المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلل الفاخرة في بيان صفات العباقرة



أهــل الحـديث
17-05-2012, 11:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..


أما بعد:


فإني وجدت عقول الناس متفاوتة تفاوتا مبينا، وهم كلهم في فلك يسبحون. فمنهم البليد العقيم الفهم، السائر بسير العامة من الدهماء، يعيش دنياه من غير ما بأس، لأنه يكتفي في فهومه للأمور بسطحها، لا يتعنت البحث عن المشكلات، ولا المسائل المستعصيات، وهذا الصنف من الناس الغالب فيه الاعتدال في سلوكه تكفيه بلادته[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1) في التواصل، لأنه جدي في أتفه الأمور، يوافق الغالب من بني آدم، لذا لا تجد التواصل بين هذا الصنف متعثرا.


ومن الناس من سمى عن هذه الرتبة قليلا بشئ من الذكاء، تجده معجبا بنفسه لتميزه عن الأصل، -وقد تشاركه طائفة من الأغبياء هذا الإعجاب-، له حظ من الفهم، لكنه مهما يكن فليس ينفعه إلا في تفاهات العيش، من التواصل مع الأغبياء وأضرابه.
ومن الناس طائفة أخرى[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2) أوتيت بسطة من العقل قاربت الجنون، والعلة في ذلك كون الفرد منهم لا يرضى من الأمور بظواهرها، ولا يشغل نفسه بالتفاهات، بل يفهم الأشياء بنظر خاص، مما يولد رد فعل خاص، وأسلوبا خاصا. وهذا التميز في الأسلوب المتولد عن النظرة الخاصة للأشياء يستغربه غالب الناس، فلا يؤولونه لبلادتهم إلا بغرابة أطوار صاحبه، وتالله ليس كذلك، وإنما هي غربة في الفهم.


وهذا الصنف الأخير هو موضوعي في هذه الكلمات اليسيرات، -فاللهم عونك وفتحك لا رب سواك-.


إذا حاورت إنسانا بهذه الأوصاف المذكورة، وكنت معدوما مما اتصف به، فغالب ما تحاوره به في نظره من التفاهات، لدى تجده يتصرف تصرفات غريبة في نظرك، وأنا هنا أجرد لك عللها:


1. أن تجد المسائل التي تطرحها عليه من مسلمات الأمور، فهو لا يراها مما ينبغي ضياع الأعمار في تحليله، أو تحديد أسبابه وتعليله. ورد فعله في هذه الحال يكون بحسب أخلاقه، فإنه إن كان ممن حسنت أخلاقه فيسايرك، بل يحاول اصطناع المسايرة وتكلفها. وأما إن كان سيء الأخلاق –مع ندرة سوء الخلق في هذه الطائفة- فإنه يستهزئ بك بطريقة يستغربها غالب المجاورين لك، وإن كانت في جوهرها صائبة.
2. ومن ذلك أن يستنبط من كلام محاوره فائدة مستغربة لا يرى البسيط لها داعيا في ذلك الموضع لتواضع فهمه أو اعتدال ذكائه، فيكون الحكم بغريب حال المستنبط، وليس إلا غباء من صاحب الحكم.
3. من صفات العباقرة ميولهم نحو الغرائب، وتركهم للمسلمات، واشتغالهم بالألغاز، وتركهم للتفاهات.. والذي يكون على هذا النحو يخالف عامة ذوات اثنين في تفكيرهم، لدى يكثرون الإنكار عليه، وهنا أفتح بابا خطيرا في:



ذكر مآل العبقري، وأنه إما إلى نبوغ وإما إلى جنون

اعلم أن العبقري إما أن يكتشف جودة ذهنه وإما أن يحرم ذلك، وسبيل اكتشافها رحمة الله ثم العلم، فإن اكتشفها العبد فهو في ذلك بين أمرين:


أن يحسن استعمالها أو أن يسيئه، فإحسان الاستعمال أن يضع نفسه موضعها، ويهجر الكلام مع الخلق، لأنه مما يؤذيه بردودهم البليدة، وأحكامهم السقيمة. والإقبال على العلم، وتعليل مسائله، واستنباط فوائده، والزيادة في المعارف البشرية، ونفع الخلق في الدين والدنيا. وليس وراء هذا من حسن استعمال.


وأما إساءة استعمال هذا الفضل والزيادة من الفهم، فأن يحاول صاحبه مسايرة الناس فيما يرومون من النقاشات، والمسائل، فإنه يدخل بذلك دائرة موصولة غير متقاطعة، لا يرجع إلا وقد أتعب ذهنه، وأنهك نفسه، وسال منه عرق كثير.


وأما عدم اكتشاف المرء لعبقريته، فلا أرى له مردا إلا الجهل. وكل من المسيء والجاهل لا يتوانى الناس في وصفه بالجنون، لما تقدم ويأتي من تعارض طرق التناول والفهم. وقد حان أوان ذكر:



بابٍ في أن العبقري الجاهل أتعس الخلق

وإنما قلت هذا لأبينه، فانظره لعلك تجد فيه دواءك إن كنت عبقريا لم يكتشف فضل الله عليه.


إن العبقري من الناس له قواعده الخاصة في التناول و الفهم والاستنباط، وتفرده يجعل نظرته للحياة نظرة خاصة، ومن كان كذلك حكم عليه جبرا بالعزلة والوحدة، فإذا مل العزلة وحاول مخالطة الدهماء وأصحاب الفهوم العادية رفضوه، فليسوا يلتقون أبدا. فيبقى مترددا بين العزلة الجبرية المؤرقة، وبين رفض الآخرين له، فياله من ابتلاء وشقاء دنيوي، وتعاسة لا تنفك عن صاحبها إلا برحمة من الله.


ولما كان الأمر مهولا فإني أعقد:



بابا في ذكر علامات العبقري



1. أول علامات العبقرية كثرة الإنكار، فإن هذا النوع من البشر بصير بعيوب الأشياء، فكلما رأى عيبا بدار بإنكاره، وليس اكتشاف العيوب سببا واحدا في إنكاره على الآخرين، بل قد يكون إنكاره لمجرد الإنكار، لأنه لا يحب مسلما إلا نقضه ثم أقامه بتعليله.
2. بغض الحشو، فتجد كل كلامه فوائد، أو محاولات للاستنباط، أو تساؤلات كتساؤلات الصبيان، لا يرى لها غالب الناس داعيا.
3. الفشل في الأمور الجماعية، فلست تجده في شركة أو جماعة من الناس، والعلة في ذلك كونه أنه يرى أفهامهم سقيمة، وتناولهم للأشياء بطيئا، وبغضه للكلام العديم الفائدة، فليس يتوانى في تركهم، فإن هو سلم وتابع، فهو فيهم إما مشاغب، أو خامل ترك المراء والجدال.
4. حب القيادة، فلا يكون إلا قائدا مبغضا أن يقاد، لذا تجد العبقري عصبيا في المدرسة والجامعة والعمل، لا يحب تسلط الناس عليه مهما بلغت رتبهم، وهو أقرب الناس إلى الحرية.




كتبه: خالد بن محمد أيت علي الإدريسي





[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref1) لما أذكر الغباء والبلادة فلست أذكرها من باب التنقيص، وإنما أحكي بحكايتها الواقع، والمقال علمي لابد من بيانه بألفاظ مجردة.

[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref2) لست أحصر أصناف العقول في هذا الذي ذكرت، لكني أرى والرأي رأي: أن كل العقول داخلة فيما ذكرت.