المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقاطعة الانتخابات.. هل هو القول الصحيح شرعا؟!



أهــل الحـديث
28-05-2012, 03:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



مقاطعة الانتخابات.. هل هو القول الصحيح شرعا؟!


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد،
اتفق أهل السير والمغازي على أن سلمان الفارسي – رضي الله عنه – قد أشار على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحفر الخندق كوسيلة لحماية المسلمين من الأحزاب الذين اجتمعوا على المسلمين فيما عُرِفَ بغزوة الأحزاب.
ولم يعترض أحد الصحابة قائلا : هذه فكرة مجوسية.
ولا اعترض آخر قائلا : إنهم يحفرون الخنادق في بلاد الفرس ليوقدوا فيها النيران ليعبدوها.
ولا اعترض أحدهم قائلا : الذي نعرفه هو مقابلة السيف بالسيف، وإن اتخذنا الخندق تساوى الناس فيما وراء الخندق.. المؤمن بالمنافق، والشجاع بالجبان، والعالم بالجاهل.
فالموقف لا يحتمل هذه المهاترات، وليس للمسلمين طاقة لمقابلة هؤلاء جميعا.. فاتخذوا وسيلة من الوسائل التي كان يتخذها المجوس لتحقيق مقاصد شرعية لا يختلف عليها أهل القبلة.. حماية الدين، والأنفس، والأعراض، والأموال.

وتلك المقاصد الشرعية ذاتها هي ما حملت المسلمين على الدخول في المعترك السياسي.. حماية للدين ولتحكيم شريعة رب العالمين، ولحماية الأنفس من عودة القتل والتعذيب والسجن والاعتقال، ولحماية الأعراض التي انتهكت لعهود طويلة ولازال انتهاكها مستمرا حتى هذه اللحظة، ولحماية الأموال التي سرقت ونهبت على أيدي المجرمين.

وشتان بين موقف الصحابة الذين أدركوا خطورة الأمر، وانتهضوا له.. وإن كانت الشهادة أحب إليهم من مجرد حفر الأرض.. وبين موقف بعض المنتسبين للعلم في هذا الزمان.. الذين يرون الملايين من المسلمين المستضعفين.. ولا يريدون استثمار هذه الملايين في نصرة الإسلام.. بل يخذلونهم.. وبعضهم يُبدّع من ينتهض لنصرة دينه بالوسيلة الممكنة.


*****


والخلط بين اتخاذ الخندق وعبادة النار.. لم يكن في ذهن أحد من الصحابة.
لا أقول حفر الخندق.. بل أقول : وإن أشعلت النيران فيه.
فقد أشعل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – النار وألقى فيها الفئة الكافرة التي ادعت ألوهيته.
فالمنهي عنه هو عبادة النار.. لا حفر الخندق، ولا حتى اشعال النار فيه.

وكذلك المنهي عنه في الديمقراطية أن تكون بديلا عن حاكمية الله تعالى، وهذا ما تبرأ منه إخواننا الذين تقدموا لانتخابات البرلمان والرئاسة. بل الذي يصرحون به على الملأ هو إرادتهم لتحكيم شريعة رب العالمين.
وإصلاح ما أفسده المجرمون لا يأتي اعتباطا ولا في لحظة خاطفة.. بل يحتاج لوقت لإصلاح منظومات من الفساد توغلت في كل مؤسسة إلى درجة موحشة.


*****


وقرر المسلمون حفر الخندق.. ولم يتخلف عنهم إلا المنافقين.
وكان حفر الخندق هو أقل الخيارات مفسدة، وكانت هناك تصورات عدة للخروج من الأزمة ولكن الظروف لا تسمح لهذه التصورات لتكون هي الخيار الصحيح لهذا الوقت. ولربما أدت إلى هلاك أهل الإسلام أمام الأحزاب.

وما أشبه الليلة بالبارحة.. فالأحزاب المتربصة بالإسلام في الداخل والخارج لا تحصى كثرة، وهذا الخيار يجنب الأمة ويلات عظيمة لا تخفى على مدرك.
وأي خيار آخر قد يجعل العصبة المؤمنة تقف أمام جيوش نظامية مجرمة.. وسيطلقون عليها حينئذ الحرب على الإرهاب. وسيشاهد العالم هذا كله ولن يحرك ساكنا.. بل قد يساندهم. وربما تتحدث بعض المنظمات الإنسانية ببعض الشجب والاستنكار، أو إرسال معونات غذائية في أوقات الاستراحة بين قصف وآخر.

والعجيب أن المنافقين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يدعون الإصلاح ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ۝ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾
﴿ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾


*****


وكان توكل الصحابة على الله مصاحبا للأخذ بالأسباب، فقاموا بحفر الخندق، رغم صعوبة المهمة وما فيها من مشقة، ولم يتركوا الأمر ولسان حالهم ومقالهم : سيبها لله..!!
بل قاموا ونشطوا وعملوا ما يستطيعون أخذا بالأسباب.. وهذا من تمام التوكل على الله.

وأما في وقتنا المعاصر..!!!
بعض من ينتسب للعلم يقول بالجبر المحض، ويزعم أنه يدعو الناس للمنهج الحق! المنهج الحق هو لزوم منهج الجبرية؟!
يقولون : من يتولى الأمر سيكون وليا الأمر وتجب طاعته.. وسنطيع له. يقولون هذا في الوقت الذي ينهون فيه أهل الصلاح عن نصرة إخوانهم من أهل الإصلاح.. ويدعون الجميع لترك الأمر للمفسدين.

أي يفسحون الطريق للمفسدين، ويجعلونهم حكاما.. ثم يأمرون الناس بطاعتهم!
والأتعس منهم عقلا.. من يدعو الله قائلا : اللهم ولّ علينا الأصلح.. وهو يدعو لمقاطعة الانتخابات..!!
رحمة الله على الفقهاء والعقلاء.