المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أُسُسُ بِنَاءِ الدَّوْلَةِ فِي دَعْوَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ – رَحِمَهُ اللهُ - [صوتية ومفرغة]



أهــل الحـديث
08-02-2012, 06:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله ، وبعد:
فهذا تفريغ مني لمحاضرة معالي الشيخ العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله والتي كانت بعوان


أُسُسُ بِنَاءِ الدَّوْلَةِ فِي دَعْوَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ – رَحِمَهُ اللهُ -

أسأل الله الكريم أن يحفظ الشيخ وينفع بعلمه، ويجعل هذا الجهد في ميزان حسناتي وحسنات الشيخ .

والمحاضرة صوتيا من تسجيل الأخ الكريم يوسف النالي جزاه الله خيرا

الجزء الأول:
http://majalis-aldikr.com/upload/001.mp3

الجزء الثاني:
http://majalis-aldikr.com/upload/002.mp3

والتفريغ في المرفقات


أسس بناء الدولة
في
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب


محاضرة ألقاها:
معالي الشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
- حفظه الله ورعاه -
وزير الشؤون الإسلامية الأوقاف والدعوة الإرشاد

ضمن سلسلة المحاضرات العلمية لملتقى الإمام محمد بن عبد الوهاب
المقام بجدة عام 1433 هـ


فرغها واعتنى بها: حاتم فتح الله




مقدمة الشيخ الدكتور سعود الخلف
- حفظه الله ووفقه -

... وبارك الله في جهده، ونشر الله تبارك وتعالى علمه، وآزره في ذلك الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى، فكان البيان من الشيخ والسنان من الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى، فأنتج لنا ذلك ثمارا وغرسا لا نزال نتفيأ ظلاله، ونهتدي به ونسوس حياتنا بعد حمد الله عز وجل على نهجه، وأنتج لنا دولة مباركة يحكمها آل سعود، وتدين لله عز وجل بما جدد وبما دعا وبما أبرز من معالم الدين، ذلك الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.

فحق علينا جميعا أيها الإخوة أن نكون وولاتنا يدا واحدة متآزرين متكاتفين، ما استطعنا إليه من عمل في القيام بواجب النصح والمحافظة على الجماعة مؤدين، وما لا ندعو الله جل وعلا لهم بالليل والنهار أن الله تبارك وتعالى يحفظهم ويسدد خطاهم، ويرفع رايتهم ويكبت عدوهم.

أيها الجمع المبارك في هذا اليوم نفتتح هذا الملتقى عن هذا الرجل الإمام محمد بن عبد الوهاب، في محاضرة لأحد أحفاده وأعلام هذا الزمان معالي الوزير الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية الأوقاف والدعوة الإرشاد، بمحاضرة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعنوان:
"أسس بناء الدولة في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب"
ونفتتح هذه الملتقى بهذه المحاضرة، وسنختمها إن شاء الله تعالى يوم الخميس القادم بمحاضرة للأحد أحفاده أيضا وهو فضيلة الدكتور حسين بن عبد العزيز آل الشيخ إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، والقاضي بالمدينة المنورة.

ونحن إخواني في الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب بالتضامن مع وزارة لشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة الإرشاد في جدة، نسعد في هذا اللقاء ونحرص على أن يكون إن شاء الله لقاءا مباركا، ولا يخفى عليكم أن الجمعية هي إحدى منظومات الجمعيات العلمية تحت وزارة التعليم العالي، وتتبع للجامعة الإسلامية كلية الدعوة وأصول الدين قسم العقيدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ويقوم على إدارتها مجلس يتكون من عدة علماء أفاضل وأساتذة كرماء من عدة جامعات في المملكة العربية السعودية.

إخواني الكرام لا أحب أن أطيل عليكم، ولا أن آخذ من أوقاتكم وإنما أترككم لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ في محاضرته الماتعة متع الله به في الدارين، وقبل أن أختم هذه افتتاحية أنوه بالشكر لفرع الوزارة في جدة الشيخ سعيد البركي وإخوته العاملين معه على تسهيل هذا الملتقى، كما لا يفوتني أن أشكر القائمين على مسجد خديجة بغلف في ما أعدوا له من هذا الملتقى، أيضا ولا يفوتني أن أنوه بالشكر لمن قاموا بالنقل لهذه المحاضرات وهذا الملتقى وعلى رأسهم إذاعة نداء الإسلام التابعة لوزارة الإعلام في المملكة العربية لسعودية، وأترككم مع فضيلة الشيخ فليتفضل مشكورا مأجورا مسددا. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

محاضرة معالي الشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
- حفظه الله ورعاه -
وزير الشؤون الإسلامية الأوقاف والدعوة الإرشاد

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد.
جزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وصلى الله وسلم وبارك عليه كلما صلى عليه المصلون، وصلى الله وسلم وبارك عليه كلما غفل عن الصلاة عليه الغافلون، وسلم اللهم تسليما مزيدا.

أما بعد:

فإني أحمد الله تعالى إليكم أن هيأ لنا بعض أسباب العلم النافع الذي هو حياة القلوب، وهو حقيقة ما جاء به الأنبياء والمرسلون -(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)- [طه/114]، فالعلم النافع هو العلم بالله جل جلاله، فهو أنفع العلوم وأرفعها قدرا لأن به سعادة الدنيا، و به سعادة الآخرة، فإن شرف العلم يكون بشرف المعلوم، وعلوم الدين متعلقة بالله جل وعلا و بشرعه وكلامه ونبيه صلى الله عليه وسلم، وكتابه، وبآخرته والجنة والنار.
هذا كله يعطي نتيجة شرف العلم الشرعي، لأن المعلوم به وهي هذه الأمور التي ذكرنا من الآخرة وأركان الإيمان، وأعظمها الإيمان بالله تعالى، هذه إنما تكون بالعلم النافع، فلذلك أوصي نفسي وإخواني جميعا وأخواتي ومن سمع ، أن يستزيدوا من هذا العلم وأن لا يرغبوا عنه إلى غيره، لأنه هو أساس العلوم التي بها سعادة المرء في الدنيا والآخرة.
ومما يؤثر عن الإمام الشافعي محمد بن إدريس الشافعي الإمام المعروف المتوفى سنة أربع ومائتين رحمه الله تعالى أنه قال: لما توجهت إلى الطلب - أي طلب العلم - نظرت في العلوم، فوجدت أفضلها علمين: علم الأديان وعلم الأبدان، - يعني علم الشريعة علم الدين، وعلم الأبدان يعني الطب -، ثم تأملت فوجدت علم الأديان يصلح الدنيا والآخرة، وعلم الأبدان يصلح الدنيا، فأخذت بما يصلح الدنيا والآخرة. و هذا حقيقة العقل فيما توجه إليه وكلٌ له شرب وكلٌ ميسر لما خُلِق له.

وفي فاتحة هذا الملتقى الذي سيستمر بضعة أيام، أشكر لأصحاب الفضيلة في الجمعية السعودية لعلوم العقيدة جهدهم في تنظيم هذا الملتقى والملتقيات الأخرى، وأخص أخي وزميلي فضيلة الدكتور سعود خلف وفقه الله لما فيه رضاه وعلى تقديمه المبارك، ولاشك أن هذه الملتقيات تعطي الكثير من الفوائد.

أيها الإخوة:
موضوع هذه المحاضرة اختاره المنظمون، وجعلوا عنوانه:
"أسس بناء ا لدولة في دعوة الشيخ محمد بن بد الوهاب رحمه الله تعالى"

ولاشك أن الدولة مفهوم قديم وليس بالمفهوم الجديد، فالدولة تعني ما يجمع الإنسان على أرض وبنظام يحكمه، فما يجمع الإنسان على أرض في نظام، قانون، شريعة هذا يسمى دولة، تجمع الناس على أرض بنظام يحكمهم ويدينون له تكونت الدولة، وهنا من لوازمها أن يكون هناك رأس لهذه الدولة.
فتنظيم الدولة ضرورة إنسانية لتصلح حالة الناس، ولذلك ما جاء كتاب من كتب الله تعالى، ولا جاء رسول عليهم أفضل الصلاة والسلام إلا وهم يحرصون ويدعون ويؤسسون للشريعة التي تحكم الناس في علاقاتهم بعضهم ببعض، وفي علاقتهم بأرضهم، وفي علاقتهم بالآخرين.
وهذا من مقتضيات العقل أيضا كما قال شاعر العرب:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
لهذا مفهوم الدولة هو مفهوم ضروري لحياة الإنسان، ولابد للناس من دولة تحكمهم ويجتمعون فيها، والدولة أساسها اجتماع الناس في مكان، لكن أساسها هو التشريع الذي يحكم هذه الدولة.

