كليوباترا
23-05-2005, 12:32 PM
عالم آخر غير الإنسان وعالم الملائكة ، بينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الإنصاف بصفة العقل والإدراك ، ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر ، يخالفون الإنسان فى أمور أهمها أن أصل الجان مخالف لأصل الإنسان .
وسموا جناً لاجتنابهم أى استتارهم عن العيون ، ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) "
· أسماء الجن فى لغة العرب :
قال ابن عبد البر : الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب :
1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا جنى .
2- فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس ، قالوا : عامر والجمع عمار .
3- فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا : أرواح .
4- فإن خبث وتعرض قالوا : شيطان .
5- فإذا زاد أمره على ذلك وقوى أمره قالوا : عفريت .
· أصناف الجن :
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- فى هذا : ( الجن ثلاثة أصناف : فصنف يطير فى الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون )
· · · رؤية الحمار والكلب للجن :
إذا كنا لا نرى الجن فإن بعض الأحياء يرونهم كالحمار والكلب ، ففى مسند احمد ، وسنن أبى داود بإسناد صحيح عن جابر مرفوعا : " إذ سمعتم نباح الكلاب ، ونهيق الحمير بالليل ، فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنهن يرون ما لا ترون "
وهذا ليس غريبا فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الأحياء على رؤية ما لا نراه ، فالنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية ، ولذلك فإنه يرى الشمس حال الغيم ، والبومة ترى الفأر فى ظلمة الليل البهيم 000
· الشيطان والجان
الشيطان الذى حدثنا عنه الله فى القرآن من عالم الجن ، كان يعبد الله فى بداية أمره ، وسكن السماء مع الملائكة ، ودخل الجنة ، ثم عصى ربه عندما أمره أن يسجد لآدم استكباراً وعلواً وحسداً ، فطرده الله من رحمته .
والشيطان فى لغة العرب يطلق على كل عات متمرد ، وقد أطلق على هذا المخلوق لعتوه وتمرده على ربه .
وأطلق عليه لفظ ( الطاغوت )( الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت ، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) وهذا الاسم معلوم عند غالبية أمم الأرض بنفس اللفظ كما يذكر العقاد فى كتابه ( إبليس ) وإنما سمى طاغوتاً لتجاوزه حده ، وتمرده على ربه ، وتنصيبه نفسه إلهاً يعبد .
وقد يئس هذا المخلوق من رحمة الله ، ولذا أسماه الله ( إبليس ) والبلس فى لغة العرب من لا خير عنده ، وأبلس يئس وتحير .
ويذكر جمع من علماء السلف أن أسمه قبل أن يعصى ( عزازيل ) والله أعلم بمدى صحة ذلك .
·· طعام الجن وشرابهم :
- الجن والشيطان منهم ، يأكلون ويشربون ، ففى صحيح البخارى عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى - صلى الله عليه وسلم- أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها ، وقوله له : " ولا تأتيني بعظم ولا بروثة " ولما سأل أبو هريرة الرسول - صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك عن سر نهيه عن العظم والروثة ، قال : هما من طعام الجن ، وإنه أتانى وفد نصيبين – ونعم الجن – فسألونى الزاد ، فدعوت الله لهم : أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعاما " وفى سنن الترمذى بإسناد صحيح : " لا تستنجوا بالروث ، ولا بالعظام ، فإنه زاد إخوانكم من الجن " ( صحيح الجامع 2/154 ) وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود " أتانى داعى الجن فذهبت معه ، فقرأت عليهم القرآن ، قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد فقال : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى أيديكم لحما ، وكل بقرة علف لدوابكم ، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم- : " فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم " (1)
(1) إذا كنا منهيين عن إفساد طعام الجن فيحرم علينا من باب أولى إفساد طعام الإنس .
وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان يأكل بشماله ، وأمرنا بمخالفته فى ذلك ، روى مسلم فى صحيحه عن ابن عمر رضى الله عنهما ، أن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال : " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله "
وفى مسند أيضاً " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ههنا ، وإن دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله ، قال : أدركتم المبيت ، وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء " وأخرجه مسلم أيضا . ففى هذه النصوص دلالة قاطعة على ظان الشياطين تأكل وتشرب .
وكما أن الإنس منهيون عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من اللحوم ، فكذلك الجن المؤمنون جعل لهم - طعاماً كل عظم ذكر اسم الله عليه ، فلم يبح لمه متروك التسمية ، ويبقى متروك التسمية لكفرة الجن : الشياطين ، فإن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر عليه اسم الله ، ولأجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى ان الميتة طعام الشيطان ، لأنه لم يذكر اسم الله عليها .
واستنتج ابن القيم من قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ) ( سورة المائدة /90 ) أن المسكر شراب الشيطان ، فهو من الشراب الذى عمله أولياؤه بأمره ، وشاركهم فى عمله فيشاركهم فى شربه ، وإثمه وعقوبته . .
· هل يتزاوج الجن ويتكاثرون ؟
الذى يظهر ان الجن يقع منهم النكاح ، وقد استدل بعض العلماء على ذلك بقوله تعالى فى أزواج أهل الجنة ( لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان ) ( سورة الرحمن /56 ) وذكر صاحب ( لوامع الأنوار البهية ) حديثاً يحتاج إلى نظر فى إسناده ، يقول : ( إن الجن يتوالدون ، كما يتوالد بنو آدم ، وهم أكثر عدداً ) رواه ابن أبى حاتم ، وأبو الشيخ فى العظمة عن قتادة . وسواء أصح هذا الحديث أم لم يصح فإن الآية صريحة فى أن الجن يتاتى منهم الطمث وحسبنا هذا دليلاً .
وقد زعم قوم أن الجن لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يتناكحون ، وهذا القول تبطله الأدلة من الكتاب والسنة التى سقناها .
