المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقل في الصبر ... حكاية شعرية



شعيب يحيى
18-06-2005, 10:43 PM
كتبت لكم عذري سطورا من الشعر = على ذلك الشيء المصوغ من التمر
ثلاثُ حُبيْبات أكلتهمُ على = شراهة نفس لا تميل إلى الصبر
و من وقعتي هاتي تذكرت قصة = جرت في زمان قد تولى من الدهر
فتى أوقعته البيد في شر مهلك = فكاد لفرط الجوع يُردى الى النحر
يُجرّر رجليْه لطول سفاره = كسكران لا يشتد من صرعة الخمر
فسار طويلا في خلاء و وحشة = و حتى وحوش البيد غابت من القفر
فما زال حتى أنْ رأى وسْط ظنه = سرابا كبستان و ما اشتد أن يجري
سعى في ثبات و هو يدعو بقلبه = لكيما يكون الحال وهما من الفكر
فلما دنا منه تهلّل فرحة = و هام و قد أوفى على الله بالشكر
فصار يُجيل الطرْف حتى بدت له = شُجيْرة ُتفاح قريبا من النهر
فأمسى إليها و هو يأكل جهده = إلى أن تكافتْ نفسُه طرَفَ القدْر
فعادت له روح الحياة و أشرقت = أساريره ثم استمال على الزهر
و نام سعيدا بعد طول مشقة ٍ= و بادية ٍسوداءَ قاصمةِ الظهر
و من بعدِما هبّ النسيم و داعبتْ = نوافحه جفنيْه قام على سُكْر
فأبصر قرب النهر دُورا كثيرة ً= فأيقن أن الارض ملكا و ما يدري
فقال لقد أخطأتُ إذ كنت آكلا = و من دون إذن كنت كالسارق الغِرّ
فقام إلى تلك الديار مسائلا = على صاحب البستان علّه أنْ يشْري
يسير و خوف الله يُشغل قلبه = بما قد جنى و الله أعلم بالسرّ
فصادف طفلا راكضا خلف عيْره = فقال له أيْ إبنُ مهلا و لا تجري
أتدري لذا البستان أين مليكه ؟..= فإني إليه طالب الفضل و الخير
فقال له الطفل الصغير لقد أرى = بأنك إما أبله أو من الغَيْر
أتجهل يا هذا حكيمَ شيوخنا = كبيرَ حمانا صاحب الجود و البرّ ؟..
قسرّه قول الطفل في وصف بره = فقال و هل تدري لبيته من ْ غوْر؟
فقال أما و الله إنك أبله ٌ= أما قلتُ أن الشيخَ أكبرُ في المَصْر...
إليك فتلك الدار منزلُ شيخنا = لقد كنت مِسْآلا ً و ضيّعْتَ لي عيْري
فأبصر دارا في الديار كبيرة = بدتْ وسط دور القوم أشبهَ بالقصْر
فراح سريعَ الخطو و هو مفكّر ٌ= بأنه حتما سوف يعفو بلا ضيْر
فلما دنا للباب دقّ عليه في = سكون و أصغى بعدها ما الذي يجري...
فناداه صوت ٌ من بعيد ٍمكلما = تفضّلْ فضيْف الله أولى الذى نُقري
فعنّ له شيخ كبير مرحبا = له لحية بيضاءُ تهفو على الصدر
و لاقى من الترحاب ما فوق حده = و أصبح في حال هنيء من اليسر
و بعد أن استوفى انشراحا و بهجة = و أطمَعه ما قدْ لقاه من البِشْر
تحيّلَ في معنى يليق بقوله = و قال أدام الله شيخي على الخير
وبعدُ ؛ فإني قد أتيت لحاجة = عساك ستقضيها فأمضيَ في أمري
رحلتُ غريبا من بلادي مصارعا = صروفَ حياة ضيّقتني من الفقر
فجُلْتُ شهورا لا أرى ليَ مضْربا = سكنته إلا و ابتلانيَ بالعسْر
فبتّ غريبا من بلاد لغيرها = إلى أنْ رماني الدهر في بلوة ٍنُكْر
رحلتُ بأحمالي بقافلة سرتْ = الى حيث يقضي الله في شاسع البر
فداهم قطاع الطريق رحالنا = و صاروا الى سلب و قتل بلا حصر
فررتُ بكيس المال غير مفكر = بغير نجاتي من سيوف ذوي الغدر
بقيتُ شريدا دون زاد يقوتني = و ماء ولم ينفعْنيَ المال في ضرّي
الى أنْ بدا البستان إذ أنا يائس = فأبْقيْتُ من تفاحه ربقة العمر
و إني به من دون إذنك مذنب = و أخشى سؤال الله في ساعة الحشر
فأرجو بأن تعفو و إلا تبيعني = بقدر الذي أودى و لا شيء من خُسْر
فأطرق ذاك الشيخ رأسه عندها = و راح بعيدا في الحكاية و الخُبْر
و بعد زمان قال : لا ذاك نافع = و لا ذاك يغنيني و إنْ جدت بالدر
و عنديَ شرط إنْ قبلت قضاءه = سأعفو و إلا لا عفوْتُ مدى الدهر
و حيّره قول العجوز لانه = رأى ردّه غير الذي ظن في الامر
فقال له : يا سيدي الشيخ إنما = منى القلب عندي الآن في عفوك الغمْر
و مهما يكون الشرط في وسع طاقتي = قضيته الا أنْ يكون على قسْر
وإذ ذاك قال الشيخ يا ولدي أنا = لديّ ابنة ٌ أنشأتها نشأة الخفْر
بها صمَم ٌ في أذنها و كذا عمى ً = و خرساء لا تدري كلاما سوى الهذر
و لا أرتضي زوجا سواك لها فإنْ = تزوّجتها أعفو عليك بلا مَهر
و كنت َ وريثي بعد موتي و ساعدي = ووالدَ أحفادي ويا نعم من صهر
فأبكاه قول الشيخ من هول خطبه = و عزّتْ عليه النفس من ضيْعة الصغر
و لكن خوف الله يُرغم أنفه = فصمّم أنْ يمضي على النفس بالقهر
فقال قبلْتُ البنتَ و الجفن دامع ٌ= و قلبه من وقْع المصاب على الجمر
فقام إليه الشيخ يمسحُ دمعه = و قال له صبرا فذاك من الأجْر
سأنشئ عُرسا يشهد القوم فضله = ليال ٍ و أيام ٌ تدوم الى الشهر
وراح بلا مهل لتجهيز بنته = و أعلن في كل البلاد على الجهر
فدامتْ ليالي الأُنْس سعدا و بهجة = و أسمار أسحار ٍ تُطلّ على الفجر
و هنّأ كل القوم صهر كبيرهم = و جادوا عليه بالهدايا التي تُغْري
و إنه في حال ليعسُر وصفها = و قلبه بالبلوى يُفتّتُ في السر
الى أنْ أتى يوم الزفاف على التي = تسمّتْ بستّ الحسْن ِ في ليلة القدْر
فلما رأى كانت فتاة ً جميلة ً = تغيرُ عليها العيْنُ من نظرة الغيْر
فقالت له: أقبلْ فكاد تعجّبا = يُجنّ بهذا القول من نغمة السحر
فقالت له:لا بأسَ فالخيْر في الذي = قد اختاره الله المعزّز بالنصْر
صممتُ أذاني عنْ سماع سواكمُ = و أسملْتُ عيني عنْ سوى وجهك البدري
و جفّ لساني أنْ يًحَدّث غيْركمْ = فكلّي لكمْ ملك فماذا من الحرّ؟...
عَقَلْتَ و عين العقل في الصبر دائما = فمن كان ذا صبر فذاك هو المثري

