المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المخارج والصفات.. بين تأصيل القدامي وأوهام بعض المحدثين



أهــل الحـديث
12-02-2012, 12:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المخارج والصفات.. بين



تأصيل القدامي وأوهام



بعض المحدثين



بقلم :



أبي عمر عبد الحكيم عبد الرازق

فـولى








إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما.

ثم أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم ..

إن أعظم ما وهبه الله لعباده المؤمنين أنه أوكَل لنفسه حفظ كتابه بعيدا عن أيدي البشر ، حيث حَرفت الأمم السالفة كتبها ، وغيروا أحكامها ولذلك خص الله هذه الأمة بهذه المزية قال تعالي : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون } وقال أيضًا : { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } وقال : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كثيرًا } فهو محفوظ من قبل رب العالمين .. قال الإمام الرازي ـ رحمه الله ـ : فإن قيل : فلم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في المصحف وقد وعد الله تعالى بحفظه وما حفظه الله فلا خوف عليه . ؟

والجواب : أن جمعهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله تعالى إياه ، فإنه تعالى لما أن حفظه قيضهم لذلك .... ولما كان محفوظاً عن الزيادة ولو جاز أن يظن بالصحابة أنهم زادوا لجاز أيضًا أن يظن بهم النقصان ، وذلك يوجب خروج القرآن عن كونه حجة ... وقال آخرون : المراد بالحفظ هو أن أحداً لو حاول تغييره بحرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا : هذا كذب وتغيير لكلام الله تعالى، حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له كل الصبيان : أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا ، فهذا هو المراد من قوله : { وَإِنَّا لَهُ لحافظون } واعلم أنه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ ، فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير ..)أ.هـ. 9/284 بتصرف واختصار

.

وقد أجاد الشيخ محمد على خلف الحسيني ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن الإمام السيوطي في أهمية إقامة حروف القرآن كما ينبغي لأنها عبادة : ( والأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وأحكامه متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من الأئمة القراء المتصلة بالحضرة النبوية ) اهـ" القول السديد في بيان حكم التجويد" صـ10

فإقامة الحروف أمر مهم عند قراءة القرآن ، ولذا كان الخلاف بين الفقهاء في حكم وجوب التجويد ( والأخذ بالتجويد حتمٌ لازمُ من لم يجود القرآن آثم ) يدل على أن ابن الجزري ـ رحمه الله ـ يرى وجوب التجويد ، والعلامة ابن الجزري ـ رحمه الله ـ من فقهاء الشافعية وولي القضاء مرتين ولابد من توفر شروط الفقيه فيمن ولي قضاء دمشق عام 793هـ، وكذا ولي القضاء بشيراز ، وليس كما ذهب بعض الأفاضل من أنه من علماء القراءات دون الفقه .

قال الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ (مايو 1997القرآن والسنة ) هل تجب قراءة الأحاديث النبوية بالأحكام التى تتبع فى قراءة القرآن الكريم ؟

قراءة القرآن الكريم لها حالتان ، الحالة الأولى وهى الحد الأدنى فى الصحة أن يحافظ على نطق الحروف بإخراجها من مخارجها حتى لا تشتبه الزاى بالذال ، أو الثاء بالسين مثلا، وأن يكون المد للمدود بالحد الأدنى الطبيعى الذى يتبين منه أن الحرف ممدود . وهذا الحد واجب ..)ا.هـ فتاوي الأزهر ج8ص120

وذهب الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ إلي وجوب التجويد أيضًا حيث قال : وعلى الإنسان أن يقرأ القرآن بأحكام التجويد ؛ لأن الله تعالى يقول : (ورتّل القرآن ترتيلا) ، فإذا قرأته كما تقرأ أيّ كتابٍ آخر لم تكن ترتّله ، فلا بدّ من قراءته بأحكام التجويد ، ... أمّا أن يُطلَب الدليلُ من الكتاب والسنة على هذه الأحكام ؛ فهذا الطلبُ أصلًا خطأ ؛ لأن هذه الأحكام كلّها وصلتنا بالتواتر العملي ، فنحن تعلّمنا قراءة القرآن من أشياخنا وآبائنا بهذه الطريقة ، وهم تعلّموا بنفس الطريقة من مشايخهم وآبائهم ، وهكذا إلى عهد الصحابة الذين أخذوه عن الرسول.وفي هذا القدر كفاية ، والحمد لله أولاً وآخراً)ا.هـ ألف فتوى للشيخ الالباني ج13ص15

ولما كان علم التجويد بهذه الأهمية شرعت في محاولة مني في المساهمة بتوضيح ما أبهم في هذا العلم ، فقد تنوعت بعض الألسن حول حقيقة أداء بعض الأحرف ، فخالف قلة زعموا ضعف بعض الأحرف عند قراء العصر ، أو عدم مطابقة بعض الأحرف لوصف قدامي العلماء ، وهذا لا شك أنه وهْمٌ وضلال ، وزيغ ومحض افتراء .

