المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تسلسل مقترح لمناقشة الملحد



أهــل الحـديث
16-02-2012, 06:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



فففبسم الله الرحمن الرحيمققق


تسلسل مقترح لمناقشة الملحد


المراد بالملحد هنا المنكر لوجود الله سبحانه، أو بصيغة أعم المنكر لوجود خالق للكون، بغض النظر عمن يكون هذا الخالق أو الإله. والملاحدة بمختلف أعراقهم وأجناسهم ودياناتهم السابقة لا يخرجون عن ثلاثة أصناف:
1) الباحث عن الشهرة.
2) الذي يريد التحرر من قيود الدين، وبالتالي فعل الشهوات كما يحلو له، لأن (الإله) مصدر القداسة للدين غير موجود عنده، وبالتالي يصير الدين جملة من الاجتهادات الشخصية القابلة للأخذ والرد وعدم الإلزام، كالعادات والتقاليد. (وقد ذكر عالم النفس بول فيتز في ورقته: "علم نفس الإلحاد"، أن أكثر الملحدين يلحدون لهذه الأسباب).
3) هذا الصنف أصدق من الصنفين السابقين، وفي الغالب تدور تساؤلاته حول المشكلة التي تؤرقه، والتي تتعلق بالقضاء والقدر، أو مسألة الخير والشر. وغالباً ما تكون قد مرت به حادثة أو موقف كان الشرارة الأولى التي أشعلت هذه التساؤلات.
وعليك أن تعلم أخي المسلم أن الملحد قد لا يناقشك في قضية وجود الله من عدمه؛ لأنها معركة خاسرة بالنسبة له. لذلك سيظل يشغب عليك في الدين والقرآن ولماذا شرع الله كذا وحرم كذا، ويترك القضية الأساسية "وجود الله". -وهذه فائدة استفدتها من الشيخ الفاضل عايض الدوسري (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)-، عندما ناقش أحدهم، فقال له الملحد: (في صحيح البخاري أخطاء)! فرد عليه الشيخ: -وهذا هو التسلسل المنطقي للمناقشة معهم فتنبه أخي الكريم-: يجب أن نثبت وجود الله أولاً، ثم نبحث لِمَ خلقنا، ثم مسألة إرسال الرسل لتحقيق الغاية من الخلق، ثم إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم القرآن، ثم يأتي البخاري بعد ذلك. لذلك قبل النقاش معهم تأكد أن تكون عندك الحصيلة العلمية الكافية، ولا يستدرجنك الملحد للنقاش في القرآن وتشريعات الإسلام قبل بحث مسألة وجود الخالق، وقبل هذا وذاك توكل على الله تعالى واسأله التوفيق وقبول العمل.
اسأله في البداية: هل الكون موجود؟ سيرد عليك طبعاً: إنه موجود. قل له لدينا ثلاثة احتمالات منطقية لمسألة وجود الكون:


الاحتمال الأول: أن الكون أزلي ليس له بداية:
وهذا كان قول الفلاسفة، ولكن لا يقول به الآن إلا قليل؛ بسبب أن نظرية (الانفجار العظيم) هي السائدة في الأوساط العلمية اليوم -أي أن الكون له بداية-. ولو قال: (لا أعتبر أن الكون أزلي، أو أن مادة الكون الأساسية كانت موجودة لكنها صغيرة الحجم عالية الكثافة قبل حدوث الانفجار، وبعد الانفجار تمددت وظهر الكون ومعه المجرات والنجوم والكواكب... إلخ). فقل له: إذا كان الأمر كما تقول فالمفترض أننا لا نموت نحن البشر. وهنا إذا كان الملحد ذكياً -وهذا نادر- فسيفهم ما ترمي إليه، وإن كان ساذجاً –كغالب الملاحدة- فسيسألك ساخراً: (وما العلاقة)؟ فقل له: من المعلوم أن الملاحدة ماديون؛ فهم لا يؤمنون بما لا يرون أو لا يشعرون به، وبالتالي فهم ينكرون الروح، سيؤكد لك الملحد ذلك. قل له: من المعلوم أيضاً أن أساس تركيب أجساد البشر والحيوانات هو البروتين المكون من الهيدروجين والكربون، وكذلك الماء المكون من الهيدروجين والأكسجين، بالإضافة لعناصر أخرى. وهذه العناصر أساسية في الكون فإذا كان الكون أزلياً بنفسه أو كانت مادته أزلية فلماذا نموت وهذه المواد هي أصل الكون؟ فالمفترض أنها أزلية مثله، وبالتالي نحن أزليون فلماذا نموت؟ لن يجيب الملحد، وهذا الاحتمال الأول.

