المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أثر ابن عباس الموقوف كفر دون كفر دراسة حديثية



أهــل الحـديث
12-05-2012, 11:31 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


يقول عثمان بن الصادق بن أحمد أبو محمد مشري التغزوتي :

الحمد لله الكريم المنان والصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد : نويت بإذن الله أن أجمع رسالة صغيرة أقدم فيها دراسة حديثية على بعض الأحاديث التي جعلها بعض الناس أصولا في بابها وهي ضعيفة وبيان ضعفها . ولقد إستعنت بكتابات السابقين والمتأخرين وليس لي فيها سوى هذا الجمع والترتيب ومحاولة إضهار النكت والعلل الموجودة وأدلة المصححين ورفع حجيتها .
وكان في الحقيقة سبب جمعي لها هو كبديل عن العقيقة والتصدق بشعر ولدي الأول الذي وهبنيه ربي يوم أول ماي ألفين و إثنا عشر للظروف الخاصة نسأل الله أن يبارك فيه آمين يا رب . أخوكم الضعيف إلى ربه يلح عليكم في الدعاء

أسأل الله التوفيق والمعونة ومنكم الدعاء



الحديث الأول :

حديث ابن عباس كفر دون كفر .



بسم الله الرحمن الرحيم
ليس المقصد من كتابة هذا المبحث - حجية الموقوفات من الآثار- أو ما شابهها من المسائل. وإنما هو مبحث حديثي يختص بالبحث عن هذا الأثر من الناحية الإسنادية فقط .
ذكر الطرق التي جاءت في هذا الأثر والكلام عليها .
الطريق الأولى والثانية :
قال ابن جرير الطبري في تفسيره على سورة المائدة : حدثنا هناد حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبى عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون. قال هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله .
قلت: هذا إسناد صحيح. والظاهر من هذه الطريق أن الكلام كله من قول ابن عباس رحمه الله. وقد اغتر بها الكثير لصحة الإسناد، وخفي عليهم الإدراج الذي بينته رواية عبد الرزاق الآتية:
قال الإمام عبد الرزاق: اخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله (..فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر.
قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
فثبت من هذه الرواية الصحيحة التصريح بأن قوله: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله مدرجة من قول ابن طاوس لا من كلام ابن عباس كما قد يفهم من ظاهر رواية - سفيان عن معمر -
قال الحافظ الذهبي في الموقظة : المدرج هو ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث ويدل دليل على أنها من لفظ الراوي ، يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا.
وما قرره الذهبي في هذه القاعدة واضح في أثرنا هذا وهو خير مثال لها. فطريق سفيان عن معمر توهم السامع أن الكلام كله لعبد الله بن عباس ولكن دل دليل آخر وهو طريق عبد الرزاق عن معمر أن هناك ألفاظ مدرجة وهي قوله قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته و... فجاءت هذه العبارة تفصل هذا من هذا .
أضف إلى ذلك أن عبد الرزاق أثبت وأتقن الناس في معمر، بل القول قوله عند الإختلاف.
قال يعقوب بن شيبة: (عبد الرزاق أثبت في معمر جيد الإتقان).
وقال الحافظ في الفتح نقلا عن شعيب الأرنؤوط من تحقيق العواصم 2/342 : (هو عبد الرزاق بن همام بن نافع، أبو بكر الحميري مولاهم، الصنعاني، أحد الحفاظ الأثبات، صاحب التصانيف، وثقه الأئمة كلهم إلا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده، فتكلم بكلام أفرط فيه، ولم يوافقه عليه أحد، وقد قال أبو زرعة الدمشقي: قيل لأحمد: من أثبت في ابن جريج عبد الرزاق أو محمد بن بكر البرساني؟ ففال: عبد الرزاق، وقال عباس الدوري، عن ابن معين: كان عبد الرزاق أثبت في حديث معمر من هشام بن يوسف، وقال يعقوب بن شيبة، عن علي بن المديني، قال لي هشام بن يوسف: كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا، قال يعقوب: كلاهما ثقة ثبت، وقال الذهلي: كان أيقظهم في الحديث، وكان يحفظ، وقال ابن عدي: رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم، وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع، وهو أعظم ما ذموه به، وأما في باب الصدق، فأرجو أنَّه لا بأس به، وقال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بأخرة كتبوا عنه أحاديث مناكير، وقال الأثرم: عن أحمد: من سمع منه بعد ما عمي، فليس بشيء، وما كان فيكتبه، فهو صحيح، وما ليس في كتبه، فإنه كان يلقن فيتلقن. " سير أعلام النبلاء " 9/ 563 - 580، " الكامل " 5/ 1948 - 1952، " مقدمة الفتح " ص 419.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق 36/169 : سمعت أحمد بن حنبل يقول: (إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق).
