المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقالةُ الحاوِيَةُ على فقهِ وتخريجِ عبارة ( مثل شَعْرَةِ معاوية )



أهــل الحـديث
01-03-2012, 10:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم






المقالةُ الحاوِيَةُ على فقهِ وتخريجِ عبارة ( مثل شَعْرَةِ معاوية )

كتبها
أبو معاوية
مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .

أما بعد، فمن الأمثال المشهورة عندنا التي تُستَشهد عند التعامل مع الناس ومداراتهم عبارة ( مثل شعرة معاوية ) أو ( الإبقاء على شعرة معاوية )، ويقصدون بها مقولة خال المؤمنين وأميرهم سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما : ( لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. قيل: وكيف، يا أمير المؤمنين؟ قال: كانوا إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها مددتها )، واشتُهِرَ عن سيدنا معاوية رضي الله عنه الحِلْم في تعامله مع الناس، حتى ألّف الحافظ ابن أبي الدنيا ( ت 281 هـ ) كتاباً في " حِلْم معاوية " ( الموجود منتقى منه مجرد الأسانيد، وقد طُبِع في دار البشائر / دمشق بتحقيق إبراهيم صالح )، وما زال سيدنا معاوية حكيماً في تعامله مع الناس حتى سادهم، فعن جبلة بن سحيم قال : سمعت ابن عمر يقول : ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أسود من معاوية، فقيل : ولا أبوك ؟ قال : أبي عمر رحمه الله خيرٌ من معاوية، وكان معاوية أسود منه . ( رواه أبو بكر الخلال في " السنة " ( 680 ) بإسنادٍ صحيح )

ومن فقه هذه المقولة ما قاله الحافظ ابن حبان ( ت 354 هـ ) - بعد تخريجه لأثر معاوية في " روضة العقلاء " - : من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه وترك التوقع لما يأتون من المحبوب كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه إلى أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء، ومن لم يدارِ صديق السوء كما يداري صديق الصدق ليس بحازم، ولقد أحسن الذي يقول :

تجنب صديق السوء واصرم حباله ..... وإن لم تجد عنه محيصا فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه ..... تنل منه صفو الود ما لم تماره . اهـ .


وللمحدِّث حَمَد الخطابي ( ت 388 هـ ) بيتين جميلين في المداراة، قال عبد الملك بن محمد الثعالبي ( ت 429 هـ ) في "يتيمة الدهر " : أنشدني غير واحد لحَمَد الخطابي :

مَا دُمْتَ حَيًّا فَدَارِ النَّاسَ كُلَّهُمُ ... فَإِنَّمَا أَنْتَ في دَارِ المُدارَاةِ
من يدر دَاري وَمن لم يدر سَوف يُرَى ... عَمَّا قليلٍ نديماً للندامات . اهـ .


وقد لا يفرّق بعض الناس بين المداراة والمداهنة، وقد بيَّن الفرق الحافظ ابن حبان في " التقاسيم والأنواع "، قال : المداراة التي تكون صدقة للمداري هي تَخَلُّقُ الإنسان الأشياء المستحسنة مع من يُدفع إلى عشرته ما لم يَشُبْهَا بمعصية الله . والمداهنة : هي استعمال المرء الخصال التي تستحسن منه في العشرة وقد يشوبها ما يكره الله جل وعلا .

أما تخريج الأثر :

فقال ابن حبان في " روضة العقلاء " : أنبأنا محمد بن المهاجر، حدثنا محمد بن محمد الصيداوي، حدثنا حماد بن اسحق، عن المدائني قال : قال معاوية : لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل : وكيف ؟ قال : لأنهم إن مدوها خلّيتها وإن خلوا مددتها .

وقال أحمد بن يحيى البلاذري ( ت 279 هـ ) في " أنساب الأشراف " : المدائني عن إبراهيم بن محمد قال: قال معاوية : لو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال: إن جبذوها أرسلتها، وإن خلوها جبذتها.

وذكر المقولة اليعقوبي الشيعي ( ت 290 هـ ) في " تاريخه " فقال : وقال سعيد بن العاص : سمعت معاوية يوماً يقول : لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل : وكيف يا أمير المؤمنين ؟ قال : كانوا إذا مدّوها خليتها وإذا خلّوها مددتها .

وذكرها – من دون إسناد – ابن قتيبة ( ت 276 هـ ) في " غريب الحديث " و " عيون الأخبار "، وابن عبد ربه ( ت 328 هـ ) في " العقد الفريد "، وابن حمدون ( ت 562 هـ ) في " التذكرة الحمدونية " .


وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك .