المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الحكم بغير ما أنزل الله والتشريع من دون الله



أهــل الحـديث
29-05-2012, 04:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بين الحكم بغير ما أنزل الله والتشريع من دون الله

السلام عليكم

ما المقصود بأقوال أهل العلم في تفسير الآية – ومن لم يحكم بما أنز الله فأولائك هم الكافرون – أن ذلك مع الاستحلال وأنه أن لم يستحله فهو كفر أصغر؟ هل يقصدون بهذا:
- الحالة الأولى:
1. رجلا عاديا, ليس رئيسا وحاكما للدولة, فيفعل معصية؟ أو قاضيا شرعيا قد يقبل الرشوة فيحكم بغير ما أنزل الله؟ أو حاكما للدولة يكون دستوره شريعة الله, لكن أحيانا يخالف ذلك فيحكم بما أنزل الله؟ وكل هذا في دولة إسلامية تحكم أصلا بشريعة الله إلا أنهم أحيانا يخالفون دستور تلك الدولة, الذي هو شريعة الله.
2. أم المقصود حاكم في دولة دستورها وضعي كافري يحكم بذلك الدستور بغير الاستطاعة أن يغيره ويحكم بالشريعة, ويعترف أنه عاص في ذلك؟ والقاضي يحكم في تلك الدولة بتلك القانون الطاغوتي بغير الاستطاعة أن يغيره ويحكم بالشريعة ويعترف أنه عاص؟
- الحالة الثانية:
3. أم المقصود حاكم في دولة دستورها وضعي كافري يحكم بذلك الدستور مع الاستطاعة أن يغيره ويحكم بالشريعة, ويعترف أنه عاص في ذلك؟ والقاضي يحكم في تلك الدولة بتلك القانون الطاغوتي مع الاستطاعة أن يغيره ويحكم بالشريعة ويعترف أنه عاص؟
4. أم المقصود حاكم ألغى الحكم بالشريعة الإسلامية ووضع القانون الوضعي ويعترف أنه عاص في ذلك؟ أم القاضي وضع لنفسه قانونا غير شريعة الله يحكم به ويعترف أنه عاص في ذلك؟ وهذا يسميه البعض بالاستبدال. وجدت مثلا بندر بن نايف العتيبي في كتابه – الحكم بغير ما أنزل الله – يقول أن هذا كفر أصغر ويقيس هذا بعدم تكفير الجائر: " إجماعهم على عدم تكفير الجائر" ويقول: " والجائر هو المستبدل ، إذ لا فرق بينهما ؛ حيثإنه ما أصبح جائراً إلا بعدمااستبدل حكمَ الله بحكم غيره" (الكتاب المذكور, ص 22-24) واستغربت من هذا القول كثيرا؟ كيف يكون الجائر مثل الذي لألغى شريعة الله وقنن القوانين الوضعية للدولة؟ يساوي بين المشرّع والمذنب العادي؟ ودليل ذلك نقله لقول ابن عبد البر دليلا على رأيه هذا:" وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بهذه الآثار ومثلها في تكفير المذنبين ، واحتجوا من كتاب الله بآياتٍ ليست على ظاهرها...". كيف يساوي بين المذنب والمستبدل لشريعة الله والمشرّع من دون الله بما يخالف شرع الله؟ ألم يجعل نفسه طاغوتا مشرّعا من دون الله؟ أليس التشريع من حقوق الله في الربوبية؟ أم يفرقون بين التشريع والاستبدال فيجعلون التشريع هو الاستحلال والاستبدال ليس تشريعا لأنه لم يستحل؟ هذا عجيب وغريب. وينقل بندر بن نايف العتيبي فتوى الشيخ عثيمين في آخر الكتاب (الحكم بغير ما أنزل الله, مناقشة تأصيلية هادئة): "وأما إذا كان يَشْرَع حكماً عاماً تمشي عليه الأمة ، يرى أن ذلك من المصلحة ، وقد لُبِّس عليه فيه : فلا يكفر أيضاً؛ لأن كثيراً من الحكام عندهم جهل في علم الشريعة، ويتصل بهم من لا يعرف الحكم الشرعي, وهم يرونه عالماً كبيراً فيحصل بذلك المخالفة . وإذا كان يعلم الشرعَ ولكنه حكم بهذا، أوشَرَع هذا، وجعله دستوراً يمشي الناس عليه؛ يَعتقد أنه ظالم في ذلك، وأن الحق فيما جاء به الكتابوالسنة : فإننا لا نستطيع أن نكفِّر هذا." وإن هذا لشيء عُجاب! هل هذا صحيح, وإن كان صحيحا فمَن مِن العلماء يقول بهذا سوى الشيخ ابن عثيمين؟ وهل يقصد بهذا أنه ليس كافرا بمعنى تكفير المعين أو أن هذا الفعل ليس مخرجا من الملة, كما يشير إليه صاحب الكتاب؟"