وبعض العلماء ذكر أن الجن أنواع منهم من يأكل ويشرب ومنهم من ليس كذلك ، يقول وهب بن منبه " الجن أجناس : فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يموتون ، ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس يأكلون ، ويشربون ، ويتوالون ، ويتناكحون ، ويموتون ، قال : وهى هذه السعالى والغول وأشباه ذلك " . أخرجه ابن جرير ( لوامع الأنوار 2/222 )
وهذا الذى ذكره وهب يحتاج إلى دليل . وقد حاول بعض العلماء الخوض فى الكيفية التى يأكلون بها ، هل هو مضغ وبلع ، او تشمم واسترواح ، والبحث فى ذلك خطا لا يجوز لأننا لا نعلم بالكيفية ، ولم يخبرنا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- .
· زواج الإنس والجن :
لا زلنا نسمع أن فلاناً من الناس تزوج جنية ، أو أن امرأة من الإنس خطبها جنى ، وقد ذكر السيوطى آثاراً وأخباراً عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكح بين الإنس والجن ويولد بينهما ولد وهذا كثير معروف "
وعلى فرض إمكان وقوعه فقد كرهه جمع من العلماء كالحسن وقتادة والحكم وإسحاق ، والإمام مالك – رحمه الله – لا يجد دليلا ينهى عن مناكحة الجن ، غير أنه لم يستحبه ، وعلل ذلك بقوله : " ولكنى أكره إذا وجدت امرأة حامل فقيل من زوجك ؟ قالت : من الجن فيكثر الفساد " .
وذهب قوم إلى المنع منذ لك ، واستدلوا على مذهبهم بان الله امتن على عباده من الإنس بأنه جعل لهم أزواجاً من جنسهم : ( ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ) ( سورة الروم /21 ) .
فلو وقع فلا يمكن ان يحدث التآلف والانسجام بين الزوجين لاختلاف الجنس ، فتصبح الحكمة من الزواج لاغية ، إذ لا يتحقق السكن والمودة المشار إليهما فى الآية الكريمة .
وعلى كل فهذه مسألة يزعم بعض الناس وقوعها فى الحاضر والماضى فإذا حدثت فهى شذوذ – قلما – يسأل فاعلها عن حكم الشرع فيها وقد يكون فاعلها مغلوباً على أمره لا يمكنه أن يتخلص من ذلك .
ومما يدل على إمكان وقوع التناكح بين الإنس والجن أن حور الجنة قال الله فيهن ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) ( سورة الرحمن /56 ) فدلت الآية على صلاحيتهن للإنس والجن على حد سواء .
· هل تموت الشياطين :
لا شك أن الجن ومنهم الشياطين يموتون ، إذ هم داخلون فى قوله تعالى :
( كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، فبأى آلاء ربكما تكذبان ) ( سورة الرحمن /26-28 )
وفى صحيح البخارى عن ابن عباس أن النبى - e - كان يقول :
( أعوذ بعزتك الذى لا إله إلا أنت ، الذى لا يموت ، والجن والإنس يموتون )
· مساكن الجن وأماكنهم وأوقات تواجدهم :
الجن يسكنون هذه الأرض التى نعيش فوقها ، ويكثر تواجدهم فى الخراب والفلوات ، ومواضع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر ، ولذلك – كما يقول ابن تيمية – ياوى إلى كثير من هذه الأماكن التى هى مأوى الشياطين : الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين ، وقد جاءت الأحاديث التى تنهى عن الصلاة فى الحمام ، لأجل ما فيها من نجاسة ، ولأنها مأوى الشياطين ، وفى المقبرة لأنها ذريعة إلى الشرك ، مع أن المقابر قد تكون مأوى للشياطين .
ويكثر تواجدهم فى الأماكن التى يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق ، فقد أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم- أحد أصحابه قائلاً : ( لا تكونن إن استطعت أول من تدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته ) رواه مسلم فى صحيحه .
والشياطين تبيت فى البيوت التى يسكنها الناس ، وتطردها التسمية وذكر الله وقراءة القرآن خاصة سورة البقرة وآية الكرسى منها ، وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم- أن الشياطين تنتشر ، وتكثر بحلول الظلام ، ولذا أمرنا أن نكف صبياننا فى هذه الفترة وهو حديث متفق عليه .
والشياطين تهرب من الأذان ولا تطيق سماع صوته ، وفى رمضان تصفد الشياطين .
· من مجالس الشياطين :
تحب الشياطين الجلوس بين الظل والشمس ، لذا نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم- عن الجلوس بينهما ، وهو حديث صحيح مروى فى السنن وغيرها .
· حيوانات تصاحبها الشياطين :
من هذه الحيوانات الإبل ، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- : ( إن الإبل خلقت من الشياطين ، وان وراء كل بعير شيطاناً ) رواه سعيد بن منصور فى سننه بإسناد مرسل حسن ( صحيح الجامع 2/52 ) ومن أجل ذلك نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة فى مبارك الإبل ، ففى مسند أحمد ، وسنن أبى داود أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لاتصلوا فى مبارك الإبل ، فإنها من الشياطين ، وصلوا فى مرابض الغنم فإنها بركة )
وفى سنن ابن ماجة بإسناد صحيح : ( ولا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين )
وهذه الأحاديث ترد على من قال بأن علة النهى عن الصلاة فى مبارك الإبل نجاسة أبوالها وروثها ، فالصحيح أن روث وبول ما يؤكل لحمه غير نجس .
