المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حمل كتاب تعظيم الله جل جلاله لـ د. أحمد المزيد



أهــل الحـديث
13-05-2012, 06:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المقدمة

الحمدُ للهِ الذي رفعَ السماءَ بقدرتِهِ وبسطَ الأرضَ بمشيئتهِ ومهَّدَها للسُّلَّاك، وسَخَّرَ الفُلكَ ومهَّدَ المُلْكَ ودبَّر الأملاك. الحيُّ القيومُ الذي لا تأخُذُه سِنَةٌ ولا نومٌ، الذي خلقَ الموتَ والحياةَ وقدَّر النجاةَ والهلاكَ.
الذي له الخلقُ والأمرُ، وبيدهِ الإطلاقُ والإمساكُ، الذي أنشأَ اللوحَ والقلمَ، وعلَّمَ الإنسانَ ما لم يعلمْ ووهبَ له العقلَ الكاملَ والفهمَ والإدراكَ...
والصلاةُ والسلامُ على البشيرِ النذير والسراج المنيرِ، أعظمِ الخلقِ خشيةً لربّهِ وتعظيمًا له، وتمجيدًا لجلالِهِ، وعبادةً وذكرًا وشكرًا ومحبةً وخوفًا ورجاءً ورغبًا ورهبًا.
واللهُ سبحانه وتعالى هو أهلُ الثناءِ والمجدِ، وصاحبُ الجبروتِ والملكوتِ والكبرياءِ والعظمةِ... هو عالِمُ السرِّ وأخفى، قيومُ السمواتِ والأرضِ، عالمُ الأسرارِ، مقيلُ العثار، مدبرُ الليلِ والنهارِ. (هو الأول والأخر والظاهر والباطن).
هو الأولُ فليس قبلَهُ شيءٌ، وهو الآخرُ فليس بعدَهُ شيءٌ وهو الظاهرُ فليسَ فوقَهُ شيءٌ، وهو الباطنُ فليسَ دونَهُ شيءٌ... هو خيرُ المسؤولين، وأكرمُ المعطين، ورازقُ الناسَ أجمعين. يعلمُ حوائجَ السائلين، وضمائرَ الصامتين، وأسرارَ صدورِ العالمين. لا يزدادُ على كثرةِ السؤالِ إلا جودًا وكرمًا، ولا على كثرةِ الحوائجِ إلا تفضلًا وإحسانًا.
هو العليُّ الكبيرُ، الوليُّ الحميدُ، العزيزُ المجيدُ، المبدئُ المعيدُ، الفعالُ لما يريدُ، الحيُّ القيومُ، القويُّ المتينُ، العظيمُ الجليلُ، له الخلقُ والأمرُ، وبيدهِ النفعُ والضرُّ، وله الحكمُ والتقديرُ، والملكُ والتدبيرُ، ليسَ لهُ في صفاتِهِ شبيهٌ ولا نظيرٌ، ولا له في آلهيتهِ شريكٌ ولا ظهيرٌ، ولا له في سلطانهِ وليٌّ ولا نصيرٌ.
سبحانه من مليكٍ ما أمنَعَه، وجوادٍ ما أوسعَهُ، ورفيعٍ ما أرفَعَه، لا رادَّ لمشيئته، ولا مبدِّل لكلماتهِ، قولهُ حُكْمٌ، وقضاؤه حَتْمٌ، وأمْرُه رشدٌ، باهِرُ الآياتِ، فاطرُ السمواتِ، بارئُ السماتِ، مجيبُ الدعواتِ، مغيثُ اللهفاتِ، مقيلُ العثراتِ. أكبرُ من كلّ شيءٍ، وأعظمُ من كلِّ شيءٍ، وأعزُّ من كلِّ شيءٍ، وأقدرُ من كل شيءٍ، وأعلمُ من كلِّ شيءٍ، وأحكمُ من كلِّ شيءٍ.
