المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سياسة النبي صلى الله عليه وسلم الحكيمة في معالجة أحداث بني المصطلق



أهــل الحـديث
17-02-2012, 12:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




سياسة النبي الحكيمة في معالجة أحداث بني المصطلق


د. طه عفان الحمداني / أستاذ السيرة النبوية /العراق
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
[/CENTER]البحث منشور على موقع الألوكة على الرابط
http://www.alukah.net/Publications_C...s/11022/38382/ (http://www.alukah.net/Publications_Competitions/11022/38382/)

المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه العزيز: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر: من الآية7)، والصلاة والسلام على خير النبيين والمرسلين القائل: "أيهَا النَّاسُ إنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ". (سنن الدارمي 1/21) وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإنَّ السيّرة النبوية من أشرف العلوم وأعزها وأسناها هدفاً ومطلباً، بها يَعْرِف الرجل المسلم أحوال دينه ونبيّه - صلى الله عليه وسلم - وما شرّفه الله تعالى به، وقد اعتنى المسلمون والمؤرخون والباحثون وكتّاب السيرة بها قديماً وحديثاً، فهم يدركون ما لسيرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من آثار حسنة في تربية النشء، وتنشئة جيل صالح لحمل رسالة الإسلام، فهي خير معلِّم ومثقِّف، ومهذب ومؤدب.

ولا شكّ أن القرآن الكريم هو الذي عمَّق الإحساس التاريخي عند العرب، بما ذَكَره من قصص السابقين، وتواريخ الأمم الماضية، ووصلهم بها، ليكون في قصصهم عبرة وعظة، ففي أحضان التاريخ نشأت السيرة وترعرعت، واتخذتْ سمتًا واضحًا وطريقاً بيّناً يقصده من أراد الأسوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [الأحزاب: 21].
وقد كتبت في السيرة النبوية قديماً وحديثاً مجلدات وكتب عدة ولا زال العلماء وطلبة العلم يولونها اهتماماً بالغاً، ويكرسون كلّ جهودهم العلمية في البحث والدراسة يتعلمون منها ويعلمونها غيرهم، ويتخذوا منها نبراساً يسيرون على ضوءه في تربية الأبناء والبنات، من أجل تنشئة جيل يؤمن بالله ورسوله ودين الإسلام.

وبحثي الموسوم "سياسة النبي - صلى الله عليه وسلم -الحكيمة في معالجة أحداث بني المصطلق " هذا إنما هو عن جزئية من سيرة خير الأنام تتعلق بغزوة من غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي قادها بنفسه، ولم أتناولها من الناحية التاريخية فحسب بل درست الحوادث التي رافقت هذه الغزوة دراسة تحليلية وتعليلية لبيان معالجات النبي - صلى الله عليه وسلم - لها، والغرض من هذا هو إبراز وإظهار دوره - صلى الله عليه وسلم - القيادي والسياسي وإدارته الحكيمة لها، واستخلاص الدروس والعبر منها.

وقد اعتمدت في بحثي هذا على العديد من المصادر الأصيلة والمراجع المعتمدة التي جمعت بين أصالة القديم وجِدّة الحديث، وقد قسمت البحث إلى أربعة مطالب، فكان المطلب الأول في بيان المعنى اللغوي لكلمتي المصطلق والمريسيع، وأما المطلب الثاني فخصصته في ذكر سنة وقوع هذه الغزوة والخلاف الواقع فيها عند رواد الحديث عنها، وأما المطلب الثالث فدرست فيه أسباب الغزوة، وأما المطلب الرابع فتناولت فيه الأحداث التي رافقت هذه الغزوة وسياسة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكيمة في معالجتها، ثم جعلت في نهاية هذا البحث خاتمة ذكرت فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج، وزيادة على ذلك ذكرت المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها.

وكل ما كان مني هو بفضل من الله ومنة منه تعالى: ﴿لا عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 32].وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

المطلب الأول: التعريف اللغوي لكلمتي المُصْطَلِق والمريسيع:
المُصْطَلِق لغة: من صلق والصلقة و الصلق: الصياح، والولولة، والصوت الشديد يريد رفعه عند المصائب، وقيل هو ماء السماء[1].
وبنو المُصْطَلِق[2]: هم من خزاعة[3]، وهو لقب خزيمة[4] بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة[5]، أما المُرَيْسيع: فعلى لفظ التصغير قرية من قرى وادي القرى.
ونقل البكري عن ابن إسحاق[6] قوله: من ناحية قديد إلى الشام، وهو اسم ماء من مياه خزاعة[7].

أما لغةً: فمأخوذ من قولهم وسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد، وتقع المريسيع في ناحية قديد، وقال في القاموس أن المريسيع بئر أو ماء وإليه تنسب غزوة بني المصطلق[8].

وقبيلة "خزاعة" أزدية يمانية وكانوا يسكنون قديداً وعسفان على الطريق من المدينة إلى مكة فـ (قديد) تبعد عن مكة 120 كم، وعن المدينة 297كم تقريباً[9]، وعسفان تبعد 80 كم عن مكة، في حين تنتشر ديار خزاعة على الطريق من المدينة إلى مكة ما بين مر الظهران التي تبعد عن مكة 30 كم وبين الأبواء التي تبعد عن مكة 240 كم، وبذالك يتوسط بنو المصطلق ديار خزاعة، وموقعهم مهم بالنسبة للصراع بين المسلمين وقريش، وقد عرفت خزاعة بموقفها المسالم للمسلمين وربما كان لصلات النسب والمصالح مع الأنصار تأثير في تحسين هذه العلاقات رغم المحالفات القديمة بينهم وبين قريش ذات المصالح الدينية والتجارية، ورغم أن ديارهم كانت أقرب إلى مكة[10]، ولعل هذه العوامل أعاقت في الوقت نفسه انتشار الإسلام في خزاعة عامة وفي بني المصطلق خاصة الذين كانوا يستفيدون من الموقع التجاري ووجود صنم مناة في ديارهم معنويا ومادياً حيث يحج إليها العرب[11].
المطلب الثاني: سنة وقوع هذه الغزوة:
ليس غريباً أن تتعدد الأقوال ويحدث الخلاف عند أهل السير والتراجم في سنة وقوع هذه الغزوة، فقد جرى خلاف مثله في غزوات عدة مثل غزوة ذات الرقاع، والخندق، وبني قريظة وغيرها، ونظراً لأهمية الأحداث التي رافقت هذه الغزوة واشتهارها كان حريِّاً أن لا يكون مثل هذا الاختلاف.

وللاختصار سأذكر أقوالهم دون الخوض في أدلتهم، لأنها أشبعت بحثاً عند من كتب في هذا الباب لكنني سأحيل إلى المصادر والمراجع التي تناولته، فقد انقسموا إلى ثلاثة أقوال وهي على النحو الآتي:
1. قالوا: (إنها وقعت سنة أربع (هكذا رواه البخاري عن مغازي موسى بن عقبة (ت141هـ)[12]. قال الحافظ ابن حجر: (وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس من الهجرة، فكتب سنة أربع، والذي في مغازي ابن عقبة من عدة طرق سنة خمس أخرجها الحاكم، وأبو سعيد النيسابوري، والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، ثم قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس)[13].

2. ومنهم من قال: (إنها وقعت سنة خمس)، وهو قول موسى بن عقبةـ وهو الصحيح الذي حكاه البخاري عن الزهري (ت 124هـ)، والواقدي، وابن سعد، والبيهقي، والطبرسي والذهبي، وابن القيم، وابن كثير، وابن حجر، وحسين الديار بكري، والحلبي[14]، وذكره قسم آخر من المحققين منهم: الشيخ عبدالله بن محمد (ت 1242هـ) والسيد الشريف أحمد زيني دحلان (ت1304هـ) وسيد قطب والبوطي والعمري والشيخ إبراهيم العلي[15].
ونقل الدكتور علي الصلابي أقوال العلماء بإيجاز دون التعليق أو الترجيح لكنه يستدرك بعد ذلك، فيثبت من خلال حادثة وفاة سيدنا سعد بن معاذ - رضي الله عنه -، فيقول: وقد كانت وفاة سعد بن معاذ في أعقاب غزوة بني قريظة، وغزوة بني قريظة كانت في ذي القعدة من السنة الخامسة على القول الراجح، فيتعين أن تكون غزوة بني المصطلق قبلها[16].
3. ومنهم من قال: (إنها وقعت سنة ست)، وهذا مروي عن محمد بن إسحاق، وخليفة بن خياط (ت240هـ)، واليعقوبي (ت292هـ) والطبري (ت310هـ)، وابن عبد البر (ت 463هـ)، وابن الأثير (ت630هـ)، وابن سيد الناس (ت734هـ)، وابن الوردي (ت749هـ)، وابن خلدون (ت 808هـ)، ومن المُحْدَثين أبي الحسن الندوي وأبي الأعلى المودودي[17]، وقال المباركفوري: كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست على أصح الأقوال[18].
والذي أميل إليه بعد عرض أقوال العلماء من أهل السير والتراجم: أنَّ غزوة بني المصطلق وقعت لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس للهجرة، لكثرة القائلين لهذا القول وقوة أدلتهم.

المطلب الثالث: أسباب غزوة بني المصطلق:
تعد غزوة بني المصطلق إحدى الغزوات الدفاعية التي قادها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المرحلة الدفاعية من عمر الدعوة الإسلامية الأولى، وكما نعلم أن هذه الغزوات إنما جاءت رداً على مؤامرة أو عدوان بدأه المشركون وإن أسباب غزوة بني المصطلق كما ذكرها أهل السير ترتكز على عامل أساسي ومهم هو؛ لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحارث بن أبي ضرار سار في قومه وبعض من حالفه من العرب، يريدون حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ابتاعوا خيلاً وسلاحاً، وتهيّأوا للخروج، حينها بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريدة بن الحصيب الأسلمي[19] - رضي الله عنه -، ليستطلع له خبر القوم، فأتاهم حتى ورد عليهم ماءَهم، وقد تألبوا وجمعوا الجموع، ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره خبرهم، وبعد أن تأكد لديه - صلى الله عليه وسلم - صحة الخبر ندب الصحابة، وأسرع في الخروج، وخرج معه سبعمائة مقاتل وثلاثون فرساً، وكان منهم جماعة من المنافقين، واستعمل على المدينة (زيد بن حارثة - رضي الله عنه -)، وقيل‏: ‏ (أبا ذرالغفاري - رضي الله عنه -)، وقيل‏: ‏ (نُمَيْلَة بن عبد الله الليثي) [20] - رضي الله عنه -، وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فخافوا خوفاً شديداً، وتفرق عنه من كان معه من العرب، وانتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المريسيع وهو مكان الماء، فضرب عليه قبته، ومعه أم المؤمنين السيدة عائشة و السيدة أم سلمة رضي الله عنهما، وتهيأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - لملاقاة القوم، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راية المهاجرين مع (أبي بكر الصديق- رضي الله عنه -)، وراية الأنصار مع (سعد بن عبادة - رضي الله عنه -)، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فنادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم، ففعل عمر - رضي الله عنه -، فأبوا، فكان أول من رمى رجل منهم بسهم، فرمى المسلمون ساعة بالنبل، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، أن يحملوا، فحملوا حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان وقتل منهم عشرة، وأسر سائرهم ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد[21].
وزيادة على ما تقدم كانت هناك أسبابٌ أخرى جديرة بالاهتمام دعت بني المصطلق لهذا الجمع وهي كما يأتي:
1ـ تجرأ بني المصطلق على المسلمين نتيجة لغزوة أحد، كما تجرأت القبائل الأخرى المحيطة بالمدينة[22].
2ـ خشية بني المصطلق من انتقام المسلمين منهم لمشاركتهم في جيش قريش في غزوة أحد[23] ضمن الأحابيش[24].
3ـ سيطرة هذه القبيلة على الخط الرئيسي المؤدي إلى مكة، فكانت حاجزاً منيعاً من نفوذ المسلمين إلى مكة ورغبة بني المصطلق في بقاء الطريق التجاري مفتوحاً أمام قريش كي لا يهدده أحد لما في ذلك من مصالح محققة لهم[25].

وبناءً على ما تقدم من أسباب قامت قبيلة بني المصطلق بجمع الرجال، و السلاح وكذلك بتأليب القبائل الأخرى ضد المسلمين.

وبعد أن تأكد النبي- صلى الله عليه وسلم - من فعل بني المصطلق، وأنهم كانوا يبيتون الإغارة على المدينة ومن فيها، خرج عليه الصلاة والسلام لغزوهم، وهذا لوحده يعدُّ سبباً كافياً لحماية الدعوة الإسلامية وحماية المدينة المنورة من أي اعتداء
كما أنَّ هناك روايات صحيحة أخرى تفيد بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أغار عليهم وهم غارون على الماء ـ غافلون أي أخذهم على غرة ـ: أنه لم يكن بينهم قتال، وإنما أغاروا عليهم عند الماء، وسبوا ذراريهم، وأموالهم، وهو ثابت في الصحيحين: روى الإمام مسلم في كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَاب جَوَازِ الْإِغَارَةِ على الْكُفَّارِ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ من غَيْرِ تَقَدُّمِ الْإِعْلَامِ بِالْإِغَارَةِ قوله: حدثنا يحيى بن يحيى التَّمِيمِيُّ حدثنا سُلَيْمُ بن أَخْضَرَ عن ابن عَوْنٍ قال كَتَبْتُ إلى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عن الدُّعَاءِ قبل الْقِتَالِ قال فَكَتَبَ إلي إنما كان ذلك في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قد أَغَارَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - على بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى على الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ...) الحديث[26]. كما رجح ابن عبد البر هذه الرواية بقوله: (..وأغار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بني المصطلق وهم غارون وهم على ماء يقال له المريسيع... فقتل من قتل منهم وسبي النساء والذرية... وقيل: إن بني المصطلق جمعوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغه ذلك خرج إليهم فلقيهم على ماء يقال له المريسيع فاقتتلوا فهزمهم الله، والقول الأول أصح أنه أغار عليهم وهم غارون..)[27].
عند استعراض هذه الروايات يثبت لنا أن القول الصحيح ما قاله البخاري ومسلم وابن عبد البر والبيهقي وابن القيم والذهبي وغيرهم[28].
وعلق ابن حجر على هذا الأمر بقوله: فقد روى الإمام مسلم هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عون وبيَّن فيه أن نافعا استدل بهذا الحديث على نسخ الأمر بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال، والحكم بكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردود ولا سيما مع إمكان الجمع والله أعلم[29].