الدول المتعاقبة في التاريخ كانت متنوعة، منها دول خلافة، وهذه جاءت في خلافة الأنبياء وخلافة الراشدين لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما شابه ذلك، وكانت هناك دول مَلَكِيَّة كثيرة، وكانت هناك إمبراطوريات مختلفة، وللسياسيين تعريف لكل واحدة من هذه ولغيرها.
وفي العصر الحديث جاءت الجمهوريات على اختلاف أنواعها، وجاءت الاتحادات أيضا على اختلاف مشاربها. لكن هذه كلها أشكال متنوعة لشكل الدولة، كون الدولة خلافة أو مَلَكِيَّة أو جمهورية أو إمبراطورية هذه أشكال، فهل هذا الشكل من أنواع الحكم أو أنواع الحكومات التي تقوم عليها الدول؟ هل هو محدد شرعا أم إن الشريعة مُطْلِقَةٌ هذا الخيار؟

هنا نقدم بمقدمة وهي أن: نظام الدولة أو شكل الدولة، بمعنى هل هو ملكي أو جمهوري أو إمبراطوري، أو ما شابه ذلك؟ هذا الشكل هو عبارة عن وسيلة لتحقيق مراداة النظام الحاكم، تحقيق مراداة الشريعة، تحقيق مراداة القانون الذي يحكم في أي شكل من أشكال الدولة.
و لذلك لم يرع الشرع لشكل الدولة كما رعى لنظامها، لذلك تجد أن الحاكم - بعض الحكومات - تكون خلافة راشدة، وتكون مُلْكاً، والأنبياء منهم من هو نبي مَلِكٌ، منهم من هو نبي خليفة وهكذا.
المهم قيام أسس الدولة الذي هو أساس أو هو الهدف والغاية من وجود شكل الدولة، شكل الدولة أي شكل كان لابد أن يحكم بهذا النظام المعين، فإذا تحقق النظام الذي فيه سعادة الناس كان النظام صالحا، ولذلك يقسم علماء الساسة الحكم إلى نوعين: حكم صالح، وحكم فاسد.
- الحكم الصالح هو الذي طُبِّق فيه التشريع العادل.
- والحكم الفاسد هو الذي تُرِك فيه تطبيق التشريع الصالح.

فإذا تركنا الشريعة الصالحة إلى نُظُمٍ فاسدة صار الحكم فاسدا، وإذا تمسكنا بالشرع الصالح الذي ستأتي سماته صار الحكم صالحا، ولذلك بإجماع أهل العقل والرأي والذين بحثوا في السياسة وفي نُظُمِ الدول، أجمعوا على أن العدل إذا صاحب أي شكل من أشكال الحكم فإنه يكون حكما صالحا، قد يكون - طبعا الخلافة الراشدة هذا صورة من صور العدل لأنها لم تُسَمَّ خلافة وراشدة إلا لأنها صورة من صور العدل والحكم الصالح - قد يكون النظام ملكي عاض، لكن فيه العدل فيكون حكما صالحا، ويعتريه الفساد بقدر ما ترك من أسس هذا الحكم الصالح.
النظام الإمبراطوري يكون صالحا، الدولة العثمانية أول ما نشأت إمبراطورية، ولذلك تسمى الإمبراطورية العثمانية، نشأت على أنها إمبراطورية حلت محل الإمبراطورية البيزنطية بشكل آخر ... لكن اسمها الإمبراطورية العثمانية، لكن قامت - في أولها - على تحكيم الشرع والقيام بالعدل وأسباب الحكم الصالح.

فإذن هنا أشكال متنوعة الهدف مها الحكم الصالح، لأن الحكم الصالح هو الذي فيه التعبد لله جل وعلا بإقرار حكمه في الأرض -(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)- [المائدة/49] هذا الحكم -(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)- [المائدة/50]، الحكم الصالح هو الهدف هو الغاية.








[أسس بناء الدولة من المنظور الإسلامي]

[ الأساس الأول: العدل في حق الله وبين الناس ]
هذا الحكم الصالح له أسس، الحكم الصالح أساسه العدل، هذا العدل قد يطبق فيه شرائع مختلفة وقوانين، ويكون الحكم صالحا بالاعتبار البشري، يعني قد يطبق في بلد ما بدون تحكيم للشريعة، هو من حيث العدل يعتبر حكما صالحا باعتبار الساسة، لكن بالاعتبار الديني والإسلامي ومنهاج النبوة لا يكون الحكم صالحا حتى يجتمع فيه أمران:
* أولا: العدل، والعدل ليس هو العدل بين الناس، أوله العدل في حق الله جل وعلا بأن لا يعبد إلا الله جل وعلا، وأن لا يطاع إلا أمره، وأن لا يُنِْتَهَى إلا عن نهيه سبحانه وتعالى، وأن تُحَّكم شريعته، ويقضى بين العباد بحكم شريعته وما أنزل من كتاب.

* الثاني: العدل بين الناس، بأن يُقام بينهم العدالة في أنفسهم، في أعراضهم في دمائهم، في أموالهم، وأن يكونوا سواسية أمام شرع الله جل و علا وأمام النظام والقانون.
وهذا به يتحقق العدل في حق الله جل وعلا، والعدل في حق المخلوقين، فإذا اجتمع العدلان كان هو النظام الإسلامي والتشريع الصالح، وهذا جاء في القرآن وفي السنة في مواضع عدة كقول الله جل وعلا: -(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)- [ص/26]، وهذا -(إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)- دل على أن النبي خليفة ونبي مَلِك أوجب الله عليه أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، وما أنزل الله جل وعلا هو العدل وألا يتبع الهوى. فهـذا هو الأصـل الأول من أصــول الحكم الصـالح، والأساس الأول لبناء الدولة الصالحة.
و العدل هنا بين الناس والحكم بينهم بالحق به يتحقق الأمن والأمان، لأن شعور الإنسان في دولته يعني في أرضه ومع الناس في زمانه وفي أرضه، شعوره بالعدل يشعره بالكرامة، يشعره بالطمأنينة، يشعره كما أنه يعطي و يأخذ، وهذا من أسباب وجود الأمان العام الاجتماعي الذي معه يكون الناس مستقرين مطمئنين لا ينازعون الولاة، ولا ينازع بعضهم بعضا.

[ الأساس الثاني: القيام بحق الله جل وعلا ]
- الأساس الثاني من أسس بناء الدولة كما جاء في القرآن هو القيام بحق الله جل وعلا في العبادات، إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأُخِر هذا عن العدل لأن العدل في إقامة السموات والأرض وهو مطلب ليس للإنسان، وعدل عام يشمل التعامل مع الإنسان ويشمل التعامل مع الحيوان ويشمل التعامل مع الشجر ويشمل التعامل مع البيئة، قال جل وعلا: -(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)- [الحج/41]، فجعل من سمات الذين مَكَّنَهُم الله جل وعلا في الأرض ورضي عنهم، أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون المعروف وينهون عن المنكر.

