المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحملة المنظمة في سب الرسول والهجوم على الدين (تأصيل للمشكلة وطرق للحل)



أهــل الحـديث
27-02-2012, 11:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الحملة المنظمة في سب الرسول صلى الله عليه وسلم والهجوم على الدين


(تأصيل للمشكلة وطرق للحل)

أيمن يوسف
04/04/1432هـ
الموافق 26/02/2012م

شرارة جديدة أطلقها شاب جاهل بالتعدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والذات الإلهية في المملكة فانطلقت على إثرها معركة جديدة بين المسلمين عامة (ملتزم وغير ملتزم) وبين الكثير من غير المسلمين أو المفكرين وأنصار الحرية والتقدم بزعمهم.

وما يؤسف له أن الصراع بدلا من أن يكون بين المدافعين عن جناب الرسول الأعظم, صلى الله عليه وسلم, وبين من يهاجمه أو يتولى هذا الفكر الدخيل تحول على صراع بين المسلمين أنفسهم. فبدأت فئة تطالب بتطبيق الحد الشرعي على هذا المجرم, ثم انتشرت دعوى انه تاب وتراجع فأتت فئة أخرى تتبنى القول بعدم قتله كونه قد تاب ورجع, فعاد الفريق الأول لاتهام هؤلاء بتمييع الدين والرضا بمداهنة الكفار ورد الآخرون بأن هؤلاء متشددون ومنفرون... وهكذا أشتعل الصراع بيننا وجلس أعداء الله يضحكون على المسلمين ويستمرون في بث سمومهم وشبهاتهم ونحن مثل دون كيشوت نقاتل طواحين الهواء وإلى الله المشتكى.


سأحاول في هذا المقال المختصر تأصيل جذور المشكلة ومحاولة إيجاد صورة عامة للحل, فمما أراه أن هذا الشاب وأمثاله هم عبارة عن غصون صغيرة ووريقات حقيرة من شجرة كبيرة منغرسة في خاصرة هذه الأمة تبث سمومها وتضع ثمارها الخبيثة بغرض تدمير الأمة وإعاقة نهضتها (كل هذا على ما يظهر من تخلف وضعف الأمة الإسلامية يثبت قوة وعظمة هذا الدين الذي يخافه أعداءة حتى وهو في أضعف حالاته).


إقامة الحد وإنهاء وتعتيم قضية ساب الرسول صلى الله عليه وسلم لن ينهي الجدال ولن يجعله عبرة ويخاف الجميع ويسكتوا (كما يتوقع الكثير من الأخوة), والسبب في هذا أنه هناك العديد من العوامل التي ستعين على بروز هذا الفكر إلى السطح مرة أخرى (بعد خفوته المؤقت, إن خفت) ومنها:


-إقامة حد الردة على التائب قضية خلافية, وهناك العديد ممن يرون أن توبته تجب ما قبلها. سيعترضون وتنشأ خلافات إسلامية.
-الدعم غير المحدود الذي ستلقاه قضية هذا الشاب من جهات خارجية مثل حقوق الإنسان وغيرها وجهات داخلية من كتاب وعلمانيين بل وإسلاميين مما سيؤدي إلى إظهار هذا المجرم بصفة شهيد الرأي.
-الفريق المنادي بالعلمانية في الدول العربية عامة والمملكة خاصة يدعمه الكثير من ذوي النفوذ والسلطة (في الظاهر والباطن) ولن يكتفوا ويخافوا بمجرد إقامة الحد على فتى مغمور.
-الأفكار الرئيسية والدوافع وراء خروج هذه الأفكار لازالت كما هي لم تتغير ولم ينتبه لها الكثيرين.
-الردود على هذا الفكر ستهدأ وتعتبر أن تطبيق الحد انتصار كاف ولن يعودوا للصحوة مرة أخرى إلا بعد سب وقذف جديدين أو ما هو أعظم (والعياذ بالله) وتكون فورة وقتية وتنتهي.


تلك الأسباب وغيرها يجب أن تجعلنا نحول تفكيرنا من مجرد مهاجمة الأفرع إلى البحث عن طرق لاقتلاع هذه الشجرة من جذورها, وعند التفكر في جذور هذه المشكلة نجد أنها تدور حول فهم هؤلاء للإسلام وطريقة اقتناعهم به. لا ننكر أن هناك الكثيرين ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق والكفر للحفاظ على صورته الاجتماعية ومخافة العقاب من ذوو المناصب وأهل الإعلام وغيرهم من الكبار في السن, لكن همنا يجب أن يذهب إلى الأجيال الجديدة والشباب الذين يعتبرون وقود المعركة والسبب الرئيسي في النصر عند الحرب مع هذا الفكر المتطرف في عدائه للدين.


