المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطورة مفهوم مصطلح رجال الدين



أهــل الحـديث
14-05-2012, 12:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


خطورة مفهوم مصطلح رجال الدين )

الحمد لله المعبود الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم ، والصلاة والسلام على نبيه محمد بن عبدالله وآله وصحبه ومن والاه .. أما بعد ..
فإن من أخطر المفاهيم الغربية التي أدخلها الكافر المستعمر قديماً على ثقافة المسلمين عن طريق غزوه الثقافي مفهوم (رجال الدين) إن هذه الكلمة تحمل مفهوماً خطيراً ، ومعنى فاسداً سقيماً ، وقد استطاع الكافر المستعمر أن يركزه عند المطبوعين بثقافته آنذاك ، وإعلامنا المغزوّ اليوم صار كذلك يردد هذه الكلمة وصفاً لعلماء المسلمين ودعاتهم وفقهائهم ، حتى صار كثيرٌ من المثقفين والدعاة بل والمحسوبين على العلم الشرعي يردد هذه الكلمة دون إدراكٍ لمفهومها ومنشئها ، أو فهمٍ لمعناها ومرادها ..
إن كلمة ( رجال الدين ) اصطلاحٌ أجنبي ، أطلقه الغربيون على القسس والرهبان والأساقفة ، وصفاً لحالهم ، وتقريراً لواقعهم ، وذلك حينما قامت الثورة الفكرية 1789م في أوروبا تطالب بالإصلاح والتحرر من سيطرة الكنيسة ورجالها ، تلك الكنيسة كانت تقف في وجه كل دعوة إصلاحية حسب المفاهيم الغربية وتتهمها بالمروق من المسيحية ، فسامت الناس الناس سوء العذاب قرونا عدة ، وقهرتهم وظلمتهم باسم الدين ، مما أدى إلى تأخر أوروبا وفسادها وشيوع الاضطراب النفسي والفكري وبالتالي المادي ..
فرجال الكنيسة كانوا يرون أن الإنسان فيه السمو الروحي والنزعة الجسدية ، وأن السمو الروحي لا يلتقي مع النزعة الجسدية ، وأن المادة منفصلة عن الروح ، ومن هنا نشأ التناقض ، فكان الفصل عندهم بين المادة والروح .!!
ولما كان ترجيح إحدى النزعتين ضغطاً لوزن الأخرى ، فقد حاول رجال الكنيسة التمسك بالسلطة الزمنية إذ بها يستطيعون الإشراف على النزعتين ، وتحقيق التوازن بينهما ، فيعيش الناس بهناءة وسعادة كما زعموا .
ولكن لم يستطع رجال الكنيسة الإبقاء على السلطة الزمنية بأيديهم ، فقد نازعهم فيها رجال الفكر فانتزعوها من بين أيديهم ، وتركوا لهم أمور العبادة والطقوس الدينية يديرونها كيفما يشاؤون ، وحسبما يريدون ، وقد رضي رجال الكنيسة بهذا الحال فقد أصبح واقعاً لا يمكن تغييره ، ووجدوا في القول المأثور عندهم :
( أعط ما لقيصر لقيصر ، ومالله لله ) خير عزاء وسلوان .
والخلاصة : استقلالية رجال الكنيسة بالسلطة الروحية ، واحتفظ السياسيون بالسلطة الزمنية ، ونتج عن هذا الاستقلال فصل الدين عن الحياة ، وفصل الدين عن الدولة والحكم والسياسة وعن شؤون المجتمع وعلاقات الدولة .
وأصبح من جراء هذا الفصل أن صار للدين مفهوم ضيق هو : تدبير شؤون العبادة المسيحية داخل الكنيسة ، وصار لهذا الدين بهذا المعنى رجاله الخبيرون بشؤونه المتفرغون لخدمته ولتنظيم طقوسه وتراتيله ، ثم أطلق على هؤلاء دون غيرهم مسمى ( رجــال الــديـن ) !
وصار مفهوماً ومعلوماً لدى الجميع أن رجال الدين لا شأن لهم في الحكم والسياسة ولا في شؤون الدولة وعلاقاتها ، ولا في أفعال الحاكم وتصرفاته ، ولا حتى في شؤون عامة الناس وعلاقاتهم ، وإنما شأنهم وكل عملهم هو في العبادة ، وهو كل الدين ، ومن عمل منهم بخلاف ذلك فقد خرج على سلطان الكنيسة ، وأصبح مارقاً منها منبوذاً من قبل رجال الأكليروس ..