[ الأساس الثالث: وحدة التشريع الحاكم للناس ]
- أيضا من الأسس، من أسس بناء الدولة في علاقاتها بين الناس: أن يكون التشريع الذي يحكمهم تشريع واحد، لأنه إذا كانت هناك عدة تشريعات تحكم، فإنه يكون هناك عدة مرجعيات للعدالة، وإذا كانت هناك عدة مرجعيات للعدالة حصلت هناك الإحَن والخلافات، والأهواء أيضا دخلت وهذه مهمة لما سيأتي بيانه في تطبيقها على قيام الدولة في عهد الإمامين.
ولذلك جاء في القرآن أن الحكم يجب أن يكون بشريعة الله -(فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ)- [المائدة/42] وقال: -(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)- [المائدة/50] وقال: -(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)- [المائدة/45]، وقال: -(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)- [المائدة/47]، وقال: -(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)- [المائدة/44].
وهنا ذكر الظلم وذكر الفسق وذكر الكفر، تكرارها في آية المائدة تكرار الثلاث له دلالة؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله هو يؤدي إلى الفسق، ولا يمكن واحد يختار غير حكم الله تعالى إلا أنه فاسق على أقل درجاته، لابد أن يكون فيه فسق في نفسه جعله يذهب عن حكم الله الذي لا أحسن منه إلى غيره، كذلك العدول عن حكم الله فيه ظلم، والظلم ليس معناه الظلم في حق المعين في كل قضية، قد يحكم بشريعة من الشرائع بين اثنين ويكون هناك عدالة اقتضاها العقل، أو اقتضتها التجارب، اقتضتها الحقوق، لكن العدل الكامل في حق الله جل وعلا والعدل الكامل في حقوق المخلوقين والعدل الكامل للمستقبل الذي لا تغيير فيه لا يكون إلا في حق حكم الله جل وعلا، ولذلك قال: -(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)- [المائدة/45] فهو يذهب إلى الظلم، وهذا يعني أن أي تشريع يحكم في الدولة بخلاف شرع الله جل وعلا فإنه ظلم بمفهومه العام، وإن لم يكن ظلما في القضية المعينة بنفسها.

[ الأساس الرابع: ضرورة القيادة للدولة ]
- أيضا من الأسس التي قام عليها بناء الدولة من المنظور العام الإسلامي أن الدولة لابد أن يكون لها قائد، والقائد يسمى يعني يكون نبيا، ويكون خليفة، ويكون مَلِكاً، ويكون رئيسا، ويكون شيخا أي اسم، لكن لابد من قيادة، هذه القيادة لها حقوق وعليها واجبات، وفي القائد مواصفات في اختياره.
وجملة ذلك أن اختيار الإمام أو القائد أو المَلِك أو الرئيس أو إلى آخره، هو اختيار من في اختياره تكون المصلحة العليا للأمة ، وإن كان غيره أفضل منه، ولذلك لم يكن الصحابة يذهبون في الاختيار دائما - في اختيار من يولى - يذهبون دائما إلى الفضل المجرد، فضله في نفسه، وإنما يذهبون إلى من في توليته المصلحة العامة للأمة، لهذا جعل عمر رضي الله عنه عهده في ستة نفر؛ مع أن عثمان رضي الله عنه كان أفضلهم، والمبشرون بالجنة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، أبو بكر الصديق رضي الله عنه عيَّنَ عمر، والنبي صلى الله عليه وسلم أشار بأبي بكر بالإشارة الصريحة، بالنص وبالإشارة الصريحة وبالإيماء، وأبو بكر رضي الله عنه اختار عمر، وعمر جعلها في ستة نفرٍ رآهم الأصلح قال: يختارون فيما بينهم، وهكذا فيما بعد ذلك حينما انقضت الخلافة الراشدة وصار الناس إلى المُلْك.
وهنا يعني أن الولاية في المفهوم الشرعي هو من فيه مصلحة اجتماع المسلمين عليه، لأن مصلحة الناس إنما تتم بالاجتماع، ولا تتم بالتفرق، ولا يعني ذلك أن يذهب إلى الأفضل دينا أو خلقا، أو الأفضل علما أو إلى آخرة من أنواع الفضل، ويكون هناك فاضل فيه صفات كثيرة من الفضل لكن هو أفضل من جهة الاختيار، لأن في الاجتماع عليه مصلحة الناس، واجتماعهم وعدم وجود ما يفرقهم أو يكدر اجتماع وتحكيم الشريعة فيهم.

لذلك كان من الأسس المهمة في بناء الدولة أن يكون هناك اجتماع الكلمة على من يلي الناس بالشريعة، فاجتماع الكلمة هو الخيار الأفضل دائما، لذلك لو قال الناس مثلا: أننا سنبحث عن الأفضل لمدة سنين، ولو وقعنا في اختلاف، ولو وقعنا في اضطرابات، لو وقعنا في...، لو وقعنا في كثير من الأمور من نقص في المعيشة أو عدم أداء الحقوق، أو عدم تحكيم القضاء أو الشرع، لكن في النهاية أن نصل. يكون هذا الفعل منهم غير موافق للأصل الشرعي، لأن الأصل الشرعي أنه لابد من إمام ولا يتأخر ذلك، فهم يجتهدون في ما يكون به اجتماعهم وعدم تفرقهم وأن يحكموا بما شرع الله جل وعلا.

[ الأساس الخامس: السعي لقوة الدولة ]
- من الأسس المهمة في بناء الدولة أن يكون هناك سعي لقوة الدولة، وقوة الدولة لها محوران: المحور الديني، والمحور الدنيوي.
* أما المحور الديني: فقوة الدولة تكون بالعدالة وتحكيم الشريعة، وأن يكون أداء للأمانة بين الناس، وأن يعامل الناس بالمماثلة و السواسية في الحقوق والواجبات.
* لكن المحور الثاني هو قوتها في دنياها: وهذا يعطي البعد الكبير في أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، لكن قوة المؤمن هذه تكون قوة في دينه، وأيضا قوة في بنياته وجسمه، وقوة في رأيه، وقوة في إثخانه للأعداء، وقوة فيما يتخذ من أمور، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، ولذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم الأفضل في دينه من أن يلي الإمارة قال: {إنك رجل ضعيف لا تصلح للإمارة}، فالعبرة في الإمارة العبرة بالقوة الدنيوية مع اجتماع بعض الأمور الأخرى، لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض كلامه: إن الله جل وعلا قد ينصر الناس بالرجل الفاسق يليهم، ويكون ينصر به الله جل وعلا الدين، وهذا جاء في الأثر.
هذا يقودنا إلى أن القوة الدنيوية من الأسس المهمة في الشريعة لقيام الدولة، النبي صلى الله عليه وسلم سعى بما يستطيع، قال جل وعلا: -(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)- [الأنفال/60] فلا يصلح أن يكون هناك باب من أبواب القوة سواء القوة في العلم، أو القوة في التنظيم الإداري، أو القوة في الجهاد، أو القوة في السلاح، أو القوة في الرأي، أو القوة في التنظيمات الاجتماعية، أو أي نوع من أنواع القوة للدولة وتتخلف الدولة عنه، بل كلما كان هناك قوة للناس في ارتباط بعضهم ببعض وفي قوتهم في مَلَكَاتهم واستعداداتهم وإدراكاتهم وعلمهم، كلما كانت الـمُحصِّلة أن تحقيق أمر الله في المجموع متحقق.


[ الأساس السادس: الحرص على تولية الأخيار]
- الأخير، وهي الأسس كثيرة ولكن أخذنا منها بعضا، الأخير أن يكون هناك حرص على أن يولى الأخيار وأن لا يولى من في المسلمين خير منه، والخيرية هذه في مفهومه العام، ولذلك تجد من دعائنا في المأثور: اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكف عنا شرارنا، وجاء في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: {خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وشرار أئمتكم الذين تلعنونهم و يلعنونكم}، أو {تبغضونهم ويبغضونكم}) (، وقد جاء في الحديث أيضا أنه عليه الصلاة والسلام قال: {من ولَّى على المسلمين رجلا وهو يجد فيهم من هو خير منه فقد خان الأمانة} ، وتولية الخيار هذه مسألة إدارية وتحتاج فراسة في بناء الدولة هو من كان أقدر على تحقيق أسسها: الأساس الأول: عبادة الله وحده دون ما سواه، تحقيق شرع الله جل وعلا، تحقيق اجتماع الكلمة، تحكيم الشرع، هيبة المُلك أو هيبة الدولة أو هيبة النظام.هذه بعض المعالم السريعة لأسس الدولة في النظرية السياسية الإسلامية.