· قبح صورة الشيطان :
الشيطان قبيح الصورة ، وهذا مستقر فى الأذهان ، وقد شبه الله ثمار شجرة الزقوم التى تنبت فى أصل الجحيم برؤوس الشياطين ن لما علم من قبح صورهم وأشكالهم ( إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم ، طلعها كأنه رؤوس الشياطين )
· قدراتهم :
أعطى الله الجن قدرة لم يعطها للبشر ، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم فمن ذلك - سرعة الحركة والانتقال :
فقد تعهد عفريت من الجن لنبى الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس فى مدة لا تجاوز قيام الرجل من جلوسه ، فقال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنى عليه لقوى أمين ، قال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، فلما رآه مستقراً عنده قال : هذا من فضل ربى ) ( سورة النمل / 39 – 40 )
- سبقهم الإنسان فى مجالات الفضاء :
ومنذ القدم كانوا يصعدون إلى أماكن متقدمة فى السماء ، فيسترقون أخبار السماء ليعلموا بالحديث قبل أن يكون فلما بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم- زيدت الحراسة فى السماء : ( وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهبا ، وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصداً )
وقد وضح الرسول - صلى الله عليه وسلم- كيفية استراقهم السمع ، فعن أبى هريرة يبلغ به النبى - صلى الله عليه وسلم- " إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان ، قال على وقال غيره : ينفذهم ذلك ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الذى قاله الحق ، وهو العلى الكبير ، فيسمعها مسترقو السمع ، ومستمعو السمع هكذا ، واحد فوق آخر ، ووصف سفيان بيده ، وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض ، فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمى بها إلى صاحبه فيحرقه ، وربما لم يدركه حتى يرمى بها إلى الذى يليه ، إلى الذى هو اسفل منه ، حتى يلقوها إلى الأرض ، وربما قال سفيان : حتى تنتهى إلى الأرض فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة ، فيصدق ، فيقلولون : ألم يخبرنا يوم كذا بكذا وكذا ، فوجدناه حقاً للتى سمعت من السماء " رواه البخارى فى صحيحه .
· علمهم بالإعمار والتصنيع :
أخبرنا الله أنه سخر الجن لنبيه سليمان ، فكانوا يقومون له بأعمال كثيرة تحتاج إلى قدرات وذكاء ومهارات ، (
ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ، ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير ، يعملون له ما يشاء من محاريب ، وتماثيل ، وجفان كالجواب ، وقدور راسيات ) ( سورة سبأ/13 ) .
ولعلهم قد توصلوا منذ القدم إلى اكتشاف مثل ( الراديو والتليفزيون ) فقد ذكر ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 11/309 ) أن بعض الشيوخ الذين كان لهم اتصال بالجن اخبره وقال له : " إن الجن يرونه شيئاً براقاً مثل الماء والزجاج ، ويمثلون له فيه ما يطلب منه من الأخبار به ، قال فأخبر الناس به ، ويوصلون إلى كلام من استغاث بى من أصحابى ، فأجيبه فيوصلون جوابى إليه " .
· قدرتهم على التشكيل :
للجن قدرة على التشكيل بأشكال الإنسان والحيوان ، فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر فى صورة سراقة بن مالك ، ووعد المشركين بالنصر ، وفيه أنزل : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ، وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم ) ( سورة الأنفال /48 ) .
ولكن عندما التقى الجيشان وعاين الملائكة تتنزل من السماء ولى هاربا : ( فلما ترآت الفئتان نكص على عقبيه ، وقال : إنى برئ منكم ، إنى أرى ما لا ترون ، إنى اخاف الله ) ( سورة الأنفال /48 ) وقد جرى مع أبى هريرة قصة طريفة رواها البخارى وغيره ، قال أبو هريرة : وكلنى رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتانى آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذاته ، وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : إنى محتاج ، وعلى عيال ، ولى حاجة شديدة ، قال فخليت عنه ، فأصبحت فقال النبى - صلى الله عليه وسلم- يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك البارحة ؟ قال : قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ن فرحمته ، فخليت سبيله ، قال أما إنه كذبك وسيعود ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إنه سيعود ، فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : دعنى . فإنى محتاج ، وعلى عيال ، لا أعود . فرحمته . فخليت سبيله ، فأصبحت . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك ؟ قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته . فخليت سبيله . قال : إما إنه كذبك وسيعود ، فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو الطعام ، فأخذاته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ، ثم تعود قال : دعنى أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى ( الله لا إله إلا هو الحى القيوم ) حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله ، فأصبحت ، فقال لى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمنى كلمات ينفعنى الله بها فخليت سبيله ، قال : ما هى ؟ قلت قال لى : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى من أولها حتى تختم الله لا إله إلا هو الحى القيوم ، وقال لى : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شئ على الخير ، قال النبى : أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال : لا قال : ذاك شيطان " فقد تشكل
هذا الشيطان فى صورة إنسان :
وقد يتشكل فى صورة حيوان : جمل أو حمار ، أو بقرة ، أو كلب أو قط .
خاصة الكلاب السود ، ولذا أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة وعلل ذلك بـأن ( الكلب الأسود شيطان ) يقول ابن تيمية : " الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيرا ، وكذلك بصورة القط الأسود ، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره ، وفيه قوة الحرارة " .
· جنان البيوت :
تتشكل الجان بشكل الحيات وتظهر للناس ، ولذا نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم** يكون هذ المقتول جنياً قد اسلم ، ففى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن بالمدينة نفراً من الجن قد أسلموا ، فمن رأى شيئاً من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثاً *** فانه شيطان "
وقد قتل أحد الصحابة حية من حيات البيوت ، فكان فى ذلك هلاكه ، روى مسلمك فى صحيحه : أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري فى بيته ، فوجده يصلي ، قال : فجلست أنتظره حتى يقضى صلاته ، فسمعت تحريكاً فى عراجين فى ناحية البيت ، فألتفت ، فاذا حية ، فوثبت لأقتلها ، فأشار الى أن أجلس ، فجلست ، فلما انصرف أشار الى بيت فى الدار ، فقال :
أترى هذا البيت ؟ قلت : نعم ..قال : كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس ، قال : فخرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنصاف النهار ، فيرجع الى أهله ، فأستأذنه يوماً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم" خذ عليك سلاحك ، فإنى أخشى عليك قريظة ، فأخذ الرجل سلاحه ، ثم رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها برمح ليطعنها به ، وأصابته غيره ، فقالت له : أكفف عليك رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذى أخرجني ، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ، ثم خرج ، فركزه فى الدار ، فاضطربت عليه ، فما يدرى أيهما كان اسرع موتاً : الحية أم الفتى ؟ قال : فجئنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم
فذكرنا ذلك له ، وقلنا أدع الله يحييه لنا ، فقال :
" استغفروا لصاحبكم " ثم قال : " أن بالمدينة جنا قد أسلموا ، فإذا رايتم منهم شيئاً فآذنوا ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان "
·
· خوف الشيطان وهربه من بعض عباد الله :
إذا تمكن العبد فى الإسلام ، ورسخ الإيمان فى قلبه ، وكان وقافا عند حدود الله فإن الشيطان يفرق منه ، ويفر منه ، كما قال الرسول -e- لعمر بن الخطاب : ( إن الشيطان ليفرق من يا عمر ) رواه أحمد والترمذى ، وابن حيان بإسناد صحيح ( صحيح الجامع 2/74 ) . وقال فيه أيضاً : " إنى لأنظر شياطين الجن والإنس فروا من عمر " رواه الترمذى بإسناد صحيح ( صحيح الجامع 2/329 )
وليس ذلك خاصا بعمر ، فإن من قوة إيمانه يقهر شيطانه ، ويذله كما فى الحديث : ( إن المؤمن لينصى شيطانه كما ينصى أحدكم بعيره فى السفر ) رواه أحمد ، قال ابن كثير فى ( البداية 1/73 ) بعد سوقه لهذا الحديث : ( ومعنى لينصى شيطانه : ليأخذ بناصيته ، فيغلبه ، ويقهره ، كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه ) .
