المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منطق عجيب - للعلامة هرّاس



أهــل الحـديث
14-05-2012, 10:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مقال بقلم العلامة د. محمد بن خليل هرّاس، المتوفى سنة 1395هـ رحمه الله تعالى ورضي عنه، قال فيه:
يحاول أنصار المرأة الذي يدلونها بغرور، ويزينون لها الخروج على ما حده لها الدين، واختصتها به الفطرة، أن يتعسفوا الحجج والمبررات لدعواهم الكاذبة في المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وهم في سبيل ذلك يوردون ألوانًا من المنطق غاية في السخف، ويظنون أنهم بها قد نصروا قضية المرأة، وحولوها من قضية جائرة ظالمة إلى قضية شرعية مدعمة بالحجج والبراهين.
كنت أقرأ ذات يوم في ملحق لصحيفة صباحية، فلفت نظري في الصفحة النسائية عنوان بالبنط الكبير لكلمة صغيرة وضعت في إطار مربع، وكان هذا العنوان هو كلمة (استفتاء)، وقرأت ما تحته؛ فدهشت، إذ رأيت الكلام المعنون له لا يطابق العنوان، ووجدت السيد المستفتي قد انقلب مفتيًا، وألفيت نفسي فجأة أمام قياس منطقي في غاية الغرابة، يحاول صاحبه أن يفرضه على القارئ، رغم ما في مقدماته من فساد ومغالطة.
يقول السيد صاحب الاستفتاء أو بالأحرى صاحب الفتوى: أليس من المتفق عليه أن الإسلام دين الفطرة؟ وهل تكون الفطرة شيئًا غير الحياة، وحينئذ يجب أن تكون أحكام الإسلام بحيث تتلاءم مع كل تطور تنتهى إليه الحياة، فإذا اقتضت سنة التطور في هذا العصر أن تتساوى المرأة بالرجل في كل شيء، فينبغي أن لا يكون في الإسلام ما يمنع من إقرار هذه المساواة، وإلا لم يكن هو صالحًا للتطور، ولم يكن هو دين الفطرة.
هذا هو القياس الأعرج الذي ساقه الكاتب، ليثبت به تلك القضية الخاسرة، وليلبسها في زعمه ثوبًا من الدين، فإنه هو وأمثاله من أنصار تلك المساواة المزعومة يتوهمون أن الدين وحده هو الذي يقف عقبة دون تحقيقها، ومن هنا كان همهم الأول أن يجدوا لها سندًا من الدين، وهيهات، فإن الدين قد أصدر في هذه القضية حكمه الذي لا يرد، حين قال في الكتاب الكريم: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، وحين منع النساء من الولاية العامة، وأخبر أنهن أنقص عقلاً ودينًا من الرجال، وجعل شهادتها بنصف شهادته. على أنهم لو نظروا إلى المسألة من أية ناحية، وبأى اعتبار
آخر غير الدين، كالمصلحة العامة، أو الحفاظ على كيان الأسرة، أو الوقاية من خطر التحلل الذي يسببه اختلاط المرأة بالرجل، لوجدوا أن تلك المساواة التي ينادون بها حماقة من حماقات ذلك العصر، الذي يريد أن يتعدى كل حد، ويتفلت من كل قيد، ويهدم كل مبادئ الدين والأخلاق.
ولنرجع إلى مناقشة تلك المقدمات التي ساقها الكاتب لنكشف عما فيها من زيف ومغالطة، ونحن نوافقه في قوله أن الإسلام دين الفطرة، فإن ذلك ما لا يشك فيه مسلم، بل
جميع العقلاء يقرون للإسلام بهذه الميزة، فليس في الإسلام -عقائده وأحكامه- ما يجافي الفطرة الصحيحة، أو يتنافى مع النواميس الكونية، ولكن قوله بعد ذلك إن الفطرة هي الحياة، فلسنا نعرف ماذا يقصد بالحياة، فإن الذين مسخوا الفطرة وشوهوا جمالها هم أيضًا أحياء، فهل يمكن أن يقال إنهم على الفطرة السليمة التي خلقوا عليها يوم خلقوا، والتي جاء الدين بإقرارها؟ لا، بل الذي يسمى فطرة هي الحياة المستقيمة التي لا انحراف فيها
ولا فساد، ونحن حينما نقول إن الإسلام دين الفطرة، لا نريد الحياة بمعناها العام، وإلا لجاز أن نقول إن الناس كلهم على الفطرة لأنهم جميعًا أحياء.
ولعل هذا الغلط في تفسير الفطرة في ذهن الكاتب هو الذي أوقعه في الغلط، حين طلب أن تتطور أحكام الإسلام وشرائعه تبعًا لتطور الحياة ومقتضيات المدنية، وكان الأجدر به ككاتب مسلم أن يعكس المسألة، فيجعل تطور الحياة تبعًا لأحكام الإسلام وشرائعه، حتى يكون تطورًا للكمال والخير.
وما رأى الكاتب الفاضل إذا كانت مدنية هذا العصر قد اقتضت خروج النساء كاسيات عاريات، واختلاطهن بالرجال في النوادي والمجتمعات، ومزاحمتهن لهم في كل ميدان من ميادين الحياة؟ بل أقتضت رفقتهن مع الرجال في الحفلات، هل يصر مع ذلك على أنه يجب أن يكون في الإسلام ما يبرر هذه الحالات وإلا لم يكن دين الفطرة؟ إن هذه الفطرة التي يريد أن يتخذ منها حجة على وجوب مساواة المرأة للرجل قد شهدت بعكس ذلك تمامًا، فليس الفطرة أن المرأة تشبه الرجل، بل قد جعل اللَّه لها تكوينًا خاصًا تهيأت به لأمور ووظائف ليست من شأن الرجال، مثل الحمل والولادة والرضاع والحضانة وغير ذلك من الأمور التي لو خرجت عنها لم تكن على الفطرة، ولم تكن هي ذلك النوع الذي من شأنه كذا وكذا.
فيا أنصار المرأة تتبعوا أنفسكم في التماس الحجج لنظريتكم الهدامة المخربة، واعلموا أنكم مهما جهدتم فلن ترجعوا بطائل، وما حججكم إلا كسراب بقيعة تغرون به النساء، فلا تغيروا خلق اللَّه، واحترموا سننه التي وضعها لكم، فإن في ذلك ما يضمن لكم الحياة الطيبة التي وعدها اللَّه عباده الصالحين.

المصدر: مجلة (التوحيد)، العدد 2 صفر سنة 1397هـ، الصفحة 35.