هنا نأتي إلى نتيجة، وهي أن الولاية تكون بالبيعة؛ المسلمون عندهم نظام في شريعتهم هو البيعة، فالاختيار إذا وقع على إمام فبايعوه فهذه البيعة لها حقوق، والبيعة كفائية إذا قام بها البعض سقط عن البقية، ولا يلزم منها صفقة اليد، وصفقة اليد أن يبايع يدا بيد، وإنما يبايع بيعة قلبية بثمرة الفؤاد، وإن لم يبايع باليد.
هذه البيعة لها حقوق؛ من أهم حقوقها عدم الخروج على المُبَايَعِ ما لم ينقض أهل الحل والعقد بيعته، ونقض أهل الحل والعقد بيعته حكم بأسباب مفصلة في أحكام الإمامة معروفة في محلها.
الإمام يجب الاجتماع عليه، ويجب عليه هو أن يحكم الناس بما أمر الله جل وعلا به في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.





[سمات الدولة في عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب]

لما قام الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب المولود سنة ألف ومائة وخمسة عشر، المتوفى سنة ست ومائتين وألف رحمه الله، كان شابا وذهب وهو شباب رحل عدة رحلات إلى مكة والمدينة والعراق و الأحساء، والتقى بعلماء كثير، وقرأ كثيرا، ووجد أن الأمة في وقته في حاجة إلى دعوة إصلاحية تجدد لهم ما اندرس من دينهم، فأعلن ما يجب لله جل وعلا من حقه على الناس وهو توحيده سبحانه، وأن لا يعبد إلا الله جل وعلا، و أن المعبودات الموجودة في زمانه سواء كانت أشجارا أو أحجارا، أو كانت أولياء أو أنبياء، ممن يُدْعَوْنَ ويُستغاث بهم، ويذبح لهم ويحج إلى قبورهم و يطاف بها سبعا ونحو ذلك أن هذا من الشرك الأكبر الذي هو مخرج من الملة، و مصادم أصلا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

وبيَّن ذلك وتعب في ذلك وجاهد وكتب الرسائل فيه، وحاور وبيَّن وناقش، حتى آل به الأمر إلى أنه يبحث لدعوته هذه عن أمير ينصرها بالقوة، لأنه وجد أن نشر الدعوة باللسان فقط لا يقيم لها قوة ولا حماية، فذهب مثل ما هو موجود في التاريخ إلى العُيَيْنَةِ، ثم آل بعد ذلك آل بهم الأمر إلى الاتفاق - في قصة معروفة عند الجميع - آل به إلى الاتفاق مع أمير الدرعية في ذلك الوقت محمد بن سعود سنة ألف ومائة وسبعة وخمسين (1157)، هذا الاتفاق كان يؤسس لبناء دولة، هذه الدولة لابد أن تُنَظَّم، كان أساسه - الخط العريض للاتفاق - هو الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك وإعادة الناس إلى السنة وترك البدعة، وتحكيم شرع الله تعالى.
هذا الخط العريض الذي كان عليه الاتفاق والمعاهدة بين الإمامين، لما استجاب وبدأت الحركة الفعلية لتحقيق هذا الأمر، كان هناك حاجة ملحة إلى فهم تنظيم الدولة، فأسست الدولة شيئا فشيئا، لكن في النهاية فإن الدولة كان من سماتها عدة عناصر:

1- الأول: إقامة العدل في حق الله جل وعلا، و الإصلاح في الأرض وعدم الإفساد فيها:
كما قال جل وعلا: -(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)- [الأعراف/56]، -(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)- أجمع المفسرون على أن الإفساد في الأرض يكون بالشرك بعض إصلاحها بالتوحيد، قال جل وعلا: -(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)- يعني بالشرك بعد إصلاحها بالتوحيد، وهكذا -(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)- بالمعصية بعد إصلاحها بطاعة الله جل وعلا، -(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)- بالبدعة بعد إصلاحها بسنة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الأصل هو أن تصلح الأرض بتحقيق توحيد الله جل وعلا في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، واتباع محمد بن عبد الله في سنته وأمره ونهيه و تركه وفعله عليه الصلاة والسلام، هذا اقتضى شيئا مُلِحاً وهو الجهاد وسيأتي الكلام على الجهاد بعد قليل.


2- العنصر الثاني: اقتضى أن يكون هناك ترتيب للشرع الذي يحكم في هذه الإمارة الصغيرة التي هي الدرعية:
لابد أن يُحَكَّم شيء، طبعا الحكم لله جل وعلا، فحكموا بالشريعة، لكن الشريعة فيها مذاهب، وهنا فرَّق الشيخ محمد بن عبد الوهاب وفي الدولة في أول أساسها واستمر ذلك إلى الآن تقريبا، وكان ذلك من الأسس التي وضعها الإمام رحمه الله تعالى، التفريق في الحكم بين الشريعة بين أمرين: بين القضاء وبين التعليم و الفتيا، فجعلوا للقضاء مرتبة وطريقة، وللتعليم و الفتيا طريقة؛ أما القضاء فكان من اللوازم أن يكون الحكم واحدا بمعنى غير متعدد الاجتهادات؛ ما يكون قاضي يحكم بحكم ويحكم الآخر بحكم آخر، فلتحقيق المصلحة العليا اختاروا أن يكون الحكم بالمذهب الحنبلي في القضاء، مثل ما كان في الدولة العباسية بالمذهب الحنفي، وفي الدولة العثمانية بالمذهب الحنفي في القضاء، فألزم الناس بأن يكون القاضي يحكم بالمذهب الحنبلي لا تفضيلا للمذهب الحنبلي عن غيره من المذاهب، ولكن لأنه لابد من قول واحد يُحكم به في الناس لإمام معتبر فهما للكتاب والسنة، حتى لا تتعدد الاجتهادات في حكم واحد في قضية واحدة، يذهبون فلان قال: وجب عليه القِصاص، وفي نفس الحادثة والقضية يأتي قاضي آخر يقول: لا هذا عليه الدِّية، لأن هذا على المذهب الحنفي مثلا وهذا على المذهب الحنبلي، صار في الدولة الواحدة حُكْمَانِ، واحد يراق دمه أو يقتص منه قِصاصاً وآخر يذهب إلى الدية، فهذا يكون من وسائل تفتت الدولة وعدم اجتماع الكلمة، لأنه سوف يكون هناك مناحرات ويكون هناك عدة أحكام في المسائل، في البيوع مثلا هذا يحكم بشيء يثبت الحق، وآخر يقول: لا، لا يثبت به الحق، وهذا يصحح وصية وذاك لا يصححها وهكذا.
فكان لزاما أن يكون القضاء على مذهب من المذاهب اختاروا أن يكون هو المذهب الحنبلي للدولة السعودية الناشئة.
أما التعليم و الفتيا فإنه لا حجر فيه على مذهب من المذاهب، ولذلك كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فتح باب الاجتهاد في العلم، فتح باب الاجتهاد في الأحكام الفقهية الاجتهادية، وعاب عليه عدد من علماء الدول الأخرى عابوا عليه فتح باب الاجتهاد، وقالوا له: إن المجتهد يجب أن يكون يتصف بشروط منها كذا وكذا وكذا، قالوا: أنه يحفظ عشرة آلاف بيت من الشعر ، ويكون حافظا للمذاهب وخلافاتها ويكون ويكون، فأجابهم الشيخ قال: اشترطتم شروطا لعلها لا توجد كاملة في أبي بكر وعمر.
فَـفَتْحُ باب الاجتهاد كان هذا مما هاجم به المقلدة من المذاهب في أكثر من بلد، هاجموا الشيخ رحمه الله تعالى بأنك أنت تفتح باب الاجتهاد ولا تتبع المذاهب، مع أنه في القضاء ألزم الناس بذلك، لكنه في باب الفقه والتعلم والتعليم فتح ذلك والترجيح بحسب الدليل وما يترجح به الحكم.
كان هذا أساس مهم في بناء الدولة في أن القضاء شيء، والتعليم مطلق فيه الاجتهاد، والفتوى أيضا بحسب اجتهادات أهل العلم، ولذلك تجد في أحكام قضاة الدولة السعودية أحكام القضاة - في ذاك الوقت - لا اختلاف بينها حكم واحد، لكن تجد أنه في الفتاوى يقول: ذهب الشيخ فلان إلى كذا، وذهب الشيخ فلان إلى كذا، وذلك لأن الاجتهاد مفتوح في هذا الصدد.