فكان على الباحث أن يتنبه لذلك فإنه واضح لا يخفى على طلبة هذا الفن. فإن صحة الخبر لا تتوقف على عدالة الرواة وضبطهم، إنما تعرف بجمع الطرق والروايات ثم النظر في العلل مثل الإختلاف في الوصل والقطع والرفع والوقف أو دخول حديث في حديث إلي غير ذلك.
يقول الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/87 : وتدرك العلة بتفرد الراوي ومخالفته غيره مع قرائن تنضم إلى ذلك يهتدي الجهبذ- أي الناقد- بذلك إلى اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم أو غير ذلك.
قال الإمام السخاوي فتح المغيث 1/226 - عن أسباب العلل: تدرك بعد جمع طرق الحديث والفحص عنها بالخلاف من راوي الحديث لغيره ممن هو أحفظ وأضبط وأكثر عدداً عليه والتفرد بذلك وعدم المتابعة عليه مع قرائن قد يقصر التعبير عنها تضم لذلك يهتدي بمجموعها جهبذها أي الحاذق في النقل في النقد من أهل هذه الصناعة- لا كل محدث- إلى إطلاعه على : تصويب إرسال- يعني خفي- ونحوه لما قد وصل أو تصويب وقف مما كان يرفع أو تصويب فصل متن أو بعض متن دخل درجا في متن غيره وكذا بإدراج لفظة أو جملة ليست من الحديث فيه ...
فهذه هي طرائق المحدثين ومنهجهم وقواعدهم لمعرفة صحة الحديث وسقمه، ليس الاكتفاء بترجمة رجال الإسناد ومعرفة مراتبهم فإن هذا معرفته هينة لأن الثقاة والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف.
قال أبومحمد : هذا الأثر ليس كلام ابن عباس نفسه بل قد ثبت أن قول ابن عباس هو: هي به كفر. أما باقي الألفاظ فهي من كلام عبد الله بن طاوس كما ثبت ذلك باتباع طرق الحديث، وهذا لا يخفى على من له أدنى علم بهذا الفن. والله تعالى أعلم بالصواب.
الطريق الثالثة:
قال الحافظ ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة: حدثنا محمد بن يحي حدثنا عبد الرزاق عن سفيان عن رجل عن طاوس عن ابن عباس في قوله ( .. فأولئك هم الكافرون ) قال : كفر لا ينقل عن الملة.
والإسناد ضعيف لإبهام الرجل .
أما قول بعضهم: (لكنه حسن في الشواهد) ليس بحسن منه لأنه حاد عن قواعد المحدثين في ذلك وكما قدمنا أن البحث لا يقتصر على تراجم الرجال ولكنه البحث عن العلل وهذا هو عمل أهل هذا الفن. فقد ورد هذا الأثر من رواية أخرى مخالفة لهذه الطريق:
قال ابن جرير الطبري حدثنا الحسن بن يحي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن رجل عن طاوس في قوله تعالى (... فأولئك هم الكافرون) قال كفر لا ينقل عن الملة.
فجعلها من كلام طاوس لا من كلام ابن عباس؛ فكان عليهم أن يأتوا بهذه الرواية. ثم عليهم الترجيح فيما هو الثابت من هذا الاختلاف.
والاختلاف الحاصل في الطريقين إما أن يكون من عبد الرزاق رواه مرة من كلام ابن عباس ومرة من كلام طاوس وإما أن يكون من الذين سمعوا الأثر من عبد الرزاق على كلٍ فكلا الإسنادين ضعيف لنفس العلة. ولعل الصواب ترجيح الطريق التي فيها أن الأثر من كلام طاوس لا من كلام ابن عباس، وقد ثبت ذلك مبيناً بإسنادٍ صحيح.
