المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألتان لغويتان لهما صلة بالعقيدة.....جواب ماتع للدكتور عبدالعزيز الحربي حفظه الله



أهــل الحـديث
07-05-2012, 07:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال الشيخ الدكتور عبدالعزيز الحربي جزاه الله خيراً:

اشتمل السؤال على مسألتين:

الأولى: إعراب الاسم من أسماء الله بعد لفظ الجلالة.

الثانية: تعريف الكلام لدى اللّغويين.

أمّا أسماء الله فكلّها مشتقة متضمنة أوصاف الجلال والجمال والكمال، كما قال ابن القيم في (الكافية):
أسماؤه أوصاف مدح كلّها ......... مشتقة قد حملت لمعانِ


والوصف المشتقّ على نوعين، أحدهما: وصف استعمل استعمال العلميّة، كأبي بكر الصّديق، وعمر الفاروق، وحميد الطويل، وأحمد السّمين، هذه أوصاف غلب عليها الاستعمال حتى صارت أعلامًا، فإذا قلتَ: رضي الله عن الصّديق، لا تعرب (الصّديق) نعتًا لمنعوت محذوف، بل تعربه كما تعرب العلم، فإذا قلتَ: آمن أبو بكر الصّديق أعربته بدلاً أو عطف بيان، ولا يعرب نعتًا. وكذلك أسماء الله تعالى نحو: {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى}، الأسماء الثلاثة بعد لفظ الجلالة لا تثريب على من يعربها بدلاً ناظرًا إلى كونها أسماءً، وفي قوله سبحانه في الآية: {له الأسماء الحسنى} ما يُؤكّد هذا المعنى. وهكذا محمد ومحمود ومحسن أعلامٌ مشتقة منقولة، ومن أجل هذا المعنى، وهو العلمية الغالبة ذُهل ابن معطي رحمه الله في ألفيته فجعل اسم (محمد) علمًا مرتجلاً، وردّ عليه النحاة قوله. ومع هذا فالجزم بأنّ الأعلام كلّها منقولة، أو كلّها مرتجلة، أو منها مرتجل ومنقول هو من باب الظّنون التي لم يأتِ من جزم بواحد منها ببرهان يورث علم اليقين.
والحاصل: أنّ من أعرب أسماء الله فيما مثلنا به بدلاً للمعنى الذي ذكرناه فهو مصيب الصّواب، وهو أولى من إعرابها نعوتًا. وأما من أعربها بدلاً فرارًا من إثبات الصّفات إلى التعطيل فهو مخطئ في الاعتقاد، مصيبٌ لدى النحاة النّقاد. ولا تعارض بينهما لانفكاك الجهة.

والنوع الثاني: هو الوصف المشتقّ الذي لم يلزم منعوته، وهو الذي عناه ابن مالك في (الخلاصة) بقوله:
وانعت بمشتقٍ كصعبٍ وذرِب ....... وشبهِهِ كذا وذِي والمنتسبْ
ولعلّه لو قال: كسهلٍ وذرِب، مكان (صعبٍ) لكان أولى في السلاسَة والفأل.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

وأمّا مسألة الكلام، وهي الثانية: فأصل مادّته (الكَلَمْ)، وهو الأثر، وأثره نوعان، أثر يدرك بالبصر، وهو الكَلم والكلام، وهو الجرح. والثاني أثره بالسّمع، وهو الكلام الذي ينطق به.

وآلة الأول السِّنان وما في معناه، وآلة الثاني اللّسان وما يتبعه. وليس في كتب اللّغة المعتمدة حرف واحد يثبت أنّ الكلام يصحّ إطلاقه على ما ليس ملفوظًا به، ومثل ذلك الحديث والقول، فإذا سمّى ما عدا هذا المعنى بواحد من الثلاثة (الكلام، والقول، والحديث) فلا بدّ من قيدٍ يخرجه من معناه عند الإطلاق، ومن ذلك قوله سبحانه: {ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول}، ويقول القائل: حدثتني نفسي، كما قال:

إذا حدَّثتك النفس أنكَ قادِرٌ ........ على ما حوتْ أيدي الرِّجال فكذِّبِ

والنحاة بريئون من إطلاق الكلام على غير ما يلفظ، بل هو أحد ركني الكلام، وأمّا ما حكاه الراغب عن النحويين أنهم يطلقون الكلام على الجزء منه، كالاسم، والفعل، والحرف، فخطأ نبّه عليه السّمين في (عمدة الحفاظ)، وغيره في غيره.

وأمّا من أطلق من أهل اللّغة الكلام على الكلام النفسي بدعوى المجاز فقولٌ مُحدَث، والحامل لقائله هو الفرار من القول بخلق القرآن، وقد هرب إلى غير مَهْرَب، لأنه يلزم من ذلك لوازم لا يقبلها شرع ولا عقل. وأين المهرب من قوله سبحانه: {وكلّم الله موسى تكليمًا}، ففي التوكيد بالمصدر ما يمنع كل قول بالمجاز. ولقد كانت هذه الآية عسيرة على من نفى حقيقة الكلام، وضاقت عليه المخارج، واعتاص عليه التأويل؛ لأنّ الله أسند الكلام إلى نفسه وأكّده بالمصدر. والأصل أن كلّ متأوِّلٍ متجردٍ عن الهوى والتعصب والتقليد إنما أراد تنزيه الله، أخطأ أم أصاب، وسيسأل الله الصادقين يوم القيامة عن صدقهم.
فقد برئ النحويّون والحمد لله من غائلة المسألتين ..وسأنبِّه في دروسي على (الألفية) على ما تيسَّر ممّا أردتُ، ومن ذلك تسمية الفعل المبني للمفعول بالفعل المبني للمجهول في نحو: {وخُلِق الإنسان ضعيفًا}، ومن الله نستمد القوّة والعون.


http://m-a-arabia.com/vb/showthread.php?p=560#post560