3- من الأسس التي قامت عليها في ذلك الزمن: الاهتمام بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
* أما إقامة الصلاة فكان الناس يأمرون بالصلاة في المساجد جماعة، ومن تخلف عنها - عن الجماعة - من غير عذر عوقب، وكان لا يتخلف عن الصلاة رجل ولا شاب ولا حتى صغير مميز، الجميع يصلون ومن ترك الصلاة لغير عذر عوقب بعقوبات شديدة، وكان هذا تحقيقا لقول الله تعالى: -(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ)- [الحج/41].
* فَعَلَ في الدولة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أنهم فَرَّقُوا في الزكاة ما بين الأموال الباطنة والأموال الظاهرة؛ الأموال الباطنة يعني النقد الذهب والفضة، أو في زمننا الحاضر العملات الريالات إلى آخره، مما يخفيه الإنسان يسمونها أموال باطنة لأنه يخفيها، يضعها في مكان لا يعلم بها أحد أو بينه وبين أحد وديعة لا يعلم بها أحد، فهذه تسمى أموال باطنة، لا يلاحق الناس في زكاة الأموال الباطنة الخفية.
ولكن الأموال الظاهرة التي تتعلق بها قلوب الفقراء، بعثوا من يَجْـبِي هذه الأموال أموال الزكاة منهم، مثل الزروع والثمار النخيل الأعناب، مثل بهيمة الأنعام الماشية، مثل من له .. العسل وأشباه ذلك مما هو معروف.
فالأموال الظاهرة يبعث الإمام فرقة تجمع الزكاة منهم، فتحقق هذا الأصل العظيم الذي هو جمع الزكاة من الناس، وهو اليوم لا يوجد إلا في المملكة العربية السعودية، لا يوجد مثل هذا تحقيق هذا الحكم في هذه الآية إلا في المملكة العربية السعودية، لا يوجد من يطلب من الناس يذهب إليهم من يخرص عليهم زروعهم وثمارهم ونخيلهم وكرومهم، أو يحصي عليهم بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، أو ما أشبه ذلك من الأموال الظاهرة إلا في هذه البلاد امتدادا لهذا الأصل الشرعي لبناء الدولة.

* ثالثا الذي جاء في الآية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال الله جل وعلا في آية آل عمران: -(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)- [آل عمران/104]، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة عظيمة هي وظيفة الاحتساب، كان في الزمن الماضي الدولة الأموية وحتى في دولة الخلافة ثم في الدولة الأموية والدولة العباسية إلى آخره، يُسَمَّوْنَ أهل الاحتساب، ويدخل في أعمالهم - حتى في الدولة السعودية الأولى - يدخل في أعمالهم بعض أعمال البلديات الآن، وبعض أعمال وزارة التجارة مثل فحص ما يوجد في السوق، مراقبة الأسعار ، حقوق الناس لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محاسبة العمال، الانتباه من الرشاوى، معرفة أداء الحقوق في العمل، الرقابة على الأمير كل هذا من الاحتساب في مفهومه الشامل، ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أن الناس يكونون محققين لأركان الإسلام العلمية الصلاة والزكاة والصوم والحج، وأن يكونوا أيضا ممتثلين للإسلام في أخلاقهم وأقوالهم وفي سلوكهم ولا يرتكبون محرما على وجه المجاهرة والظهور.
وهنا فرقوا في نظام الدولة فرقوا ما بين المجاهر والمستتر؛ فالمجاهر هو الذي يُآخَذُ، لماذا؟ لأن المجاهر هو لـمَّا جاهر قد هتك سِتر نفسه فلا حرمة له.
لكن المستتر الذي أغلق عليه بابه فإنه لا يُلاحق ولو زنى، ولو شرب الخمر، ما لم يجمع الناس على هذا المنكر ويكون منكرا جماعيا، فإنه لا يلاحق لأن هذا يكون من المستتر بالمعصية.
فمن أصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الدولة الأولى أنهم فرقوا في تأسيس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين المجاهر وغير المجاهر، وهذا مهم حتى في التعامل مع أهل البدع؛ لما توسعت الدولة ودخلوا ديارا ما ألزموا الناس فيها بالسنة عقيدة، لكن ألزموهم بأن أرض الله جل وعلا لا يكون عليها إلا ما هو موافق لسنة محمد صلى الله عليه وسلم. هو في نفسه يريد أن يعمل بدع هو معتقدها اعتقادا في نفسه، يعملها في بيته يغلق عليها داره ونحو ذلك، فهذا لم يلاحق الناس فيه وإنما ما ظهر منها واشتبه إما بفعل مفرد مجاهر به، أو بجمع الناس على شيء اجتماعات ولو كانت مغلقة، لكن صار دعوة عامة لبدعة من البدع.

4- من الأسس التي قامت لها الدعوة: المفهوم الإداري:
المفهوم الإداري كان مهما في الدولة السعودية منذ أول يوم، وأسهم فيه الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإسهام جيد، وكان هناك بعض الدراسات المعاصرة على شكل بحوث صغيرة ومقالات: العملية الإدارية عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قسَّم كل بلد داخلة تحت الولاية لأنه يكون فيها أمير وقاضي ومحتسب، ويكون فيها شُرَطٌ، أمير وقاضي ومحتسب وشُرَطٌ، طبعا قرى صغيرة ليست بالشأن الكبير لكن مفهوم تأسيس الدولة واضح، أمير قاضي محتسب شُرَطٌ.
وهنا الناس في أعمالهم يمارسون التجارة، يمارسون أعمالهم في زورعهم إلى آخره، الأمير يضبط، القاضي يحكم يفصل، المحتسب يراقب، والشرطي يكون قوة في إذعان الناس للحق.

وهكذا رَبَط هؤلاء في القرى ربطهم رَبْط مركزي بالإمارة المركزية في الدرعية، فكان نواة تأسيس الدولة المركزية على أسس إسلامية، يعني صارت الدرعية في ذلك الوقت عاصمة، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أي مفهوم للاجتماع، ولا مفهوم للتنوع الإداري، ولا مفهوم للمركزية، ولا لتوزيع الصلاحيات، لكن وُجِدت مبكرة في ذلك الأوان مما جعلها تأسيسا مهما لبناء الدولة الحديثة.


