المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المصالح والمفاسد للشيخ عبد الله العبيلان –حفظه الله-



أهــل الحـديث
03-03-2012, 01:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



المصالح والمفاسد


للشيخ عبد الله العبيلان –حفظه الله-




[شريط مفرغ]






-إن الحمد لله ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هاد له ، و أشهد أن محمدًا عبد و رسوله ، اللهم صلى وسلم و بارك على نبينا و رسولنا محمد ،و على آله وصحبه وسلم أجمعين أما بعد :




إنّ حاجة الشباب المسلم إلى معرفة القواعد واللأصول التي تنبني عليها الأحكام الشرعية حاجة عظيمة ملحة ، لأنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- "من ضيع الأصول حرم الأصول " ، والذي يتكلم في جزئيات و يهمل الكليات العامة في الشرع ؛يحدث في طريقه ومنهجه التناقض و الاضطراب ،




وقبل أن أناقش بعض الأمور التي يحتاج إليها الشباب أذكر بعض القواعد حول المصالح والمفاسد ، فإن الدين الإسلامي مبني على المصالح وتكميلها و درء المفاسد و تقليلها ،




وتتضمن هذه القاعدة عدد من المباحث :




المبحث الأول : ما ذكرته والمصالح تنقسم إلى أقسام ، والمفاسد تنقسم إلى أقسام.




المبحث الثاني: إذا تزاحمت المصالح ؛فإننا نقدم الأعلى من هذه المصالح .




المبحث الثالث: إذا تزاحمت المصالح والمفاسد ؛فإنه يقدم أعظم الأمرين ، وكذلك إذا تزاحمت المفاسد ؛فإننا ندرء أعظم المفسدتين .




*********

مقدمة
من المعلوم أن طلب المصلحة و درء المفسدة أمر مركوز في طبائع البشر، اتفق العقلاء و الحكماء مع الشرع على تحريم الأموال والأبضاع أي الفروج و الأعراض و الأنفس و العقول -أي ما يفسد العقول-،و أنت لو خيرت طفلًا صغيرًا بين عشرة ريالات وخمسة ريالات لاختار العشرة ، لإن الأخذ بأعلى المصلحتين مركوز في فطرته .





القرآن غالبًا ما يعبر عن المصالح بالحسنات ،ويعبر عن المفاسد بالسيئات ، ومعظم مقاصد القرآن هو الأمر بالاكتساب ، وتحصيل المصالح ، والأمر باتباع الأسباب التي تؤدي إلى المصالح ، وكذلك المفاسد ؛فالقرآن ينهى عنها ،وينهى عن الوسائل المؤدية إليها.




*******

المصالح تنقسم إلى قسمين:





1- مصالح واجبة : هي التي تكون فيها المصلحة خالصة من كل وجه ؛فإذا تركها المسلم أدى تركه إياها إلى مفسدة في دينه .




ومن ذلك : الأمر بالتوحيد-الأمر بشرائع الإسلام كالصلاة ، والزكاة، والصيام، والحج، فإذا لم يقم الإنسان بالتوحيد ، ولم يخلو من نواقض التوحيد ؛فإنه يحصل له فساد في دينه ، والصلاة المفروضة إذا لم يقم الإنسان بإقامة الصلاة كما أمر الله ؛فإنه يحصل له خلل وفساد في دينه ، وهكذا الزكاة والصيام والحج.




2- مصالح مستحبة (مندوبة): وهي التي تكون فيها المصلحة راجحة على المفسدة ، ولكن تركها لا يؤدي إلى فساد في دين الإنسان، ولكن إذا فعلها ؛فإنه يزداد إيمانه وتكفر سيئاته،




ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- :

"الشارع لا يدل إلا على ترك واجب أو فعل محرم ، معنى هذا أن المستحب لا يدل الشارع على تركه ، المكروه أيضًا لا يدل الشارع على تركه ".





مثال : نوافل الصلاة :السنن الرواتب ، نوافل الصيام : الاثنين و الخميس ،هذه إذا تركها الإنسان فإن تركه إياها لا يؤدي إلى فساد في دينه ،




*******

ولذا فإن الناس أقسام ثلاثة :


1-ظالم لنفسه، وهو من أخل بالفرائض،
2-ومقتصد : وهو من أكمل الفرائض و اقتصر عليها ،
3-وسابق بالخيرات : وهو الذي آتى بالفرائض و زاد عليها بالنوافل .



وقد تكون مصلحة راجحة وليست خالصة و يأمر بها الشارع على سبيل الوجوب وهي التي يعبر عنها الفقهاء بقاعدة ((ما لا يتم الواجب إلا به ؛فهو واجب)) ومثلوا بأمثلة منها :




-السعي إلى المسجد ؛فإن السعي نفسه ليس بواجب إلا لأجل قيام الصلاة مع جماعة من المسلمين




-وكذلك غسل شئ من الرأس ؛إذا غسل الإنسان وجهه من باب التأكد أنه غسل جميع وجهه.




*******




المفاسد أيضًا قسمين:




1- المحرمة: كتحريم الأموال ، والأعراض ، والأنفس ، العقول ، وهي التي اتفقت الشرائع على تحريمها ، وأعظم محرم حرمه الله و أعظم مفسدة؛ يقع فيها الإنسان هي الشرك ، هذه الأمور التي نهى عنها الشارع ؛فإذا فعلها الإنسان لاشك أنه يفسد دينه، كالنهي عن الزنا و شرب الخمر والنميمة والغيبة ؛فإذا فعل الإنسان شيئًا من ذلك ؛فغن دينه ينتابه الخلل والفساد على حسب الاختلاف تلك المنكرات التي وقع فيها الانكار.




2-المكروهة : أي ليست محرمة بحيث إذا تركها الإنسان يزداد صلاحًا و زكاة ، ولكن إذا فعلها فإنه يذم شرعًا ؛كالنوم قبل العشاء والحديث يعدها ، لكن يقال لمن تحدث بعد صلاة العشاء أن فعله محرم .




* نأتي إلى قاعدة متفرعة من القاعدة السابقة وهي إذا تزاحمت المصالح :




عندنا مصلحتان ، لا يمكن فعل إحداهما إلا بتفويت الأخرى ؛فحينئذ نقدم الأعلى والأرجح.....



نأتي : لو تعارض واجب ومستحب كقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أقيمت الصلاة ؛فلا صلاة إلا المكتوبة" هنا تعارض عندنا أمران كلاهما مطلوب شرعًا واجب ومستحب ،الشارع أمر بفعل الواجب و تفويت المستحب ؛فصلاة الإنسان النافلة و تحية المسجد والجماعة قائمة هذا حرام لا يجوز ،إذن ها هنا تعارض مصلحتان قدمنا الأعلى و فَوَّتْنا الأدنى .

كذلك مثلًا :
م1: إذا لم نستطع الجمع بين قيام الليل وصلاة الفجر ؛فإنه يفوت قيام الليل قيام الليل لأجل صلاة الفجر ،لإنها واجبة و تلك مستحبة مسنونة ،

م2:وإذا تعاض أيضًا صيام النفل بالنسبة للمرأة مع طاعة زوجها قُدّمت طاعة زوجها ،لأنها واجبة ؛فإذا تعارض صلاة النافلة مع الصلاة المنذورة ؛فإننا نُقدِّم صلاة الفريضة على الصلاة المنذورة ،

م3:أو مثلًا النفقة اللازمة للزوجات وعنده مماليك و أولاد نقول قدّم الزوحات بالنفقة ثم المماليك ثم الأولاد .

م4:وإذا تعارض مثلًا نفقة الحج مع الديٍن قُدِّم الدين لانه أوجب ،

* يقول الفقهاء: (حقوق العباد مبنية على المشاحة و حقوق الإنسان و حقوق الله عز وجل مع ربه مبنية على المسامحة) ،


*وهنا أمر ينبغي التفظن له وهو أن يَعْرُض المفضول ما يجعله فاضلًا على اختلاف الزمان والمكان والشخص ؛


فمثلًا : قراءة القرآن الكريم أفضل من التسبيح والتهليل والتكبير ، لكن التسبيح والتحميد والتهليل و التكبير دبر كل صلاة أفضل من قراءة القرآن لماذا؟

لأن في هذا الوقت دلت الأدلة النقلية عن النبي صلى الله عليه وسلم أن التسبيح فيه أفضل من قراءة القرآن ، وإن كانت قراءة القرآن على سبيل الإطلاق أفضل من التسبيح والتهليل والتكبير كذلك المكان ،فلو تعارض عند إنسان الطواف بالبيت أو الصلاة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: يُقدّم الطواف بالبيت لماذا؟

قال : لإنه لا يتمكن من الطواف بالبيت إلا في مكة ، وأما الصلاة فإنه يتمكن منها في مكة وغيرها