عندما تسأل عن سبب هذه الهجمة على الإسلام وظهور هذه الأصوات تجد غالباً نفس الرد... الإعلام الفاسد والقنوات الخليعة والشباب المبثعت المغرر به وإلقاء اللوم على هذه الأسباب, وعلى صحة هذه الاتهامات نسبياً, إلا إني أراه مجرد وسيلة للهروب من جهة الإسلاميين لتبرئة النفس من التقصير وإلقاء اللائمة على عدو خارجي, وهذه الطريقة سهلة جداً ومريحة للغاية, فهي تريح الضمير وتجعل أمور بسيطة مثل كتابة مقالة أو البكاء في خطبة أو نصح أحد الأبناء أو حذف بعض القنوات جهاد عظيم وإبراء للذمة من هذه الفتنة, وهذا للأسف بعيد عن الواقع تماماً.


عند حل مشكلة تواجه الفرد في حياته, يجب عليه أن ينظر إلى الأسباب والدوافع ويعرف ما هي الأسباب التي يقدر على تغييرها بنفسه وتلك التي ليست في يده تغييرها, فمثلاً: شاب كان يمارس الرياضة وتعرض لحادث أدى إلى بتر ساقيه, فالآن هو يشعر بالكآبة للوضع الذي صار عليه وهنا يأتي دور هذا التفكير المنطقي:


هل من الممكن أن استمر في ممارسة نفس الرياضات السابقة وأنا بدون أقدام؟؟
هل يمكن أن أغير من وضعي الحالي؟؟ وما هي البدائل؟؟


فإذا ألقى التهمة على الحادث وقال هي سبب بتر قدمي واستمر في نذب حظه والهجوم على الحادث ولوم مسببيه فلن يحصل أي تطور في حالته وسيغرق في بحر الحسرة والكآبة.


بينما على الجانب الآخر لو فكر فيما يملكه الآن (بعد الحادث) وبدأ في تغيير نظرته للأمور ورآها من منظور آخر فإنه سيكون لديه مجموعة من الحلول مثل أن ينخرط في نفس الرياضات السابقة ولكن مع فرق ذوي الاحتياجات الخاصة, أو أن يبحث عن رياضات وهوايات أخرى يقدر أن يمارسها ويجاهد نفسه على التعود على حالته والبدء في التميز في مجالات جديدة تسمح بها حالته الجسمانية المستحدثة.


من المثل أعلاه نستخلص أنه من الأفضل علينا أن نبحث عما في أيدينا ونتوقف عن لوم مالا نقدر على تغييره بالإضافة إلى التركيز على القواعد والأسباب الرئيسية الدافعة للمشكلة وليس النتائج الفرعية. وبالنظر لما لدينا من موارد وما أُرتكب من أخطاء تراكمية في استخدام هذه الموارد أدى إلى الوضع الراهن, فإن الحل لمحاربة هذا الفكر هو تأصيل الإسلام من جديد وإعادة تقديمه بشكل يتناسب مع التطورات الحاصلة في العالم الحديث ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الشباب يتعرض لهجوم ثقافي وإعلامي مركز يتفوق بتنوعه وطرقة على طريقة تقديم الدين بالطريقة التقليدية التي يفرضها المجتمع بدون مخاطبة للعقول.


عندما نرى طرق وأساليب الدعوة وتقديم الدين نراها لم تتغير منذ عقود طويلة بينما على الجانب الآخر نرى الفتن تختلف وتتنوع في وسائل طرحها وتقديمها, فتدخل مرة من باب الشهوة ومرة من باب الشبهة العقلية ومرة من منطلق ضعف المسلمين وتخلفهم وربطه بالدين ومرة بطريقة نفسية عن طريق ربط يأس الشباب وقنوطهم من الأوضاع بتمسك من حولهم بالدين ومرة عن طريق ربط فكرة التميز والتطور بنبذ الدين والخروج على أفكاره, وهكذا يتنوع تقديم الفساد والفتن بينما يتم تقديم الدين بطريقة نمطية بل وفيها من الاستعلاء والجمود الشيء الكثير.


