تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل هذا الكلام صحيح في القضاء والقدر على منهج اهل السنة والجماعة ؟؟؟



أهــل الحـديث
13-05-2012, 11:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أفعال العباد بين الجبر والاختيار في القرآن الكريم

أ.د. عبد الملك عبد الرحمن السعدي العراقي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بيده ملكوتُ السمواتِ والأرضين، يُعزّ من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمةً للعالمين الهادي البشير، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتقدير.
أما بعد:
فإن مسألة القضاء والقدر والإيمان بهما من المسائل التي أشغلت أفكار السابقين من أعلام هذه الأمة، وهي لا تزال تُشغل بال اللاحقين؛ لما لها من خطورة جسيمة على عقيدة المؤمن؛ لأنها إحدى أركان الإيمان.
وقد صارت هذه المسألة منشأ خلاف وضلالات للبعض، ومتكّأ يتكئ إليها البعض الآخر إذا ما أراد الانصراف عن عمل الخير أو التقرب إلى أعمال الشر، فكم زَلّتْ بها أقدام وانحرفت بالخوض بها عقائد وأقلام، وشغلت السواد الأعظم من المفكرين والكُتَّابُ، وأصبحت موضع استفسار واستفهام من الناس، فكثير ما نسمع: هل الإنسان مسيّر أو مُخَيَّر؟
والبعض يسمح لنفسه ويبرر لها المضي في الموبقات بحجة أن الله قد كتب عليَّ ذلك، ويتهاون في عمل الواجبات متذرعاً بأن الله لم يكتب له ذلك.
وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر؛ لأن السير في طريقه سير في طريق شائك، رأيت أن أكتب فيه هذه الأسطر المتواضعة؛ لعلي أصل بالقارئ لها إلى نتيجة تُزيلُ عنه الوَهَمَ وترفع عنه الشك وتمنحه الراحة والاستقرار في الاعتقاد.
فأقول وبالله التوفيق وهو المستعان:
إن موضوع البحث يستلزم أن أكوِّنه من مقدمة ومطلبين:
- المقدمة: أبحث فيها عن معنى القضاء والقدر والإرادة والمشيئة والهداية والضلالة والأمر لغةً واصطلاحاً مبيناً مدلولات هذه الألفاظ، ثم أبين تكوين الإنسان وطبيعته ومكانته بين سائر المخلوقات ومدى صلاحيته لتحمل الأمانة والتكليف الإلهي، ثم بينت السببية والمسببية عند العلماء.
- وفي المطلب الأول: أتحدثُ عن أفعال العباد الاختيارية والاضطرارية ذاكراً آراء الفرق الإسلامية في مصدر فعلها وإيقاعها مُبَيِّناً أدلة كُلٍّ مع مناقشتها، ثم انتهي إلى الرأي الراجح لديّ منها.
- وسيكون المطلب الثاني: مُخَصَّصاً للآيات القرآنية الواردة بهذا الخصوص ومبيناً التوفيق بين ما يبدوا لنا وكأنها متعارضة، والله يهدي السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.

المقدمة
أولاً: التعاريف:
1. القضاءُ لغة: الحكمُ، يقال: قضيت بين الخصمين أي حكمتُ (1) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#1).
واصطلاحاً: هو الإرادةُ الأزليةُ المتعلقةُ بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال، أو عِلْمُ الله بها (2) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#2).
2. القَدَرُ لغةً: ما يُقَدِّرُهُ الله عز وجل من القضاء (3) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#3).
واصطلاحاً: إيجادُ الله الأشياء على قَدَرٍ مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها (4) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#4).
ومن خلال التعريفين اصطلاحاً يتضح لنا الفرق بين القضاء والقدر.
فالأول: يراد ما حكم الله به أو عَلِمَهُ أزلاً كالمهندس والمخطط للدار.
والثاني: يراد به تنفيذ ما حكم به جل شأنه وفقاً لمقدار معين في ذات أو حال معينة، كالبَنَّاء يُنَفِّذُ ما صمَّمَه المهندس.
وكل منهما يُطلق على عدة معان أذكرها فيما يأتي:
فالقضاء يُطلق على الخلق، مثل قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) [فصلت: 12]، أي خلقهن.
ويُطلق على الإيجاب والإلزام، مثل قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) [الإسراء:23]، أي أوجب وحكم.
ويُطلق على الإعلام والتبيين، مثل قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ) [الإسراء: 23]، أي أعلمناهم وبَيَّنا لهم.
ويُطلق على الفراغ، مثل: قضيتُ حاجتي، أي فرغتُ منها.
ويُطلق على الإبلاغ، مثل قوله تعالى: (وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ) [الحجر: 66]، أي أبلغناه إليه.
والقدر يطلق أيضاً على:
الخلق والتقدير، مثل قوله تعالى: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا) [فصلت: 11]، أي خلق.
وعلى الإلزام والإيجاب، مثل قوله تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) [الواقعة:6]، أي ألزمناه.
وعلى الإعلام والتبيين، مثل قوله تعالى: (أَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ)[النمل:57]، أي أعلمناه بذلك وكتبنا في اللوح المحفوظ (5) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#5).
3. الإرادة لغة: طلب الشيء واختياره.
والمشيئة لغة: الإيجاد، يقال: شاء زيد الأمر يشاؤه مشيئاً من باب نال أراد وجوده، والمشيئة اسم منه (6) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#6).
واصطلاحاً: هي تخصيص الممكن ببعض ما يجوز له، أو هي صفة توجب للحي حالاً يقع منه الفعل على وجه دون وجه، وضدهما الإكراه وعدم الاختيار (7) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#7).
وهما اسمان مترادفان عند أغلب العلماء.
وقد فَرَّقَ بينهما البعض فقال: إن الإرادة تكون في الأكوان والأحكام، وإن المشيئة تكون في الأكوان فقط، فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق، أي كل مشيئة إرادة ولا عكس (8) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#8).
4. الهدى لغةً: الإرشاد والدلالة، يقال: هديتُهُ الطريقَ والبيتَ هداية، أي عَرَّفتُه به (9) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#9).
واصطلاحاً: هي إرشاد الله ودعوته للناس إلى طريق الخير، أو خلق الطاعة فيهم وهو ما يطلق عليه (التوفيق) ويقابله الضلال.
ويتضح لنا من هذين التعريفين أن للهداية معنيين:
1. الدلالة والإرشاد.
2. خلق الطاعة بالعبد وإيصاله إليها.
5. الأمر لغة: هو الطلب (10) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#10).
واصطلاحاً: قولٌ دعا إلى تحصيل الفعل على طريق الاستعلاء والعظمة والتضرع (11) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#11).
والأمر ملازم للإرادة عند المعتزلة، فكل ما أراده الله مأمور به.
وعند أهل السنة والجماعة: بينهما عموم وخصوص من وجه، يظهر ذلك بالأمثلة الآتية:
• شيء أراده ولم يأمر به، مثل: كفر أبي جهل.
• شيء أراده وأمر به، مثل: إيمان أبي بكر.
• شيء لم يرده وأمر به، مثل: إيمان أبي جهل.
• شيء لم يرده ولم يأمر به، مثل: كفر أبي بكر.
ثانياً: تكوين الإنسان ومكانته بين المخلوقين.
المخلوقات الحية المتحركة بالإرادة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1. أجسام نورانية فيها العقول فقط -وهم الملائكة-، وهؤلاء لا يعرفون إلاَّ الطاعة؛ إذ وُجِدَ فيها عنصر الطاعة فقط: (لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
2. أجسام ظُلمانِيَّة فيها الشهوة والغضب، هي الحيوانات ما عدا الإنسان. وهذه لا تُكَلَّفُ بأمر ولا نهي؛ لأنها تفقد الجهاز المُمَيِّز بين الحسن والقبيح، وبين الشر والخير، وبين الحق والباطل، وبين النافع والضار.
