المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيعتين في بيعة



أهــل الحـديث
01-05-2012, 11:45 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:




فقد استأذنت شيخي الشيخ دبيان بن محمد الدبيان المستشار الشرعي بوزارة الشؤون الإسلامية
في تنزيل بعض الأحاديث التي فيها علل




وهذا أول حديث تم تنزيله




حديث النهي عن بيعتين في بيعة حديث معلول، وليس في تفسيره نص مرفوع.

فقد رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة،
عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله ﷺ عن بيعتين في بيعة، وعن لبستين: أن يشتمل أحدكم الصماء في ثوب واحد، أو يحتبي بثوب واحد، ليس بينه وبين السماء شيء([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).

[تفرد محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بزيادة (في بيعة) وقد رواه أصحاب أبي هريرة بلفظ: نهى عن بيعتين وعن لبستين، وهو المحفوظ]

وله علتان:

الأولى: محمد بن عمرو وإن كان يذهب كثير من العلماء إلى تحسين حديثه إلا أن روايته عن أبي سلمة فيها تخليط، وقد انتقد ابن معين روايته عن أبي سلمة، فقال حين سئل عنه: ما زال الناس يتقون حديثه. قيل له؟ وما علة ذلك؟ قال: كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من روايته، ثم يحدث به مرة أخرى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

العلة الثانية: علة المخالفة.

فالحديث قد رواه جماعة عن أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما بلفظ: نهى عن بيعتين ولبستين بدون زيادة لفظ (في بيعة) فلا يشك الباحث في شذوذ هذه اللفظة، وممن خالف محمد بن عمرو:
الأول: حفص بن عاصم كما في صحيح البخاري (584، 588) وأكتفي بالبخاري عن غيره.
الثاني: محمد بن سيرين كما في صحيح البخاري (2145)، وأكتفي بالبخاري.
الثالث: الأعرج، كما في صحيح البخاري (2146)، وصحيح مسلم (1511) وأكتفي بهما عن غيرهما.
الرابع: عطاء بن ميناء، كما في صحيح مسلم (1511).
الخامس: ذكوان أبو صالح السمان، كما في مسند أحمد (2/380)، وسنن أبي داود (4080)، وسنن الترمذي (1758)، ومشكل الآثار للطحاوي (5476، 5475).
السادس: محمد بن عمير، كما في سنن النسائي الكبرى (9667)، وشرح معاني الآثار (4/363)، ومعجم ابن المقرئ (665)، وتاريخ دمشق (7/134).

فلو كانت زيادة (في بيعة) محفوظة لذكرها أصحاب أبي هريرة، فلما تفرد بها محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، وكل من رواه عن أبي هريرة رواه بلفظ: نهى عن بيعتين وعن لبستين تبين لي شذوذ ما رواه محمد بن عمرو.

هذا من حيث الرواية، أما الحديث من حيث الدراية:

فلم يرد في الشرع بحسب البحث القاصر ما يفسر معنى الحديث ، وليس هناك في اللغة أو في العرف تفسير له يمكن التحاكم إليه، وقد اختلف العلماء في تفسيره على أقوال كثيرة ، وصلت إلى أكثر من ستة أقوال ، واختلافهم يدل على أنه ليس في المسألة نص عن الشارع، وإليك هذه النقول:

التفسير الأول:
أن يبيع الرجل السلعة بعشرة نقداً، أو بعشرين نسيئة، فيفترق المتبايعان دون تعيين أحد الثمنين.
وبهذا فسره السلف ، وأكثر أهل العلم، ونقل ذلك الترمذي في سننه([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))، وهي صورة من صور بيعتين في بيعة عند الحنفية([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))، وهو أشهر التأويلين في مذهب الشافعية([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))، وقول طاووس والثوري وإسحاق([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))، وقول في مذهب الحنابلة([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
فقد وروى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: أخبرنا وكيع، أخبرنا سفيان، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله .
عن أبيه: صفقتان في صفقة ربا ، أن يقول الرجل : إن كان بنقد فبكذا، وإن كان بنسيئة فبكذا([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
ورجاله ثقات.
وبهذا أيضاً فسره سماك بن حرب ، رواه أحمد من طريق شريك. عن سماك بن حرب، قال: الرجل يبيع البيع، فيقول: هو بنسأ بكذا وكذا، وهو بنقد بكذا وكذا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)). [و شريك سيء الحفظ ]. (ث-140) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، حدثنا الثقفي، عن أيوب . عن محمد أنه كان يكره أن يستام الرجل السلعة يقول: هي بنقد بكذا، وبنسيئة بكذا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)). وسنده صحيح . وقال النسائي في المجتبى : شرطان في بيع : وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا، وإلى شهرين بكذا. وقال أيضاً : بيعتين في بيعة: وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقداً ، وبمائتي درهم نسيئة([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)). وقد قال الحكم، وحماد، وإبراهيم النخعي حين سئلوا عن الرجل يشتري الشيء بكذا نقد، وإن كان إلى أجل فبكذا، قالوا: لا بأس إذا تفرقا على أحدهما. والإسناد إليهم صحيح ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))، وكذا رواه عبد الرزاق بسند صحيح عن الزهري وقتادة([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
ونوقش هذا التفسير: لم يقبل ابن القيم هذا التفسير، وقال: «هذا التفسير ضعيف ، فإنه لا يدخل الربا في هذه الصورة، ولا صفقتين هنا ، وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين »([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).

