المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قول البخاري (أرجو أن يكون محفوظاً) تصحيح أم إعلال؟



أهــل الحـديث
04-05-2012, 11:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعدَه، وعلى آله وصحبه ومَن تبع هديَه
... وبعد ،،،

فقد حَكَمَ البخاريُّ رحمه الله على عددٍ مِن الأحاديث التي ذكرها الترمذي في علله بقوله: ((أرجو أن يكون محفوظاً)). فتتبعتُ هذه المواضع وحاولتُ جهدي أن أتدبَّر كُنهَها وحُكمَها عندَه، وخلصتُ إلى أنه يذكر هذه العبارة على سبيل الإعلال بحيث إنه يرى هذه الأحاديثَ أقربَ إلى أن تكون غيرَ محفوظةٍ. وهاكم المواضع التي وقفتُ عليها أطرحها للنقاش والاستفادة، ورحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي.

حديث أبي بكر: الذهب بالذهب
يُروى هذا الحديث عن أبي رافع بأسانيد واهية:
- فرواه محمد بن السائب الكلبي، عن سلمة أخيه، عن أبي رافع، عن أبي بكر. رواه عنه: سفيان الثوري (عبد الرزاق في مصنفه 14569) ويعلى بن عبيد (ابن أبي شيبة 22501، وعبد بن حميد 6، والمروزي في مسند الصديق ص107 و ص153) ويزيد بن هارون (المروزي في مسند الصديق ص149، وأبو يعلى 55).
والكلبي كذابٌ ساقطٌ لا يُشتغل بحديثه.
- ورواه زهير بن معاوية، عن موسى بن أبي عائشة، عن حفص بن أبي حفص، عن أبي رافع، عن أبي بكر. رواه عنه الحسين الأشقر (العقيلي في ضعفائه 1/271، والبزار 45، والخطيب البغدادي في المتفق والمفترق 2/795).
قلتُ: هذا حديثٌ منكرٌ، وحفص بن أبي حفص مجهول. قال أبو حاتم في ترجمة حفص وذَكَرَ هذا الحديث (الجرح والتعديل 817): ((هو حديثٌ منكرٌ)). اهـ وقال البخاري في تاريخه الكبير (2755): ((حفص: سمع أبا رافع عن أبي بكر، سمع منه موسى بن أبي عائشة. فيه نظر. رواه حسين الأشقر عن زهير)). اهـ وقال الترمذي في علله الكبير (324): ((سألتُ محمداً عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظاً)). اهـ وقال الدارقطني في علله (42): ((والحديث غير ثابتٍ عن أبي رافع)). اهـ
قلتُ: فانظر إلى قوله عند الترمذي ((أرجو أن يكون محفوظاً)) وانظر إلى قوله في تاريخه ((فيه نظر)) وانظر إلى قول أبي حاتم ((منكر)) وانظر إلى قول الدارقطني ((غير ثابت))!