3. أجسام ظُلمانِيَّة فيها العقل والشهوة والغضب -هو الإنسان-، فهو ذو شَبَهَيْن: يُشْبِهُ المَلَك من الناحية العقلانية، و يُشْبِهُ الحيوانات الأخرى من حيث الشهوة والغضب.
فإذا تَغَلَّبَ الجانب العقلاني على الجانب الشهواني، فاقَ المَلَكَ وصار خيراً منه؛ إذ تَغلُّبُ هذا الجانب لم يحصل إلاَّ بعد صراع عنيف بين العقل والشهوة، والمَلَكُ يفقد عنصر الصراع؛ لأنه لم يُرَكَّب من عنصرين.
وإذا تَغَلَّبَ الجانب الشهواني على الإنسان، صار أرْدَأ من الحيوان؛ لأن الحيوان ليس لديه الجانب العقلاني ليصارع الجانب الشهواني.
قال تعالى في حق الكافرين والمتمردين: (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179].
فالعقل هو الجوهرة في الإنسان، وهو جهاز التمييز بين الأمور، وعلى هذا الأساس، ولأن الله جعل فيه عوامل تدفعه للخير أو للشر، وجعل فيه القابلية لفعل ما يشاء منهما: حَمَّلَه الله مسؤوليةَ التكاليف، وحَمَّلَه الأمانةَ بعد أن رفضتها المخلوقات عظيمةَ الأجرام والأحجام ولم تقبل تحملها؛ لأن التحمل عِبْءٌ كبير يحتاج إلى الجهاز المنظم لشؤون ما يتحمل.
والعقل جعله الله مناطَ التكليف لا الجسم، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب: 72].
فإذا لم يقم الإنسان برعاية ما ائتمنه الله تعالى فإنه كثيرُ الظلم لنفسه وكثيرُ الجهل بها؛ إذ لم يعرف مكانته التي وصفه الله بها ورفعه عمن سواه من مخلوقاته، فنال تكريم الله بأن جعله أفضل المخلوقين وصَوَّرَه في أحسن تقويم.
ولِمَا للعقل من مكانة عُظمى عند الله تعالى وأهمية جسيمة في تسيير أمور الحياة ترى القرآن الكريم يُكْثِرُ من ذكره بلفظ العقل تارة، وبلفظ اللب تارة، وبلفظ القلب أخرى: (أفلا تعقلون)، (لعلكم تعقلون)، (أفلم تكونوا تعقلون)، (لقوم يعقلون).. وهكذا، (وما يذكر إلا أولوا الألباب)، (لآيات لأولي الألباب)، (لمن كان له قلب)... ونحو ذلك.
ثالثاً: السبب والمُسَبَّبُ.
يعتقد جمهور أهل السنة والجماعة: أن السبب ليس هو المُؤَثِّر في المُسَبَّب، بل المُؤَثِّر هو الله تعالى، ويحصل المُسَبَّب عند وجود السبب لا به، والتلازم بينهما عقلي (12) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#12).
وهو ما يراه إمام الحرمين، والغزالي، والرازي، وبمثلهم قالت الفلاسفة إلاَّ أنهم يرون أن التأثير للعلة.
ويرى الأشاعرة: أن الترابط بينهما عادي وليس عقلياً؛ لذا نرى المُسَبَّبَ يَتَخَلَّفُ أحياناً مع وجود السبب.
ويرى المعتزلة: أن الله يخلق السبب فقط ويتولد من ذلك خلق المُسَبَّب، فالله خلق القوة في اليد فتَوَلَّدَت بها حركة اليد، ومن حركة اليد تَوَلَّدَت حركة المفتاح، يبغون بذلك عدم خلق الله لأفعال العباد (13) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#13).
المطلب الأول: أفعال الإنسان
تنقسم أفعال الإنسان -أي ما يقع منه وما يقع فيه- إلى قسمين: ضرورية، واختيارية:
1. فالفعل الضروري: ما حصل في الذات القائم به بإحداث الله تعالى وتخليقه من غير أن يكون للذات فيه فعل الكسب والاختيار ولا قدرةُ التحصيل والترك، نحو حركة المُرْتَعِش، وسكون اليد الشَلَّاء وغيرهما.
2. الفعل الاختياري: ما يحصل في الذات القائم به بإحداث الله تعالى وتخليقه أيضاً، لكن للذات فيه فعل الكسب والاختيار وقدرة التحصيل أو الترك، كالذهاب والمجيء والقيام والقعود (14) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#14).
القسم الأول: لم يحصل خلاف بين العلماء والفِرَقِ بأنه من فعل الله وقضائه وتقديره لا دخل للإنسان في فعله ولا تركه ويحصل من الإنسان وفيه دون إرادته ورغبته؛ ولذلك لا يؤاخذُ عليه إن حصل ذلك أو لم يحصل، وهذا هو القضاء والقدر بمعنى الإيجاب والإلزام، ونظراً لهذا القسم من الأفعال فالإنسان (مُسَيَّر).
ويُمَثَّلُ هذا -إضافة إلى المثالين السابقين- بكل ما يحصل على الإنسان قهراً كـ:النوم، ورمشات جفن العين، ونبضات القلب، وحركة الأجهزة الهضمية، وعمل الكليتين، وخلقته وصورته، وذكورته وأُنوثته، وقوته وضعفه، وصغره وكهولته وشيخوخته، وذكائه وغبائه، وطوله وقصره، ولونه، وسلامته وعَوقعه، وولادته وموته، وإبصاره وعماه، وسمعه وصممه، وفقره وغناه، ونصره والفتح عليه، ومدى ارتفاع قدمه وبعدها عن الثانية في مشيه، وخوارق العادات.
وقد نطقت آيات كثيرة تدل على هذه المعاني وأن الإنسان غير مختار بها ولا يملك الإرادة في وجودها وعدمها، منها:
قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) [البقرة:20].
وقوله تعالى: (وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [البقرة:212].
وقوله: (وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ) [البقرة:245].
وقوله: (وَالله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ)[البقرة: 245].
وقوله: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ) [فاطر:11].
وقوله: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) [آل عمران:6].
وقوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4-5].
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً اخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون:12-14].
وقوله: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26-27].
وقوله: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51].
وقوله: (وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ) [الأنعام:17، ويونس:107].
وقوله: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [الأنعام:83].
وقوله: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ) [الرعد:26].
وقوله: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) [الحجر:20-24].
وقوله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [يس:82].
وقوله: (وَالله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ الله عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [النحل:70].
وقوله تعالى: (وَاتَّقُواْ الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الشعراء:134].
وقوله: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص:5].
وقوله: (يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: 5].
وقوله: (وَمِنْ ايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ) [الروم:22].
وقوله تعالى: (الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم:54].
وقوله: (وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ) [يس:68].
وقوله: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلَيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34].
وقوله: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى:50].
وقوله: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [يونس:22].
وقوله: (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ) [الأعراف:108].
وقوله: (الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام:124].
وقوله: (ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) [الحج:5].
وأمثال هذه الآيات كثيرة نكتفي بهذا والله الموفق.
القسم الثاني: يتمثل بالكسب الدنيوي والحركات وجميع أفعال التكاليف الشرعية.
وهذا القسم هو موضوع الخلاف بين الفِرَق، هل هو مخلوق لله فقط والإنسان يُكْرَهُ على فعله ولا مناص من التخلص عنه؟ أو هو مخلوق للعبد لا غير؟ أو هو مخلوق لله ومكسوب أو مكتسب للعبد؟
حصل فيه الخلاف الآتي:
أولاً: القَدَرِيَّة (15) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#15):
ذهبوا إلى أن العبد هو خالق لأفعاله، فالله تعالى خلق فيه القوة فقط وهي تُوَلِّدُ خلق أفعاله بناءً على نظرية التوليد عندهم.