قالَ ابنُ القيِّمِ في صفةِ عظمةِ الله عز وجل:

«يدبِّرُ أمرَ الممالكِ، ويأمرُ وينهى، ويخلقُ ويرزقُ، ويميتُ ويُحْيي، ويقضي وينفِّذُ، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويقلِّبُ الليلَ والنهارَ، ويُدَاوِلُ الأيامَ بينَ الناسِ، ويُقَلِّبُ الدُّوَلَ، فيذهبُ بدولةٍ، ويأتي بأخرى.
والرسلُ من الملائكةِ عليهم الصلاةُ والسلامُ بين صاعدٍ إليه بالأمرِ، ونازلٍ من عندِهِ به، وأوامرُه ومراسيمُهُ متعاقبةٌ على تعاقبِ الأوقاتِ، نافذةٌ بحسبِ إرادتهِ ومشيئتهِ، فما شاءَ كانَ كما شاءَ في الوقتِ الذي يشاءُ على الوجهِ الذي يشاءُ، من غيرِ زيادةٍ ولا نقصانٍ، ولا تَقَدُّمٍ ولا تأخُّرٍ، وأمرُهُ وسلطانُهُ نافِذٌ في السمواتِ والأرضِ وأقطارِها، وفي الأرضِ وما عليها وما تحتها، وفي البحارِ والجوِّ، وفي سائرِ أجزاءِ العالمِ وذرَّاتِهِ، يُقَلِّبها ويُصَرِّفها، ويُحدِثُ فيها ما يشاءُ، وقد أحاطَ بكلِّ شيءٍ علمًا، وأحصى كلَّ شيءٍ عددًا، ووسعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وحكمةً، ووسعَ سَمْعُهُ الأصوات، فلا تختلفُ عليه ولا تشتبهُ عليه، بل يسمعُ ضجيجَها باختلافِ لغاتِها على تَفَنُّنِ حاجاتِها، فلا يَشغَلُهُ سمعٌ عن سمعٍ، ولا تُغلِطُه كثرةُ المسائلِ، ولا يتبَرَّمُ بإلحاحِ المُلِحِّين ذوي الحاجات.
وأحاط بصرُه بجميعِ المرئياتِ، فيرى دبيبَ النملةِ السوداءِ على الصخرةِ الصَّمَّاءِ في الليلةِ الظلماءِ، فالغيبُ عنده شهادةٌ، والسرُّ عنده علانيةٌ، يعلمُ السرَّ وأخفى من السرِّ؛ فالسرُّ ما انطوى عليه ضمير العبدِ، وخطرَ بقلبِهِ، ولم تتحركْ به شفتاه، وأخفى منه: ما لم يخطرْ بقلبِهِ بَعْدُ، فيَعلَمُ أنه سيخطرُ بقلبِهِ كذا وكذا في وقتِ كذا وكذا.
وله الخلقُ والأمرُ، وله الملكُ وله الحمدُ، وله الدنيا والآخرةُ، وله النعمةُ، وله الفضلُ، وله الثناءُ الحسنُ، وله الملكُ كلُّه، وله الحمد كلُّهُ، وبيدهِ الخيرُ كلُّهُ، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّهُ، شملت قدرتُهُ كلَّ شيءٍ، ووسعتْ رحمتُهُ كلَّ شيءٍ، ووسَعَت نعمتُهُ إلى كلِّ حيّ.
(يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن) [الرحمن:29]: يغفرُ ذنبًا، ويفرِّجُ همًّا، ويكشفُ كربًا، ويجبرُ كسيرًا، ويُغني فقيرًا، ويُعَلِّمُ جاهلًا، ويهدي ضالًّا، ويُرشِدُ حيرانًا، ويغيث لَهْفَانًا، ويَفُكُّ عانيًا، ويُشبع جائِعًا، ويَكْسُو عاريًا، ويشفي مريضًا، ويُعافي مبتلى، ويقبل تائبًا، ويجزي محسنًا، وينصرُ مظلومًا، ويقصمُ جبَّارًا، ويقيل عثرَةً، ويسترُ عورةً، ويُؤَمِّن روعةً، ويرفعُ أقوامًا، ويضع آخرين.
