المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعبد بأسماء الله تعالى وصفاته وثمراتها



أهــل الحـديث
01-03-2012, 07:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


التعبد بأسماء الله تعالى وصفاته

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحـيـم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اعلم - رحمني الله وإياك - أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسأل الله علماً نافعاً ، ونتعوذ به من علم لا ينفــع ، فقال فيما رواه عنه جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ((سلوا الله علماً نافعاً ، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع)) حديث حسن. رواه : ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (9171) ، وابن ماجه (3843) ، وأبو يعلى في ((المسند)) (1927) ، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/162) ، والبيهقي في ((الجامع لشعب الإيمان)) (1644). وانظر تخريجه في ((السلسلة الصحيحة)) للألباني (1511).
وكان صلى الله عليه وسلم يعلمنا ذلك ، فيقول : ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها)). رواه مسلم (2722) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه.
واعلم أن أنفع العلوم علم التوحيد ، ومنه علم الأسماء والصفات ، وذلك لأن ((شرف العلم بشرف المعلوم ، والباري أشرف المعلومات ؛ فالعلم بأسمائه (وصفاته) أشرف العلوم )). أحكام القرآن (2/993) لابن العربي ، وزيادة: ((وصفاته)): من عندي .
و (( العلم النافع ما عرَّف العبدَ بربه ، ودلَّه عليه حتى عرفه ووحَّده وأنس به واستحى من قربه وعَبَده كأنه يراه )). ((فضل علم السلف على الخلف)) (ص 67) لابن رجب.
((فأصل العلم بالله الذي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه والأنس به والشوق إليه ، ثم يتلوه العلم بأحكام الله ، وما يحبه ويرضاه من العبد من قول أو عمل أو حال أو اعتقاد ، فمن تحقق بهذين العلمين كان علمه نافعاً ، وحصل له العلم النافع والقلب الخاشع والنفس القانعة والدعاء المسموع ، ومن فاته هذا العلم النافع ، وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم ، وصار علمه وبالاً وحجة عليه ، فلم ينتفع به ؛ لأنه لم يخشع قلبه لربه، ولم تشبع نفسه من الدنيا ، بل ازداد عليها حرصاً ولها طلباً ولم يُسمع دعاؤه ؛ لعدم امتثاله لأوامر ربه وعدم اجتنابه لما يسخطه ويكرهه ، هذا إن كان علمه علماً يمكن الانتفاع به ، وهو المتلقي عن الكتاب والسنة ، فإن كان متلقي عن غير ذلك ؛ فهو غير نافع في نفسه ، ولا يمكن الانتفاع به ، بل ضره أكثر من نفعه)) المصدر السابق (ص 69).
و ((العلم النافع يدل على أمرين :
أحدهما : على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة ، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته ومحبته ورجاءه والتوكل عليه والرضا بقضائه والصبر على بلائه.
والأمر الثاني : المعرفة بما يحبه ويرضاه ، وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال.
فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه ، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا ؛ فهو علم نافع ، فمتى كان العلم نافعاً ، ووقر في القلب ؛ فقد خشع القلب لله ، وانكسر له وذل هيبة وإجلالاً وخشية ومحبة وتعظيماً ، ومتى خشع القلب لله وذل وانكسر له ؛ قنعت النفس بيسير الحال من الدنيا ، وشبعت به ، فأوجب لها ذلك القناعة والزهد في الدنيا ، وكل ما هو فان لا يبقى ، من المال والجاه وفضول العيش الذي ينقص به حظ صاحبه عند الله من نعيم الآخرة وإن كان كريماً على الله)) المصدر السابق (ص 64-65).
من كتاب صفات الله تعالى للشيخ علوي السقاف

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف:
"فأجلّ المقاصد وأنفع العلوم: العلم بمعاني أسماء الله (عز وجلّ) الحسنى وصفاته العلا، فإن التعرّف على الله (تعالى) من خلال أسمائه وصفاته يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات، والعلم بأسماء الله وصفاته يستلزم عبادة الله (تعالى) ومحبته وخشيته، ويوجب تعظيمه وإجلاله.
ومع أهمية هذا الجانب وجلالة قدره، إلا أن ثمة غفلة عنه، فنلحظ التقصير في فقه أسماء الله وصفاته، وإهمال التعبّد والدعاء بها، وضـعـف الالـتـفــات إلى ما تقتضيه هذه الأسماء الحسنى من الآثار والثمرات.
تظهـر أهميـة هـذا الموضـوع عبر الآيـات القرآنية المتعددة التي تحض على تدبر القرآن الـكـريــــم؛ كما قال (سبحانه): ((كِتـَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [ص: 29]، وذمّ الـقـــــرآن مـن لا يفهمه، فقال (تعالى): ((فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)) [ النساء: 78]، ولا شك أن فقه أسماء الله (تعالى) وصفاته يدخل في ذلك دخولاً أوليّاً.