وقد ألجأهم إلى القول بهذا حذرهم من أن يُنْسَبَ الشر إلى الله تعالى؛ ولأن مبدأ عقيدتهم مبني على أن فعل الأصلح واجب على الله تعالى.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
1. لو كان فعل العبد مخلوقاً لله تعالى لَمَا كَلَّفَ أحداً من خلقه ولَمَا حاسبه وعاقبه.
2. لو كان الله خالقاً لأفعال العباد لكان الله هو القائم والقاعد والآكل والشارب والزاني والسارق إلى غير ذلك.
3. وردت آيات في كتاب الله تعالى تنسب الخلق إلى الإنسان، منها قوله تعالى لعيسى عليه السلام (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [المائدة:11]، فنسبة الخلق إلى عيسى عليه السلام تدل على أن العبد يخلق أفعاله، ومثل قوله تعالى (فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون:14]، يدل اسم التفضيل على أن هنالك خالقين غير الله والله أحسنهم (16) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#16).
4. وقوع الأفعال حسب قصد العبد وقدرته وعلمه فلو أراد العبد فعل حِدَادةٍ تقع حِدَادةً لا نجارة.
ولو جهل الكتابة لا تقع منه، ولو أراد حمل جبل لا يقع.
ولو كان الفعل من غيره لكان علمه وجهله وقلة قدرته وكثرتها على حَدٍّ سواء، وكل هذا يدل على أن أفعالهم حادثة من قبلهم (17) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#17).
ويجاب عن هذه الأدلة بما يأتي:
1. عن الدليل الأول: أنكم لم تُفَرِّقوا بين خلق الفعل وإيقاع الفعل، فإنَّ نسبة خلق الفعل إلى الله تعالى لا تدل على أنه أَلْزَمَ العبد في إيقاعه أو قسره عليه.
بل إنَّ الله تعالى يخلق الفعل بعد قصد العبد فعله وبعد توجهه إليه لا قبله.
2. عن الثاني: بأن الذي يتصف بالفعل هو من قام به الفعل لا من خلقه، وإلا فإن الله تعالى خالق للسواد والبياض وسائر أوصاف الأجسام ولا يقال عنه: أنه أسود أو أبيض أو متحرك؛ لأنه خلق ذلك، فكذا إذا خلق الزنا في الإنسان ثم زنى لا يسمى الله زانياً بل يسمى بذلك من وقع منه الفعل.
3. وأما نسبة الخلق إلى غير الله تعالى في الآيتين: فالمراد بهما التقدير: أي تُقَدِّر كهيئة الطير، والله أحسن المقدرين، والإنسان مُقَدَّر أيضاً.
وقد ورد لفظ الخلق بمعنى التقدير في اللغة، يقال: خلقتُ الأديم إذا قايستَه لتقطع منه شيئاً (18) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#18).
على أن ما ذكرتم من الآيات مُعَارَض بما سيأتي من آيات تدل على أن الله هو خالق الإنسان وعمله وخالق كُلِّ شيء، وإذا تعارضت ظواهر النصوص لم يُعمل بها ولابُدَّ من الرجوع إلى غيرها لمعرفة المعنى المُراد منها ورفع التعارض.
4. وعن الأخير بأنه جرت سنة الله في أنَّ الإنسان إذا قصد فعلاً ممكناً خلقه فيه بعد القصد إن شاء، فالقصد غير الخلق؛ إذ قد يحصل القصد ولا يحصل الفعل.
وذلك بأن لا يريد الله فعله؛ ولذا جعل الثواب والعقاب على القصد وإن لم يحصل الفعل. كمن عزم على الصوم فمَرِضَ أو عجز فإنه يُثاب على عزمه، وكذا من تَوَجَّه لصلاة الجماعة فحصل عذر يمنعه من الوصول فإنه يُثاب على عزمه (قصده)؛ لأنه المطلوب من المكلف.
وكذا إن عزم فعل منكر ورجع من منتصف الطريق إذا خاف من مراقب أو من الناس لا من الله فإنه سيأثم على ذلك، فالقصد والمعرفة والقدرة في العبد لا تستلزم إيقاع الفعل منه.
ثانياً: الجبرية (19) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#19):
نفت الجبرية قدرة الإنسان واستطاعته على الفعل فليس له في فعله اختيار أو إرادة بل هو مجبر به والله يخلقها به كما يخلقها في الحيوانات والجمادات، ونسبتها إلى الإنسان على سبيل المجاز كما تنسب إلى الحيوانات والجمادات (20) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#20).
واستدلوا على ذلك بالآيات التي تدل على أن الهداية تصدر من الله، وأن الأفعال بمشيئة الله تعالى، كما سترى معظم الآيات القرآنية الواردة بهذا الخصوص في المطلب الثاني إن شاء الله تعالى.
ونحن نذكر بعضها كأدلة اعتمدوها في الإجبار فيما يأتي:
1. قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) [آل عمران:6].
2. قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص:68].
3. وقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة:62-64].
4. ومثل قوله تعالى: (مَن يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً) [الكهف:17]، وغير ذلك مما سيأتي.
الجواب عن ذلك من وجهين: (بصورة تفصيلية -وهو ما سأتناوله في المطلب الثاني-) وبصورة إجمالية، وهو:
1- إنَّ هذا الرأي سيؤدي إلى تعطيل جميع التكاليف الشرعية؛ لأن نظرية الإجبار تتنافى مع التكاليف، فلا يليق بإنسان أن يُكَلِّفَ آخر بترك عمل وقد أجبره على فعله!، فالله من باب أولى.
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فالمجبر على فعلٍ لا يُكَلَّفُ بنقيضه أو بضده؛ لأنه تكليف بالمحال، وعلى هذا الرأي لا نُفَرِّق بين حركة المُرْتَعِش وحركة المختار، والواقع خلاف ذلك.
وهذا يتنافى مع واقع الإنسان؛ حيث لا يقع منه فعل إلا بعد قصده والتوجه إليه.
فلو قيل لإنسان: إجلس عن العمل الدنيوي وعن البيع والشراء أو عن ممارسة مهنتك والله يبعث لك الرزق.
ولو قيل لفَلَّاح لا تزرع مزرعتك وسوف يأتيك الناتج والحاصل إلى بيتك دون أن تعمل - لسَخِرَ من كلامك، وهو بالوقت نفسه يَكِلُ الأمر إلى قدر الله وقضائه إذا طولب بعمل خيرٍ أو ترك شَرٍّ، فما الفرق بين هذا وذاك؟
فذاك لا يحصل إلا بعد الأخذ بالأسباب في كلا الحالتين.
2- ثم إن بعض ما ذكرتم من آيات الله وأدلة إنما هي في الأعمال التي لا اختيار للإنسان في إيقاعها، وهو موضع اتفاق بين الفِرَقِ الإسلامية، وموضع الخلاف الأعمال الاختيارية.
وربما استدلوا على ذلك: بما روى البخاري ومسلم عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: {إن أحدكم يُجْمَعُ خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرْسَلُ إليه المَلَك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات: رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها} (21) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#21).
موضع الاستشهاد فيه أمران:
كونه يُكْتَبُ شَقِيَاً أو سعيداً، وسَبْقُ الكتاب عليه بأنه من أهل النار وهو يعمل بعمل أهل الجنة وبالعكس، فالنتيجة تكون مثل ما هو مكتوب في علم الله.
والجواب عن هذا بما يأتي:
أ- المراد بالشقاوة والسعادة في الحديث: هي شقاوة الدنيا، كالمرض والفقر والجهل، وسعادتها كالصحة والغِنى والعلم، ولا شك أن هذه الأعمال الاضطرارية لا يكسبها الإنسان باختياره.
وليس المراد من الشقاوة والسعادة شقاوة الآخرة وسعادتها؛ لأنها مناطة بعمل الإنسان كما سنذكر ذلك.