وقد يصل الأمر أن يؤثر المسلم على قرينه الملازم له فيسلم ، أخرج الإمام أحمد فى مسنده ، ومسلم فى صحيحه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله -e- : ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة ) قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال :( وإياى، ولكن الله أعاننى عليه فلا يأمرنى إلا بخير )
· تسخير الجن لسليمان :
سخر الله لنبيه سليمان فى جملة ما سخر الجن ، والشياطين ، يعملون له ما يشاء ، ويعذب ويسجن العصاة منهم : ( فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب ، والشياطين كل بناء وغواص ، وآخرين مقرنين فى الأصفاد ) ( سورة ص/ 36-38 ) .
وقال فى سورة سبأ : ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ، يعملون له ما يشاء من محاريب ، وتماثيل ، وجفان كالجواب ، وقدور راسيات ) ، ( سورة سبأ 12-13 ) .
وهذا التسخير على هذا النحو استجابة من الله لعبده سليمان عندما دعاه وقال :
( وهب لى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى ) ( سورة ص /35 ) . وهذه الدعوة هى التى منعت نبينا محمد -e- من ربط الجنى الذى جاء بشهاب من نار ، يريد أن يرميه فى وجهه ، ففى صحيح مسلم عن أبى الدرداء قال : قام رسول الله -e- يصلى ، فسمعناه يقول : " أعوذ بالله منك " ، ثم قال : ( ألعنك بلعنة الله ثلاثا ) ، وبسط يده كأنه يتناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله ! قد سمعناك تقول فى الصلاة شيئاً ، لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك ، فقال : ( إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى ، فقلت : أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر ، ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة ) .
وقد تكرر هذا أكثر من مرة ففى صحيح مسلم أيضاً عن أبى هريرة أن الرسول -e- قال : ( إن عفريتا من الجن جعل يتفلت على البارحة ليقطع على الصلاة ، وإن الله مكننى منه ، فذعته ، فلقد هممت أن أربطه إلى جانب سارية من سوارى المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون ، او كلكم ، ثم ذكرت قول أخى سليمان رب اغفر لى ، وهب لى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى ، فرده الله خاسئاً )
· عجزهم عن الإتيان بالمعجزات :
لا تستطيع الجن الإتيان بمثل المعجزات التى جاءت بها الرسل تدليلاً على صدق ما جاءت به .
فعندما زعم بعض الكفرة أن القرآن من صنع الشياطين قال تعالى : ( وما تنزلت به الشياطين ، وما ينبغى لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ) ( سورة الشعراء / 210 – 212 ) .
وتحدى الله بالقرآن الإنس والجن : ( قل ك لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتاون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ( سورة الإسراء / 88 ) .
· لا يتمثلون بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فى الرؤيا :
والشياطين تعجز عن التمثل فى صورة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى الرؤيا : ففى الحديث الذى يرويه الترمذى فى سننه بإسناد صحيح : ( من رآنى فإنى انا هو ، فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بى ) ( الجامع الصحيح 5/293 )
والظاهر من الأحاديث أن الشيطان لا يتزيا بصورة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحقيقية ، ولا يمنعه هذا التمثل فى غير صورة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والزعم بأنه رسول الله .
ولذلك فلا يجوز أن يحتج بهذا الحديث على أن كل من رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى المنام أنه رآه حقاً ، إلا إذا كانت صفته هى الصفة التى روتها لنا كتب الحديث . وإلا فكثير من الناس يزعم أنه رآه على صورة مخالفة للصورة المروية فى كتب الثقات .
لا يستطيعون أن يتجاوزوا حدوداً معينة فى أجواز الفضاء:
قال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فأنفذوا ، لا تنفذون إلا بسلطان ، فبأى آلاء ربكما تكذبان ، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس ، فلا تنتصران )(سورة الرحمن 33-35 )
فمع قدراتهم وسرعة حركتهم لهم مجالات لا يستطيعون أن يتعدوها وإلا فإنهم هالكون .
· لا يستطيعون فتح باب أغلق وذكر اسم الله عليه :
أخبر بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول : ( أجيفوا الأبواب ، وأذكروا اسم الله عليها ، فإن الشيطان لا يفتح باباً أجيف عليه ) 0 رواه أبو داود ، وأحمد ، وابن حيان ، والحاكم ، بإسناد صحيح ( الجامع الصحيح 1/229 ) .
وفى الحديث المتفق عليه : ( فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقا ، واوكوا قربكم ، وأذكروا اسم الله ، وخمروا آنيتكم ، وأذكروا اسم الله ، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً ، وأطفئوا مصابيحكم ) 0 الجامع الصحيح 1/270 )
منقول
تحياتي
كيبوو
وسموا جناً لاجتنابهم أى استتارهم عن العيون ، ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) "
· أسماء الجن فى لغة العرب :
قال ابن عبد البر : الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان على مراتب :
1- فإذا ذكروا الجن خالصاً قالوا جنى .