وما عليه القراء هو الذي عقدت عليه الخناصر ، واتفقت عليه الألسن ، وارتضته الآذان ، وهو الذي عليه الأكثر وهو الأسير والأشهر .

والذي حدا بي إلي الشروع أو الخوض في هذه المسألة ما قرأته وسمعته من بعض شيوخ القراءة من تغاير في نطق بعض الأحرف بطريقة مخالفة لما عليه السادة القراء أئمة القراءة ، الذين إليهم المنتهى في الأداء والتلاوة .

ولما وجدتُ هذا النطق غريبا علي ألسنتنا ، ولم تتقبله آذاننا ، ورفضته سجيتنا ، خطر لي أن أبحث هذه المسألة ؛ لأبين بالأدلة الدامغة ، والحجج القاطعة ، غرابة هذا الأداء ، وتباعده عن الأغلبية والشهرة ، وأنه مخالف للمقروء به وما عليه قراؤنا ، وما هو مستقرٌّ في الأداء ، وقد قسمت الكتاب إلي مقدمة رسمت فيها خريطة الرسالة ، ومهدت فيها السبل للوصول إلي حقيقة الأداء .

فقد قمت بعرض سريع لمخارج الحروف قصدت فيه عرض طريقة القدامي في طرحهم لقضية مخارج الحروف وصفاتها بيسر وسهولة دون تعقيد. ثم قمت بمناقشة بعض المسائل التي اختلف فيها بعض الشيوخ .

قال ابن الجزري ـ رحمه الله ـ في كتاب النشر :

المخرج الأول - الجوف- وهو للألف ، والواو الساكنة المضموم ما قبلها ، والياء الساكنة المكسور ما قبلها.

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : وهذه الحروف تسمى حروف المد واللين، وتسمى الهوائية والجوفية .

قال الخليل : وإنما نسبن إلى الجوف ؛ لأنه آخر انقطاع مخرجهن.

قال مكي : وزاد غير الخليل معهن الهمزة ؛ لأن مخرجها من الصدر وهو متصل بالجوف .

قلت : الصواب اختصاص هذه الثلاثة بالجوف دون الهمزة لأنهن أصوات لا يعتمدن على مكان حتى يتصلن بالهواء بخلاف الهمزة.

المخرج الثاني- أقصى الحلق- وهو للهمزة والهاء. فقيل : على مرتبة واحدة ، وقيل : الهمزة أول.

المخرج الثالث- وسط الحلق- وهو للعين والحاء المهملتين. فنص مكي على أن العين قبل الحاء وهو ظاهر كلام سيبويه وغيره. ونص شريح على أن الحاء قبل وهو ظاهر كلام المهدوي وغيره.

المخرج الرابع- أدنى الحلق إلى الفم- وهو للغين والخاء ، ونص شريح على أن الغين قبلُ. وهو ظاهر كلام سيبويه أيضاً، ونص مكي على تقديم الخاء ، وقال الأستاذ أبو الحسن علي بن محمد بن خروف النحوي : إن سيبويه لم يقصد ترتيباً فيما هو من مخرج واحد.

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : وهذه الستة الأحرف المختصة بهذه الثلاثة المخارج هي الحروف الحلقية.

المخرج الخامس ـ أقصى اللسان مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك ـ وهو للقاف، وقال شريح : إن مخرجها من اللهاة مما يلي الحلق ومخرج الخاء .

المخرج السادس- أقصى اللسان من أسفل مخرج القاف من اللسان قليلاً وما يليه من الحنك- وهو للكاف.

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : وهذان الحرفان يقال لكل منهما لهوى ، نسبة إلى اللهاة وهي بين الفم والحلق.

المخرج السابع- للجيم والشين المعجمة ، والياء غير المدية من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك ويقال : إن الجيم قبلها. وقال المهدوي : إن الشين تلي الكاف، والجيم والياء يليان الشين.

