المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مراتب جمال الله جل جلاله ! للعلامة ابن القيم. كلام ماتع.



أهــل الحـديث
27-02-2012, 03:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مراتب جمال الله جل جلاله :
قال العلامة ابن القيم في كتابه الممتع : "الفوائد" :
((وفي الصحيح عنه: (إن الله جميل يحب الجمال).
وجماله سبحانه على أربع مراتب:
جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء: فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة.
وأما جمال الذات وما هو عليه، فأمر لا يدركه سواه، ولا يعلمه غيره، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرّف بها إلي من أكرمه من عباده؛ فإن ذلك الجمال مصون عن الأغيار، محجوب بستر الرداء والإزار، كما قال رسوله فيما يحكي عنه: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري) ولما كانت الكبرياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء، فإنه سبحانه الكبير المتعال، فهو سبحانه العلي العظيم، قال ابن عباس: "حجب الذات بالصفات، وحجب الصفات بالأفعال، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال، وستر بنعوت العظمة والجلال".
ومن هذا المعنى يُفهم بعض معاني جمال ذاته، فإنّ العبدَ يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات. ومن ههنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله، وأن أحدا من خلقه لا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وأنه يستحق أن يعبد لذاته، ويحب لذاته، ويشكر لذاته، وأنه سبحانه يحب نفسه، ويثني على نفسه، ويحمد نفسه، وأن محبته لنفسه، وحمده لنفسه، وثناءه على نفسه، وتوحيده لنفسه، هو في الحقيقة الحمد والثناء والحب والتوحيد، فهو سبحانه كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني به عليه خلقه، وهو سبحانه كما يحب ذاته يحب صفاته وأفعاله، فكل أفعاله حسن محبوب، وإن كان في مفعولاته ما يبغضه ويكرهه، فليس في أفعاله ما هو مكروه مسخوط، وليس في الوجود ما يحب لذاته ويحمد لذاته إلا هو سبحانه، وكل ما يحب سواه فإن كانت محبته نابعة لمحبته سبحانه بحيث يحب لأجله فمحبته صحيحة، وإلا فهي محبة باطلة؛ وهذا هو حقيقة الإلهية، فإن الإله الحق هو الذي يُحَب لذاته ويحمد لذاته، فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه وإنعامه وحلمه وتجاوزه وعفوه وبره ورحمته؟!! فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله، فيحبه ويحمده لذاته وكماله، وأن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا هو، فيحبه لإحسانه وإنعامه، ويحمده على ذلك، فيحبه من الوجهين جميعا، وكما أنه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته محبة؛ والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلق لأجلها، فإنها غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه؛ والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، ولا يقبل لصاحبه عملا))اهـ.