كذلك الحال أو الشخص ،قد يكون المفضول أفضل بالنسبة لشخص ،كما قال ابن مسعود-رضي الله عنه-(لو صمت ما استطاعت الصلاة) ،لإن الصيام يؤثر على صلاته ، فلا يكثر من الصيام ،إذن يقال له فوت الصيام وأكثر من الصلاة ،


وأيضًا من الأمثلة على الزمان :مثلًا : إنسان من أهل العلم أيهما أفضل التعليم أم التأليف ؟


نقول : هذا يختلف باختلاف الزمان والمكان و الأشخاص ؛فقد يكون التعليم لبعض العلماء أفضل من التأليف كحال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله- ؛فالغالب عليه هو التعليم لا التأليف ،

وقد يكون التأليف أفضل من التعليم كحال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ؛فإن الغالب عليه التأليف ، وذاك نفع الله عز وجل به ، وهذا أيضًا نفع الله عز وجل به ، هذا في تعليمه وهذا في تأليفه ، انتهينا من فرع من فروع هذه القاعدة وننتقل إلى فرع آخر .



وإذا تزاحمت المفاسد :

مفسدتان لابد من ارتكاب إحداهما ؛ نقدم الأدنى من المفسدتين، قال تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" ،وكذلك أيضًا لو تعارض عندنا مفسدة ومصلحة ؛فإننا نقدم الأعلى منهما ، وقد يُقال : إننا ندرء المفسدة بتفويت المصلحة ،



وهذا له أمثلة :
1:من ذلك قوله تعالى:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ (http://www.ansarsunna.com/vb)وَالْمَيْسِرِ (http://www.ansarsunna.com/vb)قُلْ فِيهِمَا (http://www.ansarsunna.com/vb)إِثْمٌ (http://www.ansarsunna.com/vb)كَبِيرٌ (http://www.ansarsunna.com/vb)وَمَنَافِعُ (http://www.ansarsunna.com/vb)لِلنَّاسِ (http://www.ansarsunna.com/vb)وَإِثْمُهُمَا (http://www.ansarsunna.com/vb)أَكْبَرُ (http://www.ansarsunna.com/vb)مِن نَّفْعِهِمَا..." (البقرة::219) ؛فقد حرمهما الله ،لإن مفسدتهما أكبر من نفعهما .

أما منفعة الخمر: التجارة، و أما منفعة الميسر: فبما يأخذه المقامر من المقمور

وأما مفسدة الخمر:فبإزالتها العقول، وما تحدثه من العداوة والبغضاء والصدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة


*وهذه مفاسد عظيمة ،لا نسبة إلى تلك المنافع المذكورة في تلك الآية بجانب هذه المفاسد،مع أن تلك المنافع مُهدرة شرعًا .




من أمثلة أيضًا: إذا تعارضت مفسدة ومصلحة ،وكان درء المفسدة مقدمًا :

- التلفظ بكلمة الكفر، لاشك أن التلفظ بكلمة الكفر مفسدة محرمة ، ولكنه جائز بالحكاية والإكراه بشرط أن يكون القلب مطمئنًا بالإيمان لماذا؟ قالوا : لإن حفظ المهج والأرواح أكمل من مفسدة التلفظ بكلمة الكفر ،وفيها دليل من كتاب الله "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ"


-ومن ذلك أيضًا مما يدل على هذا التدرج في التشريع ؛بحيث تأخرت كثير من الواجبات ،وتأخر تحريم كثير من المحرمات عن ابتداء الإسلام ترغيبًا ؛فإنها إن وجبت في الإبتداء لنفروا من الإيمان لثقل تكاليفه:

م1:ومن ذلك أن الله أَخَّرَ إيجاب الصلاة إلى ليلة الإسراء ، لأنه لو أوجبها ففي ابتداء الإسلام لنفروا من ثقلها عليهم،

م3:كذلك الصيام لو وجب في ابتداء الإسلام لنفروا من الدخول فيه كذلك تأخير الزكاة إلى ما بعد الهجرة ،لإنها لو وجبت في الإبتداء لكان إيجابها أشد تنفيرًا لغلبة الشح بالأموال

م4:كذلك الجهاد لو وجب ابتداءً الإسلام لأَبَادَ الكَفَرَةُ أهلَ الإسلامِ لقلةِ المؤمنين وكثرة الكافرين ،

م5:كذلك القتال في الأشهر الحرم ، لو أُجِّلَ فرضُه في ابتداء الإسلام لنفر الكُفار من الدخول فيه