الاحتمال الثاني: أن الكون له بداية ولكن من دون الحاجة إلى وجود خالق:
أي أن الكون أوجد نفسه بنفسه من دون خالق، بكيفية تفسرها نظرية الانفجار العظيم، وملخصها أن الكون بكل ما فيه من مادة وطاقة انبثق من حالة بدائية ذات كثافة وحرارة عاليتين وحجم صغير جداً، وذلك قبل 13.7 مليار سنة. (في كتاب "تاريخ موجز للزمن" يقول هوكنج –وهو فيزيائي ملحد-: نظرية الانفجار العظيم تعني أن البداية الأولى للكون كانت قد اختيرت بعناية فائقة جداً إذا كان النموذج الساخن للانفجار العظيم قد كان صحيحاً منذ بداية الزمان، إنه لمن الصعب جداً أن نفسر لماذا بدأ الكون بهذه الطريقة بالذات إلا بأن نقول أن هناك خالقاً كان يريد أن يخلق ذواتاً من أمثالنا) فانظر كيف اضطر هذا الملحد أن يعترف بأن نشأة الكون تحتاج إلى عناية وتقدير.
سيتشبث الملحد المكابر برأيه وهو أن الكون أوجد نفسه بنفسه من دون خالق، وأن من أسباب عدم اقتناعه بمسألة وجود الخالق أنه يؤمن بالعلم والمكتشفات العلمية فحسب. فقل له: العلم يجيب على التساؤلات التي تبدأ بكيف؟ قضيتنا معك أيها الملحد ليست (كيف) حصل كذا وكذا، وإنما (مَنْ) أوجد كذا وكذا؟ فلا تخلط الأوراق! وثانياً: العلم في كل يوم يثبت لنا مدى التعقيد الهائل في نظام الكون وأنه يسير بنظام دقيق جداً، حتى قال أينشتاين "إن من ينظر في الكون يعلم أن الإله لا يلعب بالنرد"، والنرد هنا كناية عن العشوائية أو المصادفة. وقولك أن الانفجار العظيم نشأ منه هذا الكون الذي يسير كل شيء فيه وفق نظام ومدار وكذلك وفق مقادير وأبعاد معينة يشابه قول القائل "إنه يمكن تشكل قاموس ضخم مرتب ترتيباً هجائياً دقيقاً نتيجة انفجار مطبعة!" قل له: تنزلاً سنسلم لك بهذا الرأي، واسأله هذا السؤال: هل للكون القدرة على المشيئة والاختيار والإرداة؟ منطقياً لا، لأن مسمى (كون) مثل مسمى (طبيعة) مثل مسمى (فضاء)، لا يدل على ذوات لها القدرة على المشيئة والاختيار. فإذا كنت أيها الملحد ترى أن الكونَ فاقدَ الإرادة والمشيئة قادرٌ عقلاً على أن يخلق نفسه بنفسه، فالمفترض أن لا تسأل سؤال الملاحدة الشهير: مَنْ خَلَقَ اللهَ؟ لأن تصور خالقٍ أزلي خَلَقَ الكون، أقربُ من تصور ِكونٍ مُحْدَثٍ عديمِ الإرادة والمشيئة يخلقُ نفسه! لن يجيبك كالعادة، وبعد تفنيد هذين الاحتمالين ستصل إلى الاحتمال الأخير، وهو أن للكون خالقاً أبدعه وأوجده بعد أن لم يكن.
الملحد كما ذكرنا لا يجيد المناقشة في قضية وجود الخالق، وإنما سيشغب عليك في تشريعات الإسلام، مثل قضايا المرأة، حقوق غير المسلمين... إلخ. فلا تأبه له، وابق على موقفك بإنهاء المناقشة في مسألة هل للكون خالق أم لا، بالخطوات السابقة. التساؤلان الوحيدان اللذان يتشبث بهما الملحد ويدوران حول الخالق سبحانه هما:
التساؤل الأول: إذا كان الله هو الخالق فمن خلق الله؟
هذا السؤال هو أشهر سؤال عند الملاحدة، وهم يظنونه سؤالاً عويصاً، إلا أن الجواب عليه في غاية السهولة، وقد أجاب عليه علماء الإسلام قديماً بقاعدة نفي التسلسل، وهي ببساطة كما يلي:
إذا سلم الخصم بأن الكون الحادث لا بد له من سبب غير حادث، ثم سلَّم بأن هذا السبب غير الحادث –أي الأزلي- هو الله، فإن سؤاله عن خالق أو سبب لله لا يكون له معنى إطلاقاً، فهذا سؤال من لا يتصور ما يقول؛ لأنه ينطوي على تناقض ظاهر، ذلك لأن السبب –ضرورةً- سابق للمسبَّب، والأزلي –ضرورة- غير مسبوق بشيء، فكيف يكون له سبب؟
إن قول القائل: من خلق الله؟ يساوي قوله: ما الذي سبق الشيء الذي لا شيء قبله؟ فهل تجد لهذا السؤال معنى؟! إذا أخبرت إنساناً بأن فلاناً كان أول العدَّائين، فهل يصح أن يقول لك: نعم لكن من سبقه؟ كذلك هنا –ولله المثل الأعلى- قد قام الدليل على أن الله تعالى هو الأول الذي لا شيء قبله، فكيف يقال: ما سببه؟ أو من خالقه؟ وإن الإيمان بخالق أزلي أقرب إلى العقول من القول بأن الكون –الذي يقرون أنه مُحدَث- خلق نفسه أو خلقه العدم! وباختصار: الله تعالى أزلي، والكون حادث، ولا يقاس الأزلي على الحادث؛ فهذا الأزلي هو علة الوجود، وليس للأزلي علة؛ لأنه واجب الوجود، ولا بد للمُحدَث من علة؛ لأنه جائز الوجود. ]مستفاد من كتاب: الفيزياء ووجود الخالق[