ب- أما سَبْقُ الكتاب: فإنه لا يُراد بذلك المكتوب وهو في بطن أمه، بل المراد أنَّ من يعمل بعمل أهل الجنة في ظاهره وسريرته انطوت على العكس فلا بد من أن تظهر حقيقة ما في سريرته على ظاهره فيعمل بعمل أهل النار.
وعلى العكس فيمن ظاهره الفسق والفجور، وسريرته تكره ذلك وتحب عمل أهل الخير، فإن هذا سينعكس أمره ويظهر ما في سريرته على ظاهره، ورواية مسلم تدل على ذلك؛ حيث رويت بزيادة ( فيما يبدو للناس) في الموضعين - أي إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، أي ظاهره مخالف لباطنه فلا بد يوماً من أن يتحقق ما في ضميره فيترك ظاهره، وهكذا قُيِّدَت الجملة الثانية بهذا القيد، وهو (فيما يبدو للناس).
فلا شك أنَّ من يتظاهر بعملٍ على خلاف ما في سريرته وباطنه فإنَّ التظاهر لا يدوم حاله ولا بد من أن ينعكس أمره ويظهر ما في داخله.
وهذا أمر واقعي، فكم من متظاهر بالصلاح وقلبه مشغوف بالكفر أو المعاصي فينقلب واقعه على حسب ما أضمر؟ وكم من متظاهر بالفسق وهو كاره له ويميل قلبه إلى التوبة والاعتدال فينعكس إلى الصلاح والتوبة؟ وهذا هو مضمون ما جاء في هذا الحديث.
3- أما قولهم إن نسبة الخلق إلى الإنسان على سبيل المجاز: فالجواب عنه:
إن الأصل في حمل الألفاظ الحملُ على الحقيقة ما لم يكن هناك مانع يمنع ذلك، وواقع الإنسان الاختياري يُؤَيِّد حملَها على الحقيقة.
4- إذا كان الإنسان مُجْبَرَاً في أفعاله فما فائدة العقل الذي منحه الله إياه؟! وما الفارق بينه وبين بقية الحيوانات التي لم يُكَلِّفْها الله في فعلٍ أو تركٍ؛ لفقدانها مناط التكليف وهو العقل؟! ثم إن الإنسان سيقيم الحجة على الله يوم القيامة إذا ما أراد حسابه أو عقابه على ما اقترف من الذنوب، ويقول له: أنت أجبرتني على فعلها!
ثالثاً: الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني:
قال: إن فعل العبد حصل بقُدْرَتَي الله و الإنسان، أي إن قدرة الإنسان ليست مستقلة بالتأثير ما لم تنضم إليها قدرة الله تعالى، فإذا انضمت إليها قدرة الله صارت مستقلة بإعانتها (22) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#22).
رابعاً: القاضي أبو بكر الباقلاني:
أيضاً قال: إن فعل الإنسان يحصل بقدرة الإنسان مع قدرة الله تعالى مع وجود فارق بين نوع القدرتين.
فقدرة الله تعالى تَعَلَّقَت بأصل الفعل نفسه، وقدرة العبد تَعَلَّقَت بصفة من طاعة أو معصية.
ومَثَّلَ لها بضرب اليتيم للتأديب أو للأذى، كلاهما مخلوقتان بقدرة الله وتأثيره، وكون الأولى طاعة والثانية معصية بقدرة العبد وتأثيره (23) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#23).
والفرق بين الرأيين: هو أن الاسفراييني يجعل فعل الإنسان مخلوقاً بتأثير قدرتين: قدرة الله تعالى، وقدرة العبد، دون تفريق بين وظيفة كل قدرة.
بالوقت الذي نرى القاضي يجعل قدرة الله تُؤَثِّرُ في أصل الفعل فقط، وقدرة المخلوق بوصفه فقط.
ويجاب عن هذين الرأيين: بأن فيهما نسبة التأثير لغير الله تعالى وتجعل له شريكاً في التأثير، وأيضاً على هذين الرأيين ستجتمع على الفعل قدرتان: أحدهما حادثة، والأخرى قديمة، وهما متغايرتان، فكذا آثارهما.
خامسا: الفلاسفة وإمام الحرمين:
الفعل من الإنسان واقع بقدرة يخلقها الله تعالى في العبد ولا يجوز بعد خلقها تَخَلُّفُه عنها (24) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#24).
ويجاب عن هذا:
أن ما نُقِلَ عن إمام الحرمين ليس هو رأيه، بل اشتهر عنه، وإلا فإنَّ رأيه كرأي الأشاعرة، وهو ما ذكره في كتابه الإرشاد: أن الله هو المُؤَثِّر في الخلق وحده لا تأثير للعبد بل أثبت له الكسب والاكتساب فقط (25) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#25).
سادساً: الشيخ أبو الحسن الأشعري:
قال: إن الله تعالى هو خالق لفعل العبد وهو المؤثر فيه ليس للعبد تأثير في إيجاده، فهو خلقُ الله وإبداعُه وإحداثُه، والعبد كاسب له (26) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#26).
واستدل على رأيه بما يأتي:
أ****. الدليل العقلي:
1. فعل العبد ممكن، وكل ممكن مقدور لله تعالى؛ لشمول قدرته كل شيء، فما هو مقدور لله تعالى ليس بواقع بقدرة العبد؛ لامتناع اجتماع قدرتين مؤثِّرتين على مقدور واحد.
2- لو كان العبد مُوجِداً خالِقاً لأفعاله لكان عالماً بتفاصيلها؛ ضرورة أن إيجاد الشيء بالقدرة والاختيار لا يكون إلا كذلك، والواقع أنه لا يعلمها، فإنَّ الماشي مثلاً إلى مكان لا يعلم عدد سكنات وحركات مشيه ولاحركاته ولا سرعتها ولا حركات أعضائه وعضلاته وقدر ارتفاع قدمه عن الأرض وانخفاضه.
ب****. من النقل:
1. قوله تعالى (وَالله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات: 95] أي خلقكم وخلق عملكم على تقدير (ما) مصدريةً، أو خلقكم وخلق الذي تعملونه على تقدير (ما) موصولةً.
2. قوله تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر:62]، والمراد به الممكن فقط؛ لأن الواجب قد خَصَّه العقل، فأفعال العباد شيء، فهي مخلوقة له تعالى بموجب صيغة العموم وهي لفظ (كل).
3. قوله تعالى (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ) [النحل:17] جاء بها في مقام المدح، والامتداح يكون بالخلة التي يختص بها الممدوح، فلو جازت لغيره لما امتدح بها نفسه؛ إذ يشاركه فيها الآخرون.
4. قوله تعالى [فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ] وهو يريد الإيمان فيكون فَعَّالاً له، وكذا الكفر إذ لا قائل بالفصل، والإنسان دوره في الفعل (الكسب) إن كان خيراً، (والاكتساب) (27) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#27) إن كان شراً. (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت) [البقرة: 268]، والأشعري أراد بهذا أن يتوسط بين أهل الجبر وأهل القدر.
رأينا في ذلك:
يكاد رأيي يتفق مع ما ذهب إليه القاضي الباقلاني، إلا أنه جعل لقدرة الإنسان تأثيراً بوصف الفعل لا بأصله، واعتبر قدرة العبد خالقةً أيضاً للوصف ومؤثرة فيه، ولا يخفى أنه لا مؤثر مع الله.
والذي أقوله ما يأتي:
1. إن الله خالق للفعل ولوصفه في الأفعال الاضطرارية لا تأثير لغيره في ذلك، وعلى هذا أرى أن تحمل النصوص الواردة في القضاء والقدر بمعنى الإلزام والإيجاب، فالإنسان لا يملك فيها خلقاً ولا قصداً؛ بدليل عدم الإثابة والمعاقبة عليها من الله تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وبهذا يمكن القول بأنَّ الإنسان مُسَيَّرٌ فيها.
2. أما بالنسبة للأفعال الاختيارية: فإن الله تعالى لمّا كَوَّن الإنسان منحه العقل، وهذه المنحة تدل على إعطائه حرية الاختيار.
