المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة حقيقية بعنوان وظل عميداً حتى اليوم



عميد اتحادي
09-03-2012, 04:40 PM
<div>
في ذلك اليوم من صيف جدة الحار برطوبته العالية وقبل أن يبدأ التمرين في فريق الحجاز الرياضي وهو - كما ذكرنا - أول فريق سعودي ينشأ في المملكة.. اتجهت «التقسيمة» إلى استبعاد كل ما هو نجار أو قراري أو بناء أو خباز أو قهوجي أو فران أو حلواني أو عامل يعمل في الحجر والطين... وكان قبلها قد تناثر الكلام عن الرغبة في استبعاد هذه الشريحة من اللاعبين من فريق الحجاز الرياضي لأن اللاعبين والإداريين يجب أن يكونوا من طبقة اجتماعية لا تريد أن تختلط بالطبقات الدنيا.. ولكن مجلس الإدارة كان منقسماً محمد رضا ومحمد جار وحسين نصيف وأحمد زاهد وعمر نصيف وعيسى جمجوم.. هؤلاء مع اختيار (الكلاس) من اللاعبين، ولكن عبد العزيز جميل وعبد الله بن زقر وعبد الرزاق عجلان وعبد اللطيف لنجاوي وصالح سلامة وعثمان باناجة وزهران إسماعيل يرون أن الرياضة للجميع والكرة للكل.

عبد العزيز جميل يشتاط

غضباً وينادي أصحابه:

تعالوا ندخل الغرفة.. غرفة اللا سلكي التي كانت تقع غرب الملعب وهي التي شهدت ميلاد «العميد» أول نادٍ سعودي ما زال باقياً على قيد الحياة، الغرفة بنيت من الحجر المنقبي ولها باب واحد يطل على الشرق وشباك يطل على الغرب وشباك ثانٍ يطل على الجنوب ويسمح لنسمات الهواء (الأزيب) تنساب إلى الغرفة وتتخلخل في جميع أرجائها.. الجو شديد الرطوبة.. مساحة الغرفة لا تتجاوز 6×9م2..

دلف عبد العزيز جميل بقامته الشامخة وسحنته البيضاء إلى الغرفة وقرأ السلام، وكان يعلق فوق أرنبة أنفه نظارة سوداء وكان يرمق الحاضرين بعين واحدة، لأن العين الثانية متعبة، وتبعه صالح سلامة المعروف بلقب كبير اللاعبين.. ثم أعقبه عبد الله بن زقر الذي كان يشد رأسه بعمامة حلبي ذهبية، ويعقبه عبد الرزاق عجلان الذي كان يتدثر بجبة بيضاء ولحية قصيرة.. تهبط قليلاً قبل أن تلامس الرقبة، وكان يرافق العجلان الشاب حمزة فتيحي الذي كان هو الآخر يلف رأسه بعمامة نضيدة وكان حليق الشارب واللحية، ثم دخل عثمان باناجة الذي كان يعرف ب «الأشطف» وتبعه زهران إسماعيل بلونه الأسمر الداكن، سماره أغمق من سمار عبد اللطيف لنجاوي، ثم دخل عبد اللطيف اللنجاوي وكان يلف صدره بسديري أبيض وسلسلة من ساعة (راسكوف) روسية تتدلى من عروة السديري وتسقط في الجيب، ولم ينس عبد اللطيف اللنجاوى كعادته أن يرمي عمامته البيضاء فوق رأسه يمنة ويسرة فتغطي جميع أنحاء رأسه ولا تسمح لشعرة بيضاء ناعمة تتدلى أمام الناس.

حينما تقاطر هؤلاء الشباب نحو غرفة اللا سلكي فزّ موظف اللا سلكي صالح باوزير ووقف على قدميه الجسورتين وصاح: الله يحييكم.. حياكم الله.. نسوي الشاهي.

فرد عبد العزيز جميل بصوته الحاد: دقائق يا صالح عندنا اجتماع وإن شاء الله ما نعطلك عن شغلك، وأجاب صالح بسرعة: أنتم ما تعطلوني.. أنتم آنستوني وشرفتوني.. كانت الشمس في ذلك اليوم تغيب وتظهر بفعل غمامة كانت تغازل مناخ جدة.. أي أن الجو في جدة كان يميل بين الصحو والغيم.

اتجه صالح باوزير صوب (كانون) عليه براد ينتحي ركن الغرفة.. صبغته جمار النار الكاوية في جزئه السفلي باللون الأسود، بينما ظل الجزء العلوي من البراد بلونه الأصفر، وكأن براد الشاي يريد أن يعلن عن شعار نادي الاتحاد قبل أن يعلن عنه المؤسسون.. وتقدم صالح (يقربع) في فناجيل الشاهي بعصبية ويوزع على ضيوفه أكواب الشاهي.. ورغم أن صالح باوزير كان يرحب بالشباب إلا أن كلماته كانت ترتعش بالقلق لأنه حوَّل الغرفة من غرفة عمل إلى غرفة اجتماع للاعبي الكورة، ولكن عبد العزيز جميل لم يترك القلق يفترسه فسأله: هل يمر العم على سلطان مدير البرق والبريد عليكم في غرفة اللا سلكي؟!.. قال باوزير أحياناً يمر ولكن ما له وقت..

