المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تُقبل توبة ساب النبي صلى الله عليه وسلم ؟.



أهــل الحـديث
11-02-2012, 08:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



هل تُقبل توبة ساب النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل الأفضل أن يعترف بها للقاضي؟

السؤال : بخصوص المسلم الذي قام بسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم سرّاً منافق ! ، وقام بإخفاء ذلك : فهل إذا تاب دون أن يُقتل فهل يَقبل الله توبته لكي يكون مسلماً لأنه أصبح كافراً ، أم أنه يجب أن يعلن ما قام به لكي يتم إعدامه قبل أن يقبل الله عودته للإسلام مجدداً ؟ .

الجواب :
الحمد لله
أولاً :
الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة من أركان الإسلام ، وقد أُمر المسلمون بتعظيم نبيهم صلى الله عليه وسلم ومحبته ، وهو مستحق لذلك ؛ لما له عند الله تعالى من منزلة رفيعة ، ولما له من فضل على هذه الأمة ، فقد كان سبباً في خروجها من جاهليتها ، وسبباً في حصول كل خير لها ، فكيف يجتمع هذا مع تجرؤ واحد من المسلمين على سب النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
ولهذا اتفق العلماء على أن من سب النبي ****صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
إنَّ سبَّ الله أو سبَّ رسوله كفر ظاهراً وباطناً ، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرَّم أو كان مستحلاًّ له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء ، وسائر أهل السنَّة القائلين بأن الإيمان قول وعمل .
" الصارم المسلول " ( 1 / 513 ) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 40 / 61 ) :
"ورد في الكتاب العزيز تعظيم جُرم تنقص النبي صلى الله عليه وسلم أو الاستخفاف به ، ولعن فاعله ، وذلك في قول الله تعالى : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهيناً ) ، وقوله تعالى : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) ، وقد ذهب الفقهاء إلى تكفير من فعل شيئاً من ذلك" انتهى .

وجاء فيها – أيضاً - ( 22 / 184 ) :
"وحكم سابِّه صلى الله عليه وسلم أنه مرتد بلا خلاف" انتهى .

وإذا كان ساب النبي صلى الله عليه وسلم مرتداً ، فعقوبته الشرعية هي القتل ، بلا خلاف بين العلماء .

قال ابن المنذر رحمه الله :
"أجمع عامة أهل العلم على أنَّ مَن سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عليه القتل" انتهى .
انظر " تفسير القرطبي " ( 8 / 82 ) .

وقال الخطابي رحمه الله :
"لا أعلم أحداً مِن المسلمين اختلف في وجوب قتله" انتهى .
" معالم السنن " ( 3 / 295 ) .

ثانياً :****
إذا تاب مَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وندم على ما فعل ، ورجع إلى الإسلام ، فهذه التوبة تنفعه فيما بينه وبين الله ، فيكون مسلماً مؤمناً عند الله تعالى ، أما قتله فلا يرتفع عنه وجوب القتل ، فيقتل مسلماً ، فيغسَّل ويصلَّى عليه ويورث ويُدفن في مقابر المسلمين ، أما المرتد الذي لم يرجع إلى الإسلام فيقتل كافراً .

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
هل تُقبل توبة من سب الله عز وجل أو سبَّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ .
فأجاب :

"اختُلف في ذلك على قولين :

القول الأول : أنها لا تُقبل توبة من سبَّ الله ، أو سب رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو المشهور عند الحنابلة ، بل يُقتل كافراً ، ولا يصلَّى عليه ، ولا يُدعى له بالرحمة ، ويُدفن في محل بعيد عن قبور المسلمين .

القول الثاني : أنها تُقبل توبة من سبَّ الله أو سب رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا علمنا صدق توبته إلى الله ، وأقرَّ على نفسه بالخطأ ، ووصف الله تعالى بما يستحق من صفات التعظيم ؛ وذلك لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة ، كقوله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) ، ومِن الكفار مَن يسب الله ومع ذلك تقبل توبتهم ، وهذا هو الصحيح ، إلا أن ساب الرسول عليه الصلاة والسلام تُقبل توبته ويجب قتله ، بخلاف مَن سبَّ الله فإنها تقبل توبته ولا يقتل ؛ لأن الله أخبرنا بعفوه عن حقه إذا تاب العبد ، بأنه يغفر الذنوب جميعًا ، أما ساب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإنه يتعلق به أمران :

أحدهما : أمر شرعي لكونه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهذا يُقبل إذا تاب .

الثاني : أمر شخصي ، وهذا لا تُقبل التوبة فيه لكونه حق آدمي لم يعلم عفوه عنه ، وعلى هذا فيقتل ولكن إذا قتل ، غسلناه ، وكفناه ، وصلينا عليه، ودفناه مع المسلمين .

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد ألَّف كتاباً في ذلك اسمه " الصارم المسلول في تحتم قتل ساب الرسول " وذلك لأنه استهان بحق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكذا لو قذفه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه يقتل ولا يجلد .

فإن قيل : أليس قد ثبت أنَّ مِن الناس مَن سب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته وقَبِل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توبته ؟ .

أجيب : بأن هذا صحيح ، لكن هذا في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والحق الذي له قد أسقطه ، وأما بعد موته فإنه لا يملك أحدٌ إسقاط حقِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فيجب علينا تنفيذ ما يقتضيه سبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، من قتل سابِّه ، وقبول توبة الساب فيما بينه وبين الله تعالى.

فإن قيل : إذا كان يحتمل أن يعفو عنه لو كان في حياته : أفلا يوجب ذلك أن نتوقف في حكمه ؟ .

أجيب : بأن ذلك لا يوجب التوقف ؛ لأن المفسدة حصلت بالسب ، وارتفاع أثر هذا السب غير معلوم ، والأصل بقاؤه .

فإن قيل : أليس الغالب أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعفو عمَّن سبَّه ؟ .

أجيب : بلى ، وربما كان العفو في حياة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متضمِّناً المصلحة وهي التأليف ، كما كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلَم أعيان المنافقين ولم يقتلهم ( لِئلاَّ يتحدث الناس أن محمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ ) لكن الآن لو علمنا أحداً بعينه من المنافقين : لقتلناه ، قال ابن القيم رحمه الله : " إن عدم قتل المنافق المعلوم : إنما هو في حياة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 2 / 150 ، 152 ) .

لكن .. ما دام الأمر لم يصل إلى القاضي ، فالمشروع للمسلم أن يستر على نفسه ، وأن لا يذهب إلى القاضي ليعترف بجريمته ، بل يجتهد في التوبة والاستغفار ويكثر من الأعمال الصالحة حتى يغفر الله له ، قال الله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 ، وقال تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) النحل/119 .

والله أعلم

موقع الاسلام سؤال وجواب .. الشيخ محمد المنجد
http://islamqa.info/ar/ref/150989