2- فإذا أرادوا أنه مما يسكن مع الناس ، قالوا : عامر والجمع عمار .
3- فإن كان مما يعرض للصبيان قالوا : أرواح .
4- فإن خبث وتعرض قالوا : شيطان .
5- فإذا زاد أمره على ذلك وقوى أمره قالوا : عفريت .
· أصناف الجن :
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- فى هذا : ( الجن ثلاثة أصناف : فصنف يطير فى الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون )
· · · رؤية الحمار والكلب للجن :
إذا كنا لا نرى الجن فإن بعض الأحياء يرونهم كالحمار والكلب ، ففى مسند احمد ، وسنن أبى داود بإسناد صحيح عن جابر مرفوعا : " إذ سمعتم نباح الكلاب ، ونهيق الحمير بالليل ، فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنهن يرون ما لا ترون "
وهذا ليس غريبا فقد تحقق العلماء من قدرة بعض الأحياء على رؤية ما لا نراه ، فالنحل يرى الأشعة فوق البنفسجية ، ولذلك فإنه يرى الشمس حال الغيم ، والبومة ترى الفأر فى ظلمة الليل البهيم 000
· الشيطان والجان
الشيطان الذى حدثنا عنه الله فى القرآن من عالم الجن ، كان يعبد الله فى بداية أمره ، وسكن السماء مع الملائكة ، ودخل الجنة ، ثم عصى ربه عندما أمره أن يسجد لآدم استكباراً وعلواً وحسداً ، فطرده الله من رحمته .
والشيطان فى لغة العرب يطلق على كل عات متمرد ، وقد أطلق على هذا المخلوق لعتوه وتمرده على ربه .
وأطلق عليه لفظ ( الطاغوت )( الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت ، فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) وهذا الاسم معلوم عند غالبية أمم الأرض بنفس اللفظ كما يذكر العقاد فى كتابه ( إبليس ) وإنما سمى طاغوتاً لتجاوزه حده ، وتمرده على ربه ، وتنصيبه نفسه إلهاً يعبد .
وقد يئس هذا المخلوق من رحمة الله ، ولذا أسماه الله ( إبليس ) والبلس فى لغة العرب من لا خير عنده ، وأبلس يئس وتحير .
ويذكر جمع من علماء السلف أن أسمه قبل أن يعصى ( عزازيل ) والله أعلم بمدى صحة ذلك .
·· طعام الجن وشرابهم :
- الجن والشيطان منهم ، يأكلون ويشربون ، ففى صحيح البخارى عن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى - صلى الله عليه وسلم- أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها ، وقوله له : " ولا تأتيني بعظم ولا بروثة " ولما سأل أبو هريرة الرسول - صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك عن سر نهيه عن العظم والروثة ، قال : هما من طعام الجن ، وإنه أتانى وفد نصيبين – ونعم الجن – فسألونى الزاد ، فدعوت الله لهم : أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعاما " وفى سنن الترمذى بإسناد صحيح : " لا تستنجوا بالروث ، ولا بالعظام ، فإنه زاد إخوانكم من الجن " ( صحيح الجامع 2/154 ) وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود " أتانى داعى الجن فذهبت معه ، فقرأت عليهم القرآن ، قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد فقال : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى أيديكم لحما ، وكل بقرة علف لدوابكم ، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم- : " فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم " (1)
(1) إذا كنا منهيين عن إفساد طعام الجن فيحرم علينا من باب أولى إفساد طعام الإنس .
وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان يأكل بشماله ، وأمرنا بمخالفته فى ذلك ، روى مسلم فى صحيحه عن ابن عمر رضى الله عنهما ، أن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال : " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله "
وفى مسند أيضاً " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ههنا ، وإن دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله ، قال : أدركتم المبيت ، وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء " وأخرجه مسلم أيضا . ففى هذه النصوص دلالة قاطعة على ظان الشياطين تأكل وتشرب .
وكما أن الإنس منهيون عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من اللحوم ، فكذلك الجن المؤمنون جعل لهم - طعاماً كل عظم ذكر اسم الله عليه ، فلم يبح لمه متروك التسمية ، ويبقى متروك التسمية لكفرة الجن : الشياطين ، فإن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر عليه اسم الله ، ولأجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى ان الميتة طعام الشيطان ، لأنه لم يذكر اسم الله عليها .
واستنتج ابن القيم من قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ) ( سورة المائدة /90 ) أن المسكر شراب الشيطان ، فهو من الشراب الذى عمله أولياؤه بأمره ، وشاركهم فى عمله فيشاركهم فى شربه ، وإثمه وعقوبته . .
· هل يتزاوج الجن ويتكاثرون ؟
الذى يظهر ان الجن يقع منهم النكاح ، وقد استدل بعض العلماء على ذلك بقوله تعالى فى أزواج أهل الجنة ( لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان ) ( سورة الرحمن /56 ) وذكر صاحب ( لوامع الأنوار البهية ) حديثاً يحتاج إلى نظر فى إسناده ، يقول : ( إن الجن يتوالدون ، كما يتوالد بنو آدم ، وهم أكثر عدداً ) رواه ابن أبى حاتم ، وأبو الشيخ فى العظمة عن قتادة . وسواء أصح هذا الحديث أم لم يصح فإن الآية صريحة فى أن الجن يتاتى منهم الطمث وحسبنا هذا دليلاً .
وقد زعم قوم أن الجن لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يتناكحون ، وهذا القول تبطله الأدلة من الكتاب والسنة التى سقناها .