التفسير الثاني:

بيعتين في بيعة: أن يقول الرجل: هذا بعشرة نقداً، أو بعشرين نسيئة، ويكون البيع لازماً بأحد الثمنين، فإن وقع على وجه التخيير فلا حرج، وهذا قول مالك([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))، وربيعة، ويحيى بن سعيد([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
التفسير الثالث:

بيعتان في بيعة هو أن يبيعه الشيء ويشترط عليه عقداً آخر من بيع أو سلف، أو قرض، أو صرف، أو إجارة ، أو شركة، وكذا كل ما كان في معنى ذلك ، مثل أن يقول: بعتك داري بكذا على أن تزوجني ابنتك ، أو على أن أزوجك ابنتي، وكذا على أن تنفق على عبدي، أو دابتي، ونحو ذلك، وهذا هو مذهب الحنفية([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))، وقول للشافعي([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))، والمشهور من مذهب الحنابلة([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))، وقول لابن حزم ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19)).

التفسير الرابع:

معنى بيعتين في بيعة أن يبيعه إحدى سلعتين مختلفتين بثمن واحد، كثوب وشاة بدينار على اللزوم، فشرط المنع كون البيع على اللزوم للمتبايعين أو لأحدهما للغرر، إذ لا يدري البائع بم باع، ولا المشتري بم اشترى، فإن لم يكن على اللزوم جاز([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20)).

التفسير الخامس:

معنى بيعتين في بيعة أن يقول رجل لآخر: اشتر لي هذه السلعة التي بعتها له بخمسة عشر لأجل بعشرة نقداً ، وأنا أخذها منك بها، أو بربح دينار. وهذا التفسير صورة من صور بيع العينة ، وهو قول عند المالكية ([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21)).

وما دام أن الحديث معلول، والتفسير إنما هو اجتهاد فيمكن القول بأن معنى بيعتين في بيعة ليس محصورًا في صورة واحدة، بل يدخل في ذلك: كل عقدين جمعا في عقد واحد وترتب على جمعهما محذور شرعي، ومنه ما ذكره ابن تيمية وابن القيم في صورة بيع العينة، ومنه لو باع عليه ذهباً، واشترط عليه أن يشتري منه بثمنه ذهباً آخر، فإنه حيلة لمبادلة الذهب بالذهب مع التفاضل، ومنه كذلك لو باع عليه سلعة بشرط أن يقرضه، فإنه يدخل في القرض إذا جر نفعاً، وهكذا، ولا يدخل في ذلك العقدان الذي لم يترتب على جمعهما محذور شرعي، كما لو باعه سيارته بشرط أن يبيعه داره، لأنه لا مفسدة ولا محذور في جمع العقدين في عقد واحد، كما لا يدخل في ذلك إذا عرض عليه السلعة بنقد بكذا ، وبنسيئة بكذا ، لأن العقد في الحقيقة واحد، والله أعلم.



أخوكم/ فهد بن عبدالعزيز الجوعي

[email protected]
Twitter@fhgwai


([1]) المسند (2/432).

