المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جهاد الطلب



أهــل الحـديث
25-05-2012, 04:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:
فإنَّ من مقاصد الجهاد في سبيل الله الدعوةُ إلى الله، وإدخال الناس في دين الله سبحانه، وبذل المؤمنين نفوسهم في سبيل أن يدخل الناس الإسلام.
وهذا الحكم المحكم الواضح، من وجوب ابتداء المشركين بالقتال ودعوتهم إلى الإسلام، مما أجمعت عليه الأمة دون مخالفٍ يُعرف في القديم، وصحَّت به النصوص العامة ، أما النصوص الخاصة في القضايا الجزئية من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه وبعوثه إلى البلاد فأكثر من أن تحصر، وكذا ما بعده من جهاد الصحابة والتابعين وأمراء المسلمين في القرون المفضلة ثم من بعدهم في الأعصار المختلفة، دون أن يختلف فيه اثنان، وما فتحت المشارق والمغارب، ولا دخلت العراق ومصر والشام والمغرب وأكثر ما يسمى اليوم بقارة أفريقيا والأندلس وتركيا وبلاد المشرق الأدنى في الإسلام إلا بالقتال والجهاد في سبيل الله.
ولما انتشرت الهزيمة العقدية في الأعصار المتأخرة، نبتت نوابت أحدثت في الدين أقوالاً كثيرة، وأدخلت فيه ما استطاعت من دين النصارى وعقائدهم، ومن نظريات الغربيين الكفرة وأفكارهم، وكان مما أنكروه من الدين وتنصّلوا منه: جهاد الطلب الذي يتضمّن ابتداء الكفَّار بالقتال، وأن تُشهر سيوف التوحيد على أهل التنديد تدعوهم إلى الدخول في دين الله عز وجل، وتقودهم إلى الجنَّة بالسلاسل.
والأدلَّة من الكتاب والسنة على نقض ما زعموه أكثر من أن تحصر، فقد قال عز وجل: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وقال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) والفتنة الشرك، فأمر الله عز وجل بقتال المشركين حتى يزول الشركُ وقوله " فتنة " نكرة في سياق نفي فهي عامَّة، وقوله ويكون الدين لله عامٌّ في الدين كله في التعبد والحكم، وقد أكّده في قوله: ويكون الدين كله لله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله، وقوله فإن انتهوا، بيّن الغاية التي يستمرُّ القتال إليها، وقوله: فلا عدوان إلا على الظالمين، دال بمنطوق الحصر على قتال الكفار لأنهم ظالمون، وبمفهومه على أنَّ رفع القتال لا يكون إلاَّ بارتفاع الظلم، ودلالة مفهوم الحصر من دلالة المنطوقِ لا المفهوم على الصحيح، وإنَّما يسمّى مفهومًا لأنَّه مفهوم الإثبات في جملة الحصر، وإن كان منطوقًا للنفي في الجملة نفسِها، فهو أقوى من المنطوقِ المجرَّد لاجتماع الدلالتين فيه ومن هذا الوجه كان الحصر من أساليب التوكيد.
وقال عز وجل: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأمر بقتال المشركين حيث وجدوا، وأخذهم وحصرهم والقعود لهم بكل مرصد، فهو عام في جميع الأحوال والأوقات والأماكن، ثم قال: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، فأمر بترك القتال عندئذٍ.
وقال سبحانه وتعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) والاسم الموصول في قوله: الذين لا يؤمنون من صيغ العموم، وذكره لأهل الكتاب يدخل فيه من باب الأولى كل كافر، وجعل الغاية في هذه الآية إعطاء الجزيةِ وفي السابقة الانتهاء، فصحَّ رفع القتال عنهم بأيٍّ من الغايتين لأن الغاية مطلقة لا تعمُّ، وهذا هو الحكم في كل حكمٍ يُغيَّى بغايتين كعدة الحامل ونحو ذلك، على أنَّ الغاية في الآيتين السابقتين لهذه الآية داخلةٌ في هذه الآية لأنَّ انتهاءهم عن كفرهم يُوجب رفع حكم القتال بارتفاع الوصف الذي علِّق به القتال هنا فهو كما لو غُيَّي الحكم بذلك.
وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) فعمَّ بالأمر كل من يلينا من الكفَّار، وعلّق الحكم بكفرهم فيُقاتَلون ما دام الوصف قائمًا، ولا يفرغ المسلمون من قومٍ يلونهم من الكفَّار إلاَّ كان يليهم قومٌ آخرون من الكفَّار فيُقاتَلون.
وقال: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) فلم يجعل بدلاً لقتال هؤلاء القوم أولي البأس الشديد إلاَّ أن يُسلموا، بخلاف المعتدي فبدلُ قتاله أن يكفَّ الله بأسه ويأمن المسلمون شرَّه.
وقال عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) قال أبو هريرة في هذه الآية: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، أخرجه البخاري.
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرج الشيخان من حديث ابن عمر وغيره من الصحابة: ”أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم“ الحديث وفيه الأمر بمقاتلة الناس عامة دون تخصيص وجعل غاية ذلك أن يدخلوا الإسلام، ومفهوم الشرط في قوله: فإذا قالوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم، أنَّ من لم يقلها لم يُعصم دَمُه ومالُه، وقوله كما في حديث بريدة عند مسلم: ”امضوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله“ الحديث وفيه قوله: ”وإذا لقيت عدوَّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصالٍ فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم“، وقوله كما في المسند وسنن أبي داود من حديث ابن عمر بسندٍ جيدٍ: ”بُعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده لا شريك له“،
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ”عجب الله من قومٍ يدخلون الجنَّة في السلاسل“، وغير ذلك من الأحاديث.
وهذه المسألة محل إجماعٍ متيقّنٍ من أهل العلم، حكاه بعضهم صريحًا، ودلَّ عليه التواتر العملي الذي ثبتت بمثله شعائر الدين المعلومة منه بالضرورة، من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وبعوثه وسراياه، وجهاد أصحابه من بعده فمن بعدهم من أهل الإسلام دون نكيرٍ بل ودون سؤالٍ أو وجودِ مخالفٍ في ذلك.
وقد كتب في هذه المسألة بعض أهل العلم بعد أن حدث هذا القول البدعةُ، وظهرت رسالةٌ منحولةٌ لشيخ الإسلام ابن تيمية مكذوبة عليه، فانتدب جماعةٌ من أهل للعلم للرد عليها، منهم سليمان بن سحمان في رسالة، وسليمان بن حمدان في رسالة سماها ”دلالة النصوص والإجماع على فرض الجهاد للكفر والدفاع“ وقد طُبعت قديمًا بمكة، ورسالةٌ لصالح بن أحمد المصوّعي، ورسالة لأبي الأعلى المودودي، ورد على هذا القول غيرهم من أهل العلم ردودًا متفرقة.
وسنُجمل في المقال القادم بإذن الله الجواب عن أصول الشبهات التي أُوردت على جهاد الطلب وخاصة ما استند إلى فهم غلطٍ للأدلَّةِ الشرعية، والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
منقول كتبه الشيخ عبدالعزيز العنزي