- إن الفرق بين الحالة الأولى والثانية واضح, وظننت طوال حياتي أن المقصود في أقوال السلف الحالة الأولى, حتى عثرت على كتاب بندر هذا وقول عبد العزيز الريس الذي ينسب هذا الرأي إلى ابن باز والأباني والعثيمين, فتحيرت, كيف هذا؟ والريس لا ينسب إليهم هذا القول فقط, بل هو ينسب إليهم القول بأن الشريع العام كفر أصغر وهو أكبر وأشنع من الاستبدال, ويقول أن بندر هذا اتصل بالشيخ العثيمين وقال له الشيخ أن هذا رأيه, وقال له ابن باز أن هذا رأي محمد بن إبراهيم أيضا! وهم يقصدون بالتشريع العام, كما يقول بندر بن نايف: "بمعنى أنه يستبدل حكم الله بحكم غيره ، ويلزم كل من تحتسلطانه بهذا الحكم", ويقول: "حكمها : الكفر الأصغر"!
ويفرق بين الاستبدال والتقنين فيقصد بالاستبدال حاكما استبدل الشريعة الإسلامية بشريعة اخترعها الكفار, ويقصد بالتقنين حاكما اخترع ذلك الحكم أو القانون، ولا يكون مستحلاً، ولا جاحداً ،
ولا مكذباً ، ولا مفضلاً ، ولا مساوياً ، ولا ينسب الحكم الذي جاء به لدين الله "! والحالتان نفس الشيء, لأن الذي استبدل شريعة الله بشريعة من عنده أو من غيره سواء.
ويجعل كل هذا: "حكمها : الكفر الأصغر= لا تخرج من ملة الإسلام ."!

