المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية من ماضي الكويت/ ختمة القرآن الكريم / بقلمي



حواء غرابيل
14-02-2012, 12:00 PM
في أحد الأ حياء الكويتية القديمة تقطع ( أم احمد) الدرب الترابي المتعرج( الفريج)
بخطى متأنية باتجاه بيت معين لتطرقه ويأتي من الداخل استفهام:
- من الطارق ؟
- أنا أم احمد يامطوعة.
يصر الباب الخشبي العتيق منفرجاً... تدلف أم احمد بين السلام والترحيب ، ويغلق الباب مصحوباً بصريره...
- ياأختي ! يامطوعة مكية! قصدتك راغبة في الحاق ابنتي تحت جناح رعايتك ؛ لتعلميها القرآن الكريم ، فقد بلغت السن التي يجب فيها أن تستنير بكتاب الله تعالى وتختمه، *وإنني أرجو الخير على يديك.
- على بركة الله . عيناي لك( واشارت الى عينيها دليل مودة)
- هل ترغبي ياعزيزتي أن ندفع نظير ذلك " كطوعة" (- عند نهاية ختم القرآن-)
أم خميسية -( كل خميس- )؟
- لافرق ! كما تحبين.
- الخير كثير ، وما دمت خيرتني فسأدفع خميسية. أما المداد ( الحصير الذي يستعمل للجلوس) فهذه روبية لأجله. تفضلي..
- ألف شكر تكفي نصف ربية.
- لا والله ( ترد يد المطوعة التي همت بإعادة النقود) تأخذينها وهي قليلة *، أنت تنورين عقول بناتنا بكتاب الله. وأي شيء اعظم من ذلك؟ ! أجرك أكبرعند الله تعالى.
مطوعة مكية تتنهدواضعة يدها على صدرها ، تنبع عيناها بالمحبة:
- ياأم احمد أنت لاتدرين مقدارفرحتي حين تختم إحدى بناتي القرآن ، الدنيا لاتسعني عندها ، والغبطة تملأ فؤادي ، كأنني في عرس . اللهم أدم نعمتك! (ترفع يدها بالدعاء وتمسح شبح دمعة بطرف ملفعها).
وبين عبارات الثناء، والأخذ والعطاء تدور أقداح شاى الترحيب معطرابشذى ( الدوّةً) يحمل النكهة والطعم والمحبة.
وقبل ان تخرج أم أحمد تلقي بآخر استفساراتهاالتي طرأت على ذاكرتها:*
- آه .. نسيت سؤالك كيف ستكون فترات الدراسة ؟ وهل من شيء آخر تحتاجه فاطمة( اسم ابنتها) ؟؟
- ( بعد عمري) التعليم من الصبح حتى أذان الظهر . وبعد الغداء مرة أخرى حتى*
أذان المغرب ، وما تحتاج غير ( قرشة الماي) مثل كل البنات.
- إن شاء الله ! استودعك الله. * * * * * - أمانة الله.
تمر الشهور وفاطمة مكبة على إجادة قراءة القرآن وفهم وحفظ ماتيسر منه ، حتى تصبح متمكنة *تشهد بذلك لها المطوعة العريقة ، فتعلن انها قد ختمت القرآن الكريم
ويالها من فرحة وشرف عظيمين للمطوعة ولأهل فاطمة إنه عرس السماء!!
هنا نرى فاطمة في ابهى حلة وأشرق وجه كأنها طير *يرفرف بلا جناح لا تسعها الدروب الضيقة وحولها قريناتهايزهين بلباسهن ويرتدين ( البخانق) المزركشة والحلي البسيطة البراقة والنساء خلفهن حاملات الصواني مليئة ب( النون) والحلوى وماء الورد والبخور.. *ويصل الركب الى المحطة!!.....
وفي حوش المطوعة الواسع حيث لاأمتار قليلة تحد كل دار *، نشهد فاطمة تضع بيدالمطوعة شيء ما.. وتقبلها فتحتضنها المطوعة . تجلس فاطمة على ( المطرح)
مع المطوعة - فهي صاحبة الشأن- وحولهما الفتيات وعلي الجانبين الأمهات ، والصواني تنتظر .
تبدأ المطوعة بقراءة الفاتحة، وجزء من سورة البقرة ، ثم ..... التحميدة ، وبعد كل مقطع تردد الأصوات فرحة متهللة بحماس( آمين!) :
الحمد لله الذي هدانا..... للدين والإسلام اجتبانا
سبحانه من خالق سبحانه.. بفضله علمنا القرآنا
نحمده وحقه أن يحمدا... حمدا كثيراً ليس يحصى عددا
ثم الصلاة كلما الحادي حدا... على النبي الهاشمي محمدا
علمني معلمٌ ماقصرا... رددني في درسه وكررا
إني تعلمت كتابا أكبرا ... حتى قرأت مثله كما قرا
جزاك الله ياوالدي الجنانا.. وشيد الله لك البنيانا
وأنت ياأمي فنعم الوالدة...عسى نراك في الجنان قاعدة
الجد والجدة لا تنساهما... فعند ربي الله جزاهما
أعطوا المعلم حقه عظيما... لأنه كان بنا رحيما
الحمد لله الحميد المبدي... سبح له طير السما والرعد
ويفوح البخور... ويرش ماء الورد.... وتلقى أكف السخاء الحلوى الملونة لتتزاحم في التقاطها الأيدي ، ويعبق أريج المحبة ، وتدور الأحاديث البهيجة وأخبار الفريج في جو من البساطة الذي يثمن هذه البهجة، ويمتنّ لها ، ويعيش لحظاتها في زمن الأصالة .. في زمن الجار للجار والكل جيران... في زمن القليل الثمين .. لكل شيء*
قيمة .. ولكل شيء موضع ... لاشيء يضيع . أما النفوس فكانت غنية في زمن الحاجة ... غنية بمشاركتها .. بعطائها... بوفائها... بتفانيها.*
ألا ماأصعب الزمن الغني بالمادة الفقيرالى كل ما كان ثم ... ضاع.
يخلو بيت المطوعةمكية... حيث تطوي الدروب الذاهبين .. يخيم الهدوء على الدار...يبدأ الغروب ينشر ظلاله ...فتعم السكينة ...وتلملم المطوعة الوحيدة البقايا...
بعد أن تغلق بابها ويجاوبها صريره ... ثم يغلق كتاب.... الماضي !!!!..*
*