قال ابن جرير الطبري: حدثنا هنادٌ قال ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن سعيد المكي عن طاوس في قوله تعالى ( .. فأولئك هم الكافرون ) قال: ليس بكفرٍ ينقل عن الملة .
وهذا إسناد صحيح ولعل الرجل المبهم في رواية عبد الرزاق هو سعيد المكي نفسه وهو ابن حسان المخزومي وثقه ابن معين والنسائي وأبو داود.
فثبت من ذلك أن الكلام لـ طاوس رحمه الله وليس لابن عباس كما هو واضح .
أما قول بعضهم: (فمن الممكن أنه تلقاه عمن سمعه منه ثم أفتى به) فكأنه جعل الأثر مروياً من طريقٍ عن ابن عباس ثم من طريق أخرى عن طاوس. فإن من الخطأ أن يدرس إسناداً من هذه الأسانيد مستقلاً كما فعل. ثم قد يحكم بعضهم على أنه صحيح عن طاوس ويجعل إسناد عبد الرزاق الأول حسناً في الشواهد!! وهذا خطأ يقع فيه الكثير من الباحثين. إذ أن الحديث لكي يصح يلزم- فضلاً عن صحة إسناده- السلامة من العلل كما قدمنا، فإن هذا الأثر مخرجه واحد وألفاظه واحدة فوصله إلى ابن عباس ووقفه على طاوس من العلل القادحة في الأثر كما قدمنا من منقولات أهل العلم وهي كثيرة فعلى العالم العارف بالعلل أن يرجح الصواب من هذا الاختلاف.
الطريق الرابعة:
قال الحافظ ابن نصر: حدثنا يحي ابن يحي ثنا سفيان بن عيينة عن هشام- بن حجير- عن طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى (فأولئك هم الكافرون) قال : ليس الكفر الذي يذهبون إليه.
وهذا الإسناد رجاله ثقاتٌ غير هشام بن حجير المكي. فقد ضعفه الأئمة الجبال:
قال علي بن المديني قرأت على يحي بن سعيد: ثنا بن جريج عن هشام بن حجير حديثا، قال يحي بن سعيد: خليق أن أدعه. قلت: أضرب على حديثه؟ قال: نعم.
قال بن عدي كتب إلي محمد بن الحسن: ثنا عمرو بن علي سمعت يحي سئل عن حديث هشام بن حجير فأبى أن يحدث به ولم يرضه.
قال عبد الله بن أحمد: سألت يحي عن هشام بن حجير فضعفه جداً.
وقال سمعت أبي يقول: هشام بن حجير مكيٌ ضعيف الحديث.
قال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وذكره العقيلي في الضعفاء.
ومع تضعيف هؤلاء الجبال الرواسي لـ هشام بن حجير تعلق البعض بتوثيق بعض الأئمة له، فمن هؤلاء الأئمة ابن حبان، وابن سعد،وابن شاهين والعجلي.
أما ابن سعد فلا يعتمد توثيقه إذا خالف الأئمة لأنه يعتمد على الواقدي ومادته في الطبقات منه في الغالب والواقدي ليس بمعتمد. وأما ابن حبان والعجلي فمشهوران بالتساهل في توثيق المجاهيل ويؤخذ بتوثيقهم لغير المجاهيل لكنهما في هشام قد خالفا أئمة الجرح والتعديل وأساطين هذا الفن وركائز علم العلل ومعرفة الرجال. لذا قال عنه الحافظ ابن حجر: (صدوق له أوهام) ولم يجعله في مرتبة من يقبل حديثه لو انفرد، فكيف يعارض بقول ابن حبان والعجلي وابن شاهين في رجلٍ ضعفه أحمد بن حنبل، ويحي بن معين، وتركه يحي بن سعيد، وضرب علي بن المديني على حديثه. وتمسك البعض بأنه من رجال الصحيحين وهذا تمسك فاسد لأنه لم يروِ له البخاري ولا مسلم إلا مقروناً بغيره من الثقات ولم يحتجا به في الأصول فالقول فيه ما قاله الإمام أبو حاتم: (يكتب حديثُهُ). أي ليتابع به، فإن حديثه يصلح في الشواهد. أما في هذا الأثر فالراجح أنه لم يتابع عليه بل انفرد بهذه الرواية لأنا لم نجد من يتابعه ولم نجزم بذلك إلا بعد أن وقفنا على قول الإمام سفيان بن عيينة في روايته عن هشام.