المطلب الرابع: الأحداث التي رافقت هذه الغزوة وسياسة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكيمة في معالجتها:
هذه الغزوة وإن لم تكن طويلة الأَمَد، من حيث الوجهة العسكريـة، إلا أنها وقعـت فيـها وقـائـع جسيمة أحدثـت البلبلـة والاضطراب فـي المجتمـع الإسلامي، وتمخضت عن افتضاح المنافقين وكشف مخططاتهم الدنيئة للنيل من شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - وإشعال الفتنة وزرع الحقد بين المسلمين، بغية الوصول إلى مآربهم التي كشفت بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بحكمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسياسيته وقيادته الفذة التي حالت دون ذلك حيث أعطت المجتمع الإسلامي صورة رائعة من النبل والكرامة وطهارة النفوس.
أولاً: موت ابن صبابة:

ذكر ابن هشام وابن عبد البر: أنه أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف ابن عامر بن ليث بن بكر يقال له: هشام بن صبابة - رضي الله عنه - لمّا أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، وهو يرى ـ ظناً منه ـ أنه من العدو فقتله خطأً[30].
لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها. فقد سبقتها حادثه أليمة على نفوس المسلمين وهي مقتل (حسيل بن جابر اليماني)[31] والد (حذيفة اليماني) رضي الله عنهما حيث قُتِل خطأً في معركة أُحد عندما اختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه وهم لا يعرفونه[32]، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجربه فتصدق حذيفة - رضي الله عنه - بديِّته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبلاً ومكانةً.
أمّا ما حصل في قصة مقتل هشام بن صبابة - رضي الله عنه - فمختلف كلَّ الاختلاف لما فعله حذيفة اليماني - رضي الله عنه - في قصة مقتل أبيه - رضي الله عنه - وقد ذكره ابن إسحاق وغيره[33] فقالوا: وقدم مِقْيَس ابن صُبابة[34] من مكة مسلماً فيما يُظْهِر فقال: يا رسول الله جئتك مسلماً، وجئتك أطلب دِية أخي، الذي قُتِل خطأ، فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِديّة أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير كثير، ثم عَدَا على قاتل أخيه فَقَتَلَهُ ثم خرج إلى مكة مرتدَّاً فقال في شعر يقوله:

شَفَى النفسَ أن قد مات بالقَاع مُسْنَداً
تُضَرِّج ثَوْبَيْه دماءُ الأخادع[35]
وكانتْ هُموم النَّفس من قبل قَتْله
تُلِمّ فَتَحْميني وِطَاء المَضَاجعِ[36]
حَلَلتُ به وترِي وأدركتُ ثُؤرَتي
وكنتُ إلى الأوثان أَولَ رَاجِع[37]
ثأرت به فِهراً وحمَّلتُ عَقْلَهُ
سرَاةَ بَني النَجَّار أَرْبَابَ فَارعِ[38]

وقال مقيس بن صبابة أيضاً:

جَلَّلته ضَرْبةً باءت لها وشَلٌ
من ناقِع الجَوف يَعلوه ويَنْصَرمُ
فقلتُ والموتُ تَغْشاه أَسِرتّه
لا تأمنَنَّ بَني بَكْر إذا ظُلموا
كيف عالج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بحكمته البالغة هذا الموقف؟
كما هو واضح وجلي من الأخبار التي ذكرها أهل السير والتراجم من أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عالج هذا الأمر فيما بعد، وبعد انتهاء المعركة والعودة إلى المدينة، وخاصة بعد مقدم مقيس بن صبابة المدينة حيث تظاهر بالإسلام أمام الصحابة - رضي الله عنهم -، وقدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من فوره يعلن فيها إسلامه وما جاء به، حيث قال: يا رسول الله جئت مسلماً وجئت أطلب دِيَّة أخي، فما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ أن قَبِلَ بظاهر الأمر، فقبل منه إسلامه وأدّى إليه طلبه بأن أعطاه دِية أخيه هشام - رضي الله عنه -، ثم ذكرت الأخبار أنه مكث غير كثير فعدا على قاتل أخيه فقتله ثم لحق بقريش كافراً[39]، والذي ظهر من مكثه هذا أنه كان يخطط ويترصد ويتحين الفرصة كي يُنَفذ ما أعدَّ من مؤامرة دنيئة خسر فيها الدنيا والآخرة، فلأجل ما فعله أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله، فقتله فيما بعد عند فتح مكة؛ نميلة بن عبد الله رجل من قومه، ولهذا كان مقيس هذا من الأربعة الذين أهدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح دماءهم وان وجدوا متعلقين بأستار الكعبة[40].
وما أمر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بحق مقيس علاج حكيم ودرس بليغ لمن خادع النبيَّ وقَتَلَ مؤمناً وارتد عن دين الله.

ثانياً: تنافر المهاجرين والأنصار:
ذكر أهل السير خبرهم في هذا التنافر على النحو الآتي: فبينما الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أجير له من بني غفار، يقال له جهجاه بن مسعود يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا[41] فصرخ الجُهني: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين، فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث، فقال: أوَقد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما أعدّنا وجلابيب قريش هذه إلاّ كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجنَّ الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره من قومه فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم ؛أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم، فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك عند فراغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدوه، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: مُرْ به عَبّاد من بشر، فليقتله فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه! لا، ولكن أذِّن بالرحيل، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها فارتحل الناس[42].

معالجة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه المشكلة:
لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها التي تجرأ فيها المنافقون بالكلام وإثارة الفتن ضد المسلمين فقد فعلوا مثل هذا الأمر ولأول مرة قبل المصطلق عندما أثاروا فتنة عظيمة وضجة كبيرة حول قصة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش رضي الله عنها في العام الخامس للهجرة.
ولما عَلِم أعداء الإسلام من مشركين ويهود في الخارج ومنافقين في الداخل بأنهم لا يستطيعون النيل من الإسلام والمسلمين فنذروا أنفسهم لخدمة "الجبت الطاغوت"، وإثارة الفتن من الداخل وكان على رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول في المدينة واليهود ومن والاهم في الخارج، وهنا برز دور النبي - صلى الله عليه وسلم - في التصدي لمثل هذه الفتن، ويبرز دور الصحابة الكرام بصدقهم وإخلاصهم وحبهم لله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - في التصدي لمثل هذه الفتن أيضاً.

المعالجة الأولى:
عالج النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المشكلة، وهي في مهدها بحيث تلافى هذه الظاهرة مباشرة وبأقوى ما يمكن، فدعاهم - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلح، فأذعنوا، وتم الصلح بين الفريقين وتخلى سنان بن وبر - رضي الله عنه - عن حقه وحبطت الفتنة في مهدها، نستخلص من هذا درساً بليغاً ألا وهو على الأمة الإسلامية في وقتنا الحاضر أن تعيه، وهو وقوع الخطأ منا، ولكن يجب أن لا نستمر عليه ولا نتركه دون حلٍ حتى يستفحل ويعسر تطويقه وحلّه إلاّ بشق النفس، بل قد يصل بنا الأمر إلى أن نعجز كل العجز عن إيجاد الحلول لإنهاء المشكلة، فلا غرابة أن تتحرك في أي بلد مسلم أو في المجتمع الإسلامي نوازع الجاهلية ونزاعاتها وتثور بعد كمون طويل ومن الممكن أن تؤدي إلى حمل السلاح، فمن الواجب على المسلم إن يدرك خطورة الموقف وكيفية علاجه بأسرع وقت ممكن، وأن لا يدب اليأس فينا ويحبط أمانينا عندما نرى مثل هذه الظواهر، وهنا تظهر حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحُنْكته السياسية في إدارة هذه الأمور والتصدي لها، وكذلك يظهر أثر الإيمان وقوة اليقين والثبات عند الصحابة ويظهر صدقهم وإخلاصهم.
ومن الأمور التي ظهرت في هذه الحادثة الوعي المتميز لزيد بن أرقم - رضي الله عنه - في صحة سماعه لحديث عبد الله بن أُبي ونقله إلى الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي كان سبباً في إحباط خطة رأس المنافقين[43]، لهذا يجب على المسلم أن يكون حريصاً وواعياً وراصداً لتحركات أهل الباطل ودسائسهم وما يبيِّتون للمسلمين من تدابير الإهلاك والمحق، ولا عليه من ضير أن يكون لنا كمؤمن آل فرعون، ويتصرف بحكمة ولا يتصرف تصرفاً خاصاً يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية تضرُّ بالمصلحة العامة لهذا يجب على المربين أن يُجهدوا أنفسهم في تربية الشباب على الوعي واليقظة وكيفية مواجهة مثل هذه الأمور وأن يسلكوا سلوك زيد بن أرقم - رضي الله عنه - لحسم معركة كاملة ضد المنافقين، ثم يأتي التصرف القيادي المتمثل بشخص النبي - صلى الله عليه وسلم - أمام هذه المواقف كلها دوراً بارزاً متميزاً في معالجة الأمور كلها معالجة تتصف بالحكمة والدقة والقرارات الحاسمة في أحلك المواقف وأصعبها، وهذا هو المراد في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾[44].

لهذا نلاحظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بنظر الاعتبار ثلاثة احتمالات قبل أن يتبنى هذا القول ويبني عليه[45].

الاحتمال الأول: أن يكون الناقل مغرضاً أو صاحب هوى كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لعلك غضبت عليه فقلت ما قلت، فقال زيد بن أرقم - رضي الله عنه -: لا والله يا رسول الله لقد سمعت منه[46].

الاحتمال الثاني: أن يكون ناقل الكلام غير دقيق في نقله كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لعله أخطأ سمعك[47].
الاحتمال الثالث: أن يكون الفهم خاطئاً للكلام، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: فلعله شُبِّه عليك؟ قال: لا والله لقد سمعت منه يا رسول الله.
وربَّ سائل يسأل: ما فائدة هذه الاحتمالات التي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟. فنقول: أما بالنسبة إلى الاحتمال الأول قوله: فلعلك غضبت عليه، فقلت ما قلت. أراد عليه الصلاة والسلام أن يتأكد من صدق القائل أنه ليس له غرض أو مصلحة أو هوى ضد المنقول عنه لأن الحكم السريع من القيادة والتصديق المباشر دون تحقيق كامل لأسباب هذه الأقوال قد يوقع في خطأ أكبر من القول نفسه، وقد يصدع هذا المغرض أو الحاقد أو الغاضب الصف كله إذا كان التسرع في قبول القول ضد أي إنسان لا يزال داخل الصف مهما كانت الاتهامات ضده[48].

وأما بالنسبة للاحتمال الثاني قوله: لعله أخطأ سمعك، فلا يستبعد أن يكون النقل خاطئاً فيؤدي إلى زيادة أو نقصان في الكلام يُغيِّر المعنى، ولا يصل إلى هذا المدى من الخطر، وبالتالي فيتهم القائل بشيء لا أصل له أو زِيد عليه فغيّر معناه.
وأما بالنسبة للاحتمال الثالث قوله: لعله شُبِّه عليك، فإنه أكثر الاحتمالات وقوعاً فعلى المسلم أن يفهم الكلام على غير قصده أو غير معناه، وبالتالي تتأزم الأمور لسوء تفاهم أو سوء فهم من طرف واحد ثم تبنى الأحكام كلها على ضوء هذا الفهم السيئ، ويتصدع الصف نتيجة أوهام لا حقائق، ونتيجة تفسيرات وفهوم لكلمات معينة لا نتيجة نقل أمين لمعناها.
لهذا يجب أن يكون المنهج النبوي هو المنار الذي يحتذى به في مثل هذه الوقائع وغيرها تجنباً للوقوع في الأخطاء[49].
ومن الأمور التي برزت في هذه الحادثة دور النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدم إعطاء الفرصة للعدو الخارجي بالتشهير بالصف الإسلامي أمام المحايدين، ولهذا السبب ولأسباب أخرى، دفعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم قتل عبد الله بن أبي سلول عندما طلب منه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: مُر به عبّاد بن بشر فليقتله[50]، فرفض النبي- صلى الله عليه وسلم - على الفور ونهاه، وقال: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه[51].
وقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم قتله يرتكز على مدلولات عدة منها:

1- اطمئنان النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قومه سوف ينفضون عنه جميعاً، فقد أصبح خطره محدوداً وأمره مفضوحاً للجميع.
2- يود النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يفسح له مجالاً للخروج من الصف ثم الانقضاض عليه بحيث يخرج ويتآمر مع اليهود والمشركين، وأسرار الصف عنده وأيُّ ضغط عليه قد يقوده إلى هذا الموقف، أي أن يكون مراقباً وتحركاته محسوبة أمام أعين المسلمين أولى من أن يخرج ويعمل مع غيرهم، فينقل أسرار الجماعة المسلمة إلى عدوها كما فعل أبو عامر الفاسق الذي خرج مع خمسين من قومه وانضم إلى أهل مكة، من أجل ذلك كان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - واضحاً لابنه عبد الله بن عبد الله - رضي الله عنه - حين قال له: بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا.
3- عَلِم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عبد الله بن أُبي قد احترق نهائياً بعد نزول "سورة المنافقون" حيث صارت على كل لسان، وما من مسلم يتلو هذه السورة ويبقى عنده أدنى شك في تقييم ابن أُبي أو الثقة به إلاّ إذا كان منافقاً مثل عبد الله بن أُبي.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو "سورة المنافقون" كل يوم جمعة مع سورة الجمعة حتى تبقى معناً راسخة في أذهان المسلمين.
لهذا نستطيع القول أنَّ جبهة المنافقين التي كان يقودها عبد الله بن أُبي قد تصدعت تماماً بعد أن كانت قادرة على تصديع الصف الإسلامي كله فلم يُعد له ناصر أو معين وأصبح مكان الإذلال في قومه بعد أن كان في مكان الصدارة، بينما لو قُتل لتحركت الحَميَّة الجاهلية من جراء قتله وأحدثت كارثة نتيجة لذلك، وربما يراه البعض من ضعاف الإيمان مظلوماً شهيداً.
لقد بانت الحكمة والمعالجة السديدة من تصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذا الموقف أن انفض الناس من حول عبد الله بن أُبي بن سلول بعد أن كاد يتوج عليهم ملكاً قبيل مجيء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة.