([2]) سنن الترمذي (3/533).
([3]) بدائع الصنائع (5/158) ، المبسوط (13/8) ، أحكام القرآن للجصاص (1/638)، فتح القدير (6/262).
([4]) المهذب (1/266، 267)، التنبية (ص: 89)، أسنى المطالب (2/30)، وقال الغزالي في الوسيط (3/71): «نهيه عن بيعتين في بيعة، ذكر الشافعي رضي الله عنه تأويلين، أحدهما: أن تقول: بعتك بألفين نسيئة، أو بألف نقداً. أيهما شئت أخذت به، فأخذ بأحدهما فهو فاسد؛ لأنه إبهام وتعليق. والآخر أن تقول: بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك، وهو فاسد؛ لأنه شرط لا يلزم، ويتفاوت بعدمه مقصود العقد، وقد نهي مطلقاً عن بيع وشرط، وكذلك نهى عن بيع وسلف، ومعناه: أن يشترط فيه قرضاً ». وقال النووي في المجموع (9/412): «والأول أشهر، وعلى التقديرين: البيع باطل بالإجماع». وقال الشافعي في الأم (7/291): «ونهى النبي ﷺ عن بيع الغرر، ومنه أن أقول: سلعتي هذه لك بعشرة نقداً، أو بخمسة عشر إلى أجل، فقد وجب عليه بأحد الثمنين؛ لأن البيع لم ينعقد بشيء معلوم ». فقوله: ( فقد وجب عليه بأحد الثمنين ) وقوله: ( لأن البيع لم ينعقد بشيء معلوم) كله يدل على أن المشتري لم يأخذه بأحدهما. وعلل بطلان البيع بالجهالة صاحب مغني المحتاج (2/31)، وصاحب كتاب فتح الوهاب (1/283)، مما يدل على أن الثمن مجهول، وإذا أخذه بأحدهما لم يكن الثمن مجهولاً.
([5]) المغني (4/161)، مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية الكوسج، مسألة: (2141)، وجاء في الاستذكار (20/180) عن الثوري ، قال: «إذا ذهب به المشتري على وجه واحد، نقداً كان أو نسيئة فلا بأس بذلك ».
([6]) الفروع (4/63)، الإنصاف (4/350).
([7]) المصنف (4/307)، وهذا إسناد حسن إن كان عبد الرحمن سمعه من أبيه، وقد أثبت له ابن المديني السماع من أبيه . ولعله في حكم المتصل وإن لم يسمعه فقد سمعه من أهل بيته . انظر جامع التحصيل (ص: 223). ورواه أيضاً ابن أبي شيبة ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن أبي عبيدة أو عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن ابن مسعود.
([8]) المسند (1/398).
([9]) المصنف (4/307)، ومصنف عبد الرزاق (14628).
([10]) المجتبى (7/295).
([11]) مصنف ابن أبي شيبة (4/307).
([12]) المصنف (14630).
([13]) تهذيب السنن (5/106).
([14])جاء في المدونة (4/151): «أرأيت إن قال له: اشتر مني سلعة، إن شئت بالنقد فبدينار، وإن شئت إلى شهرين فبدينارين ، وذلك في طعام أو عرض، ما قول مالك في ذلك ؟ قال: قول مالك في ذلك: إن كان هذا القول منه، وقد وجب البيع على أحدهما، ليس له أن يرجع في البيع، فالبيع باطل، وإن كان هذا القول منه، والبيع غير لازم لأحدهما، إن شاءا أن يرجعا في ذلك رجعا؛ لأن البيع لم يلزم واحداً منهما، فلا بأس بأن يأخذ بأي ذلك شاء، إن شاء بالنقد، وإن شاء بالنسيئة». وانظر الموطأ (2/663)، والتمهيد لابن عبد البر (24/390)، مواهب الجليل (4/364-365)، المنتقى للباجي (5/39).
([15]) جاء في المدونة (3/412): «ذكر يونس بن يزيد، أنه سأل ربيعة ما صفة البيعتين اللتين تجمعهما بيعة ؟ قال ابن وهب: هما الصفقة الواحدة قال: يملك الرجل السلعة بالثمنين عاجلٍ وآجلٍ، وقد وجبت عليه بأحدهما كالدينار النقد والدينارين إلى أجل، فكأنه إنما بيع أحد الثمنين بالآخر، قال: فهذا مما يقارب الربا, فكذلك قال الليث عن يحيى بن سعيد قال: البيعتان اللتان لايختلف الناس فيهما ثم فسر لي من نحو ما قال ربيعة أيضا، وكذلك فسر مالك , وقد كره ذلك ابن القاسم وسالم وسليمان بن يسار »..
([16]) المبسوط (13/16)، الهداية (3/48). ويدخل في الصفقتين في صفقة عند الحنفية: كل شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، كما لو باعه عبداً على أن يستخدمه شهراً، أو داراً على أن يسكنها، أو على أن يقرضه المشتري درهماً، أو على أن يهدي له هدية.
([17]) انظر العزو إلى كتب الشافعية في القول الأول.
([18]) الفروع (4/63)، الإنصاف (4/350)، كشاف القناع (3/193).
([19]) ذكر ابن حزم أكثر من صورة، ويراها أنها داخلة في النهي عن بيعتين في بيعة، قال ابن حزم رحمه الله في المحلى (7/501): «ولا يحل بيعتان في بيعة, مثل: أبيعك سلعتي بدينارين على أن تعطيني بالدينارين كذا وكذا درهماً . أو كمن ابتاع سلعة بمائة درهم على أن يعطيه دنانير، كل دينار بعدد من الدراهم، ومثل: أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقداً، أو بثلاثة نسيئة. ومثل: أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا، على أن تبيعني سلعتك هذه بكذا وكذا. فهذا كله حرام مفسوخ أبداً محكوم فيه بحكم الغصب».
([20]) الثمر الداني (ص: 512)، الفواكه الدواني (2/95)، الكافي لابن عبد البر (ص: 366).
([21]) منح الجليل (5/81).