ـ كما أن عبادة الله (تعالى) ومعرفته آكد الـفــرائض، ولا يتحقق هذا إلا بمعرفة أسماء الله وصفاته.
يقـول قــوام السنـة الأصفهاني (ت 535 هـ):
( وقال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه: معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه، قال الله (تعالى): ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ)) [محمد: 19]، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها؛ فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يعامل رجلاً: طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا،ونـحــن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها) الحجة في بيان المحجة، جـ 1، ص 122.
ـ وفقه أسماء الله تعالى وصفاته يوجب تحقيق الإيمان والعبادة لله وحده، وإفراده سبحانه (بالقصد والحبّ والتوكل وسائر العبادات، كما بيّن ذلك أهل العلم.
ولذا يقـول العز بن عبد السـلام: (فهـم معاني أسمـاء اللـه تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة والمحبة والتوكل وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات). شجرة المعارف والأحوال، ص 1.
ويقول أيضاً: (ذكرُ الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة، وبأوصاف الكمال موجب للمهابة، وبالتوّحد بالأفعال موجب للتوكل، وبسعة الرحمة موجب للرجاء، وبشدة النقمة موجب للخوف، وبالتفرّد بالإنعام موجب للشكر، ولذلك قال سبحانه: ((اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً)) ]الأحزاب:41[
ويقـول ابن القيـم ـ في هـذا الصدد ـ:
( لا يستقر للعبد قدم فـي المعرفــة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرّب جلّ جلاله ، ويعرفها معرفة تخرج عن حدّ الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرّفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، فضلاً عن أن يكون من أهل العرفان...). مدارج السالكين، جـ 3، ص 347.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي:
( إن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، والتفقه في فهم معانيها..
بل حقيقة الإيمان أن يعرف الربّ الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، حتى يبلغ درجة اليقين.
وبحسب معرفته بربه، يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه، ازداد إيمانه، وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك: تدبر صفاته وأسمائه من القرآن). تفسير السعدي، جـ 1، ص 24.
والمقصود بالتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاتـه: تحقيـق العلـم بهـا ابتداءً، وفقه معاني أسمائه وصفاته، وأن يعمل بها، فيتصف بالصفات التي يحبها الله (تعالى): كالعلم، والعدل، والصبر، والرحمة.. ونحو ذلك، وينتهي عن الصفات التي يكرهها الله (تعالى) من عبيده مما ينافي عبوديتهم لله (تعالى)، كالصفات التي لا يصح للمخلوق أن يتصف بها كالكبر والجبروت... فيجب على العبد ـ إزاءها ـ الإقرار بها والخضوع لها.
ومن العمل بها: أن يدعو الله (تعالى) بها؛ كما قال سبحانه : ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)) [الأعراف: 180]، كما أن من العمل بها: تعظيمها وإجلالها، وتحقيق ما تقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات.
يقول ابن تيمية: (إن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يُحمد العبد على الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك، ومنها ما يذم العبد على الاتصاف به كالإلهية والتجبر والتكبر، وللعبد من الصفات التي يُحمد عليها ويؤمر بها ما يمنع اتصاف الربّ به كالعبودية والافتقار والحاجة والذل والسؤال ونحو ذلك). الصفدية، جـ 2، ص 338.
وقال ابن القيم: (لما كان سبحانه يحبّ أسماءه وصفاته كان أحبّ الخلق إليه من اتصف بالصفات التي يحبها، وأبغضهم إليه: من اتصف بالصفات التي يكرهها، فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت؛ لأن اتصافه بها ظلـم، إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه؛ لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية، ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحدّه، وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإحسان والصبر والشكر، فإنها لا تنافي العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إذ المتصف بها من العبيد لم يتعد طوره، ولم يخرج بها من دائرة العبودية). طريق الهجرتين، ص 129.
وقال الحافظ ابن حجر أثناء شرحه لحديث ( لله تسعة وتسعـون اسماً - مائة إلا واحداً - من أحصاها دخل الجنة) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب 12، وكتاب الشروط، باب 18، وكتاب الدعوات، باب 68.:
( وقيل: معنى أحصاها: عمل بها، فإذا قال: (الحكيم)، مثلاً، سلّم جميع أوامره، لأن جميعها على مقتضى الحكمة، وإذا قال: (القدوس)، استحضر كونه منزهاً عن جميع النقائص، وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل. وقال ابن بطّال: طريق العمل بها: أن الذي يسـوغ الاقتـداء بـه فيها كالرحيم والكريم: فإن الله يحب أن يرى حلاها على عبده، فليمرًن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص باللـه (تعالى) كالجبار والعظيم فيجب على العبد الإقرار بها، والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد: نقف منه عند الخشية والرهبة). فتح الباري، جـ 11، ص 229.
