د. عبدالله الفوزان
16-08-2005, 07:40 AM
حتى لا يكون التوطين دعوة عرقية
تركي عبدالعزيز الثنيان*
الأجانب وهم شريحة كبيرة من سكان هذه الأرض المعطاء، عرضة لعنصرية غير مبالى بها، بل عنصرية -يبدو-أنها محمودة لأنها تتشح بمعطف وطني المظهر يسمى "السعودة". هي عنصرية أخرى، غير أننا ننشر صور الأجانب المحكوم عليهم ببعض الجرائم، أو صور المقبوض عليهم، ولا ننشر صور، وأحيانا، ولا أسماء السعوديين... عنصرية نمارسها كثيرا من الأحيان-ربما- بلا وعي بها، وتتمثل في تعاملنا مع تواجد الأجنبي على أراضي المملكة... لا أقصد طريقة تعاملنا معهم بشكل فردي، فتلك تصرفات شخصية، ولا يمكن تعميم أي موقف على الجميع، بل أعني طريقة تعاملنا بشكل عام مع وجودهم على أراضينا، حتى لو لم نتعامل معهم بشكل شخصي، والذي بنظري يصعب وصفه بالتعامل المقبول؛ بالطبع لا أنظر إلى معايير الدول النازية، بل بما يتناسب مع معاييرنا التي يفترض أن تكون مرتفعة الحدود وضيقة الهوامش، بروافد كريمة المنبت، عروقها إسلامية عربية سعودية. عنصريون، أو في مواقفنا كثير من العنصرية، رغم أن الأجنبي أيا كان عرقه لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة في المملكة إلا بموافقتنا، ولا يجرؤ على دخول المملكة في غالب الأحوال إلا بطلب منا. شيء من العنصرية يخالط تعاملنا رغم أن الأجنبي لا يقاسمنا ولا يشاركنا في استغلال الموارد السهلة في بلدنا كالإعانات أو القروض الحكومية.
لمناقشة هذا الموقف، كقاعدة عامة، من الممكن أن نتفق، بداية، على أن جل الأجانب يؤدون خدمة إيجابية للاقتصاد السعودي عبر تقديم خدمة ما تصب في نهاية المطاف في إجمالي إنتاج الاقتصاد السعودي؛ هم هنا لأداء خدمات إضافية لاقتصادنا وحياتنا بشكل عام، فنحتاجهم لتوفير أساسيات المعيشة الحديثة التي بدونها تصبح حياتنا أكثر ضنكا، في شتى المجالات، في الأعمال المتدنية والأعمال المتوسطة والأعمال المهمة. بمعنى آخر، المملكة قامت وتقوم وستستمر تقوم على كثير من خدمات الأجانب في كثير من المهن، التي يشغل بعضا منها أساتذة وخبراء نادرون في مهنهم؛ ليس هؤلاء فقط، بل حتى الخادمات يقدمن خدمات جليلة للمواطن السعودي فهن يوفرن لوزرائنا وكبار وصغار المسؤولين الوقت لمتابعة شؤون المواطنين وإدارة دفة البلد، بدلا من اختلاس السويعات لتقشير البصل أو" تكشين" الرز على حساب المراجعين...إذ هم جميعا، أقصد الأجانب، لا يأتون ليشحذوا، أو لينهبوا، أو عالة على الضمان الاجتماعي، بل هم هنا ليعملوا بطلب واستدعاء من قبلنا نحن السعوديين، مقابل خدمات جلها ثمين، ويصعب سير شؤون البلد بدون تواجدهم، فلم الجو المشحون ضدهم إذاً؟
8 ملايين أجنبي بإمكاننا أن نستغل بعضهم كسفراء للمملكة في شتى بقاع الأرض، ولكننا يبدو في غنى عن الخدمات المجانية بل نود أن ندفع لكل شيء حتى الكلمة الطيبة في حق بلدنا! يحدثني صديق أنه في يوم من الأيام تم القبض على ستة عمال وأودعوا السجن لذنب لم يقترفوه، فصاحب هذه المنشأة مطالب بالسعودة " التي بالسحر نريد نجاحها"، بالإضافة إلى أن بعضهم كفيلهم شخص آخر، ولأنه لم ينقل الكفالة أو "يسعود"-المهم أن الإهمال من جانبه هو لا هم -فقد سجن العمال لأسبوعين مع المطالبة بترحيلهم، وفرض غرامات عليهم، مع أنهم هم شخصيا لا ذنب لهم في الموضوع برمته، أو مذنبون بدرجة أقل، بينما السعودي يرفل في حلل الحرية والنعمة بين أبنائه وهو سبب شقاء هؤلاء لمدة أسبوعين! كيف يسجن العامل المغلوب على أمره، ورب العمل وصاحب الأمر والنهي يترك طليقا! وممكن أن يتركهم هناك إلى يوم ترحيلهم لأوطانهم، بعد غمسهم بفنون الكراهية والحقد - غير الملام في كثير من أحايينه - على هذا البلد، فيجني شخص واحد، على سمعة بلد كالذهب في بريقه وأصالته.