حديث ابن عمر في نزول النبيِّ وأبي بكر وعمر وعثمان بالأبطح
هذا حديثٌ يرويه عبيد الله بن عمر، واختُلف عنه:
1- فرواه عبد الرزاق، عنه، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما. رواه عنه يحيى بن معين (الجزء الثاني من حديثه 189، وابن أبي خيثمة في تاريخه 1218، وابن حبان في صحيحه 3895) والإمام أحمد (5624) ومحمد بن يحيى (ابن ماجه 3069، وابن خزيمة في صحيحه 2990) وإسحاق بن منصور (الترمذي 921) والحسين بن مهدي (البزار .5733) وآخرين عند ابن خزيمة (2990) والسرَّاج (1044). ولفظُه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون بالأبطح)).
2- وخالفه خالد بن الحارث، فرواه عن عبيد الله، عن نافع مرسلاً. رواه عنه عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي (البخاري 1768) وغسان بن المفضل الغلابي (ابن أبي خيثمة في تاريخه 1225). ولفظُه: ((نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وابن عمر)). وهو الصواب. وَهِمَ عبدُ الرزاق في سنده ومتنه، وحديثُه عن عبيد الله منكر.
قال الترمذي في علله الكبير (231): ((فسألتُ محمداً عن هذا الحديث، قلتُ: "هو صحيحٌ؟" قال: "أرجو أن يكون محفوظاً، وهو حديث عبد الرزاق")). اهـ فقولُ البخاري عن حديث عبد الرزاق ((أرجو أن يكون محفوظاً)) معناه أنَّ في كونه محفوظاً نظراً، لأنه قد رجَّح عليه الرواية المرسلة وأخرجها في صحيحه، وجَعَلَ الحملَ على عبد الرزاق. قال ابن رجب في شرح العلل (ص665): ((ومنهم جماعة مِن أصحاب عبيد الله بن عمر العمري ضُعِّفَ حديثهم عنه خاصةً، فمنهم عبد الرزاق بن همام. قال ابن أبي مريم: قيل ليحيى بن معين: "إن عبد الرزاق كان يحدث بأحاديث عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر، ثم حدث بها عن عبد الله". فقال يحيى: "لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله، ولكنها كانت منكرة" يعني أحاديثه عن عبيد الله بن عمر. ومِمَّا أُنكر مِن حديثه عن عبيد الله بن عمر: أنه حدَّث عن نافع، عن ابن عمر: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح" يعني المحصَّب. وخالفه خالد بن الحارث قال: سئل عبيد الله بن عمر عن المحصب والنزول به، فحدثنا عبيد الله عن نافع قال: "نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعبد الله بن عمر". فخالف عبد الرزاق ولم يصله بل أرسله .. وقد خرَّج مسلم والترمذي حديث عبد الرزاق هذا، وخرَّج البخاري حديث خالد بن الحارث المرسل)). اهـ
قلتُ: فانظر إلى قوله عند الترمذي ((أرجو أن يكون محفوظاً)) وانظر إلى إخراجه الرواية الأخرى في صحيحه، وانظر إلى قول يحيى بن معين إنَّ أحاديث عبد الرزاق عن عبيد الله ((منكرة)) وانظر إلى قول ابن رجب إنَّ هذا الحديث ((مِمَّا أُنكر مِن حديثه)).

حديث ابن مسعود: ليليني منكم أولو الأحلام والنهى
يرويه يزيد بن زريع، عن خالد الحذاء، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه. رواه عنه: يونس بن محمد المؤدب (ابن أبي شيبة في مسنده 348، وأحمد 4373، وأبو يعلى 5324) وزكريا بن عدي (الدارمي 1303) ويحيى بن حبيب وصالح بن حاتم (مسلم 432) ونصر بن علي (الترمذي 228، والبزار 1544، وابن خزيمة في صحيحه 1572، وابن حبان 2180) وحميد بن مسعدة (النسائي في الكبرى 11660) وآخرين عند أبي يعلى (5111 و 5325) وأبي عوانة في مستخرجه (1384) والطبراني في الكبير (10/88) والحاكم في المستدرك (2150).
قلتُ: هذا حديثٌ منكرٌ. قال أبو عمار الشهيد (علل أحاديث في صحيح مسلم 12): ((حدثني محمد بن أحمد مولى بني هاشم قال: سمعتُ حنبل بن إسحاق، عن عمِّه أحمد بن حنبل قال: "هذا حديثٌ منكرٌ")). اهـ قال الترمذي في علله الكبير (94): ((سألتُ محمداً عن هذا الحديث، فقال: "أرجو أن يكون محفوظاً")). اهـ
قلتُ: فانظر إلى قوله عند الترمذي ((أرجو أن يكون محفوظاً)) وانظر إلى قول الإمام أحمد ((منكر)).

حديث الأسود عن عائشة: كنا نحيض عند رسول الله
يرويه عبيدة بن معتب الضبي، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة. رواه عنه يعلى بن عبيد (الدارمي 1019) وعبد الله بن نمير (ابن ماجه 1670) وعلي بن مسهر (الترمذي 787).
قلتُ: هذا الحديث ليس محفوظاً مِن هذا الوجه، وعبيدة ضعيفٌ تركوا حديثه لِتغيُّره. قال ابن حبان (المجروحين 798): ((كان مِمَّن اختلط بأخرةٍ، حتى جعل يحدث بالأشياء المقلوبة عن أقوامٍ أئمةٍ. ولم يتميز حديثه القديم مِن حديثه الجديد، فبطل الاحتجاج به)). اهـ قال الترمذي في علله الكبير (216): ((سألتُ محمداً عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظاً)). اهـ