لا ينامُ، ولا ينبغي له أن ينامَ، يخفضُ القسطَ ويرفعُهُ، يُرفَع إليه عملُ الليلِ قبلَ عملِ النهارِ، وعملُ النهار قبلَ عملِ الليلِ، حجابُه النورُ، لو كشفَهُ لأحرقتْ سُبُحات وجههِ ما انتهى إليه بصرُه من خلقه.
يمينُه مَلأى، لا تَغِيضُها نفقة، سحَّاءُ الليلَ والنهارَ، أرأيتم ما أنفقَ منذ خلقَ الخلقَ، فإنه لم يَغِضْ ما في يمينهِ.
قلوبُ العبادِ ونواصيهم بيدهِ، وأزمَّةُ الأمورِ معقودةٌ بقضائهِ وقدرِهِ، الأرضُ جميعًا قبضتُهُ يومَ القيامةِ، والسمواتُ مطوياتٌ بيمينهِ، يقبضُ سمواتِهِ كلِّها بيدِهِ، والأرضَ باليدِ الأخرى، ثم يَهُزُّهنَّ، ثم يقولُ: أنا الملكُ، أنا الملكُ، أنا الذي بدأت الدنيا ولم تكنْ شيئًا، وأنا الذي أعيدُها كما بَدَأتُها.

لا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفرَهُ، ولا حاجةٌ يُسأَلُها أن يعطيَها. لو أن أهلَ سمواتِهِ، وأهلَ أرضِهِ، وأولَ خلقِهِ وآخرَهم، وإنسَهم وجنَّهم، كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ منهم، ما زاد ذلك في ملكهِ شيئًا، ولو أنَّ أولَ خلقهِ وآخرَهم، وإنسَّهم وجِنَّهم، كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ منهم، ما نقصَ ذلك من ملكهِ شيئًا، ولو أن أهلَ سمواتِهِ، وأهل أرضِهِ، وإنسَهم وجِنَّهم، وحيَّهُم وميِّتهم، كانوا على أفجر قلبِ رجلٍ منهم، ما نقص ذلك من ملكهِ شيئًا، ولو أن أهلَ سمواته، وأهلَ أرضه، وإنسَهم وجنَّهم، وحيَّهُم وميِّتهم، ورطَبهم ويابِسهم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوه فأعطى كلًّا منهم مسألتَهُ، ما نقصَ ذلك مما عندَهُ مثقالَ ذرةٍ.
ولو أنَّ أشجارَ الأرضِ كلَّها ـ من حين وُجدتْ إلى أن تنقضيَ الدنيا ـ أقلامٌ، والبحرُ وارءه سبعةُ أبحرٍ تمدُّه من بعده مِدادٌ، فكُتِبَ بتلك الأقلامِ، وذلك المدادِ، لفنيت الأقلامُ ونفدَ المدادُ، ولم تنفدْ كلماتُ الخالقِ تباركَ وتعالى.
وكيفَ تَفْنَى كلماتُه جَلَّ جلالُهُ وهي لا بدايةَ لها ولا نهاية؟! والمخلوقُ له بدايةٌ ونهايةٌ، فهو أحقُّ بالفناءِ والنَّفادِ، وكيف يُفنِي المخلوقُ غيرَ المخلوق؟!
هو الأولُ الذي ليسَ قبلهُ شيءٌ، والآخرُ الذي ليسَ بعده شيءٌ، والظاهرُ الذي ليس فوقه شيءٌ، والباطنُ الذي ليس دونه شيءٌ.
تباركَ وتعالى، أحقُّ من ذُكِر، وأحقُّ من عُبد، وأحقُّ من حُمِد، وأولى من شُكِر، وأنصَرُ من ابتُغِي، وأرأفُ من مَلَك، وأجودُ من سُئِل، وأعفَى من قَدِر، وأكرم من قُصِد، وأعدل من انتَقَم.
