المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خلاصة منهج أهل السُّنَّة في التحسين والتقبيح كما عرضه الشيخ عبد الله رمضان موسى



أهــل الحـديث
24-05-2012, 11:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
صَدَر للشيخ عبد الله رمضان موسى كتاب جديد بعنوان (هَدْم أصول أهل البدع) وصورة غلافه في آخر هذا الموضوع
وقد ذكر الشيخ خلاصة منهج أهل السُّنَّة في التحسين والتقبيح في عبارة من سطرين فقط تقريبًا.
قال الشيخ عبد الله رمضان موسى في كتابه (هَدْم أصول أهل البدع، ص353):
(المطلب الثاني: بيان أن عقيدة أهْل السُّنَّة والجماعة أَّن الشرع - وليس العَقْل - هو الذي له الْحُكْم بِحُسْن شيء بحيث يترتب عليه الثواب آجلًا، أو الْحُكْم بِقُبْحه بحيث يترتب عليه العقاب آجلًا). انتهى

لكن أحد القُراء لم يقرأ كلام الشيخ جيدًا ، فأساء فَهْم كلامه، حيث تَوَهَّم هذا الأخ القارئ أن الشيخ نَفَى التحسين والتقبيح بالعقل نَفْيًا كُلِّيًّا، وهذا فَهْم خاطئ؛ لأن الشيخ لا يَنْفي مجرد التحسين والتقبيح بالعقل؛ وإنما نفى أن يَسْتَقِل العقل بإدراك الـحُكم على شيء بأنه: [حَسَن بحيث يَلْزَم أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُثابًا فِي الْآخِرَةِ]، أو أنه [قبيح بحيث يَلْزَم أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُعاقَبًا فِي الْآخِرَةِ].
فالثواب والعقاب في الآخرة لا يُعْرَف إلا من جهة الشرع، فالشرع هو الذي يُعَرِّفنا ذلك.
وقد صَرَّح الشيخ بهذا حين قال:
(الْحُكْم بِحُسْن شيء بحيث يترتب عليه الثواب آجلًا، أو الْحُكْم بِقُبْحه بحيث يترتب عليه العقاب آجلًا). انتهى

لكن يبدو أن هذا القارئ لم ينتبه إلى عبارة الشيخ: (بحيث يترتب عليه الثواب آجلًا - بحيث يترتب عليه العقاب آجلًا).
فالشيخ إنما يتكلم من هذه الحيثية، أمَّا كَوْن العقل قد يُدرك الـحُسن والقبح فهذا هو الذي يُقَرِّره الشيخ كما صرح به في إحدى رسائله (بالإيميل) التي أجاب فيها على إشكال أرسله إليه أحد الإخوة الأفاضلالذين يراسلون الشيخ على الإيميل المكتوب على كُتُبه [email protected] ([email protected])
وسأنقل لكم هذه الرسالة كاملة.
لكن القارئ – المذكور في أول هذا الموضوع - لم يقرأ عبارة الشيخ في كتابه جيدًا، فكتب كلامًا في أحد المنتديات – منذ أيام بتاريخ 29 جمادي الثانية 1433هـ- يزعم فيه أن الشيخ نَفَى التحسين والتقبيح العقلِـيَّـيْن نَفْيًا كُلِّيًّا بإطلاق !!!
وقبل أن يكتب هذا القارئ ما كتبه – كان أحد الإخوة الأفاضل قد راسل الشيخ عبد الله رمضان موسى يسأله عن هذه المسألة، وتلقى الأخ الفاضل الرد من الشيخ في منتصف شهر مايو، وإليكم نسخة من هذا الرد:

