّت وكلّت وحُقّ لها ذلك ؛ فقد أتعبتُها مُنْذُ شُهورٍ ولا فُسْحةَ لها ، فإنّ الروحَ تتعبُ كما الجسد ، بل هي من تحمله ، فإنّ الروحَ إذا فرحت نشطَ الجسد وإن كان في قمّة الإرهاق ، لا يعرفُ كُنهها إلا من برأها من العدم ، سبحانه سبحانه ما أعظمَه ، ولا بدّ لها من راحةٍ وهذا حقّها على من يحملها بين جوانبه ، فقررتُ أن أروّحها ، استلقيتُ على ظهري عازمًا النيّة أن لا قراءةَ اليوم ولا سماع ، فإذ بعيني تقعُ على أحدِ الرفوف العالية من المكتبة ، كنتُ أضعُ عليه بعضَ الأوراق في ( صندوق ) وأغلقُ عليه ، وفيه أيضًا دفاتر الذكريات التي كنتُ أخطُّ عليها أحاسيسي ومشاعري ، وما ينتابُ هذه الروحُ من هَواجسَ مذ كنتُ في التاسعة ( 9 ) من العمُر ، كان ذلكَ الطفلُ يحبُّ الانعزالَ عن النّاسِ ، ويبقى وحيدًا ، فقد كانَ يجلسُ في آخر درجٍ في الصف ، يظنُّ أساتيذهُ أنّ سببَ جلوسه في آخر معقد هو طولُهُ الذي يفوقُ أولادَ صفّه فلا يستطيعونَ الرؤيةَ إذا جلسَ في الأمام ، ولكن هو في قرارةِ نفسهِ أحبّ الوحدةَ ، وأحبّ الابتعادَ عن فتيانِ صفّه الذين كان أكبرُ همّهم التفكّيرُ في موعد إعلانِ جرس الفسحة حتى ينطلقوا مسرعينَ إلى (( مَقْصفِ )) المَدْرسةِ متدافعينَ خوفًا من انتهاء الطعامِ .
ينطلقُ الصبيانُ إلى بيوتهم عائدينَ بعد يومٍ شاقٍّ من أيّام المدرسة ، وينطلقُ ذلكَ الصبيّ إلى دفتره يسجّلُ عليه أحداثَ يومه قبل أن تفلتَ من رأسهِ ذاهبةً بلا عودةٍ فيحاولُ أن يقيّدها بشبكةِ قلمه ، يدخلُ بيتهُ يسلّمُ على مَن فيهِ ، لم يذكر أنّ أمَّهُ الأميَّة التي لا تفرّق الألف من الباء سألته مرّة عن دراسته ، ولم يعد بعد هذه السنين الخوالي أن يرسمَ صورةً لأبيهِ في ذهنه في تلك الأيّام ، لم يكن في ذهنهِ إلا دفتره الذي يعيشُ معه أينما ذهبَ ، ويبقى يفكّر الساعات تلو الساعات في مكانِ يخبّئهُ فيه ، في مكانٍ لا يستطيعُ أي أحدٍ أن يصلَ إليهِ ، كان إخوانه وأخواته لأب تجاوزوا ( 9 ) فقد ماتت امرأةُ أبي ؛ ليتزوجَ بعدها أمّي وتأتي هذه المسكينةُ إلى بيتِ فيه 10 أشخاصٍ ، فانظر- رحمكَ الله – إلى حجم المعاناة التي وقعت فيها ، من خدمةٍ وتنظيفٍ ومسحٍ وغسيلٍ لكل هؤلاء العدد – أطالَ الله بقاءها ورزقها الله الجنّةَ جزاء صبرها - ولم أرها في حياتي إلا صابرةً ، أو باكيةً وحدَها ، أخرجها جدّي من المدرسة لتخدمَ إخوتها ولتساعد أمّها هي وخالتي كان حبّ التعلّمِ شعورًا ألمحهُ في أعينهما ، تتمنيانِ لو تستطيع إحداهما أن تكتبَ اسمها على الأقل – وهذا فصلٌ قد سجلته ويأتيكم بيانه لاحقًا –
نكملُ الآن -
ثمّ تنجبُ أمّي بعد سنوات ( 6 ) أولاد من ذكور وإناث على التساوي ، وكنتُ أكبرَهم ، ويا ليتني لم أكن يومًا كبيرَهم ، ليصبحَ في البيت 12 نفرًا ويقل العدد واحدًا بعد زواجه ، يكبرُ ذلكَ الطفل صاحب دفتر الذكريات حتى يصلَ إلى الثامنة من عمره ، فيدخلُ مكتبةً ليرى دفترًا مزركشًا فأعجبهُ منظره وقرّر أن يشتريه ، يذهبُ إلى أبيهِ فقد كان أبي صاحب مالٍ كثيرٍ ووفيرٍ ؛ ليطلبَ المال من أبيه ، ويركضُ مسرعًا يسابقُ الرّيحَ خوفًا من انتزاعهِ من مكانهِ الذي رآه فيه ليحصلَ على الدفتر ، ويعودَ به مع وحدته ويصبح له صديق ،وكان ذلك الدفترُ هو أولُّ دفترٍ للذكريات يحوزهُ فرحًا طربًا سعيدًا كأنّما ملك الدنيا أو كاد ...

يتبع .......