في زوايا متعددة هناك وبكل فوضوية فكرة رئيسية خلاصتها أن الأجانب،بدون استثناء أو قيد، غير مرغوب فيهم، هي فكرة يراها كل أجنبي-وإن لم يبح بها. شيء من العنصرية شئنا أو لم نشأ، مغموس في تلك الرسالة. ولو أن من يقوم بهذا الجهد هم الحقدة أو الرعاع لهان الأمر، إذ إن مثل هذه الدعوات العنصرية موجودة في كل أنحاء العالم، إذ غالب من يتزعم الأفكار العنصرية في دول العالم هم جهلة القوم ومجانينهم-وإن حكموا أحيانا- أما أن يتسنم وزر هذه الرسالة العنصرية طبقات مختلفة المشارب فهو موضوع يستحق التوقف، بل ويستحق جهدا مضادا منا معشر السعوديين دفاعا عن حقوق الأجانب المادية والمعنوية، وهذا ملف أعتقد استحقاق انضمامه إلى بقية ملفات هيئة حقوق الإنسان، كان الله في عونها.
نعم، منهم فسدة وبعضهم سوس ينخر في جسد بلدنا، ولكن هل الأجانب هم المتهمون الوحيدون الرئيسيون في المشكلة؟ ألا نغض الطرف (في كثير من الأحيان) عن السعودي، ألا يجدر بنا أن نبدأ فنحاسب، وبصرامة، "السعودي" الذي طلب قدومهم، ويعملون تحت مظلته، أولا، وقبل كل شيء، فهو الملام، لا من أتيحت له فرصة العمل، وإن أساء استعمالها طوعا أو جبرا، أم إن السعودي فوق الشبهة، وبعيدة عنه التهمة؟ ألا ترون عنصريتنا؟ بل حتى في قضية التستر، السعودي هو من استقدم الأجنبي، بتصريح من الدولة، ثم سرحه للعمل مقابل مبلغ مقطوع، وفي نهاية المطاف نعاقب الأجنبي ونسجنه ونرحله مدفوشا إلى بلده....معادلة - بنظري- أنها مختلة.