لهذه الأسباب ولغيرها جاءت حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعظمة قيادته في اتخاذ القرارات الحاسمة والدقيقة في أحلك المواقف وأدقها[52].

ولو دققنا ملياً في ما قاله عبد الله بن أُبي لوجدنا أن هناك سبباً حقيقياً يكمن وراء ذلك ألا وهو حقيقة فضح الدوافع النفسية لهذا الموقف عنده، فحب الزعامة لديه قاده إلى هذا الموقع وأن فقدان المُلك هو الذي جعله في موقع الحرب لرسول الله برغم ما رأى من الآيات البيّنات والدلائل الباهرة على صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لهذا يجب على المسلم الواعي أن يتجنب سرطان النفوس وآفة العصر ألا وهي حب الزعامة والرياسة التي تؤدي إلى هلك الحرث والنسل.
إذن كانت معالجة النبي - صلى الله عليه وسلم - للموقف على جبهات عدة، وهو يود أن يستأصل هذه الظاهرة من الجذور، وهو أحوج ما تحتاجه القيادات الإسلامية في عصرنا الحالي للتأسي به والعمل على منهجه عليه الصلاة والسلام على نحو الآتي: التثبت و التحقق من الحادثة، وهو الواجب الأول[53].

1. الحد من انتشار الفتنة، لمّا علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالحادث قرر الرحيل فوراً قبل أن يستفحل الأمر، وانطلق بالناس طيلة يومهم حتى أمسوا، وطيلة ليلتهم حتى أصبحوا، وصدر يومهم الثاني حتى آذتهم الشمس، فلما نزل الناس لم يلبثوا حين مست جنوبهم الأرض أن ناموا من فرط تعبهم، وأنسى التعب فتنة ابن أبيّ، وعادوا إلى المدينة ومعهم الأسرى والغنائم..... وكان عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تحريكه قواته بعد غزوة بني المصطلق، لمّا علم بمحاولة عبد الله بن أبي إثارة الفتنة بين المهاجرين والأنصار، واستمرار المسير الشاق لمدة ثلاثين ساعة....ـ كان عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إبداعاً ممتازاً إذ لولا مسارعته بالحركة مع قواته حتى أنهكها التعب لما استبعدنا بتاتاً نجاح عبد الله بن أبي في فتنته، إنَّ مزايا الإبداع من أعظم مزايا القائد الكفء[54].
2. اقتصار الأمر على مستويات معينة دون انتشاره إلى صفوف المسلمين ومعالجته بالحكمة الممكنة[55].

3. ويبرز موقف آخر من المواقف الشجاعة ذلك هو موقف الابن البار لوالده الذي كان يُعد مثلاً في خزاعة، وحين بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد قتل عبد الله بن أُبي بن سلول جاء مسرعاً، وعلى الفور، فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أُبي فيما بلغك عنه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرَّ بوالده[56].
إنَّ تصرف عبد الله بن عبد الله بن أُبي - رضي الله عنه - نابع عن عمق إيمانه بالله ورسوله والعقيدة التي ترسخت فيه بعيداً عن العوامل العاطفية والنفسية وتصرفه هذا كان يريد به إرضاء الله والفوز بالجنة والنجاة من النار[57].

ثم جاء رد النبي - صلى الله عليه وسلم - كالبلسم الشافي للجروح التي تقطر دماً، فقال عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عبد الله - رضي الله عنه -: بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا[58].

ولم يكتفِ عبد الله بن عبد الله - رضي الله عنه - بهذا القدر حتى وصلوا إلى المدينة فلم يسمح لأبيه أن يدخلها حتى يأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقر بأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو العزيز وهو الذليل، بهذه السلوكيات وهذه التربية المحمدية يسجل لنا هذا الصحابي الجليل صدقه وإخلاص عمله لله وللرسول.

ثالثاً: حادثة الإفك[59]:
دبَّر المنافقون مؤامرة جديدة تضاف إلى مؤامراتهم العديدة للنيل من الدعوة الإسلامية والمسلمين، لكن هذه المرة كانت أكثر دقة في التصويب عُرِفت فيما بعد بحادثة الإفك[60]، بعد أن فشل كيدهم في المحاولة الأولى لإثارة العصبية الجاهلية، وسعوا إلى إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفسه وأهل بيته، فشنوا حرباً نفسية مريرة من خلال هذه الحادثة التي اختلقوها على أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتي ألمت ببيته الطاهر هذه النازلة الشديدة والمحنة العظيمة التي كان القصد منها النيل من شخص النبي صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته الأطهار.

هل تُعد حادثة الإفك مشكلة؟
يمكن تعريف المشكلة بأنها الشعور أو الإحساس بوجود صعوبة لا بد من تخطيها، أو عقبة لا بد من تجاوزها، لتحقيق هدف، أو يمكن القول إنها الاصطدام بواقع لا نريده، فكأننا نريد شيئا ثم نجد خلافه. وحتى نتمكن من مواجهة المشاكل والتغلب عليها لا بد من أن ننهج طريقة معينة نشعر فيها بوجود المشكلة، ونتعرف عليها ونُحدد طبيعتها، ثم نفكر في الحلول المتعددة، ثم نطبق الحل الأمثل، ونتأكد من ذلك، ثم نتفكر فيما حصل، وهذا يتطلب بذل الجهد في التفكير في مراحل متعددة وفي مواضيع كثيرة , وقد تحصل أحيانا بسرعة فائقة وقد تستغرق وقتا. لكن لا بد من التدرُّب والتمرُّس على ذلك واكتساب مهارات التفكير اللازمة لهذا الأمر[61].
بناء على هذا التصور للمشكلة فان حادثة الإفك تعد في صميم المشاكل العظيمة، لأنها تعلقت بشخص الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وانتشرت في المجتمع وكانت أطرافها كثيرة، وقد ترتب عليها نتائج خطيرة وأحكام هامة، ونزل فيها قرآن يتلى إلى يوم القيامة. وبالنسبة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فإنه يمكن النظر إليها على أنها وقعت في مشكلة ذات شقين: الأول عندما وجدت أم المؤمنين نفسها وحيدة وقد تركها الجيش، والثاني عندما انتشرت الشائعة عنها وهي لا تعلم ذلك[62].

لهذا تعد هذه الحادثة مدار الحديث في هذه الغزوة عندما حاول المنافقون استغلالها لغرض شق صف المسلمين والنيل من رسول لله - صلى الله عليه وسلم -، وكلّفت أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلاماً لا تطاق، وكلّف الأمة المسلمة كلها تجربة مريرة من أشق التجارب في تاريخها الطويل، وعَلَّق قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقلب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وزوجه وكذلك الصحابي الطاهر صفوان بن المُعَطَّل[63] - رضي الله عنه - بالشك والقلق والألم الذي لا يطاق، ولكنه تحملوه بكل صبر وجلد[64]، وللوقوف على تفاصيل الحادثة أورد ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث الإفك في صحيحيهما عن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ عن عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: (كان رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بين أَزْوَاجِهِ فأيتهن خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - معه قالت عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا في غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فيها سَهْمِي فَخَرَجْتُ مع رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ما أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَكُنْتُ أُحْمَلُ في هَوْدَجِي[65] وَأُنْزَلُ فيه فَسِرْنَا حتى إذا فَرَغَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - من غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ ودنونا من الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حين آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حتى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فلما قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إلى رَحْلِي فَلَمَسْتُ صَدْرِي فإذا عِقْدٌ لي من جَزْعِ ظَفَار[66] قد انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ قالت وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ[67] الَّذِينَ كَانُوا يرحلون لي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ على بَعِيرِي الذي كنت أَرْكَبُ عليه وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فيه وكان النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لم يَهْبُلْنَ ولم يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إنما يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ من الطَّعَامِ فلم يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ، حين رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ ما اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بها منهم دَاعٍ ولا مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الذي كنت فيه وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سيفقدونني فَيَرْجِعُونَ إلي فَبَيْنَا أنا جَالِسَةٌ في مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وكان صَفْوَانُ بن الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ من وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حين رَآنِي وكان رَآنِي قبل الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حين عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي ووالله ما تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ ولا سمعت منه كَلِمَةً غير اسْتِرْجَاعِهِ وَهَوَى حتى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ على يَدِهَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حتى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهُمْ نُزُولٌ قالت: فَهَلَكَ فيَّ من هَلَكَ وكان الذي تَوَلَّى كِبْرَ الْإِفْكِ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ بن سَلُولَ....

قالت عَائِشَةُ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حين قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ من ذلك وهو يَرِيبُنِي في وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ من رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الذي كنت أَرَى منه حين أَشْتَكِي إنما يَدْخُلُ عَلَيَّ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يقول كَيْفَ تِيكُمْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ يَرِيبُنِي ولا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حتى خَرَجْتُ حين نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ مع أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وكان مُتَبَرَّزَنَا وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إلا لَيْلًا إلى لَيْلٍ وَذَلِكَ قبل أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا من بُيُوتِنَا...فَأَقْبَلْتُ أنا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حين فَرَغْنَا من شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِهَا فقالت تَعِسَ مِسْطَحٌ فقلت لها بِئْسَ ما قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا فقالت أَيْ هَنْتَاهْ أولم تَسْمَعِي ما قال قالت وَقُلْتُ: وما قال فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ قالت فَازْدَدْتُ مَرَضًا على مَرَضِي فلما رَجَعْتُ إلى بَيْتِي دخل عَلَيَّ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ ثُمَّ قال كَيْفَ تِيكُمْ، فقلت له: أَتَأْذَنُ لي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ قالت وَأُرِيدُ أَنْ استيقن الْخَبَرَ من قِبَلِهِمَا قالت: فَأَذِنَ لي رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -فقلت لِأُمِّي: يا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ الناس قالت يا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كانت امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لها ضَرَائِرُ إلا أكثرن عليها قالت: فقلت سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَ لقد تَحَدَّثَ الناس بهذا قالت، فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حتى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي.
قالت: وَدَعَا رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بن زَيْدٍ حين اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ[68] يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا في فِرَاقِ أَهْلِهِ قالت فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ على رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي يَعْلَمُ من بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لهم في نَفْسِهِ فقال أُسَامَةُ أَهْلَكَ ولا نَعْلَمُ إلا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ لم يُضَيِّقْ الله عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قالت فَدَعَا رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ[69] فقال أَيْ بَرِيرَةُ هل رَأَيْتِ من شَيْءٍ يَرِيبُكِ قالت له بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما رأيت عليها أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ أكثر من أنها جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عن عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ.