5- من الأسس الجهاد:
والجهاد كما قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في بعض رسائله: ولم نبادر أحدا بالقتال، وإنما قاتلنا من أنكر علينا الالتزام بالتوحيد والسنة، كان يلزم علينا أن نقاتله، فيقول: أنا ما ابتدأت الناس وإنما الناس الذين ابتدءوني بالقتال، فهو يعرض على الناس دعوته، ويرسل لهم الرسائل ويحاورهم ويناقشهم، من لم يرض بذلك نقاشا، فإنه يناصحه ويحاوره كثير، لكن هناك من وجَّه إليه سرايا ويريدون النيل منهم ومن قوة هذه الدولة الناشئة، وهنا بدأ الجهاد بالبدن، لكن الأهم في الدعوة ليس هو جهاد البدن جهاد السنان، وإنما هو الجهاد بالقرآن، الجهاد بالسنة، الجهاد بالعلم.
وهذه الدعوة الإمام بدأ يراسل الناس حتى راسل ملك المغرب، في ذلك الوقت البعد شاسع وتذهب يمكن عبر الحجاج تصل ستة شهور ولا ثمانية شهور عشان تصل الرسالة، فاستجاب أحد أمراء المؤمنين في المغرب للدعوة وهو معروف في ذلك الوقت، وقال - هذا استطراد - وقال: هذه دعوة جدي محمد عليه الصلاة والسلام، فأخذ بها وأشاع السنة في وقته) (، ثم أتى حاكم آخر فغير السيرة.
الشيخ كان يراسل، راسل العلماء راسل اليمن فاستجاب الشيخ الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني، وراسل من في الهند، وراسل من في العراق، ومن في الشام ، ومن في تركيا ومصر إلى آخره.
فكان الجهاد بالقرآن وبالحجة وبالنقاش، كان هذا هو الأساس في الدعوة، وبعث من طلابه محاورين مثل ما بعث الشيخ عبد العزيز بن حمد بن معمر أحد تلامذته، أرسله إلى مكة ليناقش علماء مكة في مسائل التوحيد وما كان يوجد فيها من بناء القباب على قبور بعض الصحابة وبعض الصالحين، فناقشهم في ذلك حتى أقروا له بذلك، واستجاب الشريف غالب في ذلك الوقت للدعوة، فصار الأمر إلى أن كان في مكة الدعوة السلفية هي الظاهرة واستجاب لذلك.
لهذا مكة صارت في ذلك الوقت زمن الدعوة ضمن المستجيبين للدعوة السلفية، ولم يطلب أمراء آل سعود ولم يطلب أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذلك القوت، لم يطلبوا أن يتنازلوا بالحكم، قالوا: لا أنتم على حكمكم أمراء، نحن لا نطلب ولاية في ذلك، ما دام استجبتم للسنة وأقررتم التوحيد فأنتم وشأنكم، فكانت مستقلة لم تدخل ضمن الدولة السعودية لأنهم استجابوا وأقروا ذلك إثر النقاش، وتوجد وثيقة اليوم مدونة لهذا الحوار الذي حصل ما بين الشيخ عبد العزيز بن معمر وعدد من علماء مكة الكرام من أتباع المذاهب الفقهية الأربعة، ومدونة بأختامهم.
الجهاد العلمي كان من ضمنه تقرير التعليم، أشاع الشيخ رحمه الله في بناء الدولة إلى أهمية العلم، وهذا مسار يضيق المقام عن ذكر تفاصيله.

6- نصل إلى البعد الاجتماعي وهو مهم في هذا الصدد:
هو أن الدعوة جاءت إلى مجتمع فيه عادات؛ في بادية وفي حاضرة، العادية لهم عاداتهم الخاصة، ولهم سلومهم يعني ما يحكمون به وأعرافهم وتقاليدهم، ولهم أشياء كثيرة يختصون بها، والحاضرة لهم ما يختصون به.
الدعوة في أسسها لم تواجه الناس في عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم التي لم يأتي دليل في الشرع على بطلانها، ما كان من العادة أو العرف أو التقليد هناك دليل في الشرع على بطلانه، ألزمتهم الدولة بالالتزام بحكم الله جل وعلا وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
و أما الأعراف الأخرى والتقاليد قد لا تكون هي الأفضل، قد يكون هناك تقاليد بدوية، أو تقاليد حاضرة، أو تقاليد خاصة في المجتمع الذي كان في ذلك الوقت، لكن لما لم يكن هناك دليل واضح على بطلانها فترك الناس وشأنهم.
من أمثلة ما أبطله: حكم البادية بقوانينهم الخاصة، وظلم البادية للمرأة، ووقف الجَلَبْ بحرمان المرأة من الميراث ونحو ذلك، فهذه كانت عادات موجودة أبطلها وألزم الناس بالحق فيها وما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأبطل ما كان يحكم به البادية مما يسمى في ذلك الوقت سواليف البادية يعني القوانين والأعراف التي يحكمون بها، ما كان موافقا للشرع تُرِكوا عليه، أو لم يكن في الشرع عليه دليل لبطلانه تُرِكوا، وما كان معارضا أُبطِل.
لذلك تجد في الميراث المجتمعي لفئات الناس المختلفة في هذه الأزمنة إلى زماننا الحاضر بقيت عادات وتقاليد هي من الطبيعة القبلية، أو من الطبيعة المجتمعية لكن لم تدخل الدعوة يها ويدخل علماء الدعوة فيها، أو الدعوة بإبطالها أو تصحيحها أو تغييرها، لأنها عادات للناس والناس أدرى بعاداتهم يغيرونها كما يشاءون فيما هم يختارون، لأنه لا دليل على استحسانها ولا دليل على بطلانها، فتُرك الناس وشأنهم في ذلك، لكن ما كان منها مُبطلا بالشرع فإنه أُبطل.

7- من الأسس التي أقيمت عليها الدولة في الدعوة: "تساوي الناس":
وكان من الشائع في ذلك الوقت التباين بين الناس في الواجبات، وفي الأعطيات، وفي المجاملات وفي ذلك. التباين ليس أمام القضاء وليس أمام الحكم، الحكم والقضاء الناس أمامه سواسيه.
لكن الناس يقدم بعضهم بعضا، يقدر بعضهم بعضا هذا تُرِك الناس فيه، ولذلك كان من أسباب العدالة وقوة الدولة في ذلك أنها كانت تجازي الشيخ وتجازي الأمير وتجازي وتحكم للضعيف على الأمير في القضاء، هناك قضايا كثيرة مدونة في ذلك، حتى هذا مستمر إن شاء الله إلى وقتنا الحاضر، وهناك مساواة فيما يحكم القاضي، القضاة كانوا يُختارون بعناية لا يحابون في دين الله أحدا فيحكم لمن له الحق سواء كان ضعيفا وضيعا أم كان ذا شارة، ونستمع للآذان بارك الله فيكم.

8- و كان من السمات المجتمعية في بناء الدولة أنه لم يكن هناك في حياة الناس احتقار بعضهم بعضا: بل كان البعض يساند البعض الآخر، فالناس يساند بعضهم بعضا، ويحفز بعضهم بعضا، ويتعاونون فيما بينهم على البر والتقوى ويتألفون ويعينون ولاة أمرهم. وهذا الأصل لأنه كانت البيئة التي نشأت فيها الدولة السعودية الأولى بيئة تعتز بالانفراد، فكما تقرؤون في التاريخ كان قرية من القرى يأتيها أمير وغدا يقتله آخر، ثم وبعد أسبوع يُقتل، ثم بعد شهر يُقتل وهكذا صراع على الإمارة، بعضهم فيهم احتقار بعضهم لبعض، فكان من أسس الانتماء النفسي والاجتماعي لقوة الدولة أن جمعوا الناس سواء كانوا حاضرة أو بادية، أو الناس متعلمين أو غير معلمين على احترام بعضهم بعضا ومحبة بعضهم لبعض، وهذا يقوي الكيان، ويقوي البنية للقيام بمهام الدولة الكبرى، وهذا أعطى الكثير من الهيبة لهم، فكان يقال عنهم إنهم على قلب رجل واحد، هم أقوياء لا يخترقون، وصمدوا أمام الكثير من الهجمات القوية من ناس أقوى منهم إلى أن أراد الله انتهاء تلك الدولة السعودية الأولى، لكن كان من المهم جمع الناس كما قال الله جل وعلا: -(لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)- [الأنفال/63] وهذه التأليف هذه من الله جل وعلا، ولذلك من أراد خيرا بأمته وبدعوته وبأرضه وبدولته وطمأنينته وأمنه، يهتم بأن لا يكون هناك إيغار للصدور بعضٍ على بعض، لأن إيغار الصدور إذا وُجِد ينتامى يتنامى حتى تتولد الكراهية، إذا تولدت الكراهية تفكك البناء القوي حتى ولو كان بناء صالحا، فكم من بيت واحد صالح أبوهم صالح، وأهلهم والإخوان والأخوات فيهم صلاح، ومع ذلك تفرقوا لأجل الإحن ولأجل طعن بعضهم في بعض وإيغار الصدور بعضٍ على بعض، وهذا مما يبتلي الله جل وعلا به العباد، وإذا كان الدين أمر الله جل وعلا ألا نتفرق فيه -(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)- إلى أن قال: -(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)- [الشورى/13]، وقال جل وعلا في الاجتماع: -(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)- [آل عمران/103] والتفرق كما قال ابن جرير وغيره من أهل العلم وهو تقسيم صحيح: التفرق نوعان: تفرق في الأديان، وتفرق في الأبدان، وهذه الآية نهت عن التفرق في الدين، ونهت عن التفرق أيضا في الأبدان، والتفرق في الأبدان يعين أن يكون كل واحد ماشي بعيد عن الآخر، وهذا النهي عنه نهي عن سببه وهو الوقيعة بعضهم في بعض وإيغار الصدور، وأن يقول الإنسان ما يفرق الجمع ويفرق الأمة، وهذه بعض الأسس التي اقتضاها الخاطر في مثل هذا المقام، شاكرا لكم حسن الاستجابة للحضور لهذا الملتقى وهذه المحاضرة.

