المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طالب العلم والعبادة.



أهــل الحـديث
10-05-2012, 11:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه خاطرة، كتبتها على عجالة لنفسي أولاً، ثم لإخواني؛ ولا أظن فيهم إلا خيرا. فأقول:
شاع عند بعض طلبة العلم في كثير من البلدان، اتّخاذُ الأعذار لترك بعض السنن والنوافل (كالتهجّد، وقراءة القرآن، والدعاء، والتسبيح، والإنفاق..إلخ)، بل بعض الواجبات!
ويرتكز أكثرنا على مقولة:
1- (الدعوة والعلم، نفعه متعدّي)؛ فيفترض التعارض بينها وبين العبادة، فيلغي أكثر النوافل والسنن بهذه الحجّة.
2- (الإمام أحمد وغيره من الأئمة يقدّمون العلم والدعوة على النوافل)، وبالتالي: ما نحن فيه أعظم وأكبر من التهجّد، ومن الورد اليومي من القرآن والدعاء والتسبيح...إلخ.

وأقول باختصار لنفسي أوّلا ولمَن هو مثلي:
1- لم تكن الدعوة والتعليم يوما من الأيّام مُجديةً ومثمرةً بدون العمل، وكيف يعطي مَن لا يملك رأس مالٍ؟! ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلّم أسوة حسنة، وهو إمام الدعاة والعلماء، فكانت تتفطر قدماه من القيام، ويعتكف في العشر الأواخر، ويجلس بعد الفجر إلى الضحى...إلخ. وقد ذكر الله صفات الأنبياء والصالحين؛ فيصفهم بقوله: (وكانوا لنا عابدين)، (يدعوننا رغبا ورهبا)، (نعم العبد إنه أواب)، (إن إبراهيم لحليم أواه منيب)، (إنه كان عبدا شكورا).
والمقصود الأول للدعوة والعلم؛ هو العبادة. لنتأمّل عندما طلب موسى عليه الصلاة والسلام من ربّه المعونة والتوفيق؛ قال في آخر الدعاء: (كي نسبّحك كثيرا ونذكرك كثيرا).
2- لننظر إلى حياة الإمام أحمد والشافعي وغيرهم من الأئمة رحمة الله عليهم، كيف كانت حياتُهم؟
وقد قالوا عن الإمام أحمد رحمه الله: كان يتنفّل في يومه ما يزيد على مئة ركعة!
وكيف كانت قراءته للقرآن؟ وكيف كانت عبادة الإمام الشافعي رحمه الله؟

انظر في المعاصرين: كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله -مع كثرة مشاغله ودروسه ومسئوليته- لا يقرأ أقلَّ من جزئين في اليومٍ، وكان يطوف كل يوم عندما يكون في الحرم صائماً.
وانظر إلى حياة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله! كثير القيام والصيام، لم تفتْه صلاةُ جماعة قط في حياته إلا مرّة واحدة، هكذا ذكر صاحب كتاب (حياة الإمام ابن باز).

وكان شيخي -ولا يزال حيّا- يجلس كلّ يومٍ من الفجر إلى الضّحى، ولم يتركها قط، ويجلس كلّ جمعة من صلاة العصر إلى غروب الشمس، مع كثرة مسئوليّاته ومشاغله وأولاده.

العمل ثمرة العلم؛ فهل عملْنا بما نعلم؟
يقول أحد أبناء عمومتي لي في أثناء حديث طويل: والله ما تركت قراءة سورة البقرة كل يومٍ مع التهليل مئة مرّة، من عشرين سنة! وهو ذو أولادٍ وتجارة.

وأمي: ما تركت الجلوس قبل الفجر إلى الإشراق من خمس وعشرين سنة! ولا صيام الإثنين والخميس من غير الأيام البيض من عشرين سنة! قالت لي: إلا يوما واحدا؛ كنت مريضة. فتصدّقْتُ بساعتي.

والخلاصة: كيف يليق بطالب علمٍ أن يترك الضحى أو التهجّد أو الورد اليومي من القرآن؟!
كيف يسبقه العوام، وكثير منهم أكثر شغلا منه، وشغلهم في الدنيا ليس في الدين، ومع ذلك؛ يسبقونه إلى الصفّ الأوّل.

يحكي مرة الشيخ ناصر العمر قصةً لأحد العلماء المعاصرين، يقول: أخبرتني زوجته بمحافظته على التهجد، وقالت لي: "كان يصلي ثلاث ساعات إلى ساعتين، وفي يوم من الأيام؛ قام قبل صلاة الفجر بساعة؛ فتوضّأُ وهو يسترجع ويقول: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها...".

وقد تكلّم الشيخ ناصر العمر حفظه الله كلاما نفيساً حول هذا الموضوع، في مجموعة دروس باسم (وكانوا لنا عابدين)، نفيسة جدّا.

وفي الختام: الصحائف والسجلات، عبارة عن أعمالنا اليومية، فكيفما نلؤها؛ نجدها عند الممات.
وفق الله الجميع لما يحبّ ويرضى.