قالت: فَقَامَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - من يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ من عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ وهو على الْمِنْبَرِ فقال: يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ من يَعْذِرُنِي من رَجُلٍ قد بَلَغَنِي عنه أَذَاهُ في أَهْلِي والله ما عَلِمْتُ على أَهْلِي إلا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلا خَيْرًا وما يَدْخُلُ على أَهْلِي إلا مَعِي قالت: فَقَامَ سَعْدُ بن مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عبد الْأَشْهَلِ، فقال أنا يا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كان من الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كان من إِخْوَانِنَا من الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قالت فَقَامَ رَجُلٌ من الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ من فَخِذِهِ وهو سَعْدُ بن عُبَادَةَ وهو سَيِّدُ الْخَزْرَجِ قالت: وكان قبل ذلك رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فقال لِسَعْدٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ ولا تَقْدِرُ على قَتْلِهِ وَلَوْ كان من رَهْطِكَ ما أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بن حُضَيْرٍ وهو بن عَمِّ سَعْدٍ فقال لِسَعْدِ بن عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عن الْمُنَافِقِينَ قالت: فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حتى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ على الْمِنْبَرِ قالت: فلم يَزَلْ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حتى سَكَتُوا وَسَكَتَ. قالت: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذلك كُلَّهُ لَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ قالت: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وقد بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حتى إني لَأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وأنا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ من الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لها فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قالت فَبَيْنَا نَحْنُ على ذلك دخل رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قالت ولم يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ ما قِيلَ قَبْلَهَا وقد لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إليه في شَأْنِي بِشَيْءٍ قالت فَتَشَهَّدَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حين جَلَسَ ثُمَّ قال أَمَّا بَعْدُ يا عَائِشَةُ إنه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إليه فإن الْعَبْدَ إذا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ الله عليه قالت فلما قَضَى رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حتى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً فقلت لِأَبِي أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِّي فِيمَا قال فقال أبي والله ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لِأُمِّي[70] أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قال قالت أُمِّي والله ما أَدْرِي ما أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقلت وأنا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ من الْقُرْآنِ كَثِيرًا إني والله لقد عَلِمْتُ لقد سَمِعْتُمْ هذا الحديث حتى اسْتَقَرَّ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قلت لَكُمْ إني بَرِيئَةٌ لَا تصدقونني وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي منه بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي فو الله لَا أَجِدُ لي وَلَكُمْ مَثَلًا إلا أَبَا يُوسُفَ حين قال: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ على ما تَصِفُونَ﴾[71]، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ على فِرَاشِي وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ وإن اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ والله ما كنت أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ في شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى لَشَأْنِي في نَفْسِي كان أَحْقَرَ من أَنْ يَتَكَلَّمَ الله فِيَّ بِأَمْرٍ، ولكني كنت أَرْجُو أَنْ يَرَى رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي الله بها فو الله ما رَامَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسَهُ ولا خَرَجَ أَحَدٌ من أَهْلِ الْبَيْتِ حتى أُنْزِلَ عليه فَأَخَذَهُ ما كان يَأْخُذُهُ من الْبُرَحَاءِ حتى إنه لَيَتَحَدَّرُ منه من الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ وهو في يَوْمٍ شَاتٍ من ثِقَلِ الْقَوْلِ الذي أُنْزِلَ عليه قالت: فَسُرِّيَ عن رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بها أَنْ قال يا عَائِشَةُ أَمَّا الله فَقَدْ بَرَّأَكِ قالت فقالت لي أُمِّي قُومِي إليه فقلت: والله لَا أَقُومُ إليه فَإِنِّي لَا أَحْمَدُ إلاّ اللَّهَ عز وجل.

قالت: وَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ...﴾[72] الْعَشْرَ الْآيَاتِ ثُمَّ أَنْزَلَ الله هذا في بَرَاءَتِي قال أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وكان يُنْفِقُ على مِسْطَحِ بن أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ منه وَفَقْرِهِ والله لَا أُنْفِقُ على مِسْطَحٍ شيئا أَبَدًا بَعْدَ الذي قال لِعَائِشَةَ ما قال فَأَنْزَلَ الله ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[73]، قال أبو بَكْرٍالصِّدِّيقُ: بَلَى والله إني لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ الله لي فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ التي كان يُنْفِقُ عليه، وقال والله لَا أَنْزِعُهَا منه أَبَدًا. قالت عَائِشَةُ وكان رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عن أَمْرِي فقال لِزَيْنَبَ مَاذَا عَلِمْتِ أو رَأَيْتِ فقالت يا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي والله ما عَلِمْتُ إلا خَيْرًا قالت عَائِشَةُ: وَهِيَ التي كانت تُسَامِينِي من أَزْوَاجِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَعَصَمَهَا الله بِالْوَرَعِ قالت: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ[74] لها، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ)[75].

معالجات النبي - صلى الله عليه وسلم - لحادثة الإفك وما رافقتها من أحداث:

المعالجة الأولى: الإبقاء على العلاقة الزوجية بعد أن هَلَكَ فيها من هَلَكَ:
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها أحب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد السيدة خديجة الكبرى رضي الله عنها، وكان مما اعتاده رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عليه أنه إذا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بين أَزْوَاجِهِ فأيتهنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - معه، فَأَقْرَعَ بَيْنَهنَّ، فَخَرَجَ فيها سَهْمِ السيدة عائشة وسهم أم سلمة رضي الله عنهما.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل الناس علاقة مع أهل بيته، وكان أغيرهم على زوجاته وبناته والناس أجمعين لكن الذي يتبادر إلى الذهن كيف تصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - تجاه هذا الأمر الفظيع، مع أنَّ الإنسان في مثل هذه الحوادث يخرج عن طوره، ونراه لا يحسن التصرف فنراه على الفور يغضب، يتعالى صوته، يبطش بالذي حوله، بل ربما يصل الأمر به إلى قتل الجاني والمجني عليها، وإن كان هذا في حقيقة الأمر مخالفاً للنصوص الشريعة التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، أو ربما يكتفي بطلاق الزوجة قبل أن يتحقق.

المهم أن خبر أهل الإفك شاع في المدينة ووصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن المصادر التاريخية لم تذكر كيف وصل الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سوى ما ذكرته السيدة عائشة رضي الله عنها من رواية البخاري ومسلم: ((... فَهَلَكَ فيَّ من هَلَكَ وكان الذي تَوَلَّى كِبْرَ الإفْكِ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ بن سَلُولَ...))[76]، وهنا تتجلى حكمة النبي الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي بُعث رحمة للعالمين، دور الزوج الحبيب المحب الذي وضع أمام امتحان صعب وتوقيت أصعب، حيث يُطعن في عرض أحب نسائه إلى قلبه، فكيف سيتصرف مع هذا الأمر؟ حيث لم ينزل الوحي لا بالإثبات ولا بالنفي، و لم يتنزل بيان أو توضيح أو تفسير لهذا الخبر بل تأخر و تأخر ما يقارب شهراً، فما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ أن تصرف بحكمة في غاية الدقة حتى يتبين له الشأن، ولم نقع على مخبر عنه في غاية البيان سوى أم المؤمنين نفسها، فهي التي روت لنا تصرف النبيّ الحكيم - صلى الله عليه وسلم -، لنرى ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها حول تصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - جراء هذا الحدث الجلل فتقول: ( (فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حين قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ لا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ من ذلك وهو يَرِيبُنِي في وَجَعِي أَنِّي لا أَعْرِفُ من رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الذي كنت أَرَى منه حين أَشْتَكِي إنما يَدْخُلُ عَلَيَّ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يقول كَيْفَ تِيكُمْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ يَرِيبُنِي ولا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حتى خَرَجْتُ حين نَقَهْتُ...)) [77].
إذن...لم يعاتبها، لم يعنفها... لم يضربها... لم يطلقها.... بل كان يُبدي لها بعضاً من اللطف وكان يسلم عليها ويسألها عن صحتها.... لكنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظر من الله سبحانه وتعالى أن يَمُنُّ عليه في كشف افتراء وكذب المدّعين.
كم كانت هذه الأيام ثقيلة على فؤاد وكيان الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل كم كانت اللحظات التي مرت وتمرُّ صعبة عليه، وهو الذي كان يلاطف زوجته الحبيبة تلك الملاطفات التي كان يحبها.... لكن الأمر لم ينتهِ إلى هذا الحد بل انتقل إلى أسلوب آخر للمعالجة للوصول حقيقة الأمر.

المعالجة الثانية: التحقق والبيان:
لمّا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الوحي قد تأخر كان لا بد له أن يأخذ بالأسباب المادية، ومنها استشار أهل بيته، فبادر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الفور (فَدَعَا رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بن أبي طَالِبٍ - رضي الله عنه - وَأُسَامَةَ ابن زَيْدٍ - رضي الله عنه - حين اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا في فِرَاقِ أَهْلِهِ)[78].
فـ (أَمَّا أُسَامَةُ - رضي الله عنه - فَأَشَارَ على رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذِي يَعْلَمُ من بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لهم في نَفْسِهِ) [79]، ثم كرر القول مؤكداً: (أَهْلَكَ ولا نَعْلَمُ إلا خَيْرًا) [80].
وجاءت ردود الأفعال كالنور الساطع في الليالي المظلمة، فإشارة أسامة بن زيد - رضي الله عنه - بإمساك أم المؤمنين رضي الله عنها هو دليل واضح من علمه من حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها ولأبيها، وكذلك علمه من عفتها وديانتها، وأن الله لا يجعل حبيبة نبيه وبنت صديقه بالمنزلة التي أنزلها به أهل الإفك، ومن قويت معرفته بالله ومعرفته لرسوله وقدره عند الله في قلبه قال كما قال أبو أيوب وغيره من سادات الصحابة - رضي الله عنهم - لما سمعوا ذلك: ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾[81]، وَأَمَّا عَلِيٌّ - رضي الله عنه - فقال: (يا رَسُولَ اللَّهِ لم يُضَيِّقْ الله عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ)[82]. وكانت إشارة علي - رضي الله عنه - بفراقها تلويحاً لا تصريحاً لَمّا رأى أن ما قيل مشكوك فيه، فأشار بترك الشك والريبة إلى اليقين، ليتخلص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغم الذي لحقه بكلام الناس[83].
فَدَعَا رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -بَرِيرَةَ فقال: أَيْ بَرِيرَةُ هل رَأَيْتِ من شَيْءٍ يَرِيبُكِ قالت له: بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما رأيت عليها أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ أكثر من أنها جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عن عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ[84].
لقد كانت الجارية بريرة رضي الله عنها واثقة كل الوثوق بالله أولاً ثم من سيدتها، وحين سئلت أجابت بوصف دقيق في غاية الأهمية، وهي التي كانت ألصق وأقرب للسيدة عائشة رضي الله عنها، وكانت تعرف دقائق الأمور حيث قالت: (هي أطيب من طيب الذهب والله ما أعلم عليها إلا خيراً، والله يا رسول الله لئن كانت على غير ذلك ليخبرنك الله عز وجل بذلك...)[85].
ثم هناك شهادات أخرى صدحت بالحق لا تخشى في الله لومة لائم منها:
سؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزينب بنت جحش رضي الله عنها التي قالت: (يا رسول الله حاشا سمعي وبصري، ما علمت عليها إلا خيراً، والله ما أكلمها وإني لمهاجرتها، وما كنت أقول إلاّ الحق) [86].

وسؤاله - صلى الله عليه وسلم - لأم أيمن رضي الله عنها، فقالت: (حاشا سمعي وبصري أن أكون علمت أو ظننت بها قط إلاّ خيرا) [87]، أما شهادة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - فكانت في منتهى الدقة والتوثيق، فجاء في الأثر عَن أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيّوبَ أَنّ أُمّ أَيّوبَ قَالَتْ: (لِأَبِي أَيّوبَ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِي عَائِشَةَ ؟ قَالَ بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ أَفَكُنْتِ يَا أُمّ أَيّوبَ فَاعِلَةً ذَلِكَ ؟ فَقَالَتْ لا وَاَللّهِ. قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْك) [88].
وشهادة أم مسطح رضي الله عنها عند خروجها مع السيدة عائشة ونسوة لقضاء حاجتهن، وبعد أن عثرت أم مسطح فقالت بحق ولدها ما قالت ؛استغربت منها القول وقالت لها أتسبين ابنك صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تراجعها إلاّ في الثالثة، وقالت (والله ما أسبّه إلاّ من أجلك وفيك..... ثم قالت: أشهد أنك مبرَّأةٌ مما قيل فيك...)[89].
وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأيام كان أكثر أوقاته في البيت، فدخل عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فاستشاره في تلك الواقعة، فقال عمر يا رسول الله احمي سمعي وبصري والله أنا قاطع بكذب المنافقين لأنَّ الله عصمك عن وقوع الذباب على جلدك لأنه يقع على النجاسات فيتلطخ بها، فلما عصمك الله تعالى عن ذلك القدر من القذر، فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة، فاستحسن - صلى الله عليه وسلم - كلامه وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: إنَّ الله ما أوقع ظلك على الأرض لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظل أو تكون تلك الأرض نجساً، فلما لم يمكن أحداً من وضع القدم على ظلك كيف يمكن أحداً من تلويث عرض زوجتك ؟، وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: يا رسول كنا نصلي خلفك فخلعت نعليك في أثناء الصلاة فخلعنا نعالنا، فلما أتممت الصلاة سألتنا عن سبب الخلع فقلنا: الموافقة، فقلت: أمرني جبريل بإخراجهما لعدم طهارتهما، فلما أخبرك أنَّ على نعلك قذراً وأمرك بإخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر، فكيف لا يأمرك بإخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشئ من الفواحش[90].
والحكمة المبتغاة من أسئلة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل بيته يُعدُّ (من تمام الحِكم الباهرة التي جعل الله هذه القصة سبباً لها وامتحاناً وابتلاء لرسوله، ولجميع الأمة إلى يوم القيامة، ليرفع بها أقواماً، ويضع بها آخرين، واقتضى تمام الامتحان بأن حبس الوحي عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - شهراً ليظهر حكمته، ويظهر كمال الوجود، ويزداد الصادقون إيماناً وثباتاً على العدل وحسن الظن، ويزداد المنافقون إفكاً ونفاقاً، وتظهر سرائرهم، ولتتم العبودية المرادة منها ومن أبويها، وتتم نعمة الله عليهم، ولتشتد الفاقة منهم إلى الله والذل له، والرجاء له، ولينقطع رجاؤه من المخلوقين، ولهذا وفّتْ هذا المقام حقه، لمّا قال لها أبوها: قومي إليه وقد أنزل الله عليه براءتها، فقالت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي، ولو أَطلع الله رسوله على الفور، لفاتت هذه الأمور والحكم، وأضعافها وأضعاف أضعافها) [91].