فقال عبد العزيز جميل: إذا مرَّ أخبره بأنه أصبح رئيساً للنادي الذي سوف نعلن عنه بعد قليل من هذه الغرفة.. غرفة اللا سلكي التابعة لإدارة البرق والبريد.

كان الوقت رطباً ومضيئاً وكان الهدوء تخترقه أصوات الذباب ولسعات الناموس الذي كان يسرح ويمرح في كل أرجاء الغرفة ثم يهجم على المجتمعين بشراسة فيقرض هذا ويقرص ذاك، ويدفع إلى الاستعجال في اتخاذ قرار تأسيس نادي الاتحاد.

عبد العزيز جميل بصوت منفعل:

افتحوا النوافذ..

ورد عليه موظف السنترال: لا توجد إلا نافذة واحدة يمكن فتحها والنافذة الثانية معصلجة.. الشمس تخترق الغرفة ترسل أشعتها الذهبية المثقلة بالرطوبة في جميع أرجاء الغرفة.. مقعد من الخشب منحوت الأطراف، وترابيزة صغيرة فوقها لا سلكي وعامل لا سلكي يطقطق بمهارة على جهاز تلبسه الرطوبة والسواد.

ومرة أخرى عبد العزيز جميل ينادي اقتربوا.. وحينما اقتربوا منه قال: أشوف أن الأمور بلغت نهايتها مع الإخوان وليس أمامنا إلا تأسيس ناد ينبذ التفرقة بين الشباب، فكلنا إخوان وأبناء بلد واحدة، وعلى هذا نؤسس نادينا متحدين على هذا المبدأ، مبدأ الاتحاد وعدم التمييز.

في تلك اللحظة من صيف 1347هـ رفعت جدة أعلام الفرح الاتحادي.. وخارج الغرفة كان أفراد فريق الحجاز الرياضي يتشعترون في الملعب كأنهم يلعبون لعبة «الكاشو»، وكان الكل ينتظر ما يسفر عنه اجتماع الإخوة الأعداء الذين لم يعجبهم قرار إبعاد بعض اللاعبين عن فريق الحجاز الرياضي.

* ويعود عبد العزيز جميل إلى الكلام فيقول:

طبعاً إنتوا شوفتوا إيه اللي حصل في التمرين ولكن أنا أرى أن الرياضة ما فيها كبير.. الرياضة للجميع، ولكن الإخوان محمد رضا ومحمد جار وحسين نصيف وأحمد زاهد ومن معهم لم يعيروا كلامنا أي اهتمام، ونحن نحترم رأيهم ولكن لا نتفق معهم، ثم تكلم عبد الله بن زقر بصوت مرتفع قليلاً وكأنه يتكلم من عمامته وليس من فمه: أنا ما أعرف من أعطاهم حق استبعاد مجموعة مهمة من اللاعبين زي علي يماني.. وقاطعه صالح سلامة في هدوء وبكلمات وئيدة: هل استنفدنا معهم كل وسائل الإقناع؟.

وقف عبد العزيز جميل وقال: حاولت أن أثنيهم ولكنهم يصرون..

وأضاف سلامة: طيب ما هو الحل؟

ورد عليه بسرعة عبد العزيز جميل: نؤسس نادياً آخر.

سلامة: هل فكرتم في اسم النادي؟

عبد العزيز جميل: قبل أن نحدد الاسم يجب أن نوافق على الفكرة.

سلامة: أنا أعتبر الفكرة تمت الموافقة عليها ولكن المهم الآن الاسم.

وقف بن زقر: إن الأسماء كثيرة في أندية مصر وأندية السودان.

عبد العزيز جميل: نريد أندية في المدن الساحلية مثل مدينة جدة.

عبد الله بن زقر: مثلاً الاتحاد أو..

ورد عبد العزيز جميل لا تكمل يا عبد الله.. الاتحاد مناسب جداً لأنه يعبر عن اتحادنا معاً.. وبارك الجميع الاسم وقالوا بالإجماع على بركة الله الاتحاد قوة!

وقبل أن ينفض الاجتماع تعهد زهران إسماعيل بإحضار ملابس الاتحاد من السودان ووعد بأنه سوف يكلف أحد أصدقائه بإرسال الفانلات في أسرع وقت ممكن.

ولادة العميد!!

وقبل أن تلملم الشمس آخر أرديتها الذهبية إذ بالمجتمعين يخرجون من غرفة اللا سلكي وهم يحملون رضيعاً يلملمون أطرافه في (كوفلة) صفراء وسوداء وينادون بأنهم قد أطلقوا على وليدهم اسم الاتحاد ويضم جميع الأطياف والنحل ويفتح صدره وقلبه لكل راغب حتى لغير السعوديين.

كانت الهوية الاتحادية.. منذ البداية هي هوية حضارية تعبر عن الرياضة في أرقى هاماتها، لم يكن الاتحاد عنصرياً ولا نادياً شوفونياً.. ولو كان كذلك لما ولد الاتحاد وظل عميداً حتى اليوم..


http://ittihadclub.sa/wp-content/uploads/2011/08/Hamza_Ftehe_Hand_RiteingDocument.png (http://ittihadclub.sa/wp-content/uploads/2011/08/Hamza_Ftehe_Hand_RiteingDocument.png)