فحرية الاختيار يملكها الإنسان بتفويض وبإمداد منه تعالى؛ لذا كَلَّفَه وأوقفه على مفرق الطريقين وخَيَّرَه في سلوك أيٍّ منها، طريقَ الخير وطريقَ الشر، طريقَ العمل الصالح وطريقَ العمل الفاسد، طريقَ المؤمنين وطريقَ غيرهم، وبعد تخيير الله له هو يختار ما يروم من الطريقين.
وبعد اختياره لأحدهما يخلق الله ذلك الفعل فيه. فخلق الفعل من الله، واختياره من الإنسان.
والاختيار ليس فعلاً بل نية وقصدا، فخالق الفعل الله، وقاصده الإنسان؛ لذا يثاب ويأثم على قصده ولو لم يفعل -كما مَثَّلْتُ عند مناقشة رأي القَدَرِيَّة-.
ويستوي في ذلك توَجُّهُه إلى فعل العمل التكليفي من مأمور به أو منهي عنه وتوَجُّهُه إلى كسب دنيوي.
قال تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ) [البلد:10]. أي الطريقين.
وقال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان:3].
فالهداية أسندها الله إليه، والشكر والكفر أسندهما إلى الإنسان.
فلو وُضِعَ أمامَ الإنسان كأسان أحدهما من خمر والآخر من ماء، فإن اختار شرب أحدهما فعزم على شرب الماء خلق الله فيه فعل مَدِّ اليدِ إلى كأس الماء، وإذا قصد شرب الخمر خلق الله فيه فعل مَدِّ اليدِ إلى كأس الخمر.
وكذا من يذهب إلى المسجد وإلى المرقص، ومن يأتي زوجته ويأتي أجنبية، ومن يتناول ماله أو مال غيره بدون إذنه، وهكذا.
وقد أناط الله الثواب والعقاب بالقصد؛ لأنه من الإنسان، ولا يُناطان بالفعل فقط أو عدمه؛ ولذلك رفع الإثم عن الناسي والخاطئ والمُكْرَه؛ لأنه فاقد للقصد مع وقوع الفعل منه.
والقصد له دوافع خَلقيّة موجودة في الإنسان، وبهذه الدوافع يمتنع عن الفعل أو يفعل.
وسيتضح لك من خلال الأسباب التي سأُعَلِّقُ عليها حول حصول الهداية أو الضلالة في المطلب الثاني عند سردي لآيات الاختيار.
وبشكل موجز:
إن الأسباب تكون من العبد نتيجة قصده وتوجُّهِه، وأن المُسَبَّبَات هي من خلق الله وتأثيره لا غير، وهنا الإنسان (مُخَيَّرٌ) وليس مُسَيَّرَاً.
المطلب الثاني: في آيات الاختيار وآيات الجبر وكيفية التوفيق بينهما
تمهيد:
قبل أن أكتب الآيات القرآنية الدالة على الاختيار والجبر لابد لي من أن أُنَبِّهَ على ما يأتي:
1. سَبَقَ أن ذكرت في المقدمة أن لفظ الهداية يَرِدُ لمعنيين:
الأول: الدلالة والإرشاد، وهذا يتمثل بقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى:52].
الثاني: بمعنى خَلْقِ الهداية وإيصال المُهْدَى إلى المطلوب فعلاً، وهذا يتمثل في قوله تعالى: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص:56].
فهنا نفى الهداية مع أنه أرشد من يحب ودَلَّه، فالنفي على الخلق لا على الدلالة، لذا لا تعارض بين الآيتين ولا تناقض؛ لأن شرط التناقض عند المناطقة وَحْدَةُ النِسْبَةِ الحُكْمِيَّةِ.
فالله تعالى يتصف بالهداية بكلا معنييها، فإنه يرشد ويخلق، أما العبد فإنه يتصف بالمعنى الأول فقط.
2. بَيَّنَّا أن القضاء والقدر كما يُطلق على الإلزام والإيجاب، يُطلق على الإعلام والتبيين، ولابد من حمل القضاء والقدر في الأفعال الاختيارية على المعنى الثاني حتى لا يحصل تعارض بين الآيات.
يُؤَيِّد ما ذهبت إليه ما نقله الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في شرح مسلم فقال: "فقال الخَطَّابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه وتعالى العبدَ وقهرُهُ على ما قدر وقضى، وليس الأمر كما يَتَوَهَّمُونَه، وإنما معناه الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى وبما يكون من إكساب العبد وصدوره عن تقدير منه) (28) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#28).
يؤيد هذا قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القلم:7]، وذكر ابن حجر العسقلاني في شرحه حديث ابن عمر عن الإيمان وتعريف القضاء والقدر فقال: "والقضاء علم الله أولاً بالأشياء على ما هي عليه، والقدر إيجاده إياها على ما يطابق العلم" (29) (http://www.alomah-alwasat.com/print.php?id=6&type=materials#29).
فإن قيل: أليس إذا عَلِمَ الله وقوع هذه المعصية أو الطاعة منه يصبح وجودها واجبَ الوقوع حتى لا يصير علم الله جهلاً إذا تخلف عن الوجود وعند ذلك سيكون وجود الفعل من العبد جبراً وقسراً؟!
الجواب:
1. إنَّ عِلْمَ الله تعالى بوقوع هذا الفعل من الإنسان لا يلزم منه أنه فرض عليه إيقاعه وألزمه به، بل إنه يعلم أن هذا تغلب عليه نفسه ويميل إلى هواها فيرتكب الضلال، والآخر يتغلب على نفسه فتقع منه الهداية.
مثال هذا: رجل له ابنان أحدهما شرير(خالد) والآخر طيب (محمد)، فأَمَدَّ كُلَّ واحد منهما بكمية متساوية من النقود، وقال لهما خذا هذا النقد، فمن صرفه في الخير أرضى عنه وأُكْرِمُه ومن صرفه في الشر أغضب عليه وأُعَاقِبُه.
وهو يعلم أن خالداً سيذهب بالنقود إلى الموبقات، ومحمداً إلى المساكين، ثم ينصرف كل واحد منهما حيث عِلْمُ الأب، فالأب لم يدفع محمداً إلى المساكين ولم يجبره، ولم يدفع خالداً إلى الموبقات مع أنه أَمَدَّ الكُلَّ منه على حَدٍّ سواء، ولله المثل الأعلى.
فالله هو المُمِدُّ للطائع والعاصي، ويعلم أن نفس الطائع ستدفعه إلى الخير ونفس الشرير ستدفعه إلى الشر، ولكن لم يدفعهما إلى ذلك ولم يلزمهما، قال تعالى (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاءِ وَهَـؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ) [الإسراء:20].
فالقوة الموجودة في الإنسان مَدَدٌ من الله وعطاء صالح للخير والشر وَوَكَلَ أمر اختيارهما إليه.
ثم إن العلم صفة انكشاف لا تَعَلُّقَ لها بالإيجاد والإعدام؛ لذا تتعلق بالموجودات الحادثة وبذات الله وبالمستحيلات، وليس كالقدرة والإرادة تَعَلُّهما بالمُمكنات.
آيات الاختيار
وصورة خلق الهداية بعد قصد العبد لأسبابها تتجلى في الآيات الآتية:
يقول الله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [النساء:115] فأنت ترى أن المشاقة للرسول وإتباع سبيل غير المؤمنين من أفعال الإنسان، ثم يأتي فعل الله بعد ذلك وهي قوله (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [النساء:115].
ويقول أيضاً (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل:5-10] فانظر إلى أن التيسير لليسرى جاء بعد اتصاف المؤمن بالعطاء والتقى والتصديق بالآخرة، وأن التيسير للعسرى جاء بعد البخل والاستغناء والتكذيب بالحسنى.
وقوله (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:146].