المعالجة الثالثة: كشف المؤامرة والمتآمرين وتوثيق من أصابتهم السهام من أهل الإفك:
ما أن استوثق النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته حتى بادر في كشف أستار المؤامرة التي خطط لها رأس النفاق عبدالله بن أُبَيٍّ بن سلول ومن تأثر ظناً بهذه الفرية من المؤمنين الصادقين دون بيِّنة، وهذا يشكل نذير خطر على ما يبدو لأن الفرية إذا كانت على نطاق ضيق لا يتعدى صفوف المنافقين فلا خطر فيها لأنَّ المسلمين متحصنون منها، ولكن حين تتعدى وتنتقل إلى داخل صفوف المسلمين وتكاد تسري فيه، فتكون كسريان النّار في الهشيم، وهي الأشد خطورة، لذا بادر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كشف المؤامرة ووأدها في مهدها إذ وقف - صلى الله عليه وسلم - خطيباً بين الحيّين ـ الأوس والخزرج ـ ليستعذرهم عن المخطط والمدبِّر لهذا الإفك المفترى، حيث وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها الموقف فقالت: (فَقَامَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - من يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ[92] من عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ وهو على الْمِنْبَرِ فقال: يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ من يَعْذِرُنِي من رَجُلٍ قد بَلَغَنِي عنه أَذَاهُ في أَهْلِي والله ما عَلِمْتُ على أَهْلِي إلاّ خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلاّ خَيْرًا وما يَدْخُلُ على أَهْلِي إلا مَعِي)[93]، هنا حدث أمر طارئ كاد أن يوقع بالمسلمين أضراراً جسيمة ومخاطر كثيرة لا يحمد عقباها لولا تدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المباشر وفض هذا النزاع الذي نشب نتيجة للمشادة الكلامية بين أفراد من الأوس والخزرج حول من تسبب بالأذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته، وهي كما رواها البخاري (فَقَامَ سَعْدُ بن مُعَاذٍ - رضي الله عنه -، فقال أنا يا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كان من الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كان من إِخْوَانِنَا من الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ...فَقَامَ رَجُلٌ من الْخَزْرَجِ...سَعْدُ بن عُبَادَةَ - رضي الله عنه -، وهو سَيِّدُ الْخَزْرَجِ...فقال لِسَعْدٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ ولا تَقْدِرُ على قَتْلِهِ وَلَوْ كان من رَهْطِكَ ما أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بن حُضَيْرٍ - رضي الله عنه -، وهو ابن عَمِّ سَعْدٍ بن معاذ - رضي الله عنه -، فقال لِسَعْدِ بن عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عن الْمُنَافِقِينَ... فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حتى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ على الْمِنْبَرِ... فلم يَزَلْ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حتى سَكَتُوا وَسَكَتَ..)[94].
وتناول الواقدي هذه الحادثة بشيء من التفصيل مركزاً على طبيعة الخلاف الذي دار بينهما مبيناً أنَّ الاختلاف في حضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر مرفوض والعودة إلى مخلفات الجاهلية أكثر رفضاً لأنه يجلب على الأمة الويلات والكوارث وملخص الحوار هو كما يلي: (.... وَاَللّهِ مَا قُلْت هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلاّ أَنّك قَدْ عَرَفْت أَنّهُ مِنْ الْخَزْرَجِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ مَا قُلْت ذَلِكَ وَلَكِنّك تَأْخُذُنَا بِالذّحُولِ كَانَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَك فِي الْجَاهِلِيّةِ وَقَدْ مَحَا اللّهُ ذَلِكَ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ كَذَبْت وَاَللّهِ لَنَقْتُلَنّهُ وَأَنْفُك رَاغِمٌ فَإِنّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ، وَاَللّهِ لَوْ نَعْلَمُ مَا يَهْوَى رَسُولُ اللّهِ مِنْ ذَلِكَ فِي رَهْطِي الْأَدْنَيْنَ مَا رَامَ رَسُولُ اللّهِ مَكَانَهُ حَتّى آتِيَهُ بِرَأْسِهِ وَلَكِنّي لا أَدْرِي مَا يَهْوَى رَسُولُ اللّهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: تَأْبَوْنَ يَا آلَ أَوْسٍ إلاّ أَنْ تَأْخُذُونَا بِذُحُولٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيّةِ. وَاَللّهِ مَا لَكُمْ بِذِكْرِهَا حَاجَةٌ وَإِنّكُمْ لَتَعْرِفُونِ لِمَنْ الْغَلَبَةُ فِيهَا، وَقَدْ مَحَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ ذَلِكَ كُلّهُ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ قَدْ رَأَيْت مَوْطِنَنَا يَوْمَ بُعَاثَ ثُمّ تَغَالَظُوا، وَغَضِبَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَنَادَى: يَا آلَ خَزْرَجٍ فَانْحَازَتْ الْخَزْرَجُ كُلّهَا إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَنَادَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا آلَ أَوْسٍ فَانْحَازَتْ الْأَوْسُ كُلّهَا إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ حَزْمَةَ مُغِيرًا حَتّى أَتَى بِالسّيْفِ يَقُولُ أَضْرِبُ بِهِ رَأْسَ النّفَاقِ وَكَهْفَهُ، فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ فِي رَهْطِهِ وَقَالَ: ارْمِ بِهِ يُحْمَلُ السّلَاحُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ لَوْ عَلِمْنَا أَنّ لِرَسُولِ اللّهِ فِي هَذَا هَوًى أَوْ طَاعَةً مَا سَبَقْتنَا إلَيْهِ، فَرَجَعَ الْحَارِثُ وَاصْطَفّتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَأَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْحَيّيْنِ جَمِيعًا أَنْ اُسْكُتُوا، وَنَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَهَدّأَهُمْ وَخَفّضَهُمْ حَتّى انْصَرَفُوا)[95].

كيف عالج النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر وفض النزاع الذي حصل بين الأوس والخزرج ؟
لم يكن ما حدث من مشادة كلامية ـ والتي كادت تتطور إلى معركة كبيرة كالتي حصلت قبل الإسلام[96]ـ أمراً طبيعياً بل هو جدُ خطير ويحتاج إلى جهد كبير وحكمة بالغة للمعالجة، وقد تحرك النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجه السرعة للقضاء على هذه الفتنة وهي في مهدها، ذكر الواقدي تفاصيلها على النحو الآتي: (قالوا: ومكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أياماً، ثم أخذ بيد سعد بن معاذ في نفر، فخرج يقود به حتى دخل به على سعد بن عبادة ومن معه فتحدثا عنده ساعة وقرب سعد بن عبادة طعاماً، فأصاب منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسعد ومن معه، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمكث أياماً، ثم أخذ بيد سعد بن عبادة، ونفر معه فانطلق به حتى دخل منزل سعد بن معاذ، فتحدثا ساعة وقرب سعد بن معاذ طعاماً، فأصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسعد بن عبادة ومن معهم ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن يذهب ما كان في أنفسهم من ذلك القول الذي تقاولا) [97].
وبهذه المعالجة السريعة استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطفئ نارالفتنة التي أوقدها المنافقون، ومن هذه المعالجة نأخذ الدروس والعبر من المنهج التربوي النبوي الذي باشره النبي - صلى الله عليه وسلم - لبناء أمة قادرة على تجاوز المحن وحلَِ جميع مشكلاتها، وهنا تتجلى الحكمة البالغة من هذه المعالجة حيث استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزيل ما بقي من درن الجاهلية من صدور الصحابة - رضي الله عنهم - ليمتثلوا كل الامتثال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - متَّبعين في ذلك قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾[98].

المعالجة الخامسة: الحوار طريق لحل المشكلات:

لقد كان المقصود بالأذى هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتي رميت زوجته، فلم يكن يليق به أن يشهد ببراءتها مع علمه أو ظنه الظن المقارب للعلم ببراءتها، ولم يظن بها سوءا قط، وكان عنده من القرائن أكثر مما عند المؤمنين، ولكن لكمال صبره وثباته ورفقه، وفّى مقام الصبر حقه.
حمل النبي - صلى الله عليه وسلم - همومه في نفسه ولم يكشف عمّا يكنه قلبه جراء ما سببه له أهل الإفك من معاناة قاسية أشغلته تماماً عن أهل بيته، وتأخر الوحي شهراً كاملاً وانشغاله - صلى الله عليه وسلم - في معالجة هذا الأمر وما آلت إليه تطورات الأحداث لمعت عنده بارقة نور، فجرى على إثرها هذا الحوار الهادئ والهادف بين رسول - صلى الله عليه وسلم - والصديقة بنت الصديق وآل أبي بكر - رضي الله عنهم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للسيدة عائشة رضي الله عنها بعد أن تشهد: (أَمَّا بَعْدُ يا عَائِشَةُ إنه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إليه فإن الْعَبْدَ إذا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ الله عليه) [99].
يبدو للوهلة الأولى من مجريات هذا الحوار أنَّ الله سبحانه وتعالى قد أخفى حقيقة الأمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتعامل معه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمحض بشريته وحكمته البالغة وترك لأم المؤمنين رضي الله عنها حرية الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما، قوله - صلى الله عليه وسلم - إن كنت برئية... فمراده أن البراءة ستكون من الله سبحانه وتعالى لا منه ولا حول ولا قوة له إلا بما يريده الله له، وإن كان الأمر الثاني قوله: وإن كنت ألممت بذنب... ـ وهو محال بحق زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - الطاهرات من الرجس ـ وقد قالها مجتمع الصحابة ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾[100]، فتأمل ما في تسبيحهم يدلل على مقام المعرفة بالله وتنزيهه عما لا يليق به أن يجعل لرسوله امرأة خبيثة، وهذا يوجب الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.
لقد كان الأمر مذهلاً للغاية لعائشة رضي الله عنها فلم تدرِ ماذا تقول، فقالت لأبيها: (أَجِبْ رَسُولَ اللّهِ. فَقَالَ: وَاَللّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ وَمَا أُجِيبُ بِهِ عَنْك) ثم حولت السؤال نفسه لأمها، فقالت أمها: (وَاَللّهِ مَا أَدْرِي مَا أُجِيبُ عَنْك لِرَسُولِ اللّهِ) لكنَّ هذا لم يمنع أبا بكر- رضي الله عنه - أن ينكر هذا الأمر صراحة بقوله: فَمَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ الْعَرَبِ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ. وَاَللّهِ مَا قِيلَ لَنَا هَذَا فِي الْجَاهِلِيّةِ حَيْثُ لَا نَعْبُدُ اللّهَ وَلَا نَدَعُ لَهُ شَيْئًا، فَيُقَالُ لَنَا فِي الْإِسْلَامِ[101]، فكان لابد لها أن تتكلم بعد أن نفت عن نفسها معرفتها الكثيرة للقرآن الكريم لكنها أعادت أنفاسها وتمالكت نفسها فقالت: أَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السّنّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ... (وإنّي وَاَللّهِ قَدْ عَلِمْت أَنّكُمْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَصَدّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْت لَكُمْ إنّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدّقُونِي، وَلَئِنْ اعْتَرَفْت لَكُمْ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ اللّهُ أَنّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدّقُونِي، وَإِنّي وَاَللّهِ مَا أَجِدُ لِي مِثْلًا إلّا أَبَا يُوسُفَ إذْ يَقُولُ ﴿بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾[102] وَاَللّهُ مَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُ يَعْقُوبَ وَمَا أَهْتَدِي مِنْ الْغَيْظِ الّذِي أَنَا فِيهِ..... وَاَللّهُ يَعْلَمُ أَنّي بَرِيئَةٌ وَأَنَا بِاَللّهِ وَاثِقَةٌ أَنْ يُبَرّئَنِي اللّهُ بِبَرَاءَتِي... فَاسْتَعْبَرْتُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاَللّهِ لَا أَتُوبُ إلَى اللّهِ مِمّا ذَكَرْتُمْ أَبَدًا)[103].

المعالجة السادسة: تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها:
هذه المرة جاءت المعالجة بوحي من الله سبحانه وتعالى حيث تنزلت الآيات القرآنية بعد أن جاء الوحي فَسُجّيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِثَوْبِهِ وَجُمِعَتْ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ تَحْتَ رَأْسِهِ وأُنْزِلَ عليه فَأَخَذَهُ ما كان يَأْخُذُهُ من الْبُرَحَاءِ[104] حتى إنه لَيَتَحَدَّرُ منه من الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ وهو في يَوْمٍ شَاتٍ من ثِقَلِ الْقَوْلِ الذي أُنْزِلَ عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ثم سُرِّيَ عن رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بها أَنْ قال: يا عَائِشَةُ أَمَّا الله فَقَدْ بَرَّأَكِ... [105]، وتلا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[106]، أما السيدة عائشة فقالت: (فَأَمّا أَنَا حِينَ رَأَيْت مَا رَأَيْت فَوَاَللّهِ لَقَدْ فَرِحْت بِهِ وَعَلِمْت أَنّي بَرِيئَةٌ وَأَنّ اللّهَ تَعَالَى غَيْرُ ظَالِمٍ لِي....، )[107]، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى النّاسِ مَسْرُورًا، فَصَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ تَلَا عَلَيْهِمْ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ فِي بَرَاءَةِ عَائِشَةَ)[108].
ولو قيل: ما الحكمة من ذلك؟: لكان الجواب كما قال ابن القيم (رحمه الله): إن الله أحب أن تظهر منزلة رسوله عنده وأهل بيته، وأن يتولى بنفسه الدفاع، والمنافحة عنه والرد على أعدائه وذمهم وعيبهم بأمر لا يكون لرسوله فيه عمل ولا ينسب إليه بل يكون هو وحده المتولي لذلك الثائر لرسوله وأهل بيته[109].