ومما يستحق تقريره - هاهنا - أن تلازماً وثيقاً بين إثبات الأسماء والصفات لله تعالى وبين توحيد الله تعالى بأفعال العباد، فكلما حقّقَ العبد أسماء الله وصفاته علماً وعملاً، كلما كان أعظم وأكمل توحيداً، وفي المقابل فإن هناك تلازماً وطيداً بين إنكار الأسماء أو الصفات وبين الشرك.
يقول ابن القيم ـ في تقرير هذا التلازم ـ: (كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيل كماله ـ أو بعضه ـ وظن السوء به، لما أشرك به، كما قال إمـام الحنفــاء وأهـل التوحيد لقومه: ((أَئِفْكاً آلِهَـةً دُونَ اللَّـهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العَالَمِينَ)) [الصافات: 86، 87] أي: فما ظنكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه غيره؟، وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟ أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بها كالملوك؟، أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم وقضاء حوائجهم؟ أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟... والمقصود أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه، فلا تجد معطلاً إلا وشركه على حسب تعطيله، فمستقلّ ومستكثرٌ). مدارج السالكين، جـ 3، ص 347، باختصار.
ونورد أمثلة في توضيح هذا التلازم والصلة بين توحيد العبادة وتوحيد الأسماء والصفات.
ـ فالدعاء ـ مثلاً ـ هو آكد العبادات وأعظمها, فالدعاء هو العبادة كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهو لا ينفك عن إثبات وفقه أسماء الله (تعالى) وصفاته.
ويشير ابن عقيل إلى هذه الصلة بقوله: (قد ندب الله تعالى إلى الدعاء، وفي ذلك معانٍ:
أحدها: الوجود، فإن من ليس بموجود لا يُدعى.
الثاني: الغنى، فإن الفقير لا يُدعى.
الثالث: السمع، فإن الأصم لا يُدعى.
الرابع: الكرم، فإن البخيل لا يُدعى.
الخامس: الرحمة، فإن القاسي لا يُدعى.
السادس: القــدرة، فإن العاجـــز لا يُدعى). شرح الطحاوية، جـ 2، ص 678.
والتوكل على الله تعالى وحده شرط في الإيمان، وأجلّ العبادات القلبية، ولا يتحقق التوكل إلا بمعرفة أسماء الله تعالى وصفاته.
وقد وضح ذلك ابن القيم بقوله:( ولا يتم التوكل إلا بمعرفة الربّ وصفاته من قدرته وكفايته وقيوميته وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته، قال شيخنا - ابن تيمية - (رحمه الله): ولذلك لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف، ولا من القدرية النفاة القائلين بأن يكون في ملكه ما لا يشاء، ولا يستقيم أيضاً من الجهمية النفاة لصفات الربّ جلّ جلاله، ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات.
فأي توكل لمن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالم سفليه وعلويه، ولا هو فاعل باختياره، ولا له إرادة ومشيئة، ولا يقوم به صفة؟ فكل من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف، كان توكله أصح وأقوى، والله سبحانه وتعالى (أعلم). مدارج السالكين، جـ 2، ص 117.
وحسن الظن بالله والثقة به تعالى عبادة جليلة تقوم على فقه أسماء الله وصفاته، كالحكمة والقدرة..، كما أن سوء الظن بالله من آثار إنكار أسماء الله تعالى وصفاته.
يقول ابن القيم: (وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله، وأسماءه وصفاته، و موجب حكمته وحمده.
ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تَعنتاً على القدَر وملامة له... وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم ؟). زاد المعاد، جـ 3، ص 229ـ235، بتصرف، وانظر: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب، باب قوله(تعالى): ((يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ)).
ـ وأشار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى أن أصول العبادة الثلاثة (الحبّ، والرجاء، والخوف) من آثار وثمرات التعبد بأسماء الله وصفاته، فقال ـ في مسائل ذكرهـا في تفسيـر سورة الفاتحة ـ: (أركان الدين: الحب، والرجـاء، والخوف، فالحب في الأولى، وهي ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ))، والرجاء في الثانية، وهي ((الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ))، والخوف في الثالثة، وهي ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ))). تاريخ ابن غنام، جـ 2، ص 360.
ـ إذا ظهر بهذه الأمثلة مدى التلازم الوثيق بين صفات الله (تعالى) وما تقتضيه من العبادات الظاهرة والباطنة، فيمكن أن نخلص إلى ما حرره ابن القيم بقوله:
( لكل صفة عبوديةٌ خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني: من موجبات العلم بها والتحقيق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح، فعلم العبد بتفرد الرب (تعالى) بالضرّ والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة: يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً، ولوزام التوكل وثمراته ظاهراً، وعلمه بسمعه (تعالى) وبصره، وعلمه أنه لا يخفى عليه مثقال ذرة، وأنه يعلم السر، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور: يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه على كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك: الحياء باطناً، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته توجب له سعة الرجاء... وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه، تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعاً من العبودية الظاهرة، هي موجباتها.. فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات). مفتاح دار السعادة، جـ 2، ص 90 باختصار، وانظر: طريق الهجرتين، ص 43، ومدارج السالكين، جـ 1، ص 420، جـ 3، ص 351، والفوائد، ص 63.
والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته له آثاره الطيبة في حسن الخلق وسلامة السلوك، كما أن تعطيل أسماء الله (تعالى) وصفاته لا ينفك عن مساوئ الأخلاق ورديء السلوك.
ومثال ذلك: أن القدرية النفاة لما كانوا ينفون علم الله تعالى المحيط بكل شيء، ويزعمون أن العبد يخلق فعله نفسه، فالخير هو الذي أوجده العبد وخَلقه ـ على حدّ زعمهم ـ، ودخوله الجنة عوض عمله، فأورثهم ذلك غروراً وعُجباً، وكما قال أبو سليمان الداراني:
(كيف يعجب عاقل بعمله؟ وإنما يعدّ العمل نعمة من الله، إنما ينبغي له أن يشكر ويتواضع، وإنما يعجب بعمله القدرية). حلية الأولياء، لأبي نعيم، جـ 9، ص 263.
ـ والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته سبب رئيس في السلامة من الآفات: كالحسد، والكبر، كما قال ابن القيم: (لو عرف ربّه بصفات الكمال ونعوت الجلال، لم يتكبر ولم يحسد أحداً على ما آتاه الله؛ فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله؛ فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله، ويحب زوالها عنه والله يكره ذلك، فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته...). الفوائد، ص 150
ـ والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته يثمر الموقف الصحيح تجاه المكروهات والمصائب النازلة؛ فإن الإنسان ظلوم جهول، والله (تعالى) بكل شيء عليم، وهو (سبحانه) حَكَمٌ عدْل، ولا يظلم (تعالى) أحداً، قال (سبحانه) : ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) [البقرة: 216]
يقول ابن القيم: (من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته علم يقيناً أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته، بل مصلحة العبد فيما كره أعظم منها فيما يحب...). السابق، ص 85.
ويقول أيضاً: (.. فكل ما تراه في الوجود ـ من شر وألم وعقوبة وجدب ونقص في نفسك وفي غيرك ـ فهو من قيام الرب (تعالى) بالقسط، وهو عدل الله وقسطه، وإن أجـراه على يد ظالم، فالمسلـط له أعدل العادلين، كما قال (تعالى) لمن أفسد في الأرض: ((بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَاًسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ )) [الإسراء: 5]. مدارج السالكين، جـ 1، ص
وفي ختام هذه المقالة نسوق أمثلة من أسماء الله (تعالى)، وبيان معانيها وما تقتضيه من العبادات، يقول قوام السنة الأصفهاني ـ أثناء حديثه عن اسم الله (تعالى) (الرزاق) ـ:
( الرزاق: المتكفل بالرزق، والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وَسِعَ الخلقَ كلهم رزقُه، فلم يخص بذلك مؤمناً دون كافر، ولا وليّاً دون عدو، ويرزق مَنْ عبده ومَنْ عبد غيره، والأغلب من المخلوق أن يرزق فإذا غضب منع، حكي أن بعض الخلفاء أراد أن يكتب جِراية لبعض العلماء، فقال: لا أريده، أنا في جراية من إذا غضب عليّ لم يقطع جرايته عني، قال الله (تعالى): ((وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإيَّاكُمْ))[العنكبوت: 60]، والمخلوق إذا رزق، فإنه يفنى ما عنده فيُقْطعُ عطـاؤه عمــن أفضـل عليــه، فإن لم يفن ما عنـده فني هـو وانقطع العطاء، وخزائن اللـه لا تنفــد وملكــه لا يزول..). الحجة في بيان المحجة، جـ 1، ص 138، وانظر: الأسنى للقرطبي، جـ 1، ص 284.
ـ ولما ذكر القرطبي من أسماء الله (تعالى) (الحفيظ) محتجّاً بقوله (تعالى): ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ)) [الشورى: 6]، قال: (يجب على كل مكلف أن يعلم أن الله هو الحافظ لجميع الممكنات، وأعظم الحفـــظ: حفــظ القلوب وحراسة الدين عن الكفر والنفاق وأنواع الفتن وفنون الأهواء والبدع؛ حتى لا يزلّ عن الطريقة المثلى، قال (تعالى): ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْـيَـــا وَفِي الآخِرَةِ)) [ابراهيم: 27].
ويجب علينا حفظ حدوده، وحفظ ما وجب علينا من حـقـوقــه، فـيـدخل في ذلك: معرفة الإيمان والإسـلام وسائر ما يتعيّن عليــنا علمه..). الأسنى، شرح أسماء الله الحسنى، جـ 1، ص
ومـن إشـــــراقات ابن القيّم التي سطرها أثناء حديثه عن اسمي الله (تعالى): (الأول) و(الآخر) ـ مايلي:
( من عبد الله (تعالى) باسمه (الأول) و (الآخــــر) حصــلـت له حقيقـة هـذا الفقر [توجه القلب إلى الله وحده في جميع الأحوال]. فإن عبـوديـتـه باسمه (الأول) تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف أو الالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد.