م6:وكذلك القصر على ثلاث طلقات ؛



فتأخرت هذه الواجبات تأليفًا على الإسلام الذي هو أفضل من كل واجب ،والمراد بالإسلام التوحيد والذي مصلحته تربو على جميع المصالح ،



وهاهنا أثر ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في كتابه"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ،عن عائشة –رضي الله عنها قال كما في صحيح البخاري قال:..عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير، قالت: ويحك وما يضرك؟ قال: يا أمّ المؤمنين أريني مصحفك، قالت: لمَ؟ قال: لعلي أولف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرّك أيه قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبداً لقد نزل بمكة على محمد (صلى الله عليه وسلم) وإني لجارية ألعب "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر" وما نزلت سورة (البقرة) و (النساء) إلا وأنا عنده. قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور (رواه البخاري).


2: ومن ذلك أيًَا ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية -أو قال بكفر- لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحِجْر" ترك مصلحة لأجل مفسدة نفور بعض المسلمين ، لإنهم حديثوا عهد بإسلام .

ننتقل إلى نقطة أخرى متفرعة من القاعدة المتقدمة وهي:
ما إذا اجتمعت المفاسد المحضة (كلها مفاسد) ؛فإن أمكن درؤها ؛فلاشك أنه يجب علينا درءها جميعًا ، وإن تعذر الجمع درأنا الأفسد فالمفسد ؛ فإن تساوت ؛فإنه حينئذ محل اجتهاد العالم ويعبر عنها بعض الفقهاء ب:"ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما".


أمثلة على القاعدة:


مثال: إذا اضطر إنسان إلى أكل ميتة أو هلاكه ، وجب عليه أكل الميتة ،قال تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ" إلى قوله :"فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"


ت:فهاهنا مفسدتان إحداهما أكبر من الأخرى : مفسدة موته، ومفسدة أكله لهذه الميتة التي حرمها الله عز وجل مع ما فيها من الضرر ؛فيرتكب المفسدة الأخف لدفع المفسدة الأكبر .


مثال آخر : إذا اضطر إنسان إلى أكل مال الغير أكله ،لإن حرمة مال الغير أخف من حرمة النفس.

مثال آخر: لو أن كفارًا تترسوا بمسلمين ،وكان لابد من رمي هؤلاء الكفار جاز لنا أن نرمي المسلمين الذين تترسوا بهم الكفار (طبعًا مع عدم قصد المسلم) مع وجوب قصد الكفار بالرمي وتجنب قتل المسلم.

ثبت في بعض الأحاديث أن المسلمين كانوا يبيتون لقتال الكفار ومع التبيت قد يحصل قتل للمرأة أو الشيخ الكبير و الصغير ، وهذه مفسدة نهى عنها الشارع ،الرسول صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين أن يقتلوا شيخًا أو امرأة أو صغير ،لكن إذا لم يكن قتالالكفار إلا بقتل الشيخ الكبير والمرأة و الصغير داز لنا ذلك ،لكن مع عدم قصد قتل الشيخ والمرأة والصغير .

مثال: لو أن رجلًا يملك سيارة وليست عنده رخصة فرارًا من الصورة ، ما يريد الرخصة حتى لا يقع في مفسدة التصوير ،يترتب على ذلك ماذا؟ الأمر مما تعم به البلوى ؛فحينئذ جوّز أهل العلم التصوير في مثل هذه الحالة مع الكره الشديد لهذا الفعل .

مثال آخر : ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس في قصة الأعرابي الذي دخل المسجد فبال في ناحية من نواحيه ؛فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فهنا مفسدتان:
الأولى : مفسدة البول في المسجد ،
والمفسدة المعارضة لها تشمل أمورًا :
-الأول : انقطع بول الرجل ربما ضره ذلك ،
-الثاني: ربما استمر في البول فلوّث مكان آخر في الفمسجد في أثناء خروجه
- الثالث: ربما كان حديث عهد بالإسلام فارتد عنه بسبب هذه القسوة ، هذا مع أن مفسدة البول قد حصلت ؛فحينئذٍ نقول : يترك البول مع أن هذه مفسدة حتى لا نرتكب مفاسد أعظم من هذه المفسدة .

