المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام هو العاصم من مفاسد المدنية الحديثة - للسيد سابق رحمه الله



أهــل الحـديث
26-05-2012, 01:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذا مقال آخر كتبه الشيخ السيد سابق، المتوفى سنة 1420هـ رحمه الله تعالى، صاحب كتاب فقه السنة، وهو بعنوان (الإسلام هو العاصم من مفاسد المدنية الحديثة)، جاء فيه:

إن من المتفق عليه أن من نقائض المدنية الحديثة:
1- إهدار القيم الروحية مما تسبب عنه انحطاط الأخلاق ونضوب معين الفضائل.
2- واعتبار القوة وتقديسها إلى حد العبادة دون مراعاة للحق والعدل.
3- التهديد بالحرب واختراع أدوات التدمير والقتل، مما جعل الناس يعيشون في جو يسود القلق والاضراب.
وهذه النقائض هي نفسها نقائض الجاهلية وقد كانت مثار فساد كبير في المجتمع البشري مما اقتضى جهوداً كبيرة من رسل الله وأنبيائه.
ولقد جاء الإسلام ليمنع هذه المفاسد ويبني مدنية راقية تتفق مع رقي الإنسان الفكري ونضوجه العقلي فدعا إلى الإصلاح ونهى عن الفساد في الأرض، فقرر أن الهلاك لا يحل بالأمة وهي صالحة مصلحة تؤمن بالحق وتفعل الخير: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
والصالحون من عباد الله الذين يؤدون الحق ويضطلعون بالواجب ويتحملون المسئوليات وينهضون بالتبعات، هم أحق وأولى بخيرات الأرض والانتفاع بخيراتها وتوزيعها على مستحقيها: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
والحياة الطيبة حياة القلب والعقل والضمير إنما هي ثمرة الإيمان صحيح وعمل صالح: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقد يخيل للمصلح أن جهده الإصلاحي يذهب سدى ويتبخر كما تتبخر ذرات الماء في الهواء فأخبر الله سبحانه أن ذلك لمذخور لا يضيع منه شيء: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} .
وبإزاء هذه الدعوة إلى الصلاح والإصلاح الذي يرطب الحياة ويجعلها جديراً بأن يحيها الإنسان ويظهر فيها مواهبه وطاقته ويفتح فيها أفاقاً واسعة من الإنتاج والابتكار، نهى عن الفساد حتى لا يتوقف عمل المصلحين ولا يتباطأ سير العاملين فقال: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، وقال: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
والفساد طبيعة النفاق ومرض القلب، ولهذا يقول القرآن الكريم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}، والمفسدون لا يستحقون إلا أن يحجبوا عن الله، ويحال بينهم وبين رحمته ورضاه، يقول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
وعلى محبي الإصلاح أن يرصدوا خطوات المفسدين ويجنبوا المجتمع شرورهم بكل وسيلة ممكنة، ولو كان ذلك ببترهم وقطع دابرهم: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
إن الفساد كان العمل الأول لفرعون فحوسب عليه الحساب العسير: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.
وطبيعة الاستبدال التي تتسلط على المستعمرين تملى عليهم أن يستعبدوا غيرهم وينكلوا بالضعفاء ويفسدوا بتمكين من لا كفاية له وإهدار كرامة الأحرار.
{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}.
وهناك صنف من الناس يحسنون القول ويسيئون العمل لا تنطوى حوائجهم إلا على خبث الطوية وفساد الضمير وسوء القصد، وهم مع ذلك أقوياء في لبس الحق بالباطل وستر أعمالهم السيئة بما يظهرونه من لين القول وعذوبة الحديث، يقول الله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
ولقد حذر القرآن المسلمين من الفساد إن هم تولوا الحكم، وأوعدهم إن هم فعلوا ذلك بشر مصير: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.
هذه هي دعة الإسلام إلى الإصلاح ونهيه عن الفساد لينتظم أمر العيش وليأمن كل نفسه وماله وعرضه وكرامته، أما شريعة الغاب التي يطبقها دعاة الحضارة المادية في هذا العصر فهي بربرية لا تتفق مع ما حصل عليه الإنسان من رقي مادي ونجاح في ميادين الحياة المختلفة، ونحن معشر المسلمين مطالبون بنشر دعوة الإسلام لنقدم للناس هذا النور الذي لا غنى عنه لهم، وهذا الروح الذي لا حياة لهم بدونه وهذه القيم التي تجعل الإنسانية تستمع بسكينة النفس وطيب العيش وسلام الضمير.

المصدر: مجلة (التوحيد)، المجلد الأول، العدد 7، رجب 1393هـ، الصفحة 13.