فقد ذكر الله تعالى الصفات التي تُسَبِّبُ صرف الله الإنسان عن آياته وهي التكبر في الأرض وعدم إتباع سبيل الرشد والاستمرار بالسير في طريق الغي، وقد جعل الله تعالى فعله الإضلال للإنسان بعد أن بين له ما يتقي به الكفر والضلال فقال تعالى (وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ) [التوبة:115].
وليس شيء أَدَلَّ على أنَّ الله لا يضل إلا بعد اختيار العبد طريق الضلال من قوله تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [فصلت:17].
وقد أسند تزكية النفس وتدنيسها إلى الإنسان نفسه بعد أن جعل الله فيه قابلية الاختيار لأيهما يشاء، فقال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 6-10].
كما أنَّ التلَوُّنَ في المعتقدات من الأسباب التي تَتَخَلَّفُ معه الهداية، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) [النساء:137].
وقد يَتَعَمَّدُ الإنسان في اختيار الضلالة وإبدالها بالإيمان والهدى، قال تعالى (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَواْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [ البقرة:160].
وقد نفى الله الهداية عن أقوام بسبب كفرهم أو فسقهم أو ظلمهم أو خيانتهم، فالكفر والفسق والظلم والخيانة التي وقعت منهم هي المسببة لعدم خلق الله تعالى فيهم الإيمان؛ لأن الله ربط عدم خلق الإيمان والهداية بذلك، فهم المتسببون بخلق الضلالة فيهم.
وإليك طائفة من الآيات القرآنية:
1. (وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة:258، والتوبة:19، والأحقاف:10، والصف:7، والجمعة:5].
2. (وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [المائدة:108، والتوبة:24، و80 والصف:5.
3. (إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [البقرة:21، والتوبة: 37، والمائدة:67، والنحل:107]
4. (إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51، والأنعام:144، والقصص:50].
5. (وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) [يوسف:52].
6. (إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَـسِقِينَ) [المنافقون:6].
7. (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) [البقرة:26].
8. (وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
9. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
فالضلال وعدم الهدى يخلقهما الله تعالى في الإنسان بعد صدور الظلم والكفر والفسق والخيانة منه.
كما أنه تعالى بَيَّنَ أنَّ الفسق والخروج عن طاعة الله هو المُسَبِّبُ للكفر بالآيات المنزلة فقال (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) [البقرة:99].
وقال (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله لاَ يَهْدِيهِمُ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النحل:104] فرفضهم الإيمان هو الذي سبب عدم خلق الله الإيمان فيهم.
وقال تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى) [طه:123-124].
وكما أن الكفر سبب لعدم خلق الهداية كذلك الإسراف والكذب والصد عن سبيل الله.
قال تعالى (إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ) [الزمر:3].
وقال تعالى (إِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر:28].
وقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاَ بَعِيداً) [النساء:167].
وقد جعل نقض العهد والاعتداء على الأنبياء مع الكفر وسيلة من وسائل عدم خلق الهداية فيهم، فقال (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ الله وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً) [النساء:155-156] فالباء في الكل سببية.
كما جعل الإنابة إليه سبباً من أسباب خلق الهداية في الإنسان، فقال (إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) [الرعد:27].
ويفهم من هذا أن من شاء إضلاله من لا ينيب.
وقال (كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 86].
كما جعل الإيمان والاستجابة للموعظة والاعتصام بالله والاستسلام لأمر الله وإتباع رضوان الله من الأسباب التي يخلق الله الهداية عندها، فقال (وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:20].
وقال (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) [النساء:67-68].
وقال (وَإِنَّ الله لَهَادِ الَّذِينَ امَنُواْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الحج:54].
وقال (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُوْلَـئِكَ هُمْ أُوْلُو الأَلْبَابِ) [الزمر:18].
وقال (قُلْ يأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنُ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) [يونس:108].
وقال (قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [المائدة:16].
كما أن الجهاد من وسائل الهداية (وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
وأن كسب المعاصي والنفاقَ وسيلةٌ من تلك الوسائل، فقال تعالى (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَالله أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء:88].
فانظر إلى إضلال الله وإركاسه حصل بما كسبوا من سوء. وقال (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) [الأنعام:70].
وقال (وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30].
وقال (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11].
وقد نَبَّهَ رسولَه بأنَّ من لا ينظر إلى الحق نظرة اعتراف واعتبار وتفكر فإنك لا تستطيع هدايته؛ لأن الله لم يخلق الهداية فيه؛ لفقد شرطها، فقال (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ) [يونس:43].
وقال (وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ) [النمل:81، والروم: 53].
وقال (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص: 56].
وقال (فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ) [الروم:52].
كما وردت آيات كثيرة تدل على أن للإنسان حريةَ اختيارِ ما يشاء:
فقال تعالى (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) [سبأ:50]، وقال (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29].
وقال (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) [الإسراء:15].
وقال (إِنَّ هَـذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) [المزمل:9، والدهر:20].
وقال (كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ) [المدثر:54-55].
وقال (فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَاباً) [النبأ:39].
وقال (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ايَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ) [الجاثية:31].
الآيات التي يُفْهَمُ منها الجبر وتأويلُها
أولاً: ألفاظ الهِداية:
سبق أن أوضحنا أن الهداية لها معنيان: الدلالة، وخلق الطاعة، وقلنا: إن خلق الطاعة في الإنسان تكون بعد توجُّهِهِ إلى سُبُلِ الهداية وأسبابها، ومع ذلك التوجه قد لا يشاء الله خلق الفعل؛ لأنَّه الفَعَّال لما يريد وهو خالق كل شيء بإرادته لا مُكْرِهَ له ولا مُتَصَرِّفَ غيرُه.
وأنا أورد فيما يأتي ألفاظاً للهداية منسوبة إليه تعالى، وألفاظَ أضدادها وهي الضلالة، المراد منها أن الله يخلق ذلك بعد توجه الإنسان إليها وليس المراد أنه يهديه مباشرة وتقديراً، وكل هذا لنجمع بين الآيات التي ظاهرها التعارض، ومن تلك الآيات:
قوله تعالى (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [البقرة:26]، أي يخلق الضلالة بعد توجه الإنسان إليها للبعض ولا يخلقها في البعض ولو توجه إليه، ويخلق الهداية كذلك.
وقوله (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [البقرة:198]، وقوله (فَهَدَى الله الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَالله يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [البقرة:213]، وقوله (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ) [البقرة:272]، وهنا الهداية بمعنى خلقها ولا يراد بها الدلالة؛ لأنه دلهم على طريق الإيمان.
وقوله (أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء:88]، أي مهما حرصت على هداهم فإنهم لم يتجهوا إلى طريق الهدى، فلم يخلق فيهم الهداية بل الضلال.
وقوله (وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء:143].
وقوله (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ الله يُضْلله وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الأنعام:39]، فتكذيبهم جعلهم كالصم والبكم؛ فتسبب من ذلك عدم هدايتهم إلى الصراط المستقيم.
وقوله حكاية عن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) [الأنعام:77]، أي مهما رأيتُ من أدلة وبراهين في الكون ومهما عملتُ من وسائل للهدي، لا تكفي إلا أن ينضم إليها خلق الله الهداية فيَّ، وترفع عني الموانع كالتكبر والتعالي وعدم الرضوخ للحق.
وقوله تعالى (ذلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام:88]، فآخر الآية يدل على أنهم لم يُشْرِكُوا فهداهم الله بعد ترك الشرك.
وقوله تعالى (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90]، أي بالأسباب التي فعلها الأنبياء الموصِلَةِ إلى الهداية اهتدِ.
وقوله (فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) [الأنعام:125]، وهنا فعلان: الهداية، وشرح الصدر، كلاهما يُخلقان بعد مباشرة الأسباب.
وقوله تعالى (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الأنعام:161، وبراءة:25]، وقوله (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ) [الأعراف:30]، أي ثبتت عليهم الضلالة ولم تخلق فيهم الهداية؛ لأنهم سلكوا طريق الضلالة.