فكيف نوفق بين هذه الأقوال وأقوال الإمام محمد بن عبد الوهاب أن من رؤوس الطواغيت الخمس: من حكم بغير ما أنزل الله؟؟؟ وبقول ابن تيمية: " وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا، فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ، وَالْحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ عَدْلٌ خَاصٌّ، وَهُوَ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الْعَدْلِ وَأَحْسَنُهَا، وَالْحُكْمُ بِهِ وَاجِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ كَافِرٌ." (منهاج السنة, 5/131) فإن حملوا هذا على الاستحلال, نسأل هل قوله " يَلْتَزِمْ " يعني يطبّق أو يعتقد الوجوب؟
أولا يطبَق على المستبدل والمشرّع والمقنّن قوله تعالى:
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [5 \ 50]
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا [6 \ 114]
ويقول الشيخ الشنقيطي, صاحب أضواء البيان: " وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، كَقَوْلِهِ: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [18 \ 26] ، أَنَّ مُتَّبِعِي أَحْكَامِ الْمُشَرِّعِينَ غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ فِيمَنِ اتَّبَعَ تَشْرِيعَ الشَّيْطَانِ فِي إِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ بِدَعْوَى أَنَّهَا ذَبِيحَةُ اللَّهِ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [6 \ 121] ، فَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ بِطَاعَتِهِمْ، وَهَذَا الْإِشْرَاكُ فِي الطَّاعَةِ، وَاتِّبَاعِ التَّشْرِيعِ الْمُخَالِفِ لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُرَادُ بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [36 \ 60، 61] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ: يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [19 \ 44] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [4 \ 117] ، أَيْ: مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا شَيْطَانًا، أَيْ: وَذَلِكَ بِاتِّبَاعِ تَشْرِيعِهِ، وَلِذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُطَاعُونَ فِيمَا زَيَّنُوا مِنَ الْمَعَاصِي شُرَكَاءَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ الْآيَةَ [6 \ 137] ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [9 \ 31] ، فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَاتَّبَعُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ اتِّخَاذُهُمْ إِيَّاهُمْ أَرْبَابًا. وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذَا: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا فِي «سُورَةِ النِّسَاءِ» بَيَّنَ أَنَّ مَنْ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ يَتَعَجَّبُ مِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ دَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ مَعَ إِرَادَةِ التَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ بَالِغَةٌ مِنَ الْكَذِبِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْعَجَبُ ; وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا [4 \ 60] .
وَبِهَذِهِ النُّصُوصِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَظْهَرُ غَايَةَ الظُّهُورِ: أَنَّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْقَوَانِينَ الْوَضْعِيَّةَ الَّتِي شَرَعَهَا الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَوْلِيَائِهِ مُخَالَفَةً لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ إِلَّا مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ، وَأَعْمَاهُ عَنْ نُورِ الْوَحْيِ مِثْلَهُمْ."

ويقول الشيخ ابن عثيمين قولا يناقض ينسبه إليه بندر والريس: " السؤال (30) : فضيلة الشيخ، ما هي صفة الحكم بغير ما أنزل الله؟
الجواب: الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يبطل حكم الله ليحل محله حكم آخر طاغوتي، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر، كالذين ينحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس، ويحلون محلها القوانين الوضعية، فهذا لا شك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها، وهو كفر مخرج عن الملة، لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله، بل ما خالف حكم الله عز وجل، وجعله هو الحكم الفاصل بين الخلق، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى: 21) ."الكتاب: فقه العبادات, 1/55