اقتباس:
في 15 \ 05 \ 2012، الساعة 9:31 م، كتب عبد الله رمضان موسى [email protected] ([email protected]) :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته: أخي الحبيب، إنما تكلمت عن مسألة محددة، ليست مجرد التحسين والتقبيح، وإنما تحسين شيء بحيث يترتب على فعله ثواب في الآخرة، والتقبيح بحيث يترتب على ارتكابه عذاب في الآخرة، فهذا هو الذي ذكرته بلفظه أنه لابد فيه من الشرع، وهذا صرح به الإمام ابن تيمية نفسه في مجموع الفتاوى (8/434-435) قال:
(وَقَدْ ثَبَتَ بِالْخِطَابِ وَالْحِكْمَةِ الْحَاصِلَةِ مِن الشَّرَائِعِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ وَلَوْ لَمْ يَرِد الشَّرْعُ بِذَلِكَ؛ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْعَدْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الْعَالَمِ، وَالظُّلْمَ يَشْتَمِلُ عَلَى فَسَادِهِمْ، فَهَذَا النَّوْعُ هُوَ حَسَنٌ وَقَبِيحٌ وَقَدْ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ قُبْحُ ذَلِكَ؛ لَا أَنَّهُ أَثْبَتَ لِلْفِعْلِ صِفَةً لَمْ تَكُنْ؛ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ هَذَا الْقُبْحِ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مُعَاقَبًا فِي الْآخِرَةِ إذَا لَمْ يَرِدْ شَرْعٌ بِذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا غَلِطَ فِيهِ غُلَاةُ الْقَائِلِينَ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا؛ إنَّ الْعِبَادَ يُعَاقَبُونَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ الْقَبِيحَةِ وَلَوْ لَمْ يَبْعَثْ إلَيْهِمْ رَسُولًا وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}). انتهى

انتهت رسالة الشيخ عبد الله رمضان موسى



وأذكر ثلاثة أقوال في الموضوع باختصار:

القول الأول: وهو منقول عن فرقة المعتزلة الضالة:
أن العقل يستقل بمعرفة حُسن وقُبح الأشياء، وكذلك الثواب الـمُرَتَّب - في الآخرة - على فِعْل الحسَن ، والعقاب الـمُرَتَّب على ارتكاب القبيح؛ يقعان بالعقل.
فالحسن والقبح والثواب والعقاب – كل ذلك بالعقل.

القول الثاني: وهو منقول عن فرقة الأشاعرة:
الحسن والقبح لا يُدْركان بالعقل، وإنما بالشرع، وكذلك الثواب والعقاب لا يقعان إلا بالشرع.

القول الوسط: الـحُسن والقبح قد يُدْركان بالعقل، أما الثواب والعقاب في الآخرة فلا يقعان إلا بالشرع، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.

وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم في (مدارج السالكين، 1/247):
(وَالْحَقُّ الَّذِي لَا يَجِدُ التَّنَاقُضُ إِلَيْهِ السَّبِيلَ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ الْأَفْعَالَ فِي نَفْسِهَا حَسَنَةٌ وَقَبِيحَةٌ، كَمَا أَنَّهَا نَافِعَةٌ وَضَارَّةٌ .. وَلَكِنْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ إِلَّا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَبْلَ وُرُودِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا يَكُونُ قَبِيحًا مُوجِبًا لِلْعِقَابِ مَعَ قُبْحِهِ فِي نَفْسِهِ، بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ، وَاللَّهُ لَا يُعَاقِبُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ، فَالسُّجُودُ لِلشَّيْطَانِ وَالْأَوْثَانِ، وَالْكَذِبُ وَالزِّنَا، وَالظُّلْمُ وَالْفَوَاحِشُ، كُلُّهَا قَبِيحَةٌ فِي ذَاتِهَا، وَالْعِقَابُ عَلَيْهَا مَشْرُوطٌ بِالشَّرْعِ.
فَالنُّفَاةُ يَقُولُونَ: لَيْسَتْ فِي ذَاتِهَا قَبِيحَةً، وَقُبْحُهَا وَالْعِقَابُ عَلَيْهَا إِنَّمَا يَنْشَأُ بِالشَّرْعِ.
وَالْمُعْتَزِلَةُ تَقُولُ: قُبْحُهَا وَالْعِقَابُ عَلَيْهَا ثَابِتَانِ بِالْعَقْلِ.
وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعِ يَقُولُونَ: قُبْحُهَا ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ، وَالْعِقَابُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُرُودِ الشَّرْعِ ..
وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ .. أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ إِلَّا بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَأَنَّ الْفِعْلَ نَفْسَهُ حَسَنٌ وَقَبِيحٌ). انتهى كلام الإمام ابن القيم.
http://www.akazeab.com/image/hadm.jpg


أصْل كلام الشيخ عبد الله رمضان موسى في كتابه (هَدْم أصول أهل البدع)

أنقل لكم ما يلي لبيان السياق الذي قال فيه الشيخ عبد الله رمضان موسى هذا الكلام حيث كان يرد على الغماري؛ فالغماري أباح الابتداع في العبادات الشرعية وزعم أنَّ المبتدع له أجْر!!