وعبوديته باسمه (الآخر) تقتضي أيضاً عدم ركونه للأسـبـاب، فـإنـهـــا تـنـعـدم لا محالة وتنقضي بالآخرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها، فالتعلق بها تعلق بما يعدم ويـنـقـضــــي، والتعلق بـالآخر) (سبحانه) تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلّق به حقيق أن لا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به). طريق الهجرتين، ص 19، باختصار

من كتاب العبودية مسائل وقواعد ومباحث للشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

الفرق بين العقيدة وبين ضوابط العقيدة
قال الشيخ عمر الأشقر:"الاعتقاد هو العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر وقد تكفل الكتاب والسنة بتوضيح هذه الأصول توضيحاً ليس عليه مزيد وبمقدار ماتشبع المعرفة والعلم بهذه الأصول يتنامى من الإيمان ويزداد اليقين عند العبد المؤمن أما ضوابط الاعتقاد فإنها تلك القواعد المنهجية التي تعصم صاحبها من الضلال في باب الاعتقاد ، ومعرفة هذه الضوابط في غاية الأهمية لأنها تعصم من الانحراف في مجال الاعتقاد ومعرفة هذه القواعد أو الضوابط لايحتاج إلى دراسة طويلة ووقت طويل فيمكن للدارس أن يحيط بها ويفهمها في جلسات وإن كان البحث في تفاصيلها يحتاج إلى وقت طويل والخوض في التفاصيل يترك للمتخصصين في هذا المجال أما عموم المسلمين فتكفيهم في هذا المضمار نبذة مختصرة واضحة ، وأحب أن أقرر هنا أن هذه الضوابط والقواعد مع عظيم أهميتها لايمكن أن توجد العقيدة الحية النابضة الدافعة إلى العمل والجهاد وخفايا القلوب ... إن الذي يوجد القوة الدافعة النابضة في أعماق النفوس لون آخر من العقيدة وأعني بذلك العقيدة التي تقوم على العلم الذي يسوقه القرآن والسنة في الحديث عن الله وعظمته وقدرته ورحمته وهدايته وأفعاله في خلقه وإذا كان العلم بضوابط الاعتقاد يكفيه نبذة واضحة المعالم فإن البحث في مجال الاعتقاد والتوسع العلمي فيه ليس له حدود ، قال الإمام السفاريني:"أننا لا نأخذ الاعتقادات الإسلامية من القواعد الكلامية بل نأخذها من النصوص القرآنية والأخبار النبوية وليس القصد من الأوضاع الكلامية إلا دفع شبه الخصوم والفرق الضالة" من كتاب أهل السنة والجماعة أصحاب المنهج الأصيل والصراط المستقيم للشيخ عمر الأشقر
وقال الشيخ عمر الأشقر:
"وأحب أن أبين هنا أن هناك فرقاً بين العقيدة وبين ضوابط العقيدة، فالعقيدة تكون بالإيمان بالله تبارك وتعالى وبمعرفة صفاته من خلال النصوص، فمن صفات الله سبحانه وتعالى: الرحمة، والعلم، وهذا جزء من العقيدة، وهو أن يعرف المسلم سعة علم الله، وعظم رحمة الله تبارك وتعالى من خلال ذكر القرآن لهذه الصفات، وهذا أمر لا بد منه، وهذا هو الذي يحيي النفوس ويحيي القلوب، ونحن نتصل بالله ربنا من خلال صفاته ومن خلال أسمائه، فالله سبحانه وتعالى لا يرى في الدنيا، فهو غيب في الدنيا، وهو الذي عرفنا بنفسه، ولب القرآن هو معرفة الله، فنحن نعرف الله من خلال أسمائه وصفاته، فكيف يحجر على المسلمين أن يعرفوا ربهم ومعبودهم وفاطرهم؟! وأعظم قضية أن تعرف صفات الله تبارك وتعالى وأسماؤه، فهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً -مائة إلا واحداً- من أحصاها دخل الجنة)، عبثاً؟! وهل ختم آيات القرآن بسميع بصير، وعليم حكيم، وخبير، عبث. وهناك ضوابط للعقيدة ذكرها العلماء حتى لا يضل الإنسان وهو يسير في حياته إذا جاءته فكرة خارجية، أو فكرة معتزلية، فقد وضع علماء السلف هذه العقيدة السهلة في صفحات معدودة، بينما تجد كتب المعتزلة كبيرة جداً، مثل كتاب عبد الجبار المعتزلي المطبوع في عشرين مجلداً! لكن العقيدة الإسلامية الصحيحة كثير من علماء المسلمين كتبها في صفحات، وهي عقيدة كافية؛ لأنها ضوابط لمعرفة الله تبارك وتعالى من خلال النصوص القرآنية، والنصوص الحديثية، وهكذا معرفة الملائكة تكون من خلال القرآن والسنة، ومعرفة اليوم الآخر تكون من خلال القرآن والأحاديث، ووصف الجنة والنار تكون كذلك من خلال الآيات والأحاديث، فهذه هي العقيدة التي يتحدث عنها القرآن. بعد ذلك هناك ضوابط للعقيدة نحن بحاجة إليها حتى لا نضل، وهذه الضوابط لا تملأ قلبك إيماناً، ولكنها تمنعك عن الانحراف، والذي يملأ قلب الإنسان إيماناً هو أن تعرف صفات الله تبارك وتعالى وأسمائه وأفعاله، وتعرف ربوبيته من خلال آيات القرآن الكريم، يقول الله تبارك وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[الأنبياء:30-33]، فتأمل في معاني الآيات، وبعد ذلك انظر كيف يكون قلبك، ومدى قربه من الله تبارك وتعالى.