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : وهذه هي الحروف الشجرية.

المخرج الثامن : للضاد المعجمة- من أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس من الجانب الأيسر عند الأكثر، ومن الأيمن عند الأقل وكلام سيبويه يدل على أنها تكون من الجانبين، وقال الخليل: إنها أيضاً شجرية يعني من مخرج الثلاثة قبله ، والشجرة عنده مفرج الفم- أي مفتحه- وقال غير الخليل: وهو مجمع اللحيين عند العنفقة، فلذلك لم تكن الضاد منه.

المخرج التاسع- اللام- من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه وما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية.

المخرج العاشر- للنون- من طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا أسفل اللام قليلاً.

المخرج الحادي عشر- للراء- وهو من مخرج النون من طرف اللسان بينه وبين ما فوق الثنايا العليا ، غير أنها أدخل في ظهر اللسان قليلاً .

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : وهذه الثلاثة يقال لها : الذلقية ، نسبة إلى موضع مخرجها وهو طرف اللسان. إذ طرف كل شيء ذلقه.

المخرج الثاني عشر- للطاء والدال والتاء- من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مصعداً إلى جهة الحنك .

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : ويقال لهذه الثلاثة : النطعية ؛ لأنها تخرج من نطع الغار الأعلى وهو سقفه.

المخرج الثالث عشر- لحروف الصفير وهي: الصاد والسين والزاي- "من بين طرف اللسان فويق الثنايا السفلى" ويقال في الزاي زاء بالمد وزِيّ بالكسروالتشديد.

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : وهذه الثلاثة الأحرف هي الأسلية ؛لأنها تخرج من أسلة اللسان وهو مستدقه.

المخرج الرابع عشر- للظاء ، والذال ، والثاء "من بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا" .

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : ويقال لها : اللثوية . نسبة إلى اللثة. وهو اللحم المركب فيه الأسنان.

المخرج الخامس عشر- للفاء- "من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا".

المخرج السادس عشر- للواو غير المدية ، والباء ، والميم- بما بين الشفتين- فينطبقان على الباء والميم.

ثم بين ابن الجزري (لقبها) فقال : وهذه الأربعة الأحرف يقال لها : الشفهية والشفوية ، نسبة إلى الموضع الذي تخرج منه وهو الشفتان.

المخرج السابع عشر- الخيشوم- وهو للغنة وهي تكون في النون والميم الساكنتين حالة الإخفاء أو ما في حكمه من الإدغام بالغنة ، فإن مخرج هذين الحرفين يتحول من مخرجه في هذه الحالة عن مخرجهما الأصلي على القول الصحيح كما يتحول مخرج حروف المد من مخرجهما إلى الجوف على الصواب ، وقول سيبويه : إن مخرج النون الساكنة من مخرج النون المتحركة إنما يريد به النون الساكنة المظهرة.)أ.هـ

هكذا كان الأئمة يختصرون مخارج الحروف ؛ لأن المشافهة أصل أصيل ولا تكفي النصوص بمفردها ؛ لأن الكتابة لا يمكن أن تأتي بالوصف كما ينبغي ؛ لأن الحروف تقرب ولا توصف مهما كانت دقة واصفه ، وهذا ما عليه الأئمة قاطبة ، وإليك بعض نصوصهم التي تؤكد ضرورة المشافهة وعدم الركون للمكتوب فقط :

قال الداني في التحديد ـ بعد ذكره لمخارج الحروف ـ قال : ( فهذه حروف التجويد بأصولها وفروعها على مراتبها ومخارجها ، وقد شرحناها وبيَّنا حقائقها ، لتحفظ بكمالها ، ويقاس عليها أشكالها ، وجميع ذلك يضطر في تصحيحه إلى الرياضة ، ويحتاج في أدائه إلى المشافهة ، لينكشف خاص سره ، ويتضح طريق نقله وبالله التوفيق )أ.هـ في كتابه التحديد ص168

وقال الداني ـ بعد ذكره المدود والإمالات وغيرها من الأصول ـ : فجميع ما ذكرناه ووصفنا حقيقته من الأصول التي تتكرر والفروع التي تتردد فالقراء مضطرون إلي علمه ومعرفته ، ولا يتحقق لهم ذلك إلا بالمشافهة ورياضة الألسن ، لغموضه وخفي سره وبالله التوفيق)أ.هـ التحديد صـ101 .