النظرة التسطيحية المجملة في تعاملنا مع الأجانب، يبدو أنها بحاجة إلى وقفات.. حتى وإن لم نكن نريد ذلك، التدفق الإعلامي المحموم حيال هذه المسألة يخلق جوا عاما يساعد على نمو العنصرية بكل رحابة صدر... لا ننسى، أن بعض الأجانب يخلقون وظائف لأبنائنا، لا يسرقونها من أفواههم....وأن الأجانب لم يقدموا إلى المملكة إلا لحاجة، ولم نستقدمهم إلا لحاجة... هو عقد كلا طرفيه مستفيد من إبرامه، والأهم من هذا، هو إحسان تنفيذه، أفلا نوفي بالعقود إذا تعاقدنا؟
منشور بجريدة الوطن لهذا اليوم الثلاثاء
تركي عبدالعزيز الثنيان*
الأجانب وهم شريحة كبيرة من سكان هذه الأرض المعطاء، عرضة لعنصرية غير مبالى بها، بل عنصرية -يبدو-أنها محمودة لأنها تتشح بمعطف وطني المظهر يسمى "السعودة". هي عنصرية أخرى، غير أننا ننشر صور الأجانب المحكوم عليهم ببعض الجرائم، أو صور المقبوض عليهم، ولا ننشر صور، وأحيانا، ولا أسماء السعوديين... عنصرية نمارسها كثيرا من الأحيان-ربما- بلا وعي بها، وتتمثل في تعاملنا مع تواجد الأجنبي على أراضي المملكة... لا أقصد طريقة تعاملنا معهم بشكل فردي، فتلك تصرفات شخصية، ولا يمكن تعميم أي موقف على الجميع، بل أعني طريقة تعاملنا بشكل عام مع وجودهم على أراضينا، حتى لو لم نتعامل معهم بشكل شخصي، والذي بنظري يصعب وصفه بالتعامل المقبول؛ بالطبع لا أنظر إلى معايير الدول النازية، بل بما يتناسب مع معاييرنا التي يفترض أن تكون مرتفعة الحدود وضيقة الهوامش، بروافد كريمة المنبت، عروقها إسلامية عربية سعودية. عنصريون، أو في مواقفنا كثير من العنصرية، رغم أن الأجنبي أيا كان عرقه لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة في المملكة إلا بموافقتنا، ولا يجرؤ على دخول المملكة في غالب الأحوال إلا بطلب منا. شيء من العنصرية يخالط تعاملنا رغم أن الأجنبي لا يقاسمنا ولا يشاركنا في استغلال الموارد السهلة في بلدنا كالإعانات أو القروض الحكومية.
لمناقشة هذا الموقف، كقاعدة عامة، من الممكن أن نتفق، بداية، على أن جل الأجانب يؤدون خدمة إيجابية للاقتصاد السعودي عبر تقديم خدمة ما تصب في نهاية المطاف في إجمالي إنتاج الاقتصاد السعودي؛ هم هنا لأداء خدمات إضافية لاقتصادنا وحياتنا بشكل عام، فنحتاجهم لتوفير أساسيات المعيشة الحديثة التي بدونها تصبح حياتنا أكثر ضنكا، في شتى المجالات، في الأعمال المتدنية والأعمال المتوسطة والأعمال المهمة. بمعنى آخر، المملكة قامت وتقوم وستستمر تقوم على كثير من خدمات الأجانب في كثير من المهن، التي يشغل بعضا منها أساتذة وخبراء نادرون في مهنهم؛ ليس هؤلاء فقط، بل حتى الخادمات يقدمن خدمات جليلة للمواطن السعودي فهن يوفرن لوزرائنا وكبار وصغار المسؤولين الوقت لمتابعة شؤون المواطنين وإدارة دفة البلد، بدلا من اختلاس السويعات لتقشير البصل أو" تكشين" الرز على حساب المراجعين...إذ هم جميعا، أقصد الأجانب، لا يأتون ليشحذوا، أو لينهبوا، أو عالة على الضمان الاجتماعي، بل هم هنا ليعملوا بطلب واستدعاء من قبلنا نحن السعوديين، مقابل خدمات جلها ثمين، ويصعب سير شؤون البلد بدون تواجدهم، فلم الجو المشحون ضدهم إذاً؟
8 ملايين أجنبي بإمكاننا أن نستغل بعضهم كسفراء للمملكة في شتى بقاع الأرض، ولكننا يبدو في غنى عن الخدمات المجانية بل نود أن ندفع لكل شيء حتى الكلمة الطيبة في حق بلدنا! يحدثني صديق أنه في يوم من الأيام تم القبض على ستة عمال وأودعوا السجن لذنب لم يقترفوه، فصاحب هذه المنشأة مطالب بالسعودة " التي بالسحر نريد نجاحها"، بالإضافة إلى أن بعضهم كفيلهم شخص آخر، ولأنه لم ينقل الكفالة أو "يسعود"-المهم أن الإهمال من جانبه هو لا هم -فقد سجن العمال لأسبوعين مع المطالبة بترحيلهم، وفرض غرامات عليهم، مع أنهم هم شخصيا لا ذنب لهم في الموضوع برمته، أو مذنبون بدرجة أقل، بينما السعودي يرفل في حلل الحرية والنعمة بين أبنائه وهو سبب شقاء هؤلاء لمدة أسبوعين! كيف يسجن العامل المغلوب على أمره، ورب العمل وصاحب الأمر والنهي يترك طليقا! وممكن أن يتركهم هناك إلى يوم ترحيلهم لأوطانهم، بعد غمسهم بفنون الكراهية والحقد - غير الملام في كثير من أحايينه - على هذا البلد، فيجني شخص واحد، على سمعة بلد كالذهب في بريقه وأصالته.