وبعض العلماء ذكر أن الجن أنواع منهم من يأكل ويشرب ومنهم من ليس كذلك ، يقول وهب بن منبه " الجن أجناس : فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ، ولا يموتون ، ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس يأكلون ، ويشربون ، ويتوالون ، ويتناكحون ، ويموتون ، قال : وهى هذه السعالى والغول وأشباه ذلك " . أخرجه ابن جرير ( لوامع الأنوار 2/222 )
وهذا الذى ذكره وهب يحتاج إلى دليل . وقد حاول بعض العلماء الخوض فى الكيفية التى يأكلون بها ، هل هو مضغ وبلع ، او تشمم واسترواح ، والبحث فى ذلك خطا لا يجوز لأننا لا نعلم بالكيفية ، ولم يخبرنا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- .
· زواج الإنس والجن :
لا زلنا نسمع أن فلاناً من الناس تزوج جنية ، أو أن امرأة من الإنس خطبها جنى ، وقد ذكر السيوطى آثاراً وأخباراً عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكح بين الإنس والجن ويولد بينهما ولد وهذا كثير معروف "
وعلى فرض إمكان وقوعه فقد كرهه جمع من العلماء كالحسن وقتادة والحكم وإسحاق ، والإمام مالك – رحمه الله – لا يجد دليلا ينهى عن مناكحة الجن ، غير أنه لم يستحبه ، وعلل ذلك بقوله : " ولكنى أكره إذا وجدت امرأة حامل فقيل من زوجك ؟ قالت : من الجن فيكثر الفساد " .
وذهب قوم إلى المنع منذ لك ، واستدلوا على مذهبهم بان الله امتن على عباده من الإنس بأنه جعل لهم أزواجاً من جنسهم : ( ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ) ( سورة الروم /21 ) .
فلو وقع فلا يمكن ان يحدث التآلف والانسجام بين الزوجين لاختلاف الجنس ، فتصبح الحكمة من الزواج لاغية ، إذ لا يتحقق السكن والمودة المشار إليهما فى الآية الكريمة .
وعلى كل فهذه مسألة يزعم بعض الناس وقوعها فى الحاضر والماضى فإذا حدثت فهى شذوذ – قلما – يسأل فاعلها عن حكم الشرع فيها وقد يكون فاعلها مغلوباً على أمره لا يمكنه أن يتخلص من ذلك .
ومما يدل على إمكان وقوع التناكح بين الإنس والجن أن حور الجنة قال الله فيهن ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) ( سورة الرحمن /56 ) فدلت الآية على صلاحيتهن للإنس والجن على حد سواء .
· هل تموت الشياطين :
لا شك أن الجن ومنهم الشياطين يموتون ، إذ هم داخلون فى قوله تعالى :
( كل من عليها فان ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، فبأى آلاء ربكما تكذبان ) ( سورة الرحمن /26-28 )
وفى صحيح البخارى عن ابن عباس أن النبى - e - كان يقول :
( أعوذ بعزتك الذى لا إله إلا أنت ، الذى لا يموت ، والجن والإنس يموتون )
· مساكن الجن وأماكنهم وأوقات تواجدهم :
الجن يسكنون هذه الأرض التى نعيش فوقها ، ويكثر تواجدهم فى الخراب والفلوات ، ومواضع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر ، ولذلك – كما يقول ابن تيمية – ياوى إلى كثير من هذه الأماكن التى هى مأوى الشياطين : الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين ، وقد جاءت الأحاديث التى تنهى عن الصلاة فى الحمام ، لأجل ما فيها من نجاسة ، ولأنها مأوى الشياطين ، وفى المقبرة لأنها ذريعة إلى الشرك ، مع أن المقابر قد تكون مأوى للشياطين .
ويكثر تواجدهم فى الأماكن التى يستطيعون أن يفسدوا فيها كالأسواق ، فقد أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم- أحد أصحابه قائلاً : ( لا تكونن إن استطعت أول من تدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته ) رواه مسلم فى صحيحه .
والشياطين تبيت فى البيوت التى يسكنها الناس ، وتطردها التسمية وذكر الله وقراءة القرآن خاصة سورة البقرة وآية الكرسى منها ، وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم- أن الشياطين تنتشر ، وتكثر بحلول الظلام ، ولذا أمرنا أن نكف صبياننا فى هذه الفترة وهو حديث متفق عليه .
والشياطين تهرب من الأذان ولا تطيق سماع صوته ، وفى رمضان تصفد الشياطين .
· من مجالس الشياطين :
تحب الشياطين الجلوس بين الظل والشمس ، لذا نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم- عن الجلوس بينهما ، وهو حديث صحيح مروى فى السنن وغيرها .
· حيوانات تصاحبها الشياطين :
من هذه الحيوانات الإبل ، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- : ( إن الإبل خلقت من الشياطين ، وان وراء كل بعير شيطاناً ) رواه سعيد بن منصور فى سننه بإسناد مرسل حسن ( صحيح الجامع 2/52 ) ومن أجل ذلك نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة فى مبارك الإبل ، ففى مسند أحمد ، وسنن أبى داود أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لاتصلوا فى مبارك الإبل ، فإنها من الشياطين ، وصلوا فى مرابض الغنم فإنها بركة )
وفى سنن ابن ماجة بإسناد صحيح : ( ولا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين )
وهذه الأحاديث ترد على من قال بأن علة النهى عن الصلاة فى مبارك الإبل نجاسة أبوالها وروثها ، فالصحيح أن روث وبول ما يؤكل لحمه غير نجس .
