المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثمرة السلف يقتطفها الخلف - للشيخ محمد مخدوم رحمه الله



أهــل الحـديث
28-05-2012, 12:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذه مقالة كتبها فضيلة الشيخ محمد مخدوم البخاري، المدرس بالمسجد الحرام، رحمه الله تعالى، وهي بعنوان (ثمرة السلف يقتطفها الخلف)، قال فيها:

في عام 1347هـ خرجت من وطني بعد أن دخلته الشيوعية وفعلت ما فعلت مهاجراً إلى الحرمين الشريفين وقد يسر الله سبحانه وتعالى زاد السفر فشاهدت من أهوال الدنيا ما شاهدت، ومما رأيت تفرق كلمة رجال الدين في جميع المواطن التي وطأتها قدماي، وكل طائفة تصف الأخرى بأنها ليست على شيء -وقد كان كل هذا في وطني أيضاً- وعندما وصلت إلى أفغانستان مكثت مدة في قندهار فوجدت فيها حالة العلماء أشد مما عندنا حتى أنهم كانوا يلصقون الإعلانات على الجدران بشتم ولعن بعضهم بعضاً.
ثم توجهت إلى كراتشي فوصلتها وقت صلاة المغرب، فدخلت أحد المساجد ثم رأيت رجلاً في زي العلماء يدخل المسجد، ثم رأيت الناس يهينونه أشد الأهانة ويطردونه من المسجد، فسألت أحدهم فقال: إنه أحد علماء الديوبنديين، فأما أهل المسجد فإنهم بلولويين، وكلا الطائفتين من الأحناف ويكفر بعضهم بعضاً.
ولما أكرمني الله واستقر بي المقام في مكة المكرمة سمعت كلمات من المهاجرين يطلقها بعضهم على البعض لا يليق ذكرها بمقام هذه المجلة.
وعندما ذهبت إلى المدينة المنورة دخلت المسجد لأستمع إلى درس أحد العلماء وكان من البلولويين فأشار في حديثه إلى الديوبنديين بقوله أنهم يجوزون (كذب الباري) وهذا كفر صريح، وعندما رجعت إلى مكة اشتغلت بالتجارة وتركت حلقات الدرس فترة لاختلاف العلماء، ثم عدت إلى مواصلة الدروس ولكن عند بعض علماء نجد، وكان علماؤنا يمنعونا من ذلك، وكنت في أحد الأيام أستمع إلى درس الشيخ أبي السمح، فقال حكاية عن شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن علامة المبتدعين تكفير بعضهم البعض"، فصدقت هذا القول فوراً لما شاهدت في بلاد المسلمين، فكلهم جامدون مقلدون لم يفهموا كلمة التوحيد ولا يفرقون بينها وبين الشرك.
وفي موسم الحج تجمع عدد كبير من الناس يستمعون إلى عالم مصري عند المحراب الحنفي يتكلم في تفسير سورة الفاتحة، وكان معي أربعة أشخاص من زملائي خرجنا لزيارة موسى جاد الله، فوجدناه جالساً يستمع لدرس ذلك العالم، وبعد إنتهاء الدرس قال موسى: "إن هذا الشخص لابد وأن يكون من تلاميذ محمد عبده أو رشيد رضا، فكلامه مثل كلامهما، وقد كان من أساتذتي فواظبت أن وزملائي على دروس ذلك العالم عشرة أيام، وكان زملائي أفهم من للغة العربية، وكان فيما بيننا يميش ساعاتي، وهو من أتباع كوثري الجركسي، فقال: "إن كلامه يخالف مذهب إمامنا الأعظم"، وهو على هذا الرأي حتى الآن.
وبعد الحج سافرت إلى الصين مدرساً بالمدارس المتوسطة والكليات، ومكثت هناك أربع سنوات، ثم عدت إلى مكة المكرمة فوجدت ذلك العالم المصري جالساً على كرسي إمام المسجد، فقالوا: هذا رئيس أنصار السنة المحمدية ويدعى الشيخ محمد حامد الفقي -رحمه الله- وبعد انتهاء الدرس إزدحم الناس على الشيخ فلم أتمكن من التعرف عليه كثيراً، فأعطيته هدية صغيرة، وهي عبارة عن عطر مسك في صرة غزال من الصين، ولم أتمكن بعد ذلك من مقابلته حتى انتهى موسم الحج، وفي العام التالي جلس للدرس ثم قال: في العام الماضي أعطاني رجلاً مسكاً فهل هذا الرجل موجود بينكم؟ فقمت وعرفته بنفسي، فقام وعانقني، ولقد كنت من أحسن المواظبين على صحبته في كل عام، ولقد حججنا سوياً ماشين على الأقدام -رحمه الله- ومرة أعطاني ثلاثمائة ريال وقال لي: "إذهب إلى مصر وهنالك نصاحبكم"، فأقمت عنده ستة أشهر وتشرفت بصحبته، لاسيما عندما كنت معه عند تصحيحه مختصر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية بالإشتراك مع شيخ الأزهر فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله.
وبعد انتقال الشيخ إلى رحمته تعالى، حرمنا فترة من دروسه ثم من مجلة الهدي النبوي، ولكن ولله الحمد اقتطفنا ثمر السلف عن الخلف حيث حضر إلينا الشيخ رشاد الشافعي بمكة، ولقد واظبت على محاضراته في المسجد الحرام، ولقد أكرمنا الله فوجدنا ما افتقدناه منذ زمن ولاسيما في المجلة الجديدة (مجلة التوحيد) وأشكر القائمين عليها وأدعو لهم بالتوفييق والسداد، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

المصدر: مجلة (التوحيد)، المجلد الأول، العدد 10 - 11، شوال وذو القعدة 1393هـ، الصفحة 54.