ويقول الشيخ أبو يزد مكي في أنواع الكفر: " ومنها ما يقدح في عمل الجوارح وذلك إذا استبدل شرع الله بالقوانين الوضعية , ودعا الناس إلى التحاكم إليها
وكل واحد من هذه الحالات يعتبر كفرا ً أكبر , وأمَّا إذا حكم بغير ما أنزل الله , دون أن يرتكب ما يقدح في أحد أركان الإيمان الأربعة , وإنما فعل ذلك لهوى في نفسه أو لظلم غيره , دون أن يجعل ذلك تشريعا ً ثابتا ً,ودون استحلال لفعله,وإنما فعل ذلك وهو يعلم أنه مذنب عاص ٍ, فهذا من قبيل الكفر الأصغر . " يعني لم يقتصر على الاستحلال فقط.
ويقول أيضا:
" القسم الثاني : التشريع المخالف لشرع الله
هذا القسم يضاد بالأصالة عمل الجوارح , ويلزم منه لوازم تنقض قول القلب وعمله وقول اللسان , كما سيأتي إيضاحه .
وهذا القسم رغم وضوح الحكم فيه , إلا أنه وقعت فيه المنازعة في الآونة الأخيرة بين صفوف أهل السنة والجماعة , ولعل السبب في ذلك يعود لعدم وضوح الأمور التالية
أولاً : هل كل الأعمال الكفرية المتعلقة بالجوارح من قبيل الكفر الأصغر إلا إذا استحلها ؟
ثانياً : هل التشريع فيه كفر أكبر وأصغر ؟
ثالثاً : هل التشريع ناقض فقط لأعمال الجوارح , أم أنه ناقض أيضاً لقول القلب وعمله وقول اللسان ؟
رابعاً : هل يلزم القول بكفر المشرعين تكفيرهم بأعيانهم دون إقامة الحجة , واستيفاء الشروط وانتفاء الموانع ؟"
ثم يفصّل, فيقول: " ونعود لمسألتنا الآن , وهي هل كون التشريع من أعمال الجوارح , فلا يدخله الكفر الأكبر إلا إذا استحله ؟ فالجواب : أن التشريع كفر أكبر , وإن لم يستحل ذلك , أو يجحد شرع الله , والله تبارك وتعالى قد سمَّى أولئك المشرعين طواغيت , وأنهم قد رفعوا أنفسهم إلى مقام الربوبية ."
ويقول: "وقال ابن كثير- رحمه الله - : ( فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر , فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين.) قال الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله - : ( إن من الكفر الأكبر المستبين , تنزيل القانون اللعين , منزلة ما نزل به الروح الأمين , على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين...
وقال - مبيناً أنواع الحكم بغير ما أنزل الله - : ( الخامس : وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع , ومكابرة لأحكامه , ومشاقة لله ولرسوله , ومضاهاة بالمحاكم الشرعية , إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً , وتفريعاً , وتشكيلاً , وتنويعاً , وحكماً , وإلزاماً , ومراجع ومستندات . فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات , مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فلهذه المحاكم مراجع هي : القانون الملفق من شرائع شتى , وقوانين كثيرة , كالقانون الفرنسي , والقانون الأمريكي , والقانون البريطاني , وغيرها من القوانين , ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك . فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة , مفتوحة الأبواب , والناس فيها أسراب إثر أسراب, يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون , وتلزمهم به , وتقرهم عليه , وتحتمه عليهم , فأي كفر فوق هذا الكفر , وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة " ويقول: " التشريع كله كفر أكبر , ولا تدخله القسمة . "
ويقول: " فالقرآن يصوِّر لنا أصول الحكم الجاهلي وهي :
1 - واضع القانون : وهو إما أن يكون شخصاً أو جهة تتكون من أشخاص , ويطلق القرآن على هذا الواضع لفظ ( الطاغوت ) وهو كل معبود من دون الله سواء كان فرداً أو جماعة , وسبب هذه التسمية أن التعدي على حق الله سبحانه الذي جعله لنفسه – وهو إنزال الكتب وسن الشرائع – يعتبر مجاوزة للحد , وهذا هو الطغيان , ذلك أن الواضع لا حق له في ذلك , بل الحق الذي عليه هو أن يخضع لما جاء من عند الله.
2 - السلطة الحاكمة بذلك القانون : وتسمى بالاسم نفسه للسبب نفسه , وتكون تارة شخصاً واحداً كالكاهن , أو مجموعة معينة كزعماء القبيلة , أو الحزب. [1]

3 - الأمة , أو الفرد الذي يخضع لهذه السلطة , ويبتغي التحاكم إليها عن رضى وطواعية, كما ورد في شأن الرجل الذي نزلت الآية فيه , فهذه الأصول الثلاثة – وهي الجهة التي تضع القوانين , والجهة التي تحكم به, والجهة التي تذعن له – هي عبارة عن أصول الحكم الجاهلي..."
انظر: أبو زيد مكي, الصلة بين الحكم والتشريع
فكأنه جعل الحاكم (أو السلطة) بغير ما أنزل الله مع الاستطاعة أن يحكم بما أنزل الله (وذلك حالة ثانية ذكرتها في بداية السؤال) داخل الحكم على المشرّع بما أنزل الله, ألا وهو الشرك الأكبر المخرج من الملّة؟

وأيضا, عثرت على فتوى اللجنة الدائمة التالية:

"فتوى اللجنة الدائمة
في التـحذير من كتابي: ( صيحة نذير ) و ( التحذير من فتنة التكفير) لعلي حسن الحلبي