اللهم اغفر للأئمة الإسلام، واجزهم عنا خير الجزاء، واغفر للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولمن آواه ونصره، ولجميع من اهتدى بدعوته وأخذ بدعوته.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، واختم لنا بخير إنك على كل شيء قدير، اللهم وقف ولاة أمورنا لما تحب وترضى، واجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى.
نعوذ بك أن نتعاون على الإثم والعدوان، نسألك أن تصلح لنا القول والفعل الظاهر والباطن، وأن تقينا من الزلل في القول والعمل، وأن تقيم قلوبنا إليك خاشعة مطمئنة لا إلى غيرك، وأن تخلصها من رؤية غيرك إنك سبحانك على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.


[خاتمة الشيخ الدكتور سعود الخلف:]

شكر الله لمعالي الشيخ هذه الإلماحات السريعة، وهذا البيان الجيد في بيان أسس الدولة التي أقامها الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالتعاون مع الإمام الأمير محمد بن سعود رحمهم الله تعالى.
وإني أُقَدِّر لمعالي الشيخ صالح الاستجابة لهذه الدعوة لهذا الملتقى، مع كثرة أشغاله وكثرة شِغاله، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك له في جهده وعمله وعلمه، وأن ينفع به وأن يعينه على كل ما هو خير له في دينه دنياه.






[أسئلة المحاضرة:]

و أستميحكم معالي الشيخ في بعض الأسئلة التي لعل الوقت يسمح بها:
- [السؤال الأول]: هذا سؤال يقول: فضيلة الشيخ بارك الله فيكم، نصيحة منكم للدعاة الذين يخرجون للعوام الفتاوى الشاذة كإباحة المعازف والغناء، وجواز تهنئة الكفار بأعيادهم وأشباه ذلك وينشرون ذلك في الصحف والفضائيات.

* [الجواب]: أولا الذي يتكلم عن الله جل وعلا يجب أن يستحضر في نفسه جلال الله جل وعلا، لأن أحيانا المتكلم ينصرف ذهنه وتنصرف عينه إلى أهل زمانه، أو إلى مدح من يمدح أو إلى ذم من يذم، أو إلى الحاضر معه ونحو ذلك، فإذا كان الاجتهاد في من اجتهد مع مراقبة الله جل وعلا في ذلك والخوف منه سبحانه، وإنما أداه اجتهاده إلى ما قال دون رؤية لواقع أو رغبة في إرضاء فئة أو الظهور في فضائية ونحو ذلك، فهذا له حكم المجتهد.
لكن الذي أوصي إخواني الدعاة الذين يشاركون في الفضائيات، أو في واقع الانترنت أو في الصحف وغيرها، أن يُغَلِّبُوا دائما جانب سلامتهم في دينهم، لأن بعض الأمور لا يحتاج هو إلى أن يعرض دينه إلى الخطر فيها، الناس تكلموا في هذه المسائل وأشاعوها وأشبعوها بحثا، مثل الكلام في المعازف ومثل الكلام في تهنئة الكفار بأعيادهم، شيخ الإسلام ابن تيمية له كتاب كبير أسماه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" وخصص في أكثره لأعياد المشركين والمشاركة فيها، ومما لا ينبغي الخلاف فيها بل هو محل اتفاق بين الأئمة الأربعة وأتباعهم أن تهنئتهم في أعيادهم المختصة بهم في دينهم أنه لا يجوز بالاتفاق، لأن الأعياد الدينية عندهم قائمة على أساس شركي، لكن ما كان من أعيادهم في أمر دنيوي فهذا هو الذي وقع فيه بعض الفتاوى من علماء العصر هل يجوز أو لا يجوز؟ لكن ما كان مختصا بهم دينا فهذا بالاتفاق، فلا يسوغ أحد أن يأتي ويخالف اتفاق الأئمة في ذلك، لمخالفة متأخر من أهل العلم أو زلة أحد في ذلك.
وخاصة أن مثل هذه الفتوى المشاركة في التهنئة بالأعياد قد يتطور عنها شيء آخر وهو حضور أعيادهم، الواحد يتساهل يقول أنا أهنئ، بعد ذلك يقول: أذهب له في عيده وأشاركه فيه، ثم بعض ذلك تتطور إلى شيء آخر، فيجب على المتكلم في دين الله أن يرعى مآلات الفتوى، مثلا هو يتصور أن هذه بسيطة وكذا، لكن لابد أن يرعى مآلات الفتوى، مثل الآن من تكلم عن حكم المعازف والغناء والأغاني، يعني إذا كان العلماء قبل خمسين سنة كتبوا فيها أول ما بدأت تنتشر كتبوا فيها المجلدات في بيان أن سماع المعازف والموسيقى ونحو ذلك أنه حرام لما جاء فيه من الأدلة، وهي تخلو في ذاك الزمان عما وُجد في المعازف والأغاني في هذا الزمن، فكيف الآن يتجرأ أحد ويقول إنها جائزة، لابد أنه من يريد أن يقول إنها جائزة يصحح الصورة أيضا لابد يوضح الصورة التي رأى فيها أنها جائزة، لكن الآن معها فُجُر وخلاعة وأمور منكرة، لا يمكن لأي طالب علم أن يقول بجواز هذا الموجود، ولا يمكن أن يجد له في الدين مدخلا بأن يقول: إن مثل هذه الأوضاع الموجودة الآن مثل المقاطع التي ينشرونها واختلاط الرجال بالنساء والإغراء، لا يمكن أحد أن يصحح شيئا فينسحب لذهن السامع يقول: طيب الشيخ صحح الأغاني، بيروح يذهب لذهنه الأغاني التي يراها في الفضائيات، هذا لا يمكن أن يقول به من يخاف على دينه، ولذلك أنا أنبه إخواني أن ينتبهوا لدينهم ولآخرتهم، فهي أهم من أهل الدنيا وأهم من إرضاء فلان او إعجاب فلان أو ثناء، فلعل الناس يثنون عليه وهو ليس عند الله بمرضي.