روى العقيلي في الضعفاء عن ابن عيينة قال: لم نأخذ منه إلا ما لا نجد عند غيره.
أي كل ما رواه سفيان عن هشام فهو من ما انفرد به وإلا لأخذه من غيره فثبت بذلك ضعف قول علي بن حسن الحلبي: (وعلى هذا فإن الأخبار الأخرى الواردة عن ابن عباس بالأسانيد الثابتة في معني الخبر نفسه تقوي خبره هذا ولا ترده كما سيأتي فهو حسن لغيره على أقل الأقوال).
ثم رد بعضهم على تضعيف هذا الأثر الأخير الذي فيه هشام بن حجير وقال: لكن لي في هذه المسألة شواهد واردة في معنى هذا الخبر الذي اجتهدتم في تضعيفه.
ونقول بل هم الذي اجتهدوا في تصحيح هذا الأثر فقد بحثوا وبحثوا ليخرجوا له شواهد يَتَعَضَّدُ بها فإليك هذه الشواهد التي ذكروها
الطريق الخامسة:
روى الحاكم من طريق علي بن حرب عن سفيان به بلفظ: (إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة (فأولئك هم الكافرون) كفر دون كفر). وزاد بعضهم (وظلم دون ظلم وفسق دون فسق).
وهذه الطريق أيضا من رواية هشام بن حجير، وهي ضعيفة كما قدمنا، فهذه بعد أن جعلوها طريقا شاهدا للأثر كانت من الطرائف وهي أن يشهد ابن حجير لابن حجير!!
ثم إن هذه الرواية ملفقة من عدة روايات مما يدل على الوهم والخطأ الذي وقع فيها فإنها جمعت كل الألفاظ سابقة الذكر.
الطريق السادسة:
قال ابن جرير الطبري حدثنا المثنى ثنا عبد الله بن صالح قال ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (فأولئك هم الكافرون) قال من جحد ما أنزلت فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق.
عبد الله بن صالح هو: ابن محمد بن مسلم الجهني المصري كاتب الليث بن سعد وهو ضعيف.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد فقال كان أول أمره متماسك ثم فسد بآخره وليس هو بشيء،
قال ابن المديني: لا أروي عنه شيئاً،
وقال النسائي: ليس بثقة،
قال أحمد بن صالح: متهم ليس بشيء،
قال صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث،
قال أبو زرعة: لم يكن عندي ممن يتعمد الكذب وكان حسن الحديث.
قال أبو حاتم: صدوق أمين ما علمته.
وقد كثر الكلام في عبد الله بن صالح منهم من جعله كذابا ومنهم من ضعفه ومنهم من حسن حديثه، وجامع القول فيه ما قاله الإمام ابن حبان- وهو من أهل الاستقراء التام-: كان في نفسه صدوقا إنما وقعت له مناكير في حديثه من قبل جار له فسمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به. ولذلك قال عنه الحافظ ابن حجر: صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه فيه غفلة.
وقال عنه الذهبي: فيه لين.
وفي الإسناد كذلك علي بن أبي طلحه: واسمه سالم بن المخارق الهاشمي.
قال احمد بن حنبل: علي بن أبي طلحه له أشياء منكرات.
قال النسائي: ليس به بأس.
قال العجلي: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات.
قال الآجري عن أبي داود: هو إن شاء الله مستقيم الحديث.
قال يعقوب عن سفيان: ضعيف الحديث منكر ليس مجود المذهب. وقال شامي ليس هو بمتروك ولا حجة. وأما عن روايته عن ابن عباس فهي منقطعة فإنه لم يسمع منه قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول سمعت دحيماً يقول: أن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير.
قال ابن حبان: روى عن ابن عباس ولم يره.
وقال الحافظ بن حجر: أرسل عن ابن عباس ولم يره.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مرسل إنما يروي عن مجاهد والقاسم بن محمد وراشد بن محمد ومحمد بن يزيد.
