المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسى وهارون: هل هما الرجلان من اللذين يخافون؟



أهــل الحـديث
29-05-2012, 02:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة:

"وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)"

فالمشهور عن الرجلين في قوله تعالى "قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا" أنهما "يوشع بن نون" و "كالب بن يوفنا" كما في تفسير ابن كثير. ولكن أرى احتمالا قويا أن يكون هذان
الرجلان موسى وهارون عليهما السلام. ويشير إلى ذلك عدة أمور:

أولا: أن الرجلان قالا "ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ". وهذا القول شبيه بأن يكون قول نبي له معلومات مؤكدة من الله أن القوم إن دخلوا الباب فإنهم غالبون.

ثانيا: يقول الله تعالى عن قوم موسى في الآية اللتي بعدها "قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون". هذا القول اللذي قالوه يبدو من سياق الآيات وكأنه رد على من قال لهم أن يدخلوا الباب. وبدءوا بقول "يَا مُوسَى". وهذا يشير إلى أن موسى أحد هذين الرجلين.

ويقوي هذا الاحتمال أن القوم قالوا "يَا مُوسَى" قبل هذا بآيتين عندما قالوا "يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ" إلى آخر الآية. وهذا قد كان ردا على موسى عندما قال ما قال في أول هذه الآيات، واللتي بدأت بقوله تعالى "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ". فعندما انتهى قول موسى بقوله "وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"، ردوا عليه بقول "يَا مُوسَى" ثم قالوا ما تبقى من كلامهم. وهذا الشيء نفسه قد حصل عندما تكلم الرجلان المذكوران في هذه الآيات، فقال القوم "يَا مُوسَى" ثم قالوا ما تبقى من كلامهم. وبالتالي يكون احتمالا قويا أن الرجلان هما موسى وهارون، وأن قول القوم الأخير كان ردا عليهما.

ثالثا: يقول موسى في الآية التالية "رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ". فقوله "رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي" يشير إلى أن كل من سوى موسى وهارون قد نكل عن الجهاد. وسماهم موسى بالفاسقين في آخر الآية. وقد صدقه الله سبحانه وتعالى في الآية التالية حيث قال "فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ".

فإن قيل أن المراد بهذين الرجلين هما "يوشع بن نون" و "كالب بن يوفنا"، أو غيرهما ممن سوى موسى وهارون، فغير مناسب أن يمدحهما الله تعالى ثم أن يسميا من جملة الفاسقين بعد ذلك بقليل. ويبدو من ظاهر الآيات ومن السياق أن كل من سوى موسى وهارون قد تولى وأعرض عن الجهاد، وأنهم سموا بالفاسقين.

هذا والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.