لا يزال تقديم الدين يتم بافتراض أن كل المستمعين موقنين بصحة الدين وعدم التشكيك فيما يردهم بالإضافة إلى الإيمان القوي, وهذا هو المفترض في الوضع الطبيعي, ولكن في زمن الاستضعاف والفتن والتشكيك يجب أن يختلف الطرح بحيث يتعامل العالم والداعية مع من أمامه من مستمعين وقراء ومتفرجين كأنهم ليسوا مسلمين من الأساس ويجب عليه أن يقنعهم بالدين ويبين لهم محاسن الشريعة وضعف الأفكار والديانات الأخرى بشكل عقلي ومنطقي وليس بمجرد سرد الأدلة, ببساطة لأن من أمامك لا يقول بصحة أدلتك ولا يعتبرها صحيحة وموثقة من الأساس. التعامل الآن يتم مع (العديد) ممن نشأ في بيوت لا تعرف من الإسلام إلا أسمه, بيوت لا يقيم الأهل فيها الصلاة ويقضون أغلب الوقت خارج البلد لممارسة شهواتهم وتمتعهم بالحياة المتطورة (كما يزعمون), هذه البيوت لا تكاد تسمع فيها ذكر الله ولا يتم فيها إقامة أي شعيرة من شعائر الله فكيف يُتوقع أن تكون الثمرة شاب مسلم ومؤمن بالله. وهذا النموذج ليس الأوحد, بل الأخطر منه نموذج البيت المسلم التقليدي الذي يقوم فيه الوالدان بدفع أولادهم لحفظ القرآن أو المسجد للصلاة, ولكن يتوقف دور الوالدان هنا ويفترضان أن ما عملاه يكفي ويزيد, ولا تجد أحد يراقب الشاب أو الفتاة في فهمهم للدين وما الذي تعلموه في المسجد أو المدرسة وهل يتم طرحه لهم بشكل يجعل الشاب مؤمن ومقتنع أم فقط يتشرب كراهية الدين لأن الأهل فرضوا عليه الدين فرضاً دون أن يحاولوا أن يحببوه له, ناهيك عن إعطاء الشباب كل مستلزمات الترف من سيارة أو تلفاز في الغرفة والسماح له بالخروج في أي وقت ومع أي كان, ويستمر الوالدان بالأفكار الحالمة أن ابنهم/ ابنتهم محصنين بسبب كلمة ألقاها الأب مرة أو نصيحة قالتها الأم في جلسة ويهمل الوالدان مراقبة الشاب الذي ينشأ منبهراً بثقافة أجنبية, راغباً في الحصول على أقصى أنواع اللذات التي يراها أمامه, فارغاً من أي مسئولية, أجوف من أي ثقافة أو علم يرد عنه سيل الشبهات والشهوات, عندها فإن النتيجة المتوقعة هي ما نراه من هذه العينات الخارجة عن الدين.



إن هذا الأمر عظيم والخطب الذي تعيشه الأمة جليل ولن يمكن هزيمة هذا الفكر بمجرد عمل فردي, بل يجب البدء بتوعية شاملة تنهض بالأمة وتهز الغبار عن كاهليها وتنفض الأفكار العتيقة التي تشربها أهل الدين قبل العوام ويجب الآن البدء بتصحيح مسار العملية الدعوية والبدء بتطوير قدرات العلماء والدعاة وفهم دراسات المجتمع وعلم النفس وفهم ما يدور حولهم في العالم, فلا يعقل أن نجد من كبار العلماء الآن لا يفهم ما يجري حوله ولا زال يعكس أراء قديمة (كانت مناسبة في عصرها) على مشاكل حديثة تحتاج اجتهاد وفكر ودراسة, والكلام هنا عام وليس ضد شخص أو فئة بعينها. كما ينبغي التركيز على الأهل والشباب في الجامعات ومحاولة جذب أهل الثقافة والفكر من الأدباء والعلماء والكتاب ودمجهم مع الشباب المثقف والبدء بعملية تصحيح لمفهوم الدين وتعليم الإسلام وعرضه بشكله الصحيح الذي يقنع الشباب بالحجة والمنطق والتبيان الواضح, وهذا لا ينقص من الإسلام في شيء, فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يمكنه أن يخاطب القلوب والعقول في نفس الوقت وبنفس الكفاءة والإقناع على عكس غيره من الديانات والأفكار التي تتركز على جزئية معينة وتحاول أن تُعمي من أمامها عن بقية الأخطاء الشنيعة فيها.