ومن هنا تكمن الخطورة في دخول هذا المفهوم على المسلمين وإطلاق هذا المسمى على علمائهم ، إذ إن هذا يعني تقرير المذهب العلماني وفرضه ولكن بصورة غير مباشرة ، فليس لكم أيها العلماء تدخلٌ في شؤون الدولة ، ولا يجوز لكم مناصحة الحكام والرؤساء ولا الاحتساب عليهم ( فلكم دينكم ، ولهم سياساتهم وشؤونهم الخارجية والداخلية ) ، ومن هنا يقف الغرب وقفة العداء لنا معاشر المسلمين لأن علماءنا هم ولاة الأمر حقاً وهم مرجعية الأمة قاطبة حكاماً ومحكومين ، فهم يديرون ولا يُدارون ، وما ابتليت الأمة وأصيبت إلا لما أدار الحكام العلماء وأذلوهم وقلدوهم المناصب ففتنوهم ، وضيقوا علهم دائرة الحل والربط وهذا تماماً كحال رجال السياسة والفكر الذين ضيقوا على رجال الكنيسة في زمام أمور السلطة الزمنية وانتزعوها منهم ، فإخراج العلماء عن مسماهم الشرعي والذي يقتضي كونهم مرجعية للأمة وأوصياء على أفرادها إلى مسمى ( رجال الدين ) يخرجهم عن أمانتهم ووظيفتهم التي وُكلت إليهم ، ويجرّء كل ناعق عليهم لأن المشابهة في المسمى تقتضي المشابهة في المضمون على الأقيسة الفاسدة عندهم !!
فمتى خرج علينا من ينادي بعدم فرض الوصاية عليه ، وأنه ليس للعلماء ولا الدعاة وصاية على أحد ؟؟ إلا بسبب اعتقاده وتبنيه هذا الفهم السقيم ؟
فكيف إذاً نفهم نصوص الشريعة التي توصي العلماء والدعاة بالقيام بمهتهم تجاه أمتهم كحديث أبي سعيد الخدري عند مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم :
( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )
وقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ]آل عمران : 104[ ؟؟
وأما عن المسمى ، فليس في الإسلام رجال دنيا ورجال دين ، فكل رجل مسلم هو رجل من رجال الإسلام ، ومن يعتقد بالإسلام يسمى مسلماً والمسلمون جميعاً أمام دين الإسلام سواء .
وليس في الإسلام سلطة دينية بالمعنى الكهنوتي ولا سلطة زمنية منفصلة عن الدين ، بل السلطة واحدة ، تقوم على أساس الإسلام وتطبق الإسلام وحده ، لأن الإسلام دينٌ والدولة جزءٌ منه ، والسياسة - وهي رعاية شؤون الناس - حكم شرعي من أحكامه ، ولأن الإسلام عقيدةٌ ونظام ، أما كونه عقيدة فلأن أساسه الإيمان بالله وحده إلهاً وخالقاً ومدبراً ومتصرفاً والإيمان بملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر ، فهذه العقيدة ومنها انبثقت أنظمة الإسلام في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع ، والعقوبات والبينات والمعاملات ...إلخ .
وقد سمى الإسلام الذين تخصصوا في فهمه بالعلماء والفقهاء والمجتهدين ، أما العلماء كما في قوله تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ]فاطر : 28 [ .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء .. الحديث ) .
أما الفقهاء فدل عليه قوله تعالى : ( ليتفقهوا في الدين ) ]التوبة : 122[ .
وما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية مرفوعاً : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) .
ومن هنا يتبين مفهوم هذا المنطوق السقيم أعني ( رجال الدين ) ودلالاته الفاسدة ، وعليه فالحذر الحذر من تكراره وترداده إعلامياً أو في المجالس العامة والخاصة بل ينبغي علينا بيانه وبيان معناه وبيان مقصوده ومنشئه ليكون الناس على وعي ومعرفة بهذا الأمر ، وليحذر منه على وجه الخصوص دعاتنا الصادقون و إعلامنا المُحافظ ..
أسأل الله أن يفقهنا في دينه وأن يجعلنا من حملته العاملين ودعاته المخلصين والحمدلله رب العالمين ..


ماجد بن عطيه الزهراني .. الإثنين 16 / 6 /1433 هـ
حسابي بالتويتر:
@M_azzahrani