حكمُه بعد علمهِ، وعفوهُ بعد قدرتهِ، ومغفرتُه عن عِزَّتهِ، ومَنْعُه عن حكمتهِ، وموالاتُه عن إحسانهِ ورحمتهِ.
ما لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ واجبٌ
كَلَّا ولا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ
إن عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ، أو نُعِّمُوا
فَبِفَضْلِهِ، وهو الكريمُ الواسِعُ
هو الملكُ الذي لا شريكَ له، والفردُ فلا ندَّ له، والغنيُّ فلا ظهيرَ له، والصمدُ فلا ولدَ له، ولا صاحبةَ له، والعليُّ فلا شبيهَ له، ولا سَمِيَّ له، كلُّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهَهُ، وكلُّ مُلكٍ زائلٌ إلا ملكهُ، وكلُّ ظلٍّ قَالِصٌ إلا ظِلُّهُ، وكلُّ فضلٍ منقطعٌ إلا فضله.
لن يُطاعَ إلا بفضلهِ ورحمتهِ، ولن يُعصى إلا بعلمهِ وحكمتهِ، يُطاعُ فيَشكرُ، ويُعصَى فيتجاوزُ ويَغْفِرُ، كلُّ نقمةٍ منه عدلٌ، وكلُّ نعمةٍ منه فضلٌ، أقربُ شهيدٍ، وأدنى حفيظٍ، حالَ دون النفوسِ، وأخذَ بالنواصي، ونسَخَ الآثار، وكتبَ الآجالَ، فالقلوبُ له مُفْضِيَةٌ، والسرُّ عنده علانيةٌ، والغيبُ عندَهُ شهادةٌ، عطاؤه كلامٌ، وعذابهُ كلامٌ، (إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون) [يس:82]»([1]).

أما بعد:
فإنَّ هذا الكتابَ يهدفُ إلى ترسيخِ أعظمِ قيمةٍ في حياةِ المسلمِ وهي العبوديةُ لله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
والعبوديةُ هي: الذلُّ والخضوعُ والانقيادُ لله عز وجل والافتقارُ التامُّ إليه سبحانهُ، وتحقيقُ أنه لا معبودَ بحقّ إلا اللهُ، وهذا لا يكونُ إلا بتعظيمِ الله سبحانه وتعالى المتضمنِ للخوفِ والرجاءِ والمحبةِ له تعالى وقد ذمَّ الله عز وجل من لا يعظمُهُ فقال: (ما لكم لا ترجون لله وقارا).
وقال: (وما قدروا الله حق قدره).

فشأنُ اللهِ أعظمُ من كلِّ شيءٍ، وعظمةُ الله عز وجل فوقَ كلِّ تصدرٍ وتقديرٍ.
وقد جعلتُ هذا الكتابَ ـ تعظيمُ اللهِ ـ الأولَ في مكتبةِ اسعد مجتمعك ليترسخَ في الناسِ أنَّ تعظيمَ الله عز وجل هو أعظمُ وسيلةٍ توصلُ إلى سعادةِ الفردِ والأسرةِ والمجتمعِ بل إلى سعادةِ البشريةِ كلِّها خصوصًا في زمنِ العولمةِ وحيث صار العالمُ قريةً واحدةً ضعفَ منه أثر الوسائلِ الخارجيةِ لحمايةِ ووقايةِ المجتمعِ من منعٍ ومراقبةٍ فصار لزامًا الاهتمامُ والتركيزُ التامُّ على تقويةِ تعظيمِ اللهِ في النفسِ بتقويةِ الوازعِ الدينيِّ ومراقبةِ اللهِ في السرِّ والعلنِ.
إنَّ المعظمَ لله عز وجل متوازنٌ من جميعِ الجوانبِ يحملُ همَّ الآخرةِ ولا ينسى نصيبهُ من الدنيا، معظِّمٌ لأمرِ اللهِ ونهيه في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، محققٌ لتوحيدِ اللهِ على أكملِ وجهٍ سالمٌ من الشركِ بجميعِ صورِهِ، مؤدٍ واجباتِهِ الدينيةِ على أكملِ وجهٍ، من صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وغيرِها من الفرائضِ والواجباتِ.
