المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الألفاظ موضوعة للدلالة على ما في النفس



أهــل الحـديث
11-05-2012, 01:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الألفاظ موضوعة للدلالة على ما في النفس.ابن القيم


إن الله تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفا ودلالة على ما في نفوسهم فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئا عرفه بمراده وما في نفسه بلفظه ورتب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ ولم يرتب تلك الأحكام على مجرد ما في النفوس من غير دلالة فعل أو قول ولا على مجرد ألفاظ مع العلم بأن المتكلم بها لم يرد معانيها ولم يحط بها علما بل تجاوز للأمة عما حدثت به انفسها ما لم تعمل به أو تكلم به وتجاوز لها عما تكلمت به مخطئة أو ناسية أو مكرهة أو غير عالمة به إذا لم تكن مريدة لمعنى ما تكلمت به أو قاصدة إليه فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية ترتب الحكم هذه قاعدة الشريعة وهي من مقتضيات عدل الله وحكمته ورحمته فإن خواطر القلوب وإرادة النفوس لا تدخل تحت الاختيار فلو ترتبت عليها الاحكام لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمة ورحمة الله تعالى وحمكته تأبى ذلك والغلط والنسيان والسهو وسبق اللسان بما لا يريده العبد بل يريد خلافه والتكلم به مكرها وغير عارف لمقتضاه من لوازم البشرية لا يكاد ينفك الإنسان من شيء منه فلو رتب عليه الحكم لحرجت الأمة واصابها غاية التعب والمشقة فرفع عنها المؤاخذة بذلك كله حتى الخطأ في اللفظ من شدة الفرح والغضب والسكر كما تقدمت شواهده وكذلك الخطأ والنسيان والإكراه والجهل بالمعنى وسبق اللسان بما لم يرده والتكلم في الإغلاق ولغو اليمين فهذه عشرة اشياء لا يؤاخذ الله بها عبده بالتكلم في حال منها لعدم قصده وعقد قلبه الذي يؤاخذه به.
أما الخطأ من شدة الفرح فكما في الحديث الصحيح حديث فرح الرب بتوبة عبده وقول الرجل أنت عبدى وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح.
وأما الخطأ من شدة الغضب فكما في قوله تعالى ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم قال السلف هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله حال الغضب لو أجابه الله تعالى لأهلك الداعي ومن دعى عليه فقضى إليهم أجلهم وقد قال جماعة من الآئمة الإغلاق الذي منع النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) من وقوع الطلاق والعتاق فيه هو الغضب وهذا كما قالوه فإن للغضب سكرا كسكر الخمر أو أشد.
وأما السكران فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فلم يرتب على كلام السكران حكما حتى يكون عالما بما يقول ولذلك أمر النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg) رجلا يشكك المقر بالزنا ليعلم هل هو عالم بما يقول أو غير عالم بما يقول ولم يؤاخذ حمزة بقوله في حال السكر هل أنتم إلا لأبي ولم يكفر من قرأ في حال سكره في الصلاة أعد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون وأما الخطأ والنيسان فقد قال تعالى حكاية عن المؤمنين ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وقال الله تعالى قد فعلت وقال النبي http://upload.wikimedia.org/wikisource/ar/thumb/b/b7/%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg/18px-%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9 %D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85.svg.pn g (http://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D9%84%D9%81:%D8%B5%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84 %D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3 %D9%84%D9%85.svg): "إن الله قد تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
وأما المكره فقد قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ} والإكراه داخل في حكم الإغلاق.
وأما اللغو فقد رفع الله تعالى المؤاخذة به حتى يحصل عقد القلب وأما سبق اللسان بما لم يرده المتكلم فهو دائر بين الخطأ في اللفظ والخطأ في القصد فهو أولى أن لا يؤاخذ به من لغو اليمين وقد نص الأئمة على مسائل من ذلك تقدم ذكر بعضها.
وأما الاغلاق فقد نص عليه صاحب الشرع والواجب حمل كلامه فيه على عمومه اللفظي والمعنوي فكل من أغلق عليه باب قصده وعلمه كالمجنون والسكران والمكره والغضبان فقد تكلم في الاغلاق ومن فسره بالجنون أو بالسكر أو بالغصب أو بالإكراه فإنما قصد التمثيل لا التخصيص ولو قدر ان اللفظ يختص بنوع من هذه الأنواع لوجب تعميم الحكم بعموم العلة فإن الحكم إذا ثبت لعلة تعدى بتعديها وانتفى بانتفائها.