وقوله تعالى (إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وتهدي مَن تشاء) [الأعراف:155]، والفتنة هي الاختبار، والتكاليف الشرعية كلها اختبار، فمن قَبِلَهَا خلق الله فيه الهداية، ومن رفضها خلق الله فيها الضلالة.
وقوله (مَن يَهْدِ الله فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:178]، وقوله (مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ) [الأعراف: 186]، ومثلها في الرعد 33 وفي الزمر 36-37، وقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [إبراهيم:4]، فالهداية والإضلال يكونان بعد إرسال الرسول وتبليغه قومه وإنذارهم.
وقوله (إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ) [النحل:37]، أي مهما حرصت على اهتدائهم فأن من سلك طريق الضلالة منهم لا يخلق الله فيه الهداية.
وقوله (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ) [الروم:29].
ثانياً: ألفاظ المشيئة:
قال الله تعالى (وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة:253].
وقوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) [المائدة:48].
وقال (وَلَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [الأنعام:35].
وقال (وَلَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ? [الأنعام:107].
وقال (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام:112].
وقال (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) [الأعراف:176].
وقال (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس:99].
وقال (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ) [الأنعام: 148، والنحل 35].
وقال (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [الزمر:57].
وقال (فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ) [الشورى:24].
وقال (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام:149].
وقال (وَلَوْ يَشَاءُ الله لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) [محمد:4].
هذه الآيات الكريمة تَصَدَّرَتْها (لو) أو جاءت فيها.
ولو: حرف امتناع لامتناع، وتدخل هي أو إن الشرطية على المقدمة الكبرى من القياس الاستثنائي، والصغرى تقع بعد لكن وهي-أي الصغرى- في هذه الآيات ما بين مذكورة وما بين محذوفة، ومع ذلك فإن الصغرى منتفية بانتفاء الكبرى؛ لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم.
فأراد الله بها أن يُبَيِّنَ أنه قادر على أن يجعل الناس كلهم مهتدين ولم يقتتلوا، وأن يجمعهم على أمة واحدة وهي أمة الهداية، وأن لا يُشركوا وأن يعبدوه وحده، وأن لا يفعلوا ما يغضب الله، فهو قادر على ذلك دون شك، ولكنه لم يشأ ذلك، بل ترك الأمر لاختيار الناس وإرادتهم؛ ليمتحنهم؛ لأجل أن يأخذ كل منهم جزاءه بموجب أعماله، وبهذا جرت سنة الله تعالى.
مثال هذا: أن نقول: لو شاء رئيس الدولة أن يجعل الشعب كلهم أغنياء؛ لأنه قادر على ذلك، لكنه لم يعمل هذا؛ ليترك الناس كل يكسب على حسب قدرته وإمكاناته، ولله المثل الأعلى.
أو نقول: لو شاء الأستاذ لجعل الطلاب كلهم ناجحين، ولكنه لم يفعل ذلك؛ ليترك أمر النجاح إلى الطلاب على حسب دراسته وقراءته وسعيه.
وقال تعالى (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر:8]، فإضلال الله العبد بسبب أن رأى عمله حسناً وزَيَّن له الشيطان ذلك.
وقال (إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) [فاطر:22]، أي إنك لا تسمعهم ما داموا لا ينتفعون بما تقوله كالأموات.
وقال (ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر:23]، أي بعد أن يتجه الإنسان إلى الهداية ويخلقها الله فليس بإمكان غيره أن يضله، وإن لم يسلك طرق الهداية ولم يخلقها الله فيه فليس بإمكان أحد أن يهديه.
إيرادات:
قد يسأل البعض ويقول: إذا كان الأمر كما تقدم فكيف التوفيق بين الآيات الآتية:
1. قوله تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله) [الإنسان:30، والتكوير:29]؛ إذ الآية علقت مشيئة العبد على مشيئة الله تعالى، فالله يشاء الفعل ثم يشاؤه العبد.
فالجواب عن هذا: أن المفعول به للفعل (تشاؤون) محذوف تقديره -والله أعلم- : مشيئتكم فقط، وليس تقديره: مشيئة فعل العبد، أي يشاء الله مشيئتكم المطلقة بغض النظر عن نوعها مشيئةَ خيرٍ أو شرٍّ.
ثم بها تشاؤون ما تختارونه من فعل، وسَوْقُ الآية لبيان أنَّ مشيئة العبد المطلقة لا تحصل للإنسان إلا بعد أن يشاءها الله تعالى، ومن ثَمَّ يشاء بها أي فعل يختاره.
2. قوله تعالى (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ) [الحديد:22].
وقوله (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11].
كيف التوفيق بينهما وبين قوله تعالى؟
(وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]، وقوله (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ)[النساء:9].
والجواب عن ذلك:
إنَّ لفظ المصيبة يُطلق على كل شيء يسيء الإنسان من جوع أو خوف أو موت أو مرض أو نقص في الأموال والأرزاق، ولا شك أن هذه المصائب تدخل ضمن القسم الأول من الأفعال- وهي الأفعال الاضطرارية للإنسان وليست من كسب العبد وقد تحصل عقوبة دنيوية على العبد على مخالفة أو تحدث عليه امتحاناً له؛ ولذلك قال (وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ).
أما وصف المصيبة بالحسنة والسيئة في الآية الأخيرة: فإن الله يريد أن يُعَلِّمَنا الأدب معه بأن ننسب الخير إليه والشر لأنفسنا كما فعل سيدنا ابراهيم صلوات الله عليه حينما قال (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:79-80].
فقد نسب الإطعام والسقي لله، ونسب المرض له والكل من الله تعالى.
ومن هذا تبين أن الآيات واردة في الأفعال الاضطرارية وليس في الاختيارية.
3. قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24]؛ فالآية دلت على أن الله قد يحول دون قلب الإنسان ومن ثم لا يعلم الحق.
فالجواب عن هذه:
إن صدر الآية حَذَّرَ الإنسان من عدم الاستجابة لله وللرسول مخافة أن يُنْتِجَ هذا الإعراض عن دعوة الله تعالى أن يحول الله بينه وبين قلبه ومن ثَمَّ لا يُمكنه أن يستجيب، وهو يؤيِّد ما ذكرنا من أن الله يخلق الفعل بعد مباشرة العبد لأسبابه من خيرٍ أو شرٍ.
4. قوله تعالى (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ) [البقرة:6-7]، وقوله (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ * وَسَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِكْرَ وَخشِيَ الرَّحْمـنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس:7-11].
أخبرت هذه الآيات على أن من تدعوهم إلى الإيمان لا يؤمنون؛ لأن الله قد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وجعل غشاوة على أعينهم وجعل الأغلال في أعناقهم فلا خيار لهم بعد ذلك.
فيجاب عن هذا:
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنذرهم مِراراً وتكرارً وقد أجهد بذلك نفسه حرصا على استجابتهم، فأراد الله أن يُهَوِّنَ عليه ذلك فأخبره بأن الإنذار أصبح غير مجد فيهم؛ لأنهم بعد أن أَصَرُّوا على الكفر والشرك ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم فلا يسمعون لك ولا يُدركون ما تقول ولا يرون الحق.
يُوَضِّحُ هذا قوله في سورة الجاثية (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) [الجاثية: 23]، فالختم حصل لأنه اتخذ إلهَه هواه وصار ضالاً مع وجود ما يعرف به الحق وهو العلم.
ثم إن آية يس الأخيرة بينت أوصاف من ينفع معه الإنذار وهو من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب.
فهؤلاء سلكوا سبيل الرشد فخلق الله فيهم الهداية.
وعلى هذا الأساس لابد أن نحمل كل كلمة وردت بهذا الخصوص على هذا المعنى -وهي الختم والطبع والإقفال وإغفال القلب والأَكِنَّة والوَقْرُ-؛ لأن هذه الأمور كناية عن الإضلال؛ لأنها تطلق في اللغة على الموانع.