و مناسبة هاته القصيدة كانت أيام سيلات حيث كنت مع الرفقاء بريك محمد و يماني يوسف و حليس لحسن
( رحمهم الله ) ... و قد خرجوا ثلاثتهم الى مهمة في أعماق الصحراء مهمة تدوم ثلاثة أيام
فبقيت وحدي تلك الايام و كان مما أحضروه من منازلهم من وادي سوف أكلة تمر على شكل حبيْبات ٍ صغار
كانت لذيذة جدا أعطوني منها بعض الحبات و أعجبتني كثيرا و لما خرجوا بحثت وراءهم عنها
و أكلت ثلاث حبات ... و عزمت على الاعتذار لهم بهاته القصيدة ..
كتبت البيتين الاولين فقط في بادئ الامر ثم جاءتني الفكرة في ان اسوق لهم القصة على سبيل تسليتهم و امتاعهم
فكتبتها يوم الاثنين شهر ابريل سنة 2002 ...

عبدالرحمن الجبابرة
19-06-2005, 03:48 PM
حكاية طريفة تمكّن شاعرنا من حبكها فجمع فيها من البديع الشيء الكثير

نص جمع بين الشعر والقصة في قالب واحد

تمثلت فيها القيم الأصيلة والمشاعر العفيفة


شكرا لك أخي الكريم على إمتاعنا بتلك الحكاية من عذب الكلام



دمت بخير

أمل عبدالعزيز
23-06-2005, 10:42 AM
,
,
,

شاعر رائع

لايشق له غبار

لكم أمتعتنا

وأن يكون للقصيدة قصة هذا مايزيد البهاء فيها والجمال...

صح قلبك وحرفك ياعزيزي...