- [السؤال الثاني]: شكر الله لكم معالي الشيخ، هنا سؤال يقول: ما تعريف دعوة الشيخ في كيفية ميسرة؟ وهل هي تصلح لكل الأزمان؟
* [الجواب]: الدعوة السلفية دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليست مذهبا جديدا، يعني اتهمت بأنها مذهب جديد، وقيل عنها أنها مذهب وهابي وأشباه ذلك، هذا كله باطل، الشيخ لم يدع إلى مذهب جديد، وكل ما قاله وهو موجود في كتاب التوحيد وفي كتبه، كل ما قاله قاله الأئمة من قبله وإنما هو أبْرَزَ من كلام الأئمة ما يتعلق بالتوحيد والسنة والنهي عن الشرك والنهي عن البدع، أبْرَزَهُ بقوة لأن الحاجة في عصره كانت ظاهرة، هذا معنى التجديد كما جاء في الحديث الذي في السنن:{إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها}) ( يجدد لها دينها يعني يجدد لها فهم دينها أو يجدد لها تدينها والتزامه بالدين، وإلا فالدين واحد واضح، لكن ينسى العلم، يذهب العلم في مسائل فيحتاج إلى أن يُبْرَز من جديد ويظهر.
الشيخ رحمه الله تعالى متبع للأئمة الأربعة في العقيدة وخاصة في مسائل الشرك وذكر البدع، بل الأئمة الأربعة نعم عند المذاهب الأربعة صار فيه توسعات واجتهادات اقتضاها زمانهم أو ما تساهلوا فيه، لكن الأئمة الأربعة وأصحابهم يعني الطبقة الأولى كانوا متفقين في مسائل السنن والبدع، في مسائل الاعتقاد أيضا متفقون في مسألة التوحيد والشرك، بأن دعوة غير الله تعالى أن يُدعى أن أحد من المخلوقين من الأموات في أنه انفعني، أو اشفع لي، أو اغفر لي، أو أنقذني، أو اشفني من المرض، أو زوجتي مريضة فاشفها، أو لم يأتني حمل فأسألك أن تُسَرِّع في الحمل، أو بنتي لم تتزوج فزوجها، أو ولدي فقير فأغنه أو نحو ذلك، هذا بالإجماع أنه شرك ودعوة غير الله معه شرك بالإجماع، وهذا هو الأصل الكبير لدعوة الإمام المصلح وهو أن دعاء غير الله تعالى والإشراك به والذبح للأموات والقبور وتعظيم الموتى والبناء على القبور القبابَ والطواف حولها، أن هذا من الشرك الذي لا يجوز إبقائه، هذا الأصل الأول.
الأصل الثاني: طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر والانتهاء عما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرعه عليه الصلاة والسلام، نطيع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به، ننتهي عما نهى عنه، لا نعبد الله إلا بما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم، المحدثات التي أحدثت في الدين كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة، إذا كان شيء عمل بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم مما يتقرب به إلى الله، وكان المقتضِي لفعله موجودا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله عليه الصلاة والسلام فإنه بدعة وكل بدعة ضلالة، وجاهد الناس الشيخ في هذا الأمر، وأسس على ذلك دعوته.
أيضا العنصر الثالث الاجتماع مع ولاة الأمر في نصرة الدين، وتأليف الناس على ولاة الأمر ومناصحتهم، وكان من خصائص علماء الدعوة أنهم لم يكونوا يمجدون الملوك والأمراء تمجيدا مطلقا أو تمجيدا كاملا، أو يمدحونهم بما ليس فيهم، هذا كان مرفوضا غير موجود أصلا، وإنما ولي الأمر الأمير إذا أحسن فإنه يشكر ويعان على ذلك، ويدعى له سرا وعلنا في أنه يعان على الخير وأن يوفقه الله، ويكون إمام حق وأمير صدق ومُقِرا للحق، لكن المدح لم يكن في هذه الدعوة، المدح جاء متأخرا تأثرا بأشياء أخر، المدح أصلا منهي حتى تمدح شخص عادي في وجهه المدح المبالغ فيه، لكن الثناء الذي يراد منه تحبيبك في الخير وفتح أبواب الخير، هذا من الدعوة ومن القول اللين الذي أمر الله جل وعلا به.

- [السؤال الثالث]: شكر الله لكم معالي الشيخ، هنا سؤال أو اقتراح يقترحه أحد الإخوة ولا الأسئلة كثيرة لعلنا يكون هو آخرها، يقول: أما بعد: فأهلا وسهلا بكم في هذا المسجد المبارك وشكر الله لكم على هذا التشريف، وعلى هذه الدروس المباركة، وجعلها الله في ميزان حسناتكم يوم تلقونه.
ثم إن لي اقتراحا يراودني منذ فترة طويلة، وهو أن يكون هناك كتاب مختصر في التوحيد والعقيدة الصحيحة، يقرأ على المصلين في جميع مساجد المملكة بعض صلاة العصر أو العشاء و يكون هذا إلزام.
و الاقتراح الثاني: أن يكو هناك كتاب في العبادات والمعاملات مما لا يسع المسلم الجهل به، يقرأ في جميع مساجد المملكة جزاكم الله خيرا.
* [الجواب]: مما أُلِف في المساجد قراءة كتاب رياض الصالحين، وكتاب رياض الصالحين يقرأ به بعد صلاة العصر في أكثر مساجد المملكة، أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها أحاديث ليس فيها اجتهادات، وفيها أبواب كثيرة متعلقة بتوحيد الله جل وعلا، هذا الإمام يعلق عليها يوضحها إذا كانت الحاجة قائمة، يوضحها ويفصلها للناس بالقدر الذي يحتاجون إليه.
كذلك قراءة التفسير تفسير ابن كثير بين أذان وإقامة العشاء في المساجد التي يمكن أن يُقرأ فيها، أيضا هذا مما يُبَصِّر الناس بدينهم، لأن فهم الناس للقرآن وفهمهم للسنة هو أساس بناء القلب بالإيمان وتعظيم الله جل جلاله.
فمقترح الأخ طيب لعلنا نفكر فيه إن شاء الله تعالى في طريقته، لكن كتاب رياض الصالحين فيه الكثير من الأبواب المتعلقة بالتوحيد ويمكن للإمام أن يفصل فيها بحسب الحاجة.

- شكر الله لمعاليكم هذه الإجابات المسددة، وشكر الله تشريفكم في هذا الملتقى، وجعل الله ما تقدمون في ميزان حسناتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا.
















فهرس الموضوعات
الصفحة
- مقدمة الشيخ الدكتور سعود الخلف - حفظه الله ووفقه - 03
- محاضرة معالي الشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز
بن محمد آل الشيخ- حفظه الله ورعاه - 05
- أسس بناء الدولة من المنظور الإسلامي 10
* الأساس الأول: العدل في حق الله وبين الناس 10
* الأساس الثاني: القيام بحق الله جل وعلا 11
* الأساس الثالث: وحدة التشريع الحاكم للناس 11
* الأساس الرابع: ضرورة القيادة للدولة 13
* الأساس الخامس: السعي لقوة الدولة 14
* الأساس السادس: الحرص على تولية الأخيار 15
- سمات الدولة في عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب 17
الأول: إقامة العدل في حق الله جل وعلا، و الإصلاح في الأرض
وعدم الإفساد فيها 18
العنصر الثاني: اقتضى أن يكون هناك ترتيب للشرع الذي يحكم في هذه الإمارة الصغيرة التي هي الدرعية 18
من الأسس التي قامت عليها في ذلك الزمن: الاهتمام بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 20
من الأسس التي قامت لها الدعوة: المفهوم الإداري 23
من الأسس الجهاد: 23
البعد الاجتماعي 25
من الأسس التي أقيمت عليها الدولة في الدعوة: "تساوي الناس": 26
وكان من السمات المجتمعية في بناء الدولة أنه لم يكن هناك في حياة الناس احتقار بعضهم بعضا 27
- خاتمة الشيخ الدكتور سعود الخلف: 29
- أسئلة المحاضرة 30
[السؤال الأول]: هذا سؤال يقول: فضيلة الشيخ بارك الله فيكم، نصيحة منكم للدعاة الذين يخرجون للعوام الفتاوى الشاذة كإباحة المعازف والغناء، وجواز تهنئة الكفار بأعيادهم وأشباه ذلك وينشرون ذلك في الصحف والفضائيات. 30
[السؤال الثاني]: شكر الله لكم معالي الشيخ، هنا سؤال يقول: ما تعريف دعوة الشيخ في كيفية ميسرة؟ وهل هي تصلح لكل الأزمان؟ 32
[السؤال الثالث]: شكر الله لكم معالي الشيخ، هنا سؤال أو اقتراح يقترحه أحد الإخوة ولا الأسئلة كثيرة لعلنا يكون هو آخرها، يقول: أما بعد: فأهلا وسهلا بكم في هذا المسجد المبارك وشكر الله لكم على هذا التشريف، وعلى هذه الدروس المباركة، وجعلها الله في ميزان حسناتكم يوم تلقونه.
ثم إن لي اقتراحا يراودني منذ فترة طويلة، وهو أن يكون هناك كتاب مختصر في التوحيد والعقيدة الصحيحة، يقرأ على المصلين في جميع مساجد المملكة بعض صلاة العصر أو العشاء و يكون هذا إلزام.
و الاقتراح الثاني: أن يكو هناك كتاب في العبادات والمعاملات مما لا يسع المسلم الجهل به، يقرأ في جميع مساجد المملكة جزاكم الله خيرا. 34

الملفات المرفقة
: أُسُسُ بِنَاءِ الدَّوْلَةِ فِي دَعْوَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ – رَحِمَهُ الل.pdf‏ (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attachment.php?attachmentid=90447&d=1328711169)
: 442.2 كيلوبايت
: <font face="Tahoma"><b> pdf