وقال سيبويه : (... وهذه الحروف التي تتمتها اثنين وأربعين جيدها ورديئها ، أصلها التسعة والعشرون، لا تتبين إلا بالمشافهة ..)أ.هـ [1]وقال في موضع آخر: ( فأما الذين يشبعون فيمططون ، وعلامتها واوٌ وياءٌ ، وهذا تحكمه لك المشافهة. وذلك قولك : يضربها ، ومن مأمنك.)أ.هـ الكتاب 1/448

وقال ابن جني في الخصائص : ( والمعنى الجامع لهذا كله تقريب الصوت من الصوت ؛ ألا ترى أنك في "قطَّع" ونحوه قد أخفيت الساكن الأول في الثاني حتى نبا اللسان عنهما نبوةً واحدةً ، وزالت الوقفة التي كانت تكون في الأول لو لم تدغمه في الآخر...وهذا إنما تحكمه المشافهة.)أ.هـ1/153

وقال العلامة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة المعروف بأبي زرعة (...وورش عن نافع والقواس عن ابن كثير يهمزان الأولى ويلينان الثانية ويشيران بالكسر إليها .. وهذا باب تحكمه المشافهة لا الكتابة..)أ.هـ كتابه حجة القراءات 1/92

وقول الداني : " ومحتاج إلي المشافهة " ينهي كل خلاف وكل قول ، وقال ابن زنجلة : " وهذا باب تحكمه المشافهة لا الكتابة.."أ.هـ ، وعليهم أن يعلموا أن الأمة لا تجتمع على ضلالة . ولكن تنزلا معهم نورد لهم ما يطلبون من النصوص التي تخالف ما يذهبون إليه في بعض المسائل ، وكثيرا ما نجدهم يعلقون بمقالة ( لا يوجد نص في كتب القدامي يقول بهذا ) وكأنهم اطلعوا علي سائر نصوص الأئمة القدامي وهو أمر لم يحدث بدليل وجود بعض النصوص عن القدامي تخالف ما ذهبوا إليه .

وأعرض نموذجا لبعض ما يوجد في كتب التجويد المعاصرة من مخالفات للقراء سواء كانوا معاصرين أم قدامي ، مع أنهم دعاة إلي التمسك بنصوص القدامي وعدم الخروج عن نصوصهم ، وكأن المعاصرين يجتهدون في المسائل دون معتمدٍ لهم علي كلام القدامي ثم يخرجون عمّا عليه القدامي ، وذلك لظنهم أنهم يأتون بجديد في علم التجويد فبلغوا غاية البعد لاهم وافقوا القديم ولا وافقوا الحديث .

والمسائل التي سنعرضها إما أن تكون مسألة من باب الخلاف اللفظي ـ أي من جهة تحليل المسألة وليس من جهة تغاير النطق ـ .

وإما من باب الخلاف الحقيقي ـ أي من باب تغاير اللفظ بين الفريقين .

مسألة

الجوف :

في بيان اختلاف علماء القراءة واللغة والنحاة في مخرج الجوف :

اختلفوا في مخرج الجوف علي قولين :

الأول : من قالوا : بإسقاط مخرج الجوف .

فقد أسقطوا مخرج الجوف وجعلوا حروفه على مخارج الحلق واللسان والشفتين .

فجعلوا مخرج "الألف" من أقصى الحلق مع الهمزة والهاء .

و"الياء"من وسط اللسان مع الياء المتحركة أو الساكنة بعد فتح .

و" الواو" من الشفتين مع الواو المتحركة أو الساكنة بعد فتح كذلك .

وكذا جعلوا مخرج اللام والنون والراء مخرجًا واحدًا وهو طرف اللسان مع ما يحاذيه .

وجنح لهذا القول الفراء والجرمي وقطرب ومن تبعهما .

والمخارج على هذا المذهب أربعة مخارج عامة وهي : الحلق ، واللسان ، والشفتان ، والخيشوم .

ففي الحلق ثلاثة مخارج ، وفي اللسان ثمانية ، وفي الشفتين مخرجان ، وفي الخيشوم واحد .

قال ابن الجزري : وقال كثير من النحاة والقراء هي ستة عشر فأسقطوا مخرج الحروف الجوفية التي هي حروف المد واللين . وجعلوا مخرج " الألف " من أقصى الحلق " والواو" من مخرج المتحركة وكذلك " الياء" .