وهنا اسْتُعْمِلَت مجازاً في الأمور التي تمنعهم من قبول الحق ولكنها تحصل بعد إعراضهم وإدبارهم عن قبول الموعظة، والله المُوَفِّق.

الخاتمة
في موجز لما توصلت إليه في هذا البحث:
1. عَرَّفْتُ القضاء والقدر والإرادة والمشيئة والهدى والضلال والأمر لغة واصطلاحا، وبَيَّنْتُ المعاني التي يُطلق عليها القضاء والقدر.
2. مَيَّزْتُ بين تكوين الإنسان وبين تكوين بقية المخلوقات الحية، وذكرتُ أسباب اختيار الله تعالى الإنسان لتَحَمُّلِ الأمانة والتكاليف الشرعية، مع بيان ارآء العلماء في ارتباط المُسَبَّب بالسبب.
3. قَسَّمتُ أفعال الإنسان إلى أفعال اضطرارِيَّة خاضعة للقضاء والقدر لا دخل للإنسان في فعلها أو تركها، وبَيَّنتُ أنها لا تدخل تحت التكليف؛ لأنها ليست باختياره وإرادته. وإلى أفعال اختيارِيَّة بوسع الإنسان فعلها أو تركها، وهي ما كَلَّفَه الله بها فعلا أو تركا، وضربتُ لذلك أمثلة، واستشهدت على ذلك بآيات من كتاب الله العزيز.
4. ثم ذكرتُ آراء المذاهب العقائدية في حصول القسم الثاني من الأفعال، هل الإنسان يخلقها مجبراً على فعلها أو أنه يقصدها ويخلقها الله؟
5. توصَّلتُ من خلال البحث إلى أن الإنسان باختياره يتوجه إلى فعل الشيء ومن ثم يخلق فيه الله ذلك الفعل بعد توجُّهِه إليه، فالله يخلق الفعل والإنسان يقصده، فأصله من الله ووصفه من الإنسان.
6. ثم بَيَّنتُ أن للهداية معنيين: الدلالةَ، وخلقَ الهداية، وأن ما ورد من نصوص تدل على أن الله لا يهدي أو يهدي أو يضل إنما يخلق ذلك بعد قصد الإنسان للفعل جمعاً بين الدلالة.
كما بَيَّنتُ المراد من المشيئة التي ترد في النصوص ويدل ظاهرها على أن الفعل لا يقع إلا بعد أن يريده الله، وأَزَلْتُ اللبس عن ذلك.
وخِتاماً: فإني وإن كتبت هذه الأسطر فإني بشر عادي مُعَرَّضٌ للخطأ والصواب، فإن أصبت فأرجو الله أن لا يحرمَني الأجرين، وإن أخطأت فأملي به أن لا يحرمَني الأجر الواحد، وعلى كلا الحالين فإني شاكر له إذا ما حصل الأول، ومستغفره إذا ما حصل الثاني، وبالله التوفيق .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أ.د. عبد الملك عبد الرحمن السعدي العراقي
تحريرا في رمضان 1415هـ
وشباط 1995م
العراق – الأنبار – الرمادي – الجامع الكبير


الهوامش:
(1) الصحاح مادة (قضى) ومادة (قدر).
(2) المواقف للسيد الشريف الجرجاني 3/145.
(3) الصحاح مادة (قضى) ومادة (قدر).
(4) المواقف للسيد الشريف الجرجاني 3/145.
(5) تنظر هذه المعاني في شرح التفتازاني على النسفية ص187.
(6) المصباح المنير مادة (شاء) و (هدى)1/334.
(7) حاشية الباجوري على متن السنوسية ص21.
(8) شرح رمضان ص188، والتعريفات للجرجاني ص16.
(9) المصباح المنير مادة (شَاءَ) و(هَدَى) 1/334.
(10) المصباح مادة (أَمَرَ).
(11) ميزان الأصول لمحمد أحمد السمرقندي تحقيقنا 1/200 الطبعة الأولى.
(12) أي لا ينفك السبب عن المُسَبَّب ولا العكس عند حصوله.
(13) يلاحظ شرح السُلَّم ص45، وحاشية الباجوري على السُلَّم ص75، وحاشية الباجوري على السنوسية (49) وحاشية الخيالي على شرح النسفية.
(14) ميزان الأصول في نتائج العقول 1/104.
(15) هم فرقة من المعتزلة، وهم أتباع واصل وعمر بن عبيد، سُمُّوا بالقَدَرِيَّة؛ لأنهم أنكروا القَدَرَ الإلهي واشتهروا بحرية الإرادة والاختيار من باب الاشتقاق من الضد، القَدَرِيَّة أتباع معبد الجهني وغيلان الدمشقي أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى، ومعبد هو أول من تكلم بالقدر وكان يجلس إلى الحسن البصري في مجلسه بالبصرة /الفرق بين الفرق لعبدالقاهر البغدادي 100، والفِرَق الإسلامية للدكتور عرفان عبدالحميد ص257.
(16) شرح النسفية للتفتازاني ص 98 طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.
(17) المختصر في أصول الدين 235 للقاضي عبدالجبار، مطبوع ضمن رسائل العدل والتوحيد دار الشروق 1408هـ-1988م.
(18) أنظر شرح النسفية للتفتازاني ص 97.
(19) الجبرية الخالصة: هي التي لا تُثْبِتُ للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً، وهم اتباع الجعد بن درهم والجهم/ الملل والنحل للشهرستاني 1/108، الفرق الاسلامية للدكتور عرفان عبد الحميد 257.
(20) أنظر: شرحنا على النسفية ص 103، والمواقف 3/128.
(21) فتح الباري 13/44 باب قوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين)، وشرح مسلم للنووي 1/124 باب من قتل نفسه و 16/190 كتاب القدر.
(22) المواقف 3/118.
(23) المواقف 3/188.
(24) المواقف 3/188.
(25) الإرشاد لإمام الحرمين عبد الملك الجنويني ص 187، طبعة 1369ع- 1950م مطبعة السعادة.
(26) الإرشاد لإمام الحرمين عبدالملك الجويني ص 187، 1369هـ -1950م مطبعة السعادة.
(27) عَبَّرَ عن عمل الخير بالكسب؛ لأنه يحصل براحة واطمئنان النفس، وعن الشر بالاكتساب؛ لأنه يحصل بجهد وارتباك.. والله أعلم
(28) شرح مسلم للنووي 1/154-155.
(29) فتح الباري 1/118.


المراجع:
(1) الإرشاد لإمام الحرمين عبد الملك الجويني، سنة طبعة 1450-1950، مطبعة دار السعادة.
(2) حاشية الباجوري على السُلَّم.
(3) حاشية الباجوري على السنوسية.
(4) حاشية خيالي على شرح النسفية.
(5) شرح السُلَّم لعبد الرحمن الأخضري.
(6) شرح مسلم للنووي.
(7) شرح النسفية للتفتازاني، طبع دار إحياء الكتب العربية بمصر.
(8) شرح النسفية في العقيدة الإسلامية، د. عبد الملك عبد الرحمن السعدي.
(9) الصحاح للجواهري.
(10) فتح الباري لابن حجر العسقلاني.
(11) الفرق بين الفِرَق لعبد القاهر البغدادي.
(12) الفِرَق الإسلامية للدكتور عرفان عبد الحميد.
(13) المختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار، مطبوع ضمن رسائل العدل والتوحيد، دار الشروق، 1408-1918.
(14) المصباح المنير للفيومي.
(15) الملل والنحل للشهرستاني.
(16) المواقف للسيد شريف الجرجاني.
(17) ميزان الأصول في نتائج العقول لمحمد بن أحمد السمرقندي، تحقيق: الدكتور عبد الملك عبد الرحمن السعدي، الطبعة الأولى.
منقول