في زوايا متعددة هناك وبكل فوضوية فكرة رئيسية خلاصتها أن الأجانب،بدون استثناء أو قيد، غير مرغوب فيهم، هي فكرة يراها كل أجنبي-وإن لم يبح بها. شيء من العنصرية شئنا أو لم نشأ، مغموس في تلك الرسالة. ولو أن من يقوم بهذا الجهد هم الحقدة أو الرعاع لهان الأمر، إذ إن مثل هذه الدعوات العنصرية موجودة في كل أنحاء العالم، إذ غالب من يتزعم الأفكار العنصرية في دول العالم هم جهلة القوم ومجانينهم-وإن حكموا أحيانا- أما أن يتسنم وزر هذه الرسالة العنصرية طبقات مختلفة المشارب فهو موضوع يستحق التوقف، بل ويستحق جهدا مضادا منا معشر السعوديين دفاعا عن حقوق الأجانب المادية والمعنوية، وهذا ملف أعتقد استحقاق انضمامه إلى بقية ملفات هيئة حقوق الإنسان، كان الله في عونها.
نعم، منهم فسدة وبعضهم سوس ينخر في جسد بلدنا، ولكن هل الأجانب هم المتهمون الوحيدون الرئيسيون في المشكلة؟ ألا نغض الطرف (في كثير من الأحيان) عن السعودي، ألا يجدر بنا أن نبدأ فنحاسب، وبصرامة، "السعودي" الذي طلب قدومهم، ويعملون تحت مظلته، أولا، وقبل كل شيء، فهو الملام، لا من أتيحت له فرصة العمل، وإن أساء استعمالها طوعا أو جبرا، أم إن السعودي فوق الشبهة، وبعيدة عنه التهمة؟ ألا ترون عنصريتنا؟ بل حتى في قضية التستر، السعودي هو من استقدم الأجنبي، بتصريح من الدولة، ثم سرحه للعمل مقابل مبلغ مقطوع، وفي نهاية المطاف نعاقب الأجنبي ونسجنه ونرحله مدفوشا إلى بلده....معادلة - بنظري- أنها مختلة.
النظرة التسطيحية المجملة في تعاملنا مع الأجانب، يبدو أنها بحاجة إلى وقفات.. حتى وإن لم نكن نريد ذلك، التدفق الإعلامي المحموم حيال هذه المسألة يخلق جوا عاما يساعد على نمو العنصرية بكل رحابة صدر... لا ننسى، أن بعض الأجانب يخلقون وظائف لأبنائنا، لا يسرقونها من أفواههم....وأن الأجانب لم يقدموا إلى المملكة إلا لحاجة، ولم نستقدمهم إلا لحاجة... هو عقد كلا طرفيه مستفيد من إبرامه، والأهم من هذا، هو إحسان تنفيذه، أفلا نوفي بالعقود إذا تعاقدنا؟
منشور بجريدة الوطن لهذا اليوم الثلاثاء