المعالجة السابعة: حل النزاع بين حسان بن ثابت وصفوان بن المعطل - رضي الله عنهم -:
لازالت الأحداث تتوالى وتترامى بين صفوف المسلمين ولا زالت المشاكل تتقاطر على أطهر القلوب وهذه المرة كان الصراع بين صحابيين جليلين وجد الشيطان بينهما متسعاً لينال بعضهما من الآخر، فأما الأول فشارك في خبر الإفك المفترى وهجا صفوان بن المعطل بشعره حيث قال: [البسيط]

أ
مسى الجلابيبُ قد عَزُّوا وقد كَثُروا
وابن الفُرَيْعَةِ أمسى بَيْضَةَ البَلَدِ[110]

وأما الثاني فأراد أن يقتص ممن نال منه إفكاً وهجواً، ذلك هو الشاب العفيف الطاهر الذي لم يتحمل ما قد قيل، فانطلق بتصرف من نفسه حتى ضرب حسان بن ثابت في نادي قومه ثم قال: [الطويل]


تَلَقَّ ذُبابَ السِّيف عني فإنني
غُلام إذا هُوجيتُ لستُ بشاعرِ[111]

وروى الواقدي وابن هشام والطبري وغيرهم هذه الواقعة بتفاصيلها[112].

وهكذا تتوالى المحن واحدة بعد الأخرى، وما تنتهي واحدة من هذه المحن حتى تقوم على إثرها أخرى ليبدأ صراع جديدٌ يُراد به شق صف المسلمين وتفكيك وحدتهم والنبي- صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم.

كيف عالج النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المشكلة:
بعد أن ضرب صفوان بن المعطل - رضي الله عنه - حسان بن ثابت - رضي الله عنه - في وسط قومه (فوثبت الأنصار إليه فأوثقوه رباطاً، وكان الذي ولي ذلك منه ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه - وأسروه أسراً قبيحاً، فمر بهم عمارة بن حزم - رضي الله عنه -، فقال: ما تصنعون ؟ أمن أمر رسول الله ورضائه أم من أمر فعلتموه ؟ قالوا: ما عَلِم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: لقد اجترأت، خلِّ عنه) [113].

تصرف في غاية الحكمة قام به الصحابي الجليل عمارة بن حزم- رضي الله عنه - حيث قاد الجميع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاملاً بمقتضى قوله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾[114]، وهنا باشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعالجة المشكلة فأول ما قام به النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستماع إلى أقوالهم فقال حسان: (يَا رَسُولَ اللّهِ شَهَرَ عَلَيّ السّيْفَ فِي نَادِي قَوْمِي، ثُمّ ضَرَبَنِي لأَنْ أَمَوْتَ وَلا أَرَانِي إلاّ مَيّتًا مِنْ جِرَاحَتِي)[115]، ثم توجه النبي - صلى الله عليه وسلم - صوب صفوان بن المعطل يسأله لِمَ ضربته وحملت السلاح عليه ثم يسمع منه، فقال صفوان: (يَا رَسُولَ اللّهِ آذَانِي وَهَجَانِي وَسَفِهَ عَلَيّ وَحَسَدَنِي عَلَى الإسْلامِ)[116]، وعاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حسان يلومه ولم يقبل منه ما قال، فقال - صلى الله عليه وسلم - له: (أَسَفِهْت عَلَى قَوْمٍ أَسْلَمُوا؟)[117]، ليتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - مباشرة قراراً سريعاً لقطع دابر المشكلة ودرئ الفتنة في مهدها قبل أن تتوسع دائرة النزاع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احْبِسُوا صَفْوَانَ فَإِنْ مَاتَ حَسّانُ فَاقْتُلُوهُ بِهِ) [118].

وبرز دور جليل لسيد الخزرج سَعْد بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - بعد أن بلغه ما صنعوا بصفوان - رضي الله عنه - فقال قولته المشهورة: (عَمَدْتُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ تُؤْذُونَهُ وَتَهْجُونَهُ بِالشّعْرِ وَتَشْتُمُونَهُ، فَغَضِبَ لِمَا قِيلَ لَهُ ثُمّ أَسَرْتُمُوهُ أَقْبَحَ الْإِسَارِ وَرَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ)[119]، فَيُنْسِب القوم التصرف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقرُّ به سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، لكنه يشير عليهم بما هو أحبُّ شيء إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: (وَاَللّهِ إنّ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ لَلْعَفْوُ وَلَكِنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قَضَى بَيْنَكُمْ بِالْحَقّ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ يَعْنِي لَيُحِبّ أَنْ يَتْرُكَ صَفْوَانَ. وَاَللّهِ لَا أَبْرَحُ حَتّى يُطْلَقَ.....)[120].
وتأتي الاستجابة سريعة من سيدنا حسان - رضي الله عنه - بالقبول والرضا والعفو عن صفوان - رضي الله عنه - فقال متهللاً: (مَا كَانَ لِي مِنْ حَقّ فَهُوَ لَك يَا أَبَا ثَابِتٍ)، وأراد الشيطان أن ينزغ بين قوم حسان بن ثابت وسيد الخزرج لرفضهم ما قاله حسان - رضي الله عنه - بفك قيد صفوان والصفح عنه، ثم ينبري موقف غاضب و شجاع من قيس بن سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، فقال لقوم حسان: (عَجَبًا لَكُمْ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ إنّ حَسّان قَدْ تَرَكَ حَقّهُ وَتَأْبَوْنَ أَنْتُمْ. مَا ظَنَنْت أَنّ أَحَدًا مِنْ الْخَزْرَجِ يردُّ أَبَا ثَابِتٍ فِي أَمْرٍ يَهْوَاهُ) [121]، وبعد ما قاله قيس بن سعد - رضي الله عنه - اسْتَحْيَا الْقَوْمُ وَأَطْلَقُوهُ مِنْ الْوَثَاقِ...، ولم يكتفِ سعد بن عبادة - رضي الله عنه - بهذا بل أخذ سيدنا صفوان - رضي الله عنه - إلَى بَيْتِهِ فَكَسَاهُ حُلّةً ليخرج صَفْوَانُ - رضي الله عنه - مسرعاً إلى مَسْجِدَ رسول الله لِيُصَلّيَ فِيهِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (صَفْوَانُ ؟). قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ: (مَنْ كَسَاهُ ؟) قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (كَسَاهُ اللّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ)[122].

ولم تنتهِ القضية إلى هذا الحد فحسب بل تعدى الأمر إلى أبعد من ذلك ليكمل سعد بن عبادة مشواره في إرضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: (لا أُكَلّمُك أَبَدًا إنْ لَمْ تَذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَقُولَ: كُلّ حَقّ لي بَلَ ـ قِبَلَ ـ صَفْوَانَ، فَهُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ)[123]. ويكرر الاستجابة لسيد الخزرج الذي تربى في مدرسة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - متأملاً قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[124] فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللّهِ كُلّ حَقّ لِي قِبَلَ صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ فَهُوَ لَك، فقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَحْسَنْت وَقَبِلْتُ ذَلِكَ")[125].

تلك مواقف جميلة جليلة تتجلى في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقابله مكافئ يعطي عطاءً لا يخشى الفقر جزاءً وفاقاً لما صنعت يدا حسان - رضي الله عنه -، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْضًا بَرَاحًا وَهِيَ بَيْرُحَاءُ[126] وَمَا حَوْلَهَا وَسِيرِينَ[127].
وبهذا تنتهي مشكلة لو تركت لاستفحل الداء وصَعُب العلاج في مجتمع يحاط بالشرك والنفاق من كل صوب وحدب، لكن ما كان من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من معالجة وتربية للأصحاب التي زرعت فيهم حبَّ الإيثار والعفو والصفح لينتج ما فعله سعد بن عبادة وابنه قيس وتَوَّجَه عمل حسان بن ثابت رضي الله عنهم جميعاً.لم أتناول حوادث أخرى حصلت في هذه الغزوة منها زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها وإن كان فيه معالجة اجتماعية لطيفة وما نتج عنه من إطلاق الأسرى جراء مصاهرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني المصطلق وفقدان ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحادثة هبوب الريح لموت رفاعة بن زيد بن التابوت.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



الخاتمة
الحمد لله ولي النعمة والإفضال، الفرد الصمد الكبير المتعال، والصلاة والسلام على من حاز خصال الشرف جميعًا على جهة الكمال، وعلى آله وصحبه إلى يوم القيامة والمآل.

وبعد:
كتب الله سبحانه وتعالى لهذه الغزوة النجاح والفلاح نتج عنها آثارٌ ايجابية جليلة على المستويات كافة، فكانت النذير لمن تسوّل له نفسه بجمع الجموع للاعتداء على المسلمين ودولتهم الفتية، كما أعطت هذه الغزوة مكاسب جديدة تحقق من خلالها بسط النفوذ على أكبر قدر ممكن من الأراضي التي حول المدينة المنورة ووصلت إلى مشارف مكة المكرمة.
تعد المعالجات التي قام بها النبي - صلى الله عليه وسلم - على الجانب السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي دروساً نيِّرة تستحق الاهتمام والدراسة لكل مفاصلها وتكون مصابيح نور يستضئ بها كل جيل جاء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للتربية والتهذيب والتعليم.

وأوجز خلاصة ما توصلت إليه من نتائج من هذا السفر المبارك وهو على النحو الآتي:

1. أنَّ القول الصحيح في سنة وقوع غزوة بني المصطلق هو في اليوم الثاني من شهر شعبان سنة خمس للهجرة كما بينت في البحث.
2. إنَّ الصحيح من روايات هذه الغزوة كما ذكرها أهل السير أنه؛ لم يكن بينهم قتال، وإنما أغاروا عليهم عند الماء، وسبوا ذراريهم، وأموالهم، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين والكتب المعتمدة من أهل السير.

3. بيّنت الدور الذي لعبه المنافقون في إثارة الضغينة والحقد والكراهية على كافة المستويات لضرب المسلمين من الداخل وزعزعة الصف بإثارة الفتن أو بالافتراء ووجوب التثبت من الأقوال قبل نشرها، والتأكد من صحتها, قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 16]، والنهي عن إشاعة الفاحشة وتسريب الإشاعات بين صفوف المؤمنين، قال تعالى: ﴿وإِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].
4. ذكرت مواقفاً رائعة أبداها الجند المسلم من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير - رضي الله عنهم - وغيرهم والدور البارز الذي تمثل لعبد الله بن عبد الله بن أبيّ في الولاء لله ولرسوله وللإسلام والبراء من الشرك والكفر والمنافقين.
5. قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بسلسلة من المعالجات الحكيمة للمصاب الأليم والامتحان العصيب الذي واجهه بيت النبّوة وبيت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وشكلت هذه المعالجات الأثر التربوي في نفوس المسلمين ومنهاجاً تسير عليه الأمة الإسلامية.

6. إنَّ تأخر الوحي شهراً كاملاً عن النبيً - صلى الله عليه وسلم - في تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها كان من مقتضى الحكمة الإلهية لإبراز الجانب الإنساني لدى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفيه دليل على أن الوحي هو من الله سبحانه وتعالى، فقد برَّأها الله من فوق سبع سماوات، ونزل فيها قرآن يُتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وترتب على ذلك الكثير من الأحكام والمعالجات، فكان في ذلك الخير الكثير.
7. كانت قصة الإفك واحدة من حلقات كثيرة من مخططات الإيذاء والمحن التي لقيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أعداء الدين، وكان من لطف الله تعالى بنبيه - صلى الله عليه وسلم - وبالمؤمنين أن كشف الله زيفها وبطلانها، وسجل التاريخ بروايات صحيحة مواقف المؤمنين من هذه الفرية, لا سيما موقف أبي أيوب وأم أيوب، وزينب بن جحش وأسامة بن زيد وبريرة وأم مسطح وغيرهم - رضي الله عنهم -، وهي مواقف يتأسى بها المؤمنون عندما تعرض لهم في حياتهم مثل هذه الفرية، وبقيت الدروس لتكون عبرة وعظة للأجيال.

8. قيل إنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط، ولم يجز أن تكون فاجرة ؛لأن النبيّ صلوات ربي وسلامه عليه مبعوث إلى الكفار ليدعوهم، فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم، وأمّا الفاحشة فمن أعظم المنفرات.
9. لقد برأ الله أربعة بأربعة: برأ يوسف عليه الصلاة والسلام بلسان الشاهد ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [يوسف: من الآية26]، و برأ موسى عليه الصلاة والسلام من قول اليهود فيه بالحَجر الذي ذهب بثوبه وبرأ السيدة الطاهرة مريم بنت عمران بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً﴾ [مريم: 30] وبرأ الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلوّ على وجه الدهر ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ﴾ [النور: من الآية11].




المصادر والمراجع

• القرآن الكريم.

1- إبراهيم العلي، صحيح السيرة النبوية، ط8، دار النفائس (الأردن، 2007م).

2- إبراهيم مصطفى و أحمد حسن، المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية، (استانبول، د.ت).

3- ابن الأثير، المبارك محمد بن محمد أبو السعادات الجزري (ت606 هـ)، النهاية في غريب الأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطباخي، دار الفكر (بيروت، 1979م ).

4- ابن الأثير، أبو الحسن علي بن محمد الجزري (ت630هـ)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق الشيخ علي محمد معوض و عادل أحمد عبد الموجود، ط3، دار الكتب العلمية (بيروت، 2008م).

5- الأستاذ، عزيز محمد، رؤية عصرية لحادثة الإفك، مقال منشور على موقع:

6- ابن إسحاق، محمد إسحاق بن يسار المطلبي (ت 151هـ)، السير النبوية، تحقيق أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية (بيروت، 2004م).

7- أبو الأعلى المودودي، تفسير سورة النور، ط1، مؤسسة الرسالة (بيروت، 1988م).

8- أحمد راتب عرموش وآخرون، موسوعة السيرة النبوية الشريفة، ط1، دار النفائس (بيروت، 2008م).

9- البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 156هـ)، الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، ط3، دار ابن كثير , اليمامة (بيروت، 1987م).

10- البروسي، إسماعيل حقي، روح البيان، دار الفكر (بيروت، د.ت).

11- البكري ؛عبد الله بن عبد العزيز الأندلسي أبو عبيد (ت 487هـ)، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقق مصطفى السقا، ط3، عالم الكتب (بيروت، 1403هـ).