· قبح صورة الشيطان :
الشيطان قبيح الصورة ، وهذا مستقر فى الأذهان ، وقد شبه الله ثمار شجرة الزقوم التى تنبت فى أصل الجحيم برؤوس الشياطين ن لما علم من قبح صورهم وأشكالهم ( إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم ، طلعها كأنه رؤوس الشياطين )
· قدراتهم :
أعطى الله الجن قدرة لم يعطها للبشر ، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم فمن ذلك - سرعة الحركة والانتقال :
فقد تعهد عفريت من الجن لنبى الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس فى مدة لا تجاوز قيام الرجل من جلوسه ، فقال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنى عليه لقوى أمين ، قال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، فلما رآه مستقراً عنده قال : هذا من فضل ربى ) ( سورة النمل / 39 – 40 )
- سبقهم الإنسان فى مجالات الفضاء :
ومنذ القدم كانوا يصعدون إلى أماكن متقدمة فى السماء ، فيسترقون أخبار السماء ليعلموا بالحديث قبل أن يكون فلما بعث الرسول - صلى الله عليه وسلم- زيدت الحراسة فى السماء : ( وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهبا ، وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصداً )
وقد وضح الرسول - صلى الله عليه وسلم- كيفية استراقهم السمع ، فعن أبى هريرة يبلغ به النبى - صلى الله عليه وسلم- " إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان ، قال على وقال غيره : ينفذهم ذلك ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الذى قاله الحق ، وهو العلى الكبير ، فيسمعها مسترقو السمع ، ومستمعو السمع هكذا ، واحد فوق آخر ، ووصف سفيان بيده ، وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض ، فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمى بها إلى صاحبه فيحرقه ، وربما لم يدركه حتى يرمى بها إلى الذى يليه ، إلى الذى هو اسفل منه ، حتى يلقوها إلى الأرض ، وربما قال سفيان : حتى تنتهى إلى الأرض فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة ، فيصدق ، فيقلولون : ألم يخبرنا يوم كذا بكذا وكذا ، فوجدناه حقاً للتى سمعت من السماء " رواه البخارى فى صحيحه .
· علمهم بالإعمار والتصنيع :
أخبرنا الله أنه سخر الجن لنبيه سليمان ، فكانوا يقومون له بأعمال كثيرة تحتاج إلى قدرات وذكاء ومهارات ، (
ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ، ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير ، يعملون له ما يشاء من محاريب ، وتماثيل ، وجفان كالجواب ، وقدور راسيات ) ( سورة سبأ/13 ) .
ولعلهم قد توصلوا منذ القدم إلى اكتشاف مثل ( الراديو والتليفزيون ) فقد ذكر ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 11/309 ) أن بعض الشيوخ الذين كان لهم اتصال بالجن اخبره وقال له : " إن الجن يرونه شيئاً براقاً مثل الماء والزجاج ، ويمثلون له فيه ما يطلب منه من الأخبار به ، قال فأخبر الناس به ، ويوصلون إلى كلام من استغاث بى من أصحابى ، فأجيبه فيوصلون جوابى إليه " .
· قدرتهم على التشكيل :
للجن قدرة على التشكيل بأشكال الإنسان والحيوان ، فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر فى صورة سراقة بن مالك ، ووعد المشركين بالنصر ، وفيه أنزل : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ، وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم ) ( سورة الأنفال /48 ) .
ولكن عندما التقى الجيشان وعاين الملائكة تتنزل من السماء ولى هاربا : ( فلما ترآت الفئتان نكص على عقبيه ، وقال : إنى برئ منكم ، إنى أرى ما لا ترون ، إنى اخاف الله ) ( سورة الأنفال /48 ) وقد جرى مع أبى هريرة قصة طريفة رواها البخارى وغيره ، قال أبو هريرة : وكلنى رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتانى آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذاته ، وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : إنى محتاج ، وعلى عيال ، ولى حاجة شديدة ، قال فخليت عنه ، فأصبحت فقال النبى - صلى الله عليه وسلم- يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك البارحة ؟ قال : قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ن فرحمته ، فخليت سبيله ، قال أما إنه كذبك وسيعود ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إنه سيعود ، فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : دعنى . فإنى محتاج ، وعلى عيال ، لا أعود . فرحمته . فخليت سبيله ، فأصبحت . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك ؟ قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته . فخليت سبيله . قال : إما إنه كذبك وسيعود ، فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو الطعام ، فأخذاته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ، ثم تعود قال : دعنى أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى ( الله لا إله إلا هو الحى القيوم ) حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله ، فأصبحت ، فقال لى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت يا رسول الله زعم أنه يعلمنى كلمات ينفعنى الله بها فخليت سبيله ، قال : ما هى ؟ قلت قال لى : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى من أولها حتى تختم الله لا إله إلا هو الحى القيوم ، وقال لى : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شئ على الخير ، قال النبى : أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال : لا قال : ذاك شيطان " فقد تشكل
هذا الشيطان فى صورة إنسان :
وقد يتشكل فى صورة حيوان : جمل أو حمار ، أو بقرة ، أو كلب أو قط .
خاصة الكلاب السود ، ولذا أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة وعلل ذلك بـأن ( الكلب الأسود شيطان ) يقول ابن تيمية : " الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن تتصور بصورته كثيرا ، وكذلك بصورة القط الأسود ، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره ، وفيه قوة الحرارة " .
· جنان البيوت :
تتشكل الجان بشكل الحيات وتظهر للناس ، ولذا نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم** يكون هذ المقتول جنياً قد اسلم ، ففى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن بالمدينة نفراً من الجن قد أسلموا ، فمن رأى شيئاً من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثاً *** فانه شيطان "
وقد قتل أحد الصحابة حية من حيات البيوت ، فكان فى ذلك هلاكه ، روى مسلمك فى صحيحه : أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري فى بيته ، فوجده يصلي ، قال : فجلست أنتظره حتى يقضى صلاته ، فسمعت تحريكاً فى عراجين فى ناحية البيت ، فألتفت ، فاذا حية ، فوثبت لأقتلها ، فأشار الى أن أجلس ، فجلست ، فلما انصرف أشار الى بيت فى الدار ، فقال :
أترى هذا البيت ؟ قلت : نعم ..قال : كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس ، قال : فخرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنصاف النهار ، فيرجع الى أهله ، فأستأذنه يوماً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم" خذ عليك سلاحك ، فإنى أخشى عليك قريظة ، فأخذ الرجل سلاحه ، ثم رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها برمح ليطعنها به ، وأصابته غيره ، فقالت له : أكفف عليك رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذى أخرجني ، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ، ثم خرج ، فركزه فى الدار ، فاضطربت عليه ، فما يدرى أيهما كان اسرع موتاً : الحية أم الفتى ؟ قال : فجئنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم
فذكرنا ذلك له ، وقلنا أدع الله يحييه لنا ، فقال :
" استغفروا لصاحبكم " ثم قال : " أن بالمدينة جنا قد أسلموا ، فإذا رايتم منهم شيئاً فآذنوا ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان "
·
· خوف الشيطان وهربه من بعض عباد الله :
إذا تمكن العبد فى الإسلام ، ورسخ الإيمان فى قلبه ، وكان وقافا عند حدود الله فإن الشيطان يفرق منه ، ويفر منه ، كما قال الرسول -e- لعمر بن الخطاب : ( إن الشيطان ليفرق من يا عمر ) رواه أحمد والترمذى ، وابن حيان بإسناد صحيح ( صحيح الجامع 2/74 ) . وقال فيه أيضاً : " إنى لأنظر شياطين الجن والإنس فروا من عمر " رواه الترمذى بإسناد صحيح ( صحيح الجامع 2/329 )
وليس ذلك خاصا بعمر ، فإن من قوة إيمانه يقهر شيطانه ، ويذله كما فى الحديث : ( إن المؤمن لينصى شيطانه كما ينصى أحدكم بعيره فى السفر ) رواه أحمد ، قال ابن كثير فى ( البداية 1/73 ) بعد سوقه لهذا الحديث : ( ومعنى لينصى شيطانه : ليأخذ بناصيته ، فيغلبه ، ويقهره ، كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه ) .