مثال آخر : ذكره شيخ الإسلام –رحمه الله- في رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " :وفي صحيح مسلم عن سلمان بن ربيعة قال‏:‏ ‏(‏قال عمر‏:‏ قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسْمًا فقلت‏:‏ يا رسول الله والله لغير هؤلاء أحق به منهم[قسم قسمًا فأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم أناسًا فراجع عمر-رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في إعطائه هؤلاء الناس المال ، وقال :غير هؤلاء أحق بالمال منهم]؛[فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم]فقال‏:‏ إنهم خيروني بين أن يسألوني بالفحش وبين أن يبخلوني ولست بباخل
،قال شيخ الإسلام رحمه الله معلقًا على الحديث: يقول‏:‏إنهم يسألوني مسألة لا تصلح فإن أعطيتهم وإلا قالوا‏:‏ هو بخيل فقد خيروني بين أمرين مكرهين لا يتركوني من أحدهما‏:‏ الفاحشة والتبخيل‏.‏ والتبخيل أشد، فأدفع الأشد بإعطائهم‏)‏‏.‏


وحديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف؛ قال: « لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل، فقال: إن فلانًا يقول: لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانًا. فقال عمر: « لأقومَنَّ العشيَّةَ فأحذِّر هؤلاء الرهط الذين يريدون أنْ يغصبوهم».

قلت:« لا تفعل، فإن الموسم يجمع رَعاعَ الناس ويغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها؛ فيطيروا بها كل مُطَيِّر، وأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة، فتخلُص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، ويحفظوا مقالتك ويُنزِّلوها على وجهها». فقال: «والله لأقومَنَّ به في أول مَقام أقومه بالمدينة »[البخاري (7323)] الحديث.

فهاهنا مفسدة وقعت وهي أن بعض الناس تكلموا في أمر الخلافة بعد عمر رضي الله عنه ، ولاشط أن هذا الكلام ليسمن حقهم ، وإنكار هذا الكلام واجب حتى يسكت من ليس له حق أن يتكلم ، لكن هل أنكر رضي الله عنه أمامك الملأ وأما الناس أم صبر وأخذ بمشورة عبد الرحمن حتى عاد إلى المدينة ،فلما عاد إلى المدينة وخلًًُص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار و تكلم في هذه المسألة ،نعم قال له إن الموسم يجمع رعاع الناس الهمج فيسمعوا مقالتك ؛فينزلوها على غير وجهها ؛فعمر رضي الله عنه أمهل حتى قدم المدينة فتكلم معهم في هذا الأمر .


هذه مقدمة لأمر نحتاج إلى الكلام عليه ،لإنه إذا وقع أمر بين المسلمين ؛فهذا الأمر ينبغي أإن يعالج و أن لا يترك ، لكن أيضًا علاجه لابد أن يكون مستمدًا من كتاب الله وسنة النبي صلبى الله عليه وسلم وهذه المسألة الإنكار على أهل البدع ؛فهو من مهمات الدين ، ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-في كتابه (جامع الرسائل والوسائل):

"ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة , أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة , فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين , حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه , وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل .



فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين , ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين , وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب , فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً , وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً "


إذًا هذا من الدين ومن الأمور التي صار عليها سلفنا الصالح ،إلا أنه الإنكار على أهل البدع له ضوابط وله قواعد ،وإذا لم يلتزم بهذه الضوابط ،فإن الأمة سوف يُهلك بعضها بعضًا ويسفك دمائها دماء بعضها بعضًا ، وتحصل الفرقة التي هي أعظم قاصم للدين ، فما هي هذه الشروط ؟؟


إذًا هذا من الدين ومن الأمور التي صار عليها سلفنا الصالح ،إلا أنه الإنكار على أهل البدع له ضوابط وله قواعد ،وإذا لم يُلتزم بهذه الضوابط ،فإن الأمة سوف يُهلك بعضها بعضًا ويسفك بعضها دماء بعض ، وتحصل الفرقة التي هي أعظم قاصم للدين ، فما هي هذه الشروط ؟؟



الشرط الأول:العلم لماذا؟


أولًا :تحتاج لأن تعلم عدة أمور :
1-هل هذا الأمر بدعة أو ليس بدعة ؟ لإن مخالفك قد يكون اجتهد ،وإذا كان مجتهدًا ؛فإن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ؛فهو دائر بين الأجر والأجرين .