قال الشيخ عبد الله رمضان موسى في كتابه (هَدْم أصول أهل البدع، ص342-355):
(قال عبد الله الغماري في كتابه «إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة، ص17»: [ويجب أن ننبه على مسألة مهمة، لا يعرفها أهل العلم، فَضْلًا عمن دونهم، وهي تُعِين على فهم هذه الأحاديث .. وهذا معنى ما أفادته الأحاديث المذكورة بعبارة: «من سَنَّ سُنةً حسنة» ..كان له أجرها]. انتهى كلام الغماري.
قلتُ: لقد صدق الغماري حين قال: [ننبه على مسألة مهمة لا يعرفها أهل العلم].
فهذا الكلام الذي قاله الغماري لا يَعْرفه أهل العلم؛ وإنما يَعرفه أهل الجهل والهوى فقط!!
فالذي يَعْرفه أهل العلم حَقًّا هو ما سيأتي في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول:
بيان الواقعة التي قال فيها - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سَنَّ سُنَّة حسنة» والمعنى الذي أراده.
المطلب الثاني:
بيان أن عقيدة أهْل السُّنَّة والجماعة أَّن الشرع - وليس العَقْل - هو الذي له الْحُكْم بِحُسْن شيء بحيث يترتب عليه الثواب آجلًا، أو الْحُكْم بِقُبْحه بحيث يترتب عليه العقاب آجلًا.
وإليكم تفصيل ذلك:
المطلب الأول:
بيان الواقعة التي قال فيها - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سَنَّ سُنَّة حسنة» والمعنى الذي أراده:
نسأل السؤال التالي؛ ليفهم القارئ معنى «سن سنة حسنة»:
متى قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ»؟
هل قالها - صلى الله عليه وسلم - فيمن اخترع عبادة لم يَنُص عليها الشرع؟ أَمْ قالها - صلى الله عليه وسلم - فيمن ابتدأ تطبيق العبادة التي نَصَّ عليها الشرع نَصًّا صريحًا؟
الجواب نجده في الحديث الذي في «صحيح مسلم» .. فذلك صريح في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حثهم على التصدق على الفقراء، فَأَبْطَئُوا في تنفيذ ذلك، فجاء رجل وابتدأ باب التصدق؛ فتتابع القوم بعده اقتداءً به حيث إن تَصَدُّقه بِصُرَّة كبيرة جدًّا شجعهم على التصدق.
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما قال قوله هذا فيمن ابتدأ تطبيق العبادة التي نَصَّ عليها الشرع نَصًّا صريحًا، وليس فيمن اخترع عبادة وابتدعها وأنشأها من عند نفسه.
وإليكم تصريحات كبار أئمة الإسلام: .... وإليكم تصريحات كبار أئمة لغة العرب: ....
فحين حَثَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على التصدق وبَذْل الصَّدَقة، هل وُجدت الصدقة في الواقع العملي بهذا الحث؟
الجواب: لا؛ إنما أَوْجَدها الصحابي الذي كان أول متصدق، فهو الذي أنشأها في الواقع العملي.
فهناك سَنٌّ نظري، وسَنٌّ عملي.
ونجد في الحديث المذكور أن السَّن النظري فَعَله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والسَّن العملي فَعَله الصحابي ..
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً» معناه: مَن سار في السُّنَّة؛ أي: مَن عمل بالسُّنَّة.
وهذا يتطابق مع قول الإمام أبي منصور الأزهري في كتابه «تهذيب اللغة»: [وفي الحديث: «من سنَّ سُنّة حسنة .. » يريد: مَن عمل بها .. ].
....
المطلب الثاني:
بيان أن عقيدة أهْل السُّنَّة والجماعة أَّن الشرع - وليس العَقْل - هو الذي له الْحُكْم بِحُسْن شيء بحيث يترتب عليه الثواب آجلًا، أو الْحُكْم بِقُبْحه بحيث يترتب عليه العقاب آجلًا:..). انتهى

انتهى النقل – باختصار شديد - من كتاب الشيخ عبد الله رمضان موسى، والموضوع في 14 صفحة تقريبًا.
والكتاب كامل في 636 صفحة.
وهذا فهرس موضوعاته:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=272932
والحمد لله رب العالمين