وقال الذهبي: أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد فلم يذكر مجاهدا بل أرسله عن ابن عباس. فإن صح أنه أخذ هذا الأثر عن مجاهد فقد يكون موصولاً. أما محاولتهم جعل هذه الطريق شاهدا لطريق هشام بن حجير فهذا بعيد جدا لضعفها الشديد.
الطريق السابعة والثامنة:
ثم ذكروا طريقين ليقوى بهما طريق هشام بن حجير .
عن ابن عباس قال: نعم القوم أنتم إن كان من حلو فهو لكم وما كان من مرٍ فهو لأهل الكتاب، كأنه يرى أن ذلك ليس في المسلمين (فأولئك هم الكافرون)
استشهد به من استشهد وقال: ولم أقف على سنده!!
والطريق التي ختموا به هو:
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. الظالمون.. الفاسقون قال ابن عباس إنما أنزل الله في اليهود خاصة.
وقال في هذا أيضا : ولم أقف على سنده!!
وإيرادهم لهذين الطريقين من باب الحشو وتكثير الطرق حتى يتوهم القراء أن لهذا الأثر طرقٌ عدة فبمجموعها يصير الأثر صحيحا.
وهذان الطريقان لم يقفوا على إسناديهما كما قالوا فلا يدخلان في الشواهد ولا يُقَوى بهما خبر هشام بن حجير المتقدم فأين هذه (الأسانيد الثابتة) التي جعلت الخبر حسناً لغيره كما قالوا.!! فهم مطالبون بإيراد هذه (الأسانيد الثابتة) أو حتى الضعيفة التي تصلح أن تقوي خبر هشام بن حجير وإلا ضرب بقولهم هذا عرض الحائط.
خاتمة :
في بيان ما ثبت عن ابن عباس في تفسير هذه الآية
اعلم أخي وفقني الله وإياك أنه لم يثبت عن عبد الله بن عباس في تفسير هذه الآية إلا ما رواه الإمام عبد الرزاق قال:
أخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر.
وأن كل الألفاظ التي تنسب إليه ما عدا ذلك لم تثبت بأسانيد صحيحة، أو أن تكون مدرجة من أقوال الرواة كما بيناها آنفا
وبهذا نكون قد أتممنا بحمد الله وعونه بيان ضعف هذه المقولة التي نسبت له، ورفعنا الإلتباس الذي وقع لبعض الناس وبينا ما جاء فيها من الأخطاء الحديثية وفق منهج المحدثين وما قرروه من القواعد الثابتة الصحيحة .
قال الشيخ العلوان حفظه الله في كتابه (ألا إن نصر الله قريب): " ما قيل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (( كفر دون كفر )) لا يثبت عنه .
فقد رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة ( 2 / 521 ) والحاكم في مستدركه ( 2 / 313 )
من طريق هشام بن حُجَير عن طاووس عن ابن عباس به .
وهشام ضعفه الإمام أحمد ويحي بن معين والعقيلي وجماعة
انظر الضعفاء للعقيلي [ 4 / 337 - 338 ] والكامل [ 7 / 2569 ] لابن عدي وتهذيب الكمال [ 30 / 179 - 180 ] وهدي الساري [ 447 - 448 ] .
وقال علي بن المديني قرأت على يحي بن سعيد حدثنا ابن جريج عن هشام ابن حجير فقال يحي بن سعيد خليق أن أدعه قلت أضربُ على حديثه ؟ قال نعم .
وقال ابن عيينة لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره .
وهذا تفرد به هشام وزيادة على ذلك فقد خالف غيره من الثقات
فذكره عبد الله بن طاووس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)}
قال هي كفر وفي لفظ (( هي به كفر )) وآخر (( كفى به كُفْره ))
رواه عبد الرزاق في تفسيره ( 1 / 191 ) وابن جرير ( 6 / 256 )
ووكيع في أخبار القضاة ( 1/ 41 ) وغيرهم بسند صحيح
وهذا هو الثابت عن ابن عباس رضي الله عنه، فقد أطلق اللفظ ولم يقيّد.
وطريق هشام بن حجير منكر من وجهين:-
الوجه الأول : تفرد هشام به .
الوجه الثاني : مخالفته من هو أوثق منه . "
والله تعالى أعلم بالصواب .