2-هل مخالفك انطلق من أصول وقواعد أهل البدع ؛بحيث أن دينه مبني على أصول وقواعد أهل البدع ،أم أنه لم ينطلق من ذلك ؛إنما اجتهد وأبدى رأيًا من الآراء ،وهذا الرأي في اعتقادك أنه بدعة؟؟

3-هل أنت تطالبه بقوله أم تطالبه باللازم من قوله؟ فها هنا شيئان :قوله شئ ، واللازم من قوله شئ ، والمقرر عند أهل العلم أن لازم قول العالم ليس قولًا له ؛بخلاف الكتاب والسنة ؛فإن لازم الكتاب والسنة حق ،لكن ما يلزم من كلام زيد أو عمرو ؛فقد يكون حق وقد يكون باطل ،وقد يعلم بهذا اللازم ويدركه وقد لا يعلم بما يلزم من كلامه هذا ولا يدركه ؛إذًا ننطلق من هذا اللازم إلى أمر آخر ،وهو أن الإنسان إذا قال بدعة لا يلزم من هذا أن يكون مبتدعًا ،ما لم تدل عندنا الأدلة على أن أصوله وقواعده أصول أهل البدع وقواعد أهل البدع ،

ولو أخذنا بها وقلنا أن كل من قال بدعة ؛فهو مبتدع ،لربما بدَّعنا جميع علماء الإسلام ،وما بقي منهم أحد ،إذًا إذا انطلق الإنسان من أصول وقواعد أهل البدع ؛فهذه قرينة على أنه مبتدع ،وهذا هو الذي يريده شيخ الإسلام لأنه قال (ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة...)



الشرط الثاني: حسن النية :


يقول شيخ الإسلام-رحمه الله-(الفتاوى28/235 -237): » ثُمَّ الْقَائِلُ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُسْنِ النِّيَّةِ فَلَوْ تَكَلَّمَ بِحَقِّ لَقَصَدَ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْفَسَادَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَرِيَاءً . وَإِنْ تَكَلَّمَ لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ كَانَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءِ الرُّسُلِ .

وَلَيْسَ هَذَا الْبَابُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ : { الْغِيبَةُ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ } فَإِنَّ الْأَخَ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْأَخُ الْمُؤْمِنُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي إيمَانِهِ لَمْ يَكْرَهْ مَا قُلْته مِنْ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَوِيهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِالْقِسْطِ وَيَكُونُ شَاهِدًا لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ وَالِدَيْهِ أَوْ أَقْرَبَيْهِ وَمَتَى كَرِهَ هَذَا الْحَقَّ كَانَ نَاقِصًا فِي إيمَانِهِ يَنْقُصُ مِنْ أُخُوَّتِهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ إيمَانِهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ كَرَاهَتَهُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي نَقَصَ مِنْهَا إيمَانُهُ ؛ إذْ كَرَاهَتُهُ لِمَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ تُوجِبُ تَقْدِيمَ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } .

ثُمَّ قَدْ يُقَالُ : هَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِيثِ الْغِيبَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى . وَقَدْ يُقَالُ : دَخَلَ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ خَصَّ مِنْهُ كَمَا يَخُصُّ الْعُمُومَ اللَّفْظِيَّ وَالْعُمُومَ الْمَعْنَوِيَّ وَسَوَاءٌ زَالَ الْحُكْمُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعِهِ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ . وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ يُؤَوَّلُ إلَى اللَّفْظِ ؛ إذْ الْعِلَّةُ قَدْ يَعْنِي بِهَا التَّامَّةَ وَقَدْ يَعْنِي بِهَا الْمُقْتَضِيَةَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ*

(وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ شَتَّى . تَارَةً فِي قَالِبِ دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ فَيَقُولُ : لَيْسَ لِي عَادَةً أَنْ أَذْكُرَ أَحَدًا إلَّا بِخَيْرِ وَلَا أُحِبُّ الْغِيبَةَ وَلَا الْكَذِبَ ؛ وَإِنَّمَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحْوَالِهِ . وَيَقُولُ : وَاَللَّهِ إنَّهُ مِسْكِينٌ أَوْ رَجُلٌ جَيِّدٌ ؛ وَلَكِنْ فِيهِ كَيْت وَكَيْت . وَرُبَّمَا يَقُولُ : دَعُونَا مِنْهُ اللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ ؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ اسْتِنْقَاصُهُ وَهَضْمٌ لِجَانِبِهِ .

وَيُخْرِجُونَ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ صَلَاحٍ وَدِيَانَةٍ يُخَادِعُونَ اللَّهَ بِذَلِكَ كَمَا يُخَادِعُونَ مَخْلُوقًا ؛ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْهُمْ أَلْوَانًا كَثِيرَةً مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ غَيْرَهُ رِيَاءً فَيَرْفَعُ نَفْسَهُ فَيَقُولُ : لَوْ دَعَوْت الْبَارِحَةَ فِي صَلَاتِي لِفُلَانِ ؛ لَمَا بَلَغَنِي عَنْهُ كَيْت وَكَيْت لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ وَيَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ .

أَوْ يَقُولُ : فُلَانٌ بَلِيدُ الذِّهْنِ قَلِيلُ الْفَهْمِ ؛ وَقَصْدُهُ مَدْحُ نَفْسِهِ وَإِثْبَاتُ مَعْرِفَتِهِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ الْحَسَدُ عَلَى الْغِيبَةِ فَيَجْمَعُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَبِيحَيْنِ : الْغِيبَةِ وَالْحَسَدِ .

وَإِذَا أَثْنَى عَلَى شَخْصٍ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ تَنَقُّصِهِ فِي قَالِبِ دِينٍ وَصَلَاحٍ أَوْ فِي قَالِبِ حَسَدٍ وَفُجُورٍ وَقَدْحٍ لِيُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ تمسخر وَلَعِبٍ لَيُضْحِكَ غَيْرَهُ بِاسْتِهْزَائِهِ وَمُحَاكَاتِهِ وَاسْتِصْغَارِ الْمُسْتَهْزَأِ بِهِ .



وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ التَّعَجُّبِ فَيَقُولُ تَعَجَّبْت مِنْ فُلَانٍ كَيْفَ لَا يَفْعَلُ كَيْت وَكَيْت وَمِنْ فُلَانٍ كَيْفَ وَقَعَ مِنْهُ كَيْت وَكَيْت وَكَيْفَ فَعَلَ كَيْت وَكَيْت فَيُخْرِجُ اسْمَهُ فِي مَعْرِضِ تَعَجُّبِهِ .

وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الِاغْتِمَامَ فَيَقُولُ مِسْكِينٌ فُلَانٌ غَمَّنِي مَا جَرَى لَهُ وَمَا تَمَّ لَهُ فَيَظُنُّ مَنْ يَسْمَعُهُ أَنَّهُ يَغْتَمُّ لَهُ وَيَتَأَسَّفُ وَقَلْبُهُ مُنْطَوٍ عَلَى التَّشَفِّي بِهِ وَلَوْ قَدَرَ لَزَادَ عَلَى مَا بِهِ وَرُبَّمَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ أَعْدَائِهِ لِيَشْتَفُوا بِهِ .

وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِنْ أَعْظَمِ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْمُخَادَعَاتِ لِلَّهِ وَلِخَلْقِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ غَضَبٍ وَإِنْكَارِ مُنْكَرٍ فَيُظْهِرُ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْيَاءَ مِنْ زَخَارِفِ الْقَوْلِ وَقَصْدُهُ غَيْرُ مَا أَظْهَرَ . وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

* إلى هنا انتهى نقل الشيخ العبيلان حفظه الله ونقلت ما بعده من كلام ابن تيمية-رحمه الله للفائدة



لكن هل يقال الإعلان باسمه

والتشهير به؟؟؟



لمّا علمنا أن البوطي مبتدع، هل يقال مثلّا كل مبتدع لابد أن يذكر اسمه هذه مسألة للعلماء فيها أقوال ،و أقرأ عليكم كلام الشاطبي في هذه المسألة ،والشاطبي يتكلم عن الفرق ؛ثم يتكلم عن الأقوال:

" ولكن الغالب في هذه الفرق أن يشار إلى أوصافهم ليحذر منها، ويبقى الأمر في تعيينهم مرجى كما فهمنا من الشريعة ، ولعل عدم تعيينهم هو الأولى الذى ينبغي أن يلتزم ليكون سترًا على الأمة، كما سترت عليهم قبائحهم، فلم يفضحوا في الدنيا بها في الحكم الغالب العام ، وأمرنا بالستر على المذنبين ما لم يبد لنا صفحة الخلاف.....وقد قالت طائفة: إن من الحكمة في تأخير هذه الأمة عن سائر الأمم أن تكون ذنوبهم مستورة عن غيرهم، فلا يطلع عليها كما اطلعوا هم على ذنوب غيرهم ممن سلف.