محاضرة : ( العقيدة الصحيحة وما يضادها من العقائد الفاسدة) للشيخ:(عمر الأشقر )



ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ

"اعلـم – وفقني اللهُ وإيَّاك – أن العلم بصفات الله عَزَّ وجَلَّ ، والإيمان بها ، علـى ما يليق به سبحانه ، وتدبرها : يورث ثمرات عظيمة وفوائد جليلة، تجعل صاحبها يذوق حلاوة الإيمان ، وقد حُرِمها قوم كثيرون من المعطِّلة والمؤوِّلة والمشبهة ، وإليك بعضاً منها :
1- فمن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ : أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به ؛ لأنه من المعلوم عند أرباب العقول أن المحب يحب أن يتصف بصفات محبوبه ؛ كما أن المحبوب يحب أن يتحلَّى مُحِبُّهُ بصفاته ؛ فهذا يدعو العبد المحب لأن يتصف بصفات محبوبه ومعبوده كلٌّ على ما يليق به ، فالله كريم يحب الكرماء ، رحيم يحب الرحماء ، رفيق يحب الرفـق، فإذا علم العبد ذلك ؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بذات العبد.
2- ومنها : أن العبد إذا آمن بصفة ( الحب والمحبة ) لله تعالى وأنه سبحانه ( رحيم ودود ) استأنس لهذا الرب ، وتقرَّب إليه بما يزيد حبه ووده له ، (( ولا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه )) وسعى إلى أن يكون ممن يقول الله فيهم : ((يا جبريل إني أُحبُّ فلاناً فأحبَّه ، فيُحبُّه جبريل ، ثم ينادي في السماء : إن الله يحبُّ فلاناً فأحبوه ، فيُحبُّه أهلُ السماء ثم يوضع له القبول في الأرض)) و من آثار الإيمان بهذه الصفة العظيمة أن من أراد أن يكون محبوباً عند الله اتبع نبيه صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وحبُّ الله للعبد مرتبطٌ بحبِ العبدِ لله ، وإذا غُرِست شجرةُ المحبة في القلب ، وسُقيت بماء الإخلاص ، ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، أثمرت أنواعَ الثمار ، وآتت أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها .
3- ومنها : أنه إذا آمن العبد بصفات (العلم ، والإحاطة ، والمعية) ؛ أورثه ذلك الخوف من الله عَزَّ وجَلَّ المطَّلع عليه الرقيب الشهيد ، فإذا آمن بصفة (السـمع) ؛ علم أن الله يسمعه ؛ فلا يقول إلا خيراً ، فإذا آمن بصفات (البصر ، والرؤية ، والنظر ، والعين) ؛ علم أن الله يراه ؛ فلا يفعل إلا خيراً ؛ فما بالك بعبد يعلم أن الله يسمعه ، ويراه ، ويعلم ما هو قائله وعامله ، أليس حريٌّ بهذا العبد أن لا يجده الله حيث نهاه ، ولا يفتقده حيث أمره؟! فإذا علم هذا العبد وآمن أن الله (يحبُّ ، ويرضى) ؛ عمل ما يحبُّه معبوده ومحبوبه وما يرضيه ، فإذا آمن أن من صفاته (الغضب ، والكره ، والسخط ، والمقت ، والأسف ، واللعن) ؛ عمل بما لا يُغْضب مولاه ولا يكرهه حتى لا يسخط علـيه ويمقته ثم يلعنه ويطرده من رحمته ، فإذا آمن بصفات (الفرح ، والبشبشة ، والضحك) ؛ أنس لهذا الرب الذي يفرح لعباده ويتبشبش لهم ويضحك لهم ؛ ما عدمنا خيراً من ربًّ يضحك.
4- ومنها : أنه إذا علم العبد وآمن بصفات الله من (الرحمة ، والرأفة ، والتَّوْب ، واللطف ، والعفو ، والمغفرة ، والستر ، وإجابة الدعاء) ؛ فإنه كلما وقع في ذنب ؛ دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه ، وطمع فيما عند الله من سترٍ ولطفٍ بعباده المؤمنين ، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله كلما أذنب ، ولا يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً ، كيف ييأس من يؤمن بصفات (الصبر ، والحلم)؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أن الله يتصف بصفة (الكرم ، والجود ، والعطاء)؟!.