فتوى رقم ( 21517 ) وتاريخ 14 / 6 / 1421 هـ

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد :
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء اطلعت على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من بعض الناصحين من استفتاءات مقيدة بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم ( 2928 ) وتاريخ 13/5/1421هـ ورقم ( 2929 ) وتاريخ 13/5/1421 هـ بشأن كتابي : ( التـحذير من فتنة التكفير ) و ( صيـحة نذير ) لجامعها : علي حسن الحلبي ، وأنهما يدعوان إلى مذهب الإرجاء من أن العمل ليس شرط صحة في الإيمان ، وينسب ذلك إلى أهل السنة والجماعة ، ويبني هذين الكتابين على نقول محرفة عن شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن كثير وغيرهما رحم الله الجميع، ورغبة الناصحين بيان ما في هذين الكتابين ليعرف القراء الحق من الباطل ... إلخ .
وبعد دراسة اللجنة للكتابين المذكورين والاطلاع عليهما تبين للجنة أن كتاب (التـحذير من فتنة التكفير) جمع : علي حسن الحلبي فيما أضافه إلى كلام العلماء في مقدمته وحواشيه يـحتوي على ما يأتي:

1) بناه مؤلفه على مذهب المرجئة البدعي الباطل ، الذين يـحصرون الكفر بكفر الجحود والتكذيب والاستـحلال القلبي كما في (ص6) حاشية 2 و(ص22) وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من أن الكفر يكون بالاعتقاد وبالقول وبالفعل وبالشك .

2) تـحريفه في النقل عن ابن كثير رحمه الله تعالى ، في : (البداية والنهاية 13/118) حيث ذكر في حاشية (ص15) نقلاً عن ابن كثير : (أن جنكز خان ادعى في الياسق أنه من عند الله وأن هذا هو سبب كفرهم ) وعند الرجوع إلى الموضع المذكور لم يوجد فيه ما نسبه إلى ابن كثير رحمه الله تعالى .

3) تقوله على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، في (ص17/18) إذ نسب إليه جامع الكتاب المذكور : أن الحكم المبدل لا يكون عند شيخ الإسلام كفراً إلا إذا كان عن معرفة واعتقاد واستـحلال ! وهذا محض تقول على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى!! فهو ناشر مذهب السلف أهل السنة والجماعة ، ومذهبهم كما تقدم، وهذا إنما هو مذهب المرجئة .

4) تـحريفه لمراد سماحة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى في رسالته : ( تـحكيم القوانين الوضعية ) إذ زعم جامع الكتاب المذكور أن الشيخ يشترط الاستـحلال القلبي ، مع أن كلام الشيخ واضح وضوح الشمس في رسالته المذكورة على جادة أهل السنة والجماعة .

5) تعليقه على كلام من ذكر من أهل العلم بتـحميل كلامهم ما لا يـحتمله ، كما في الصفحات (108) حاشية/1 ، (109) حاشية/ 1 ، 2 (110) حاشية/2 .

6) كما أن في الكتاب التهوين من الحكم بغير ما أنزل الله ، وبخاصة في (ص5) ح/1 بدعوى أن العناية بتـحقيق التوحيد في هذه المسألة فيه مشابهة للشيعة – الرافضة – وهذا غلط شنيع .

7) وبالاطلاع على الرسالة الثانية : ( صيـحة نذير ) وجد أنها كمساند لما في الكتاب المذكور وحاله كما ذُكِر .