وللستر حكمة أيضًا :وهي أنها لو أظهرت -مع أن أصحابها من الأمة-، لكان في ذلك داع إلى الفرقة والوحشة، وعدم الألفة التى أمر الله بها ورسوله حيث قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم} [الأنفال: 1]."وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَات}3" [آل عمران: 105]. وقال: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 31-32].وفي الحديث: "لا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا" , وأمر عليه الصلاة والسلام بإصلاح ذات البين، وأخبر أن فساد ذات البين هي الحالقة، وأنها تحلق الدين . والشريعة طافحة بهذا المعنى، ويكفي فيه ما ذكره المحدثون في كتاب "البر والصلة".....))اه كلامه رحمه الله

وقد جاء في قوله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أن ((رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا " من هم؟ قالت : الله ورسوله أعلم. قال:هم أصحاب الأهواء, وأصحاب البدع, وأصحاب الضلالة من هذه الأمة، يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة وأنا بريء منهم وهم منا برآء))


قال-أي الشاطبي-رحمه الله- (فإذا كان من مقتضى العادة أن التعريف بهم على التعيين يورث العداوة والفرقة وترك الموالفة، لزم من ذلك أن يكون منهيًا عنه، إلا أن تكون البدعة فاحشة جدًّا كبدعة الخوارج، فلا إشكال في جواز إبدائها وتعيين أهلها، كما عين رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج وذكرهم بعلامتهم، حتى يعرفون ويحذر منهم .))اه **

وقال الشاطبي في الاعتصام وأشار إلى النوع الأول والنوع الثاني حين تكون الفرقة تدعو إلى ضلالتها وتزينها في قلوب العوام ومن لا علم عنده ، فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس))** ،



فالبدع مأمور باجتنابها واجتناب أهلها والتحذير منهم والتشديد عليهم والتقبيح وتقبيح ما هم عليه ،فكيف يكون ذكر ذلك والتنبيه عليه غير جائز؟


الجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه بالجملة عليهم إلا القليل منهم كالخوارج ونبه على البدع من غير تفصيل ،وأن الأمة ستفترق على تلك العدة المذكورة ،وأشار إلى الخواص العامة فيهم ،والخاصة لم يصرح بالتعيين غالبًا تصريحًا ...العذر ،ولا ذكر فيهم علامة قاطعة لا تلتبس ؛فنحن أولى بذلك معشر الأمة ،وما ذكره المتقدمون من ذلك ؛فبحسب فُحش تلك البدعة وأنها لاحقة في جواز ذكرها بالخوارج ونحوهم ،مع أن التعيين إذا كان بحسب الإجتهاد ؛فهو ممكن أن يكون هو المراد في نفس الأمر أو بعضه ؛فمن بلغ رتبة الاجتهاد اجتهد ،والأصل ما نقوم من السكوت حتى يظهر أمر فيكون له حكم ،ويبقى النظر هل هذا الظاهر من جملة ما يدخل تحت الحديث أم لا؟،فهو موضع اجتهاد ،وأيضًا فإن البدع المحدثة تختلف فليس كلها على مرتبة واحدة.


ألا ترى أن بدعة الخوارج معاينة غاية المباينة لبدعة التثويب في الصلاة التي قال فيها مالك-رحمه الله-:التثويب (الذي يقول في الصلاة خير من النوم ) ضلالة بدعة ،وهذه بدعة ،لكن البدعة الأولى أخطر وأعظم من البدعة الثانية ،كما قد قسم المتقدمون إلى مكروه (أي كراهة التحريم) وإلى ما هو محرم ،ولو كانت عندهم على سواء لكانت قسمًا واحدًا وإلا كان ذلك كذلك .


فالبدع التي تفترق بها الأمة مختلفة الرتب في القبح ،وبسبب ذلك يظهر أنها كثيرة جدًا إلى آخر ما قال ,

المقصود من هذا من القواعد التي ذكرناها في أول حديثنا أن نقول أن هذا داخل تحت المصالح والمفاسد كما قلنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،قلنا أن إنكار المنكر على أربعة مراتب:
المرتبة الأولى:أن يزول المنكر ويخلفه ضده ،وهذه مطلوبة.
المرتبة الثانية:أن يخف المنكر وإن لم يزل بجملته ؛فهذه أيضًا مطلوبة.
المرتبة الثالثة:أن يخلفه منكر مثله ؛فهذه محل اجتهاد
المرتبة الرابعة:أن يخلفه منكر أكبر منه ؛فهذا حرام .

فإذا كان تعيين المبتدع يُحدث منكر أكبر ،وربما كان سببًا إلى رد الحق الذي عند الإنسان حينئذٍ يقال :إن السكوت عنه أولى ،وهذا نسكت عنه دينًا وقُربة نتقرب بها إلى الله

،اقف عند هذا الحد ،ولعلّ الباقي من الكلام على هذه المسألة يتيسر في الجواب على هذه الأسئلة وبالله التوفيق ،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .



________منقول