5-ومنها : أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفات (القهر ، والغلبة ، والسلطان ، والقدرة ، والهيمنة ، والجبروت) ؛ يعلم أن الله لا يعجزه شيء ؛ فهو قادر على أن يخسف به الأرض ، وأن يعذبه في الدنيا قبل الآخرة ؛ فهو القاهر فوق عباده ، وهو الغالب من غالبه ، وهو المهيمن على عباده ، ذو الملكوت والجبروت والسلطان القديم ؛ فسبحان ربي العظيم.
6-ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ أن يظل العبد دائم السؤال لربه ، فإن أذنب ؛ سأله بصفات (الرحمة ، والتَّوب ، والعفو ، والمغفــرة) أن يرحمه ويتوب عليه ويعفو عنه ويغفر له ، وإن خشي على نفسه من عدو متجهم جبار ؛ سأل الله بصفات (القوة ، والغلبة ، والسلطان ، والقهر ، والجبروت) ؛ رافعاً يديه إلى السـماء ، قائلاً : يا رب! يا ذا القوة والسلطان والقهر والجبروت! اكفنيه. فإن آمــن أن الله (كفيل ، حفيظ ، حسيب ، وكيل) ؛ قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، وتوكل على (الواحد ، الأحد ، الصمد) ، وعلم أن الله ذو (العزة ، والشدة ، والمحال ، والقوة ، والمنعة) مانعه من أعدائه ، ولن يصلوا إليه بإذنه تعالى ، فإذا أصيب بفقر ؛ دعا الله بصفات (الغنى ، والكرم ، والجود ، والعطاء) ، فإذا أصيب بمرض ؛ دعاه لأنه هو (الطبيب ، الشافي ، الكافي) ، فإن مُنع الذُرِّيَّة ؛ سأل الله أن يرزقه ويهبه الذرية الصالحة ؛ لأنه هو (الرَّزَّاق ، الوهَّاب) … وهكذا فإنَّ من ثمرات العلم بصفات الله والإيمان بها دعاءه بها.
7-ومنها : أن العبد إذا تدبر صفات الله من (العظمة ، والجلال ، والقوة ، والجبروت ، والهيمنة) ؛ استصغر نفسه ، وعلم حقارتها ، وإذا علم أن الله مختص بصفة (الكبرياء) ؛ لم يتكبَّر على أحد ، ولم ينازع الله فيما خصَّ نفسه من الصفات ، وإذا علم أن الله متصف بصفة (الغنى ، والملك ، والعطاء) ؛ استشعر افتقاره إلى مولاه الغني ، مالك الملك ، الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.
8-ومنها : أنه إذا علم أن الله يتصف بصفة (القوة ، والعزة ، والغلبة)، وآمن بها ؛ علم أنه إنما يكتسب قوته من قوة الله ، وعزته من عزة الله ؛ فلا يذل ولا يخنع لكافر ، وعلم أنه إن كان مع الله ؛ كان الله معه ، ولا غالب لأمر الله.
9-ومن ثمرات الإيمان بصفات الله : أن لا ينازع العبدُ اللهَ في صفة (الحكم ، والألوهية ، والتشريع ، والتحليل ، والتحريم) ؛ فلا يحكم إلا بما أنزل الله ، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله . فلا يحرِّم ما أحلَّ الله ، ولا يحل ما حرَّم الله.
10-ومنها : أن صفات (الكيد ، والمكر ، والاستهزاء ، والخداع) إذا آمن بها العبد على ما يليق بذات الله وجلاله وعظمته ؛ علم أن لا أحد يستطيع أن يكيد لله أو يمكر به ، وهو خير الماكرين سبحانه ، كما أنه لا أحد من خلقه قادر على أن يستهزئ به أو يخدعه ، لأن الله سيستهزئ به ويخادعه ومن أثر استهزاء الله بالعبد أن يغضب عليه ويمقته ويعذبه ، فكان الإيمان بهذه الصفات وقاية للعبد من الوقوع في مقت الله وغضبه.
11- ومنها : أن العبد يحرص على ألاَّ ينسى ربه ويترك ذكره ، فإن الله متصف بصفة (النسيان ، والترك) ؛ فالله قادرٌ على أن ينساه – أي : يتركه، نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ، فتجده دائم التذكر لأوامره ونواهيه.
12- ومنها أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفة (السلام ، والمؤمن ، والصِّدق) ؛ فإنه يشعر بالطمأنينة والهدوء النفسي ؛ فالله هو السلام، ويحب السلام ، فينشر السلام بين المؤمنين ، وهو المؤمن الذي أمِنَ الخلقُ من ظلمه ، وإذا اعتقد العبد أن الله متصف بصفة (الصَّدق) ، وأنه وعده إن هو عمل صالحاً جنات تجري من تحتها الأنهار ؛ علم أن الله صادق في وعده ، لن يخلفه ، فيدفعه هذا لمزيدٍ من الطاعة ، طاعة عبدٍ عاملٍ يثقُ في سيِّده وأجيرٍ في مستأجره أنَّه موفيه حقَّه وزيادة .