قال ابن تيمية: (والقرآن فيه شفاء لما في الصدور من الأمراض، والنبي صلى الله عليه وسلم علم أن وسواس التسلسل في الفاعل يقع في النفوس، وأنه معلوم الفساد بالضرورة، فأمر عند وروده بالاستعاذة بالله منه والانتهاء عنه كما في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا الله خَلَق فمن خَلَقَ اللهَ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله"). ]درء التعارض[

قال تعالى: "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" سورة الأنبياء 91. إذا أُلزِمَ الملحد بوجوب وجود خالق للكون، فقد يشغب عليك بقوله: (ربما يكون هؤلاء للكون آلهة كثيرة متوافقة فيما بينها) لينقض الآية، قل له: هذا ممتنع عقلاً، فإن قال: (هو غير ممتنع)، فقل له: قد اتفقنا أيها الملحد أن نقطة الخلاف بيننا هي وجود خالق للكون وأنت زعمت أنها -أي مسألة وجود الخالق- تتناقض مع العقل والعلم، ثم أنت هنا تزعم أن مسألة وجود العديد من الخالقين لا يتناقض مع العقل! أنت لم تقبل بوجود إله واحد وتقبل الآن بوجود العديد! ثم إن خالق الكون أخبرنا أنه هو الواحد الأحد الذي لا شريك له، فكيف يسكت الباقون عن هذا؟! سيسكت الملحد ولن يستطيع جواباً.
ويمكن إثبات وجود الخالق بدليل الفطرة –وهو من أقوى الأدلة-، وكذلك بدليل العناية أو ما يسمى (بالتصميم الذكي)؛ فهذا الكون بما فيه من عناية ظاهرة ودقة باهرة يستحيل أن يوجد (صدفة)! وهذا البرهان هو الذي قاد إمام الملاحدة في القرن العشرين (أنتوني فلو) إلى الإقرار بوجود الخالق، بعد أكثر من ستين سنة من الإلحاد والتنظير له.

التساؤل الثاني: إذا كان الله هو الخالق وهو صاحب الخير فلماذا وجد الشر؟
مسألة الخير والشر لا تقتضي نفي وجود الخالق، إلا أن الملحد دائماً ما يلجأ إليها لينفي الخالق، وهنا نقول:
إذا كنا قد آمنا بأن الله هو خالق كل شيء، ومعلوم أن الله تعالى له صفات الكمال، ومنها الحكمة فبالتالي يجب أن نؤمن بأنه لا يصدر منه فعل إلا وله حكمة وغاية وليس عبثاً، ربما علمنا هذه الحكمة وربما لم نعلمها. ثم إذا ألزمنا الملحد بالإقرار بوجود الخالق، نثبت له وجود الأنبياء، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أنزل الله عليه القرآن، وفيه أن الله سبحانه "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ"، "وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ". ووجود الشر والألم في الكون له حِكم كثيرة؛ فلولا وجود التعب ما عُرفت الراحة، ولولا الشقاء ما عُرفت السعادة، ولولا البؤس ما عُرف النعيم، ولولا وجود الشر ما عُرف الخير. والله سبحانه يجزي الصابرين بغير حساب. قال صلى الله عليه وسلم: « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ». فمعضلة الألم كما يسميها بعض الفلاسفة لا يكتمل تصورها إلا بوجود دار آخرة يُقتَص فيها من الظالمين ويجزي الله فيها الصابرين، فهذه الحياة الدنيا ليست إلا مرحلة محدودة في الوجود.

هذه خطوط عريضة لمناقشة الملحد، ومن أراد الاستزادة فيمكنه الاستفادة من كتاب (الفيزياء ووجود الخالق) للدكتور جعفر إدريس، و(حوار مع صديقي الملحد) و(رحلتي من الشك للإيمان) للدكتور مصطفى محمود، و(رحلة عقل) للدكتور عمرو شريف، وغيرها من الكتب. وبالله التوفيق.


كتبه / أبو القاسم محمد يوسف حسين الشايقي
طالب ماجستير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
Twitter: Abu_Alqasem