لهذا فإن اللجنة الدائمة ترى أن هذين الكتابين لا يـجوز طبعهما ولا نشرهما ولا تداولهما ؛ لما فيهما من الباطل والتـحريف، وننصح كاتبهما أن يتقي الله في نفسه وفي المسلمين ، وبخاصة شبابهم، وأن يـجتهد في تـحصيل العلم الشرعي على أيدي العلماء الموثوق بعلمهم وحسن معتقدهم، وأن العلم أمانة لا يـجوز نشره إلا على وفق الكتاب والسنة ، وأن يقلع عن مثل هذه الآراء والمسلك المزري في تـحريف كلام أهل العلم ، ومعلوم أن الرجوع إلى الحق فضيلة وشرف للمسلم والله الموفق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الرئيس:
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
الأعضاء:
عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
بكر بن عبد الله أبو زيد
صالح بن فوزان الفوزان"

وأيضا, كتب في هذا الشيخ عبد الرحمن آل محمود في كتابه الحكم بغير ما أنزل الله, وخاصة أفاد بالمبحث الرابع تحت العنوان: "نماذج لمواقف العلماء من المبدلين لشرع الله".
ونحن اللآن أمام الأحوال التالية:
1. الجاحد – الإجماع على كفره,
2. المكذِّب - الإجماع على كفره,
3. المفضِّل لحكم غير الله – الإجماع على كفره,
4. المساوي بين حكم الله وحكم غيره - الإجماع على كفره,
5. المستحلّ المجيز للحكم بغير شرع الله - الإجماع على كفره,
6. المبدِّل – أي فرق بندر بن نايف بينه وبين المستبدل والمقنّن والمشرّع تشريعا عاما وقال أن التبديل نسبة هذا الحكم الطاغوتي إلى الله وهو الكفر, وأن الاستبدال إلغاء الحكم الشرعي والأخذ بشرع غيره اخترعه غيره, والتقنين نفس السابق إلا أنه اخترهع هو (المُلغي), وأن التشريع العام مثل الحالين السابقتين مع إلزام من تحته على هذا الحكم الطاغوتي. وجعل المبدل كافرا, والمستبدل والمقنّن والمشرّع تشريعا عاما من المذنبين المسلمين. وهذا شبهة كبيرة مركبة في هذا الباب, لأك بهذه الشبهة يمكنك أن تحمل كل قول من أقوال العلماء يفيد تكفير المبدِّلين لشرع الله أنه يقصد المبدّل بهذا المعنى, أي الذي نسب ذالك الحكم إلى الله (مثل مانعي الزكاة, أو أهل الكتاب الذي بدلوا حكم الله في عقوبة الزاني),
7. المستبدل – هنا اضطربت الأقوال في عصرنا هذا وفي هذا أريد التوضيح,
8. المقنّن – هنا اضطربت الأقوال في عصرنا هذا وفي هذا أريد التوضيح,
9. المشرّع تشريعا عاما - هنا اضطربت الأقوال في عصرنا هذا وفي هذا أريد التوضيح,
10. الحاكم بما أنزل الله غيرُ المشرِّع - هنا اضطربت الأقوال في عصرنا هذا وفي هذا أريد التوضيح,
هذا ما يرتبط بحاكم الدولة مع الاستطاعة أن يحكم بما أنز الله, ويمكن تطبيق هذا على القضاة الذين يستطيعون أن يحكوا شرع الله. وهناك أحوال الحاكم والقاضي في دولة لا يستطيع أن يحكم فيها بشرع الله لأن الناس سيعزلونه, أو البرلمان سيعزله:
1. يكون هنا حكم الجاحد والمكذّب والمفضّل والمساوي والمستحلّ كحكمه في الأحوال المذكورة من قبل,