12- البوطي، محمد سعيد رمضان، فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة، ط27، دار الفكر (دمشق، 2007م).

13- البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي (ت 458هـ)، السنن الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز (مكة المكرمة، 1994م).

14- البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي (ت458هـ)، دلائل النبوة، مؤسسة البراق بيروت، د.ت).

15- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني (ت852هـ)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، دار المعرفة (بيروت، 1379هـ ).

16- ابن حجر، الإصابة في معرفة الصحابة، تحقيق الشيخ علي محمد معوض و عادل أحمد عبد الموجود، ط3، دار الكتب العلمية (بيروت، 2005م).

17- الحلبي، نور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد (ت 1044هـ)، السيرة الحلبية المسمى إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، دار الكتب العلمية (بيروت، 2006م).

18- الحموي، ياقوت بن عبد الله أبو عبد الله (ت 626هـ)، معجم البلدان، دار الفكر (بيروت، د.ت).

19- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (808هـ)، تاريخ خلدون، ط5، دار القلم (بيروت، 1984م).

20- خليفة بن خياط (240هـ)، تاريخ خليفة بن خياط (رواية بقي بن خالد)، تحقيق الدكتور سهيل زكّار، دار الفكر (بيروت، 1993م).

21- الديار بكري، حسين بن محمد بن الحسن (ت 966هـ)، تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، دار صادر (بيروت، د.ت).

22- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 هـ)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: د.بشار عواد، والشيخ شعيب الأرنؤوط، ط1، مؤسسة الرسالة (بيروت، 1988م).

23- الزبيدي، محمد مرتضى الحسني، تاج العروس، تحقيق مجموعة من المحققين، دار الهداية (بيروت، د.ت).

24- ابن سعد، محمد بن سعد (ت230هـ)، الطبقات الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ط2، دار الكتب العلمية (بيروت، 1997م).

25- ابن سلام، القاسم بن سلام (ت 224هـ)، كتاب النسب، تحقيق مريم محمد خير الدرع، ط1، دار الفكر (بيروت، 1989م).

26- السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله (ت 581هـ)، الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، ط1، دار الكتب العلمية (بيروت، د، ت).

27- ابن سيد الناس، محمد بن عبد الله بن يحيى (734 هـ)، السيرة النبوية المسمى عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، مؤسسة عز الدين (بيروت، 1986 م).

28- سيد قطب، في ظلال القرآن،، ط35، دار الشروق (القاهرة، 2005م).

29- الصلابي، علي محمد، السيرة النبوية، دار ابن كثير (دمشق، بيروت، 2004م).

30- الطبرسي، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548هـ)، إعلام الورى بأعلام الهدى، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، دار المعارف (بيروت، 1979م)

31- الطبري، محمد بن جعفر (ت 310هـ)، تاريخ الطبري، ط3، دار الكتب العلمية (بيروت، 2005م).

32- ابن عبد البر، أبو عمرو يوسف بن عبد الله القرطبي (ت 463هـ)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق الشيخ علي محمد معوض و عادل أحمد عبد الموجود، ط2، دار الكتب العلمية (بيروت، 2002م).

33- ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله القرطبي (ت 463هـ)، الدرر في اختصار المغازي والسير، تحقيق رضى فرج الهمامي، المكتبة العصرية (بيروت، د.ت).

34- عبد السلام محمد هارون، تهذيب سيرة ابن هشام، ط6، مكتبة السنُّة (القاهرة، 1987م).

35- ابن عساكر، أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي (ت 571هـ)، تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل، تحقيق: محب الدين عمر بن غرامة العمري، دار الفكر (بيروت، 1995م).

36- العلي، إبراهيم، صحيح السيرة النبوية، ط8، دار النفائس (الأردن، 2007م).

37- العمري، أكرم ضياء، السيرة النبوية الصحيحة، ط1، مكتبة العبيكان (الرياض، 1995م).

38- العيني، بدر الدين محمود بن أحمد، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربي (بيروت، د.ت).

39- الغضبان، منير محمد، المنهج الحركي للسيرة النبوية، ط2، مكتبة المنار (الأردن، 1985م).

40- القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، مشارق الأنوار على صحاح الآثار، المكتبة العتيقة ودار التراث (بيروت، د.ت).

41- ابن قانع، أبو الحسين عبد الباقي، معجم الصحابة، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، ط1، مكتبة الغرباء الأثرية (المدينة المنورة، 1418هـ).

42- ابن قيم الجوزية (ت 751هـ)، زاد المعاد في هدي خير العباد، الطبعة المصرية (مصر، 1397هـ).

43- ابن كثير، أبو الفداء الدمشقي (ت774هـ)، البداية والنهاية، تحقيق علي محمد عوض، عادل أحمد عبد الموجود وآخرون، ط2، دار الكتب العلمية (بيروت، 2005م).

44- الكلاعي؛ أبو الربيع سليمان بن موسى الأندلسي (ت 634هـ)، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء، تحقيق: د. محمد كمال الدين عز الدين علي، ط1، عالم الكتب (بيروت، 1417هـ).

45- محمد الخضري بك، نور اليقين، ط2، دار الكتب العلمية (بيروت، د.ت).

46- محمد زاهر وصفوان الحموي، البطاقة العائلية محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -، ط8، الملكية الفنية والفكرية (دمشق، 2007م).

47- محمود شيت خطاب، الرسول القائد، ط2، دار مكتبة الحياة ومكتبة النهضة (بغداد، 1960م)

48- المغلوث، سامي عبدالله، الأطلس التاريخي لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ط3، مكتبة العبيكان (الرياض، 2004م).

49- ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري (ت711هـ)، لسان العرب، ط1، دار صادر (بيروت، د.ت).

50- أبو نعيم، أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (ت430هـ)، معرفة الصحابة، تحقيق عادل بن يوسف العزازي، ط1، دار الوطن (الرياض، 1998م).

51- ابن هشام، عبد الملك بن هشام بن أيوب (ت 218هـ)، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري، دار الخير (بيروت، 2004م).

52- اليعقوبي أحمد بن إسحاق بن جعفر (ت292هـ)، تاريخ اليعقوبي، علق عليه ووضع حواشيه خليل المنصور، ط2، دار الكتب العلمية (بيروت، 2002م).


[1] ابن منظور، لسان العرب 10/205 مادة (صلق)؛و وإسماعيل حقي البروسي، روح البيان 6/122 ؛ والزبيدي،محمد مرتضى الحسني، تاج العروس، 26/31.

[2] قال الواقدي: كانوا ينزلون ناحية الفُرُع، وهم حلفاء في بني مُدْلِج، وكان رأسهم وسيدهم الحارث بن أبي ضِرار، وقال أبو عبيد عن هشام بن محمد السائب الكلبي:إنما سموا خُزاعة، لأنَّ بني مازن بن الأزد لمّا تفرقت الأزْد من اليمن في البلاد...وأقبل بنو عمرو بن لُحَيّ فانخزعوا من قومهم فنزلوا مكة. ينظر:الواقدي،كتاب المغازي 1/342؛ والقاسم بن سلام،كتاب النسب، ص291،293.

[3] من القبائل العربية ويلتقي نسبهم مع الأنصار (الأوس والخزرج) - رضي الله عنهم - في (عمرو بن عامر بن حارثة)، وهو الجد الثاني للأوس والخزرج والرابع للمصطلق. ينظر: خليفة بن خياط، كتاب الطبقات ص76،107 ؛الدكتور، أكرم ضياء العمري،السيرة النبوية الصحيحة 2/404، وقد أخطا من نسبهم إلى اليهود عند ذكره لنسب أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها فقال: (هي ابنة سيد بني المصطلق الحارث اليهودي ). ينظر:محمد زاهر وصفوان الحموي، البطاقة العائلية محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - ،ط8،الملكية الفنية والفكرية (دمشق،2007م)ص15..

[4] هكذا قاله خليفة في الطبقات ص107، وخالفه عبد الكريم بن محمد السمعاني حيث قال: إن سعد بن عمرو هو المصطلق. ينظر:كتاب الأنساب 5/198.

[5] ينظر:القاسم بن سلام، كتاب النسب ص287،

[6] ابن إسحاق، محمد، السيرة النبوية 1/439.

[7] البكري، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع،4/1220؛ والحموي، معجم البلدان5/118.

[8] البروسي، روح البيان 6/12.

[9]ينظر: الحموي،معجم البلدان4/113،المغلوث، سامي عبدالله،الأطلس التاريخي لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ص 174.

[10] العمري، السيرة النبوية الصحيحة 2/404.

[11] المرجع نفسه.

[12] ينظر: البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح المختصر4/1516.

[13] ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري 7/430.

[14] ينظر: صحيح البخاري 4/1516 ؛ الواقدي، المغازي 1/404؛ وابن سعد، الطبقات الكبرى 2/63؛ والبيهقي،السنن الكبرى 9/54، والفضل بن الحسن الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ص103؛والذهبي، تاريخ الإسلام (المغازي)2/275؛ وابن قيم الجوزية،زاد المعاد في هدي خير العباد2/115؛ وابن كثير، البداية والنهاية3/169؛ ؛ وابن حجر، فتح الباري 7/430؛ والديار بكري،،تاريخ الخميس 1/470؛ونور الدين علي بن إبراهيم الحلبي،السيرة الحلبية2/378.

[15] ينظر:مختصر السيرة،ص289؛والسيرة النبوية2/102؛وسيد قطب،في ظلال القرآن4/2495؛والبوطي،فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة ص202؛ والعمري،السيرة النبوية الصحيحة 2/404؛وإبراهيم العلي، صحيح السيرة النبوية ص 329.

[16] الصلابي، السيرة النبوية 2/227.

[17]ابن إسحاق، السيرة النبوية ص439؛وتاريخ خليفة بن خياط ص46؛وتاريخ اليعقوبي2/35؛وتاريخ الطبري 2/108؛ و ابن عبد البر،الدرر في اختصار المغازي والسير ص182؛والكامل في التاريخ2/76؛و تاريخ ابن الوردي ص 117؛ وابن سيد الناس، السيرة النبوية 2/79، 92،والبداية والنهاية 3/169؛و ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون 2/29؛ وأبو الحسن الندوي،السيرة النبوية ص269 ؛ وأبو الأعلى المودودي،تفسير سورة النور ص7،ص9،وهو الرأي الذي رجحه .

[18] الرحيق المختوم ص230.ودلل على صحة قوله ما ورد في قصة الحجاب والإفك.

[19] بُرَيْدة بن الحُصَيب بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج الأسلمي، أبو سهل الأسلمي صحابي، مختلف في تاريخ إسلامه،قيل أسلم حين مَرَ به النبي - صلى الله عليه وسلم - مهاجراً بالغميم ـ موضع بين رابغ والجحفة ـ وقيل أسلم قبل بدر مات سنة ثلاث وستين ورجح الذهبي وفاته سنة اثنتين وستين.ينظر: التاريخ الكبير2/141؛وابن عبد البر يوسف بن عبد الله القرطبي (ت 463هـ)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/263؛وأبونُعيم، معرفة الصحابة1/430 (333)؛وابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة1/367 ؛والذهبي، سير أعلام النبلاء 2/470؛وابن حجر،الإصابة في معرفة الصحابة 1/418، تقريب التهذيب 1/121.

[20] نميلة بن عبد الله بن فقيم بن حزن بن سيار بن عبد الله بن كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث الليثي ويقال له الكلبي نسبة لجده الأعلى وحيث يطلق الكلبي فإنما يراد به من كان من بني كلب بن وبرة قال بن إسحاق: هو الذي قتل مقيس بن صبابة يوم الفتح وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه في قصة مشهورة. ينظر:ابن عبد البر، الاستيعاب 4/1533؛و ابن حجر، الإصابة 6/473.

[21] ابن إسحاق،السيرة النبوية ص439؛و ابن هشام، السيرة النبوية 3/228؛ والطبري،تاريخ الطبري 2/119؛والبيهقي ، السنن الكبرى 4/46، والسهيلي، الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام 4/14؛والذهبي،تاريخ الإسلام2/260 ؛وابن قيم الجوزية،زاد المعاد في هدي خير العباد،2/112؛ ابن كثير، البداية والنهاية 4/169. والحلبي، السيرة الحلبية 2/378

[22] العمري،السيرة الصحيحة 2/404.

[23] الواقدي، المغازي 1/200

[24] الأحابيش: هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق، وقيل سموا بالأحابيش: لأنهم تحالفوا جميعا بواد يقال له الأحبش بأسفل مكة، ويقال: تحالفوا عند جبل يقال له: حبشي، فسموا بذلك. ينظر:القاضي عياض ،مشارق الأنوار على صحاح الآثار1/176.

[25] إبراهيم العلي،صحيح السيرة النبوية ص 332، العمري،السيرة النبوية الصحيحة 2/404؛والصلابي، السيرة النبوية 2/228.

[26] الحديث متفق عليه. ينظر: صحيح البخاري 2/ 898 (2403)؛ وصحيح مسلم، 3/1356 (1730).

[27] الدرر في مختصر المغازي والسير ص 182

[28] صحيح البخاري (2403)؛ ومسلم (1730) ؛والدرر ص182؛ أحمد بن الحسين،دلائل النبوة، مؤسسة البراق4/48؛ وزاد المعاد 3/ 258؛ و تاريخ الإسلام 2/260.

[29] فتح الباري 5/171، 7/431.

[30] ابن هشام،السيرة النبوية 3/230؛وابن عبد البر، الدرر ص 183.

[31] العبسي القطعي ويقال حسل وهو المعروف باليمان والد حذيفة بن اليمان وإنما قيل له اليمان لأنه نسب إلى جده اليمان بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض واسم اليمان جروة بن الحارث. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب 1/251.