وهو كذلك من أعظمِ الناسِ تأديةً للحقوقِ وأعظمِها: حقُّ الوالدين، والأبناءِ والزوجةِ والأرحامِ والجيرانِ والأصدقاءِ والأطفالِ والفقيرِ وغيرِهم.
وكذلك فإنه يجتنبُ المحرماتِ التي نهى اللهُ عنها من مسكراتٍ ومخدراتٍ وانحرافاتٍ جنسيةٍ، واعتداءاتٍ على الأنفسِ والأموالِ بالسرقةِ والرشوةِ وغيرِها.
والمعظمُ لله عز وجل مجتنبٌ لهذه المحرماتِ عبوديةً لله عز وجل خوفًا ورجاءً ومحبة للهِ، ولذلك فإنه يجتنبُ المحرَّماتِ في سائرِ الأماكنِ داخل وطنه وخارجه، إذا رآه الناسُ وإذا لم يَرَوْه، لأنه لا يراقبُ إلا الله عز وجل، فسلِمَ بذلك من التناقضِ والازدواجيةِ التي سيطرتْ على كثير من الناسِ.
وكذلك فإنَّ المعظمَ لله عز وجل لا يقتصرُ على تركِ المحرماتِ الظاهرةِ فقط، بل يهتمُّ بتطهيرِ قلبِهِ من المحرماتِ الباطنةِ كالكبر والغلِّ والحسدِ والبغضاءِ والرياءِ والسمعةِ والغرورِ وغيرِ ذلك.
وكذلك فإنه يهتمُّ بتحليةِ قلبهِ بالقيمِ والعباداتِ القلبيةِ كالصدقِ والإخلاصِ والمحبةِ والصبرِ والتوكلِ والإنابةِ وغيرِها.
والمعظمُ لله عز وجل همُّه إقامةُ العبوديةِ للهِ تعالى في نفسِهِ أولًا، وإسعادُ الآخرين بدخولِهم فيها.
والمعظمُ لله عز وجل معظمٌ لجنابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم مدافعٌ عنه محبٌّ له، يشرفُ بالتأسي به والانضواءِ تحت لوائِهِ ولذلك فإنه يقتدي به في كلِّ الأمورِ، ويدعو إلى سنتهِ، ويبينُ فضائِلَهُ ومحاسِنَهُ وكمالَ أخلاقهِ وآدابِه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يُقَدِّمُ على الكتابِ والسنةِ شيئًا من الآراءِ والأهواءِ والأقوالِ والعاداتِ. كما أنه ملتزمٌ بمنهجِ الوسطيةِ في عباداتِهِ وتعاملاتِهِ كلِّها سالمٌ من التطرفِ والغلوِّ والإرهابِ والبدعِ والضلالات.
والمعظمُ للهِ هو الساعي الحقيقيُّ لإعمار الوطنِ وتنميتِهِ عبادةً للهِ في سائرِ المجالاتِ الاقتصاديةِ والإداريةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ والصحيةِ والتعليميةِ والأمنيةِ وفقَ الكتابِ والسنةِ، حيث يجعلُ من هذه الحياةِ مزرعةً للآخرةِ وممرًّا إليها.
ولذلك فإنه من أكثر الناسِ إتقانًا لعملِهِ وإحسانًا له. كما أنه لا يبخلُ بالخيرِ على الناسِ، بل يدلُّ الناسَ على كلِّ خيرٍ طلبًا لمرضاتِ اللهِ، ويغلقُ كلَّ بابٍ من أبوابِ الضررِ والفسادِ والإيذاءِ وذلك؛ لأنه من أصدقِ الناسِ نصحًا لمجتمعه ووطنه.