2. الذي ليس من هذه الأصناف, بل يريد يحكم بما يستطيع من شرع الله, ويحكم بغيره إذا لم يستطع أن يحكم شرع الله – هنا اضربت الأقوال وفي هذا أريد التوضيح. وحقيقة, لم أعثر في عذا على أقوال العلماء, إلا على أقوال طائفة أبي محمد المقدسي التي تساوي بين هذه الحال والحال السابقة, وطائفة أبي مريم المخلف التي تكفر جميع العلماء وتكفر طائفة المقدسي, فأريد التوضيح ما أقوال العلماء في هذا وما أدلتهم, حتى نردّ على الضالين الذين يسعون في بلادنا فسادا.
3. مثل السابق, إلا أنه لا يحكم البتة بغير شرع الله, بل يتجنب الحكم ويترك الحكم لغيره في تلك القضية المعينة التي لا يستطيع تطبيق الشريعة فيها - و لم أعثر في عذا على أقوال العلماء, إلا على أقوال طائفة أبي محمد المقدسي التي تحرّم مجرد المشاركة في السلطة في دولة لا تحكم بغير ما أنزل الله, وطائفة أبي مريم المخلف التي تكفّر ذلك كله.
هذا ما يرتبط بأحوال الحاكم والقاضي, أما ما يرتبط بأحوال المحكومين, فهي:
1. يكون هنا حكم الجاحد والمكذّب والمفضّل والمساوي والمستحلّ كحكمه في الأحوال المذكورة من قبل,
2. الذي ليس من هذه الأصناف, بل يريد أن يتحاكم إلى شرع الله ولكن لا يجد إلا المحاكم الكفرية, ولا يستطيع أن يرد حقّه إلا مع رفع مظلمته إليها, وهؤلاء أصناف أيضا:
a. الذي يطلب من المحكمة الطاغوتية حقه وليس هناك محكمة شرعية,
b. الذي يطلب من المحكمة الطاغوتية حقه وهناك محكمة شرعية لكن بغير القدرة على تنفيذ حكمها, - وفي هذا عثرت على فتاوى كثير من العماء (عثيمين, بن باز, اللجنة الدائمة إلخ) الذين يقولون أن هذا جائز, لأنه يطلب ما جعله الله حق هذا الإنسان, بالشرط ألا يأخذ أكثر مما يستحقّ, لكن لم أر أدلتهم وردهم على اعتراضات القائلين بتحريم هذا (مثل الشيخ الغينمان) والمكفّرين بهذا العمل, مثل طائفة المقدسي وأبي مريم, وقولهم في هذا أن كل هؤلاء كفار متحاكمون إلى الطاغوت, إلا أن المقدسي يشرتط إقامة الحجة لتكفير المعين, وأبو مريم لا يشترط لأنه يحسب هذا من أصل الدين, ومن نقض أصل الدين فلا عذ بالجهل, ومن أجل هذا وغيره كفّر أبو مريم طائفة أبي محمد المقدسي كما كفر تنظيم القاعدة لأنهم لم يكفروا الحماس الذين شاركوا في الانتخابات مع العلمانيين.
c. الذي يطلب من المحكمة الطاغوتية ما ليس بحقه في شرع اللهو مثل المرأة التي تريد نصف الميراث أو كله, لا ثلثه كما في شرع الله, وهؤلاء ينقسمون إلى: الجاحد والمكذّب والمفضّل والمساوي والمستحلّ, وحكمه معروف, وإلى غير ذلك (أي الذي ليس من تلك الأصناف) لكن يريد ما ليس بحقه ظلما وجوا ويعترف أن ذلك فسق وأنه فاسق – لم أعثر على أقوال أهل العلم في هذا, وعثرت على أقوال أبي محمد المقدسي وأبي مريم المخلف.
الموضوع واسع جدا, والنبدأ من البداية, وأريد أيضا ذكر المصادر أبحث فيها عن الحكم في هذه النوازل التي لم أجد فيها أقوال العلماء, وأقوال المقدسي ومن مثله منتشر جدا.
وكتابة هذا السؤال الطويل يدل على أني لست جاهلا بأقوال أهل العلم في هذا -إلا في بعض النوازل- ولا بأحوال الحاكمين والمحكومين [2] لكن أريد التوفيق بين الأقوال أو الترجيح, فلا تبخلوا علي من فضلكم, لأنه قد ظهرت فنت كثيرة في بلدي من أجل هذا الموضوع, ولا يجوز تأخير التوضيح عن وقت الحاجة إليه.

أرجو منكم التوضيح وفصل الخطاب.