وقد يصل الأمر أن يؤثر المسلم على قرينه الملازم له فيسلم ، أخرج الإمام أحمد فى مسنده ، ومسلم فى صحيحه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله -e- : ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة ) قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال :( وإياى، ولكن الله أعاننى عليه فلا يأمرنى إلا بخير )
· تسخير الجن لسليمان :
سخر الله لنبيه سليمان فى جملة ما سخر الجن ، والشياطين ، يعملون له ما يشاء ، ويعذب ويسجن العصاة منهم : ( فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب ، والشياطين كل بناء وغواص ، وآخرين مقرنين فى الأصفاد ) ( سورة ص/ 36-38 ) .
وقال فى سورة سبأ : ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ، يعملون له ما يشاء من محاريب ، وتماثيل ، وجفان كالجواب ، وقدور راسيات ) ، ( سورة سبأ 12-13 ) .
وهذا التسخير على هذا النحو استجابة من الله لعبده سليمان عندما دعاه وقال :
( وهب لى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى ) ( سورة ص /35 ) . وهذه الدعوة هى التى منعت نبينا محمد -e- من ربط الجنى الذى جاء بشهاب من نار ، يريد أن يرميه فى وجهه ، ففى صحيح مسلم عن أبى الدرداء قال : قام رسول الله -e- يصلى ، فسمعناه يقول : " أعوذ بالله منك " ، ثم قال : ( ألعنك بلعنة الله ثلاثا ) ، وبسط يده كأنه يتناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله ! قد سمعناك تقول فى الصلاة شيئاً ، لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك ، فقال : ( إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله فى وجهى ، فقلت : أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر ، ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة ) .
وقد تكرر هذا أكثر من مرة ففى صحيح مسلم أيضاً عن أبى هريرة أن الرسول -e- قال : ( إن عفريتا من الجن جعل يتفلت على البارحة ليقطع على الصلاة ، وإن الله مكننى منه ، فذعته ، فلقد هممت أن أربطه إلى جانب سارية من سوارى المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون ، او كلكم ، ثم ذكرت قول أخى سليمان رب اغفر لى ، وهب لى ملكاً لا ينبغى لأحد من بعدى ، فرده الله خاسئاً )
· عجزهم عن الإتيان بالمعجزات :
لا تستطيع الجن الإتيان بمثل المعجزات التى جاءت بها الرسل تدليلاً على صدق ما جاءت به .
فعندما زعم بعض الكفرة أن القرآن من صنع الشياطين قال تعالى : ( وما تنزلت به الشياطين ، وما ينبغى لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ) ( سورة الشعراء / 210 – 212 ) .
وتحدى الله بالقرآن الإنس والجن : ( قل ك لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتاون بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ( سورة الإسراء / 88 ) .
· لا يتمثلون بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فى الرؤيا :
والشياطين تعجز عن التمثل فى صورة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى الرؤيا : ففى الحديث الذى يرويه الترمذى فى سننه بإسناد صحيح : ( من رآنى فإنى انا هو ، فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بى ) ( الجامع الصحيح 5/293 )
والظاهر من الأحاديث أن الشيطان لا يتزيا بصورة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحقيقية ، ولا يمنعه هذا التمثل فى غير صورة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والزعم بأنه رسول الله .
ولذلك فلا يجوز أن يحتج بهذا الحديث على أن كل من رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى المنام أنه رآه حقاً ، إلا إذا كانت صفته هى الصفة التى روتها لنا كتب الحديث . وإلا فكثير من الناس يزعم أنه رآه على صورة مخالفة للصورة المروية فى كتب الثقات .
لا يستطيعون أن يتجاوزوا حدوداً معينة فى أجواز الفضاء:
قال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فأنفذوا ، لا تنفذون إلا بسلطان ، فبأى آلاء ربكما تكذبان ، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس ، فلا تنتصران )(سورة الرحمن 33-35 )
فمع قدراتهم وسرعة حركتهم لهم مجالات لا يستطيعون أن يتعدوها وإلا فإنهم هالكون .
· لا يستطيعون فتح باب أغلق وذكر اسم الله عليه :
أخبر بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول : ( أجيفوا الأبواب ، وأذكروا اسم الله عليها ، فإن الشيطان لا يفتح باباً أجيف عليه ) 0 رواه أبو داود ، وأحمد ، وابن حيان ، والحاكم ، بإسناد صحيح ( الجامع الصحيح 1/229 ) .
وفى الحديث المتفق عليه : ( فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقا ، واوكوا قربكم ، وأذكروا اسم الله ، وخمروا آنيتكم ، وأذكروا اسم الله ، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً ، وأطفئوا مصابيحكم ) 0 الجامع الصحيح 1/270 )
منقول
تحياتي
كيبوو