المعظمُ للهِ يتفاعلُ مع مجتمعِهِ بأمرِهِ بالمعروفِ ونهيهِ عن المنكرِ واصلٌ لرحمِهِ، راعٍ لجارِهِ، مساعدٌ للمحتاجِ، زائرٌ للمريضِ، مصلحٌ بين المتخاصمين، مشاركٌ في أفراحِ مجتمعِهِ.
والمعظمُ للهِ يعملُ بشموليةِ الإسلامِ الواسعةِ، ويرسخُ مبادِئَهُ في كلِّ الأمورِ، ويدخلُ في السِّلم كافة، ولا يختزلُ الدينَ في قضايا يحددُها لنفسِهِ، أو يحدُدها له غيرُهُ، وإنما يعظمُ ما عظمَهُ اللهُ ورسولُهُ، لا ما عظمتْهُ الأهواءُ والعاداتُ والتقاليدُ والمجتمعُ والبيئةُ، وما تفرضُهُ العولمةُ في واقعِنا المعاصرِ. وهو من خلال ذلك يقدمُ مصلحةَ الأمةِ والمجتمعِ على مصالِحِهِ الشخصيةِ الفرديةِ المحدودةِ.
إنَّ ترسيخَ قيمةِ تعظيمِ الله عز وجل يعالجُ كثيرًا من مشاكلِ المجتمعِ الأمنيةِ والاقتصاديةِ والإداريةِ بأيسرِ السبلِ وأقلِّ التكاليفِ والأعباءِ على الدولةِ.
وكذلك فإنَّ ترسيخَ قيمةِ تعظيمِ اللهِ في النفوسِ تعالجُ كثيرًا من المشكلاتِ الاجتماعيةِ كعقوقِ الوالدينِ وقطيعةِ الرحمِ وظلمِ المرأةِ والعنفِ الأسريِّ وانتهاكِ الأعراضِ وغير ذلك من الاعتداءِ على الأنفسِ والأموالِ الخاصةِ والعامةِ وغيرِ ذلك من المشكلاتِ، حيث لا توجدُ مشكلةٌ إلا ومن أعظمِ أسبابِها ضعفُ تعظيمِ الله عز وجل في النفوسِ، وقد رأينا أنَّ هذه القيمةَ لما ترسَّختْ في نفوسِ الجيلِ الأولِ في عصرِ النبوةِ وعصرِ الخلافةِ الراشدةِ ومنْ بعدَهم أنتجتْ أمةً ضربتْ أروعَ الأمثلةِ في الطهارةِ والاستقامةِ والأمانةِ وأداءِ الواجباتِ والابتعادِ عن المحرماتِ والوصولِ إلى أعظمِ مظاهرِ المدنيةِ والحضارةِ.
وهذا الكتابُ هو تأملاتٌ في تعظيمِ الله عز وجل من خلالِ تدبرِ الآياتِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبويةِ في اللهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ، وما سطَّرَهُ العلماءُ الربانيون في بيانِ عظمةِ اللهِ وغناه المطلقِ.
وكذلك ما كتبَهُ الشعراءُ في قصائدَ في تعظيمِ الله عز وجل، وقد جمعتُ ما تيسَّرَ منها في هذا الكتابِ وهذا العملُ هو جزء من مشروع أسعد مجتمعك.
ويحدوني الأملُ أن نشتركَ جميعًا دعاةٌ وخطباءُ ومفكرون وكتابٌ وإعلاميون ورجالُ أعمالٍ في ترسيخِ قيمةِ تعظيمِ اللهِ بكلِّ الوسائلِ المتاحةِ المقروءةِ والمسموعةِ والمرئيةِ ومثلِ ذلك أن نطبِقَها في سائرِ مجالاتِ حياتِنا ليقتدوا بنا.

أسألُ اللهَ أنْ يباركَ في الجهودِ وأنْ يسعدَ الجميعَ دنيا وآخرة.

أ.د. أحمد بن عثمان المزيد


([1]) انظر: الوابل الصيب؛ لابن القيم (ص:15، وما بعدها).