حديث ابن عمرو: إن الله ليبغض البليغ من الرجال
هذا حديثٌ يرويه نافع بن عمر الجمحي، واختُلف عنه:
- فرواه يزيد بن هارون (ابن أبي شيبة 26297، وأحمد 6543) وأبو كامل الخراساني ويونس المؤدب (أحمد 6758) ومحمد بن سنان الباهلي (أبو داود 5005) وعمر بن علي المقدمي (الترمذي 2853، والبزار 2452) وسريح بن النعمان (الطبراني في الأوسط 5091) وخالد بن نزار (الطبراني في الأوسط 9030) ويوسف بن كامل (الخرائطي في مساوئ الأخلاق 57) وغيرُهم: عن نافع، عن بشر بن عاصم بن سفيان، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو. إلاَّ أنَّ نافعاً كان يشكُّ في رفعه، يقول: ((أراه رفَعَهَ)) وفي رواية: ((فيما يَعلم نافع)) وفي رواية: ((ولا أعلمه إلاَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم)) وفي رواية: ((عن عبد الله بن عمرو فيما أعلم)).
- ورواه وكيع بن الجراح في الزهد (302) وأبو قتيبة (ابن أبي الدنيا في الصمت 723): عن نافع، عن بشر، عن أبيه مرسلاً ليس فيه ابن عمرو.
قلتُ: والحديثُ اضطربَ فيه نافع بن عمر، فتارةً يرفعه وتارةً يشك في رفعه وتارةً يرسله. قال الترمذي: ((هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِن هذا الوجه)). اهـ وقال البزار: ((وهذا الحديث لا نعلم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عبد الله بن عمرو، ولا نعلم له طريقاً عن عبد الله إلاَّ هذا الطريق)). اهـ وقال الطبراني: ((لا يُروى هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو إلاَّ بهذا الإسناد، تفرَّد به نافع بن عمر)). اهـ وقد صحَّح أبو حاتم كلا الطريقين! فقال (العلل 2547): ((كلٌّ صحيحان، قصر وكيع)). اهـ قلتُ: بل هو مِن نافع بن عمر نفسه كما في إسناده. قال الترمذي في علله الكبير (643): ((سألتُ محمداً عن هذا الحديث، فقال: "إن نافع بن عمر يقول: (عن عبد الله بن عمرو) ومرةً يقول: (أراه عن عبد الله بن عمرو)". قال محمد: "وأرجو أن يكون محفوظاً")). اهـ

حديث عائشة: رفع القلم عن ثلاث
هذا حديثُ يرويه إبراهيم النخعي، واختُلف عنه:
- فرواه حماد بن أبي سليمان، عنه، عن الأسود، عن عائشة. رواه عنه حماد بن سلمة، وعنه: أبو داود الطيالسي (1485) ويزيد بن هارون (ابن أبي شيبة 19246، وأحمد 25114، وأبو داود 4398) وعفان بن مسلم (أحمد 24694، والدارمي 2342، والطحاوي في شرح المشكل 3987) وحسن بن موسى وروح (أحمد 24703) وعبد الرحمن بن مهدي (ابن ماجه 2041، والنسائي في الكبرى 5596، وابن الجارود في المنتقى 148) وشيبان بن فروخ (أبو يعلى 4400، وابن حبان 142) وأبو الوليد الطيالسي وموسى بن إسماعيل (الحاكم 2350) ومحمد بن أبان (أبو الشيخ في طبقاته 4/245).
- ورواه مغيرة بن مقسم الضبي، عن إبراهيم النخعي قوله. رواه عنه سعيد بن منصور في سننه (2079).
قلتُ: الحديث لم يَرْوِهِ مرفوعاً بهذا الإسناد إلا حماد بن سلمة، وقولُ مغيرة أشبه على تدليسه. قال ابن الجنيد (سؤالاته 286): ((قال رجلٌ ليحيى بن معين وأنا أسمع: "حديث حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم ، عن الأسود، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {رُفع القلم عن ثلاثة} هو عندك واهٍ؟" فقال يحيى: "ليس يروي هذا أحدٌ إلا حماد بن سلمة عن حماد")). اهـ وقال الإمام أحمد (سؤالات أبي داود 338): ((حماد بن سلمة عنده عنه تخليط - يعني عن حماد بن أبي سليمان)). اهـ وقال الترمذي في علله الكبير (404): ((سألتُ محمداً عن هذا الحديث، فقال: أرجو أن يكون محفوظاً)). اهـ قال الترمذي: ((قلتُ له: رَوى هذا الحديثَ غيرُ حماد؟)) قال: ((لا أعلمه)). اهـ