وقبل الختام ربما من المفيد أن أنقل كلام الشيخ محمد الغزالي في كتابه جدد حياتك وهو, كأنه, يصف ملحدي العرب اليوم, يقول الشيخ:


" بين الإيمان والإلحاد لقيت نفرا من الشبان الملحدين وهم للأسف منتشرون في هذه الأيام انتشار الحلفاء والحشائش الضارة في أرض لا صاحب لها وحاورت بعضهم أبغى استكشاف ما في نفسه, فوجدت فكرتهم عن الله أشبه بفكرة اللقيط عن أبيه لا يعرفه ولا ينصفه!! ووجدت جمهرتهم تفكر بهذا الإله عن تقليد أعمى مغرور بليد!! فهم يحسبون أن العلم والإيمان ضدان. وإن الارتقاء الثقافي يصحبه حتماً إقصاء الدين من الطريق!! ثم هم يرون أنفسهم وإن لم يدرسوا شيئاً طائلاً عن علوم المادة قد أصبحت لهم مكانة العلماء الذين فجروا الذرة. فهم يصطنعون نظرتهم نفسها عن الحياة وخالقها كما تحكى لهم لا كما هي على حقيقتها, ومن ثم فهم يتبعون الأخس الأخس من قصور في العلم وسوء في التقليد!! أعرف واحداً من هؤلاء ما نظر يوماً في مرصد للأفلاك, ولا دخل يوماً معملاً للكيمياء, ولا غمس يده في تجربة خطيرة من التجارب الكونية, ومع هذه الجهالة فهو ملحد, لأنه من العلماء, والعلماء لا إيمان لهم إلا بالمادة. ويمكنك أن تضم إلى هؤلاء الأغرار طائفة أنصاف المتعلمين. وهى طائفة عرفت بعض الحق وجهلت بعضه الآخر. ولم تتريث لتستكمل معرفتها, بل أصدرت حكمها الحاسم على ضوء ما عرفت فقط. وتصور كيف تكون فوضى التقاضي لو أن القضاة أصدروا أحكامهم بعد الاستماع لنصف روايات الخصوم ونصف دفاع المحامين؟! كذلك فعل أولئك الملحدون!!




وهذا النوع من الكفر أعقد من صاحبه الأول لأنه أوغل في باب الغرور والتقليد. قال "فرانسيس بيكون": إن قليلاً من الفلسفة يجنح بالعقل إلى الإلحاد, ولكن التعمق في الفلسفة خليق أن يعود بالمرء إلى الدين." وقال "ديل كارنيجى": "إني لأذكر الأيام التي لم يكن للناس حديث فيها سوى التنافر بين العلم والدين, ولكن هذا الجدال انتهى إلى غير رجعة". أهـ.


إن دين الله باق, ولن يتأثر ولن يتضرر وهو قائم إلى قيام الساعة مهما حاربه الأعداء أو قصَّر في الدعوة إليه المسلمون, لكن ما يجب أن نعمله ونقوم به هو أداء دورنا كمسلمين لنُعذر أمام الله ونبتعد عن أن نكون شركاء في الحرب على الإسلام, إما بالتخاذل أو بالاستمرار في الدعوة الصماء والخطاب المتعالي. وما ورد في هذه المقالة هو مجرد أفكار متناثرة تحتاج إلى ترتيب وتقييم للبدء في عمل خطة واقعية تُنفذ على أرض الواقع لنكون بإذن الله ممن يدافع عن دين الله وينشره بين الناس في زمن يحتاج في المسلمين للدعوة للإسلام من جديد, وصدق الرسول الأعظم, صلى الله عليه وسلم, حينما قال في الحديث الذي رواه مسلم: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ), قال السندي في حاشية ابن ماجه: (غَرِيبًا) أَيْ لِقِلَّةِ أَهْله وَأَصْل الْغَرِيب الْبَعِيد مِنْ الْوَطَن (وَسَيَعُودُ غَرِيبًا ) بِقِلَّةِ مَنْ يَقُوم بِهِ وَيُعِين عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَهْله كَثِيرًا.



وفي الختام, إن كان في كلامي الصواب فهو من الله وإن كان فيه خطأ أو سهو فهو مني ومن الشيطان, وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم دين.