13- ومنها : أن صفات الله الخبرية كـ (الوجه ، واليدين ، والأصابع، والأنامل ، والقدمين ، والساق ، وغيرها) تكون كالاختبار الصعب للعباد ، فمن آمن بها وصدق بها على وجه يليق بذات الله عَزَّ وجَلَّ بلا تمثيل ولا تحريف ولا تكييف ، وقال : كلُّ من عند ربنا ، ولا فرق بين إثبات صفة العلم والحياة والقدرة وبين هذه الصفات ، مَن هذا إيمانه ومعتقده؛ فقد فاز فوزاً عظيماً ، ومن قدَّم عقله السقيم على النقل الصحيح ، وأوَّل هذه الصفات ، وجعلها من المجاز ، وحرَّف فيها ، وعطَّلها ؛ فقد خسر خسراناً مبيناً ، إذ فرَّق بين صفة وصفة ، وكذَّب الله فيما وصف به نفسه ، وكذَّب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن من ثمرة الإيمان بهذه الصفات إلا أن تُدخل صاحبها في زمرة المؤمنين الموحِّدين ؛ لكفى بها ثمرة ، ولو لم يكن من ثمراتها إلا أنها تميِّز المؤمن الحق الموحِّد المصدِّق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين ذاك الذي تجرَّأ عليهما ، وحرَّف نصوصهما ، واستدرك عليهما ؛لكفى، فكيف إذا علمت أن هناك ثمراتٍ أخرى عظيمةً للإيمان بهذه الصفات الخبرية ؛ منها أنك إذا آمنت أن لله وجهاً يليق بجلاله وعظمته ، وأن النظر إليه من أعظم ما ينعم الله على عبده يوم القيامة ، وقد وعد به عباده الصالحين ؛ سألت الله النظر إلى وجهه الكريم ، فأعطاكه ، وأنك إذا آمنت أن لله يداً ملأى لا يغيضها نفــقة ، وأن الخير بين يديه سبحانه ؛ سألته مما بين يديه ، وإذا علمت أن قلبك بين إصبعين من أصابع الرحمن ؛ سألت الله أن يثبت قلبك على دينه ... وهكذا.
14- ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ : تَنْزِيه الله وتقديسه عن النقائص ، ووصفه بصفات الكمال ، فمن علم أن من صفاته (القُدُّوس ، السُّبُّوح )؛ نَزَّه الله مـن كلِّ عيبٍ ونقصٍ ، وعلم أن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء
15- ومنها : أن من علم أن من صفات الله (الحياة ، والبقاء) ؛ علم أنه يعبد إلهاً لا يموت ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، فأورثه ذلك محبة وتعظيماً وإجلالاً لهذا الرب الذي هذه صفته.
16- ومن ثمرات الإيمان بصفة (العلو ، والفوقية ، والاستواء على العرش ، والنُّزُول ، والقُرب ، والدُّنُو) ؛ أن العبد يعلم أن الله منـزه عن الحلول بالمخلوقات ، وأنه فوق كل شيء ، مطَّلع على كل شيء ، بائن عن خلقه ، مستو على عرشه ، وهو قريب من عبده بعلمه ، فإذا احتاج العبد إلى ربه ؛ وجده قريباً منه ، فيدعوه ، فيستجيب دعاءه ، وينـزل إلى السماء الدنيا في الثلث الآخـر من الليل كما يليق به سبحانه ، فيقول : من يدعوني فأستجب له ، فيورث ذلك حرصاً عند العبد بتفقد هذه الأوقات التي يخلو فيها مع ربه القريب منه ، فهو سبحانه قريب في علوه ، بعيد في دنوه.
17- ومنها أن الإيمان بصفة (الكلام) وأن القرآن كلام الله يجعل العبد يستشعر وهو يقرأ القرآن أنه يقرأ كلام الله ، فإذا قرأ : يا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ؛ أحسَّ أن الله يكلمه ويتحدث إليه ، فيطير قلبه وجلاً ، وأنه إذا آمن بهذه الصفة ، وقرأ في الحديث الصحيح أن الله سيكلمه يوم القيامة ، ليس بينه وبينه ترجمان ؛ استحى أن يعصي الله في الدنيا ، وأعد لذلك الحساب والسؤال جواباً.
وهكذا ؛ فما من صفة لله تعالى ؛ إلا وللإيمان بها ثمرات عظيمة ، وآثار كبيرة مترتبة على ذلك الإيمان ؛ فما أعظم نعم الله على أهل السنة والجماعة الذين آمنوا بكل ذلك على الوجه الذي يليق بالله تعالى!".
من كتاب صفات الله تعالى للشيخ الفاضل علوي السقاف