وذهب قطرب والجرمي والفراء وابن دريد وابن كيسان إلى أنها أربعة عشر حرفًا فأسقطوا مخرج النون واللام والراء وجعلوها من مخرج واحد وهو طرف اللسان ، والصحيح عندنا الأول لظهور ذلك في الاختبار ) أ.هـ في النشر (1/198) .

ووافقهم من قالوا بأنها المخارج ستة عشر مخرجًا :

وإلى هذا القول جنح الإمام سيبويه ومن تبعه كالإمامَيْنِ الجليليْنِ الشاطبي وابن بريّ ومن تبعهم .

قال سيبويه : ولحروف العربية ستة عشر مخرجًا : فللحلق منها ثلاثةٌ ؛ فأقصاها مخرجًا : الهمزة والهاء والألف ... ) أ.هـ الكتاب (1/448) .

قال الشاطبي :فأبدا منها بالمخارج مردفا *** لهن بمشهور الصفات مفصلا )

( ثلاثٌ بأقصى الحلق واثنان وسطه ** ................

وقد ترك مخرج الجوف وبدأ بمخرج الحلق ثم أكمل بقية المخارج . وقد سبق حكاية هذا المذهب في النشر .

الثاني : قالوا : بوجود مخرج الجوف :

فقد قالوا بمخرج الجوف وجعلوا حروف المد فيه ثابتة لم توزع كما وُزِّعَت فيما سبق .

وكذلك فَرَّقُوا بين مخارج اللام والنون والراء ، وجعلوها ثلاثة مخارج بدلاً من مخرج واحد على مذهب من جعل المخارج أربعة عشر ... وإلى هذا القول جنح الخليل بن أحمد شيخ سيبويه والمحقق ابن الجزري ومن تبعهما .

فقد سبق تعريف ابن الجزري لمخرج الجوف بأنهن أصوات لا يعتمدن على مكان حتى يتصلن بالهواء ، إلا أن فضيلة الشيخ الدكتور أيمن سويد ـ حفظه الله ـ قال عند محاولة الجمع بين قوليّ الفريقين : " ابن الجزري والخليل ومن تبعهم جعلوا للواو المدية مخرجا مغايرا لمخرج الواو المتحركة ، وجعلوا للياء مخرجا مغايرا لمخرج الياء المتحركة ... ثم قال فضيلته : " من قال بالجوف نظر إلي اهتزاز الحبلين الصوتتين . " ا.هـ

وقوله (من قال بالجوف نظر إلي اهتزاز الحبلين الصوتتين )

وهل من قال بالجوف من القدامي نظروا إلي اهتزاز الحبلين الصوتتين فحكموا بالجوف ؟ أو كانوا يعرفون أي شيئ عن موضوع اهتزاز الحبلين؟

هذا كلام غير صحيح فاهتزاز الحبلين الصوتيين من أقوال أهل الأصوات وكان عليه أن ينسب هذا التعليل لنفسه أو للصوتيين ، وهو قول محدث لا يصح أن ننسبه تعليلا لاختيار القدامي لمخرج الجوف ، بل من قال بالجوف نظر لنهاية انقطاع الصوت ولذا قال ابن الجزري : المخرج الأول - الجوف- وهو للألف والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها. وهذه الحروف تسمى حروف المد واللين ، وتسمى الهوائية والجوفية ، قال الخليل : وإنما نسبن إلى الجوف لأنه آخر انقطاع مخرجهن.)أ.هـ

وقوله ناقلا عن الخليل :" آخر انقطاع مخرجهن " دلالة علي أنه نظر لنهاية الصوت .

ويدلك علي هذا أنه كان في التمهيد قد تبني مذهب سيبويه ـ كما ذكر أ.فرغلي عرباوي في الحواشي المفهمة ـ وقد ذكر معللا لاختياره لمذهب الخليل : (فللحلق ثلاثة مخارج لسبعة أحرف : فمن أقصاه الهمزة والألف لأن مبدأه من الحلق ولم يذكر الخليل هذا الحرف هنا والهاء ... )

فلا فرق حقيقة الأمر بين الفريقين في نطق أحرف المد .

فمن أين جاء فضيلته باهتزاز الوترين من كلام الأئمة ؟ وفضيلته دائما ينبه علي التمسك بما عليه القدامي .



يتبع إن شاء الله

--------------------------------------------------------------------------------