[32]ابن هشام،السيرة النبوية 3/70؛وابن عبد البر، الدرر ص 183.

[33] ابن إسحاق، السيرة النبوية 2/442؛ وابن هشام،السيرة النبوية 3/230؛والطبري، تاريخ الطبري 2/109؛والذهبي، تاريخ الإسلام 2/402؛وابن كثير، البداية والنهاية 4/170.

[34] (مِقْيَس بكسر الميم وسكون القاف وفتح الياء تحتها نقطتان وصبابة بصاد مهملة وببائين موحدتين بينهما ألف) هكذا قيَّده ابن الأثير في الكامل 2/78.

[35] تضرج بالدم: تلطخ، الأخادع: عروق القفا. ينظر: إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات وآخرون، المعجم الوسيط، 1/537 (باب ضرج)،1/220 (باب خدع).

[36] تلم: تساورني وتحل بي، وتحميني: تمنعني، ووطاء المضاجع: ليناتها. المرجع السابق،الصفحات 87، 200، 1041.

[37] الوتر: طلب الثأر. والثؤرة: الثأر .ابن منظور، لسان العرب 5/2 مادة (وتر)

[38] فارع: حصن بالمدينة. أحمد راتب عرموش وجماعة من المختصين،موسوعة السيرة النبوية الشريفة ص487.

[39] ابن عبد البر، الدرر في اختصار المغازي والسير ص191، ابن الأثير، الكامل 2/78؛الذهبي، تاريخ الإسلام 2/ 402؛ والكلاعي، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 2/225.

[40] الطبري، تاريخ الطبري 2/160؛ وابن كثير البداية والنهاية 2/ 170.

[41] اقتتلا: أي تدافعا تدافعاً فيه شدة وإيلام. الزبيدي، تاج العروس 30/230 مادة (قتل).

[42] محمد بن إسحاق: السيرة النبوية 2/442 ؛ وابن هشام، السيرة النبوية 4/253؛ وابن كثير، البداية والنهاية 2/170؛ وابن خلدون،تاريخ ابن خلدون 2/440 ؛ ؛وابن سيد الناس،عيون الأثر 2/134.

[43] الغضبان، منير محمد، المنهج الحركي للسيرة النبوية ص192 .

[44] سورة النساء:الآية 83.

[45] الغضبان، المنهج الحركي ص 192.

[46] الواقدي، المغازي 2/417؛ ومحمد الخضري بك، نور اليقين ص 145

[47] العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري 19/242.

[48] الغضبان، المنهج الحركي ص 267.

[49] الغضبان، المنهج الحركي ص 267.

[50] ابن هشام، السيرة النبوية 2/291، ابن القيم، زاد المعاد 2/116.

[51] المصدران نفسهما.

[52] الغضبان، المنهج الحركي ص 203 .

([53] ) المرجع نفسه.

[54] محمود شيت خطاب،الرسول القائد ص139،141.

[55] الغضبان، المنهج الحركي ص 203.

[56] ابن هشام، السيرة النبوية2/ 291.

[57] الغضبان، المنهج الحركي ص 204.

[58] ابن هشام، السيرة النبوية 2/ 292.

[59] أفك:الإفك الكذب و الأفيكة كالإفك, أفك يأفك إذا كذب ويقال: أفك كذب و أفك الناس كذبهم وحدثهم بالباطل قال: فيكون أفك وأفكته مثل كذب وكذبته، وفي حديث عائشة رضوان الله عليها حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا: الإفك في الأصل الكذب، وأراد به ههنا ما كذب عليها مما رميت به والإفك الإثم و الإفك الكذب والجمع الأفائك ورجل أفاك و أفيك و أفوك كذاب و آفكه جعله يأفك وقرئ وذلك إفكهم . ينظر: الفيروز آبادي، القاموس المحيط 1/ 1203؛ وابن منظور، لسان العرب 10/ 390.

[60] لقد أجمع أهل المغازي والسير على أن حادثة الإفك كانت في أعقاب غزوة بني المصطلق ينظر: ابن إسحاق، السيرة 2/444، والواقدي، المغازي ص361، وابن هشام، السيرة 3/23؛ وابن سعد، الطبقات الكبرى 2/50،وخليفة بن خياط، التاريخ ص48؛ واليعقوبي، تاريخ اليعقوبي 2/35؛والطبري، تاريخ الطبري2/109؛ والسهيلي، الروض الأنف 4/23؛ وابن الأثير، الكامل 2/78؛ وابن قيم الجوزية، زاد المعاد2/113 ؛وابن الوردي، تاريخ ابن الوردي 1/118؛وابن كثير، البداية 4/173.

[61]الأستاذ، عزيز محمد، رؤية عصرية لحادثة الإفك، مقال منشور على موقع http://www.saaid.net ص1.

[62] عزيز محمد، رؤية عصرية لحادثة الإفك ص2.

[63] صفوان بن المعطل ابن رحيضة وقيل: (ربيعة، وقيل ربيضة) بن خزاعي بن محارب بن مرة بن فالج ابن ذكوان بن ثعلبة ابن بهثة بن سليم السلمي الذكواني وكنيته أبو عمرو.، له صحبة، قديم الإسلام، شهد الخندق والمشاهد بعدها، وكان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به ولذلك تخلف في هذا الحديث الذي قال فيه أهل الإفك ما قالوا، وقال سلمة عن ابن إسحاق: قتل صفوان بن المعطل - رضي الله عنه - في غزوة أرمينية شهيداً وأميرهم يومئذ عثمان بن أبي العاص سنة تسع عشرة في خلافة عمر - رضي الله عنه -، ويقال: إنه غزا الروم في خلافة معاويه - رضي الله عنه - اندقت ساقه ولم يزل يطاعن حتى مات وذلك سنة ثمان وخمسين وهو ابن بضع وستين. وقيل: مات سنة تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية - رضي الله عنه -، وكان خيّراً فاضلاً شجاعاً بطلاً، له دار بالبصرة في سكة المربد ومات بالجزيرة ناحية شمشاط وقبرة هناك. ينظر: البخاري، التاريخ الكبير 4/304؛وخليفة بن خياط، الطبقات ص51،و أبو نعيم، معرفة الصحابة 3/1499،وابن عبد البر، الاستيعاب 1/218،وابن الأثير، أسد الغابة /523 ؛وابن قانع، معجم الصحابة 2/31 ؛ والذهبي،،سير أعلام النبلاء2/545 ؛ وابن حجر،الإصابة 3/440.

[64] سيد قطب، في ظلا ل القرآن 4/2495.

[65]الهودج: محمل يُعَمل من خَشَب وغيره له قبة تستر بالثياب يوضع على ظهر البعير.ينظر: ابن الأثير،النهاية في غريب الأثر3/633.

[66] قال ابن الأثير: عِقْدٌ من جَزْع أظْفَار، وهكذا رُوي وأريدَ به العِطر المذكورُ أولا كأنَّه يؤخَذُ ويُثْقَب ويُجْعَل في العِقْد والقِلادَة، والصَّحِيح في الرَّويات أنه من جَزْع ظَفَارِ وهي اسمُ مَدِينةٍ لِحِمْير باليَمن. النهاية في غريب الأثر 3/352، وقال ابن منظور: جزع ظفار: ضرب من الخَرَز وقيل هو الخرز اليماني وهو الذي فيه بياض وسواد تشبَّه به الأَعين.ينظر ابن منظور،لسان العرب، 8/47 (مادة جزع).

[67] الرهط: الجماعة من ثلاثة إلى عشرة . ابن منظور،لسان العرب 7/305مادة (رهط).

[68] اسلبث الوحي: أي أبطأ نزوله.القاضي عياض،مشارق الأنوار 1/354.

[69] بَرِيرَةُ: هي مولاة السيدة عائشة رضي الله عنها والتي اشترتها من بني كاهل فأعتقتها... والبريرة واحدة البَرير، وهو ثمر الأَرِاكِ. ينظر: السهيلي، الروض الأنف 4/25.

[70] وهي أم رومان زينب بنت عامر بن عُويمر بن عبد شمس بن دُهْمَان رضي الله عنها، وهي من كنانة توفيت على الراجح سنة ست. ينظر: ابن حجر، الإصابة 8/207.

[71] سورة يوسف الآية 18.

[72] سورة النور من الآية 11.

[73] سورة النور الآية 22.

[74] قال القاضي عياض:قوله: فطفقت حمنه تحازب لها بالزاي في رواية الجمهور وللأصيلي تحارب بالراء والأول أظهر أي تتعصب لها وتظهر أنها في حزبها. ينظر: مشارق الأنوار 1/ 191

[75] ينظر: صحيح البخاري 4/1517 ـ 1521 (3910)؛ وصحيح مسلم 4/2130 ـ2136 (2770).

[76] ينظر: البخاري، صحيح البخاري 4/1517 (3910)؛ ومسلم، صحيح مسلم 4/2130 (2770).

[77] البخاري، صحيح البخاري 4/1518 (3910).

[78] البخاري، صحيح البخاري 4/1519 (3910).

[79] المصدر نفسه 4/1518 (3910).

[80] المصدر نفسه.

[81] سورة النور آية: 16.

[82] البخاري، صحيح البخاري 4/1520 (3910).

[83] محمد بن عبد الوهاب، مختصر زاد المعاد ص 210.

[84] البخاري، صحيح البخاري 4/1520 (3910).

[85]الواقدي، المغازي 2/430.

[86] المصدر نفسه

[87] المصدر نفسه

[88]المصدر نفسه

[89] الذهبي، تاريخ الإسلام 1/174 (ط العلمية ).

[90] الديار بكري، تاريخ الخميس 1/476.

[91] ابن القيم،زاد المعاد 2/114.

[92] فاستعذر: أي من ينصرني عليه والعذير الناصر، وقال الهروي: معناه من يقوم بعذري أن كافاته على سوء فعله. القاضي عياض،مشارق الأنوار 2/70.

[93] البخاري، صحيح البخاري 4/1520 (3910)

[94] المصدر نفسه: 2/944 (2518)، 4/1520 (3910).

[95] مغازي الواقدي 2 / 432.

[96] أهم تلك الحروب والوقائع ما يلي: حرب سمير، وحرب حاطب، ووقعة جحجبا وموقعة السرارة وموقعة الحصين بن الأسلت وموقعة فارع ويوم الربيع وموقعة الفجار الأولى والثانية وموقعة معبس ومضرس، وكان آخرها وأشدها حرب بعاث

[97] مغازي الواقدي 2/435.

[98] سورة الحشر/ الآية 10.

[99] البخاري،صحيح البخاري4/1521 (3910).

[100] سورة النور /الآية 16.

[101] الواقدي، المغازي2 /434.

[102] سورة يوسف / الآية 18

[103]الواقدي، المغازي 2/ 431 وما بعدها.

[104]الشدة والمشقة وخص بعضهم به شدة الحمى.ابن منظور، لسان العرب 2/410 (مادة برح).

[105] البخاري، صحيح البخاري 4/1521 (3910)

[106] سورة النور/الآية 11.

[107] الواقدي، المغازي 2/ 435 .

[108] البخاري، صحيح البخاري 4/1521 (3910)

[109] زاد المعاد 2/114 (ط المصرية)

[110] ابن هشام، السيرة النبوية 4/270، والبيهقي، دلائل النبوة 4/74،يعني بالجلابيب الغُرباء، وبيضة البلد يعني: منفرداً، وهي كلمة يتكلم بها في المدح تارة وفي معنى القُلَِ أخرى: يقال فلان بيضة البلد أي: أنه واحد في قومه، عظيم فيهم، وفلان بيضة البلد، يريد أنه ذليل ليس معه أحد. ينظر: السهيلي، الروض الأنف 4/28.

[111]ابن هشام، السيرة النبوية 4/34 (ط/العلمية ) مع الروض الأنف؛و الكلاعي، الاكتفاء 2/170.

[112] ينظر: مغازي الواقدي 2/ 337وما بعدها ؛و السيرة النبوية 4/270؛وتاريخ الطبري 2/115.

[113]الواقدي، المغازي 2/337.

[114] سورة النساء:الآية 65 .

[115]الواقدي، المغازي 2/337.

[116] المصدر نفسه.

[117] الواقدي، المغازي2/337؛وابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 24/171.

[118] المصدران نفسهما.

[119] الواقدي، المغازي 2/338؛ وابن عساكر،تاريخ دمشق 24/171؛و الحلبي، السيرة الحلبية 2/409.

[120] الواقدي، المغازي 2/338.

[121] المصدر نفسه.

[122]الواقدي، المغازي 2/338؛ وابن عساكر،تاريخ دمشق 24/171.

[123] المصدران نفسهما.

[124] سورة التغابن: من الآية14.

[125] الواقدي، المغازي 2/338؛ وابن عساكر، تاريخ دمشق 24/172.

[126] هي حديقة؛ ويقولون بيرحاء بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها والمد فيهما وبفتحهما والقصر،وهو اسم مال وموضع بالمدينة، وقال الزمخشري في الفائق: هي الأرض الظاهرة. ابن منظور،لسان العرب 2/412 (مادة برح)

[127] سيرين بنت شمعون جارية النبي - صلى الله عليه وسلم - أخت ماريه القبطية أم ولده إبراهيم، فجاءت من حسان بن ثابت - رضي الله عنه - بابن لها أسمه عبد الرحمن، وكان عبد الرحمن بن حسان يفتخر بأنه ابن خالة إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ينظر: السهيلي، الروض الأنف . البحث منشور على موقع الألوكة على الرابط الأتي : .4/38.http://www.alukah.net/Publications_C...s/11022/38382/ (http://www.alukah.net/Publications_Competitions/11022/38382/)