المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نموذج المومن الوفي



أهــل الحـديث
07-02-2012, 01:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


منتقى من جريدة الوطن العمانية 7/2/2012


تم تكريم مسلم بعد خمس وثلاثين عاما قضاها في عمله الذي استهله بوظيفة كاتب إداري واستمر يترقى حتى صار مديرا لإحدى الدوائر المالية التي تتطلب ضميرا يقضا وذمة تراعي الله وعينا تراقب وجود الله في الأماكن المفتوحة والمغلقة، وبين الملفات وفي خزانات النقود والأصول والأشياء. يحسب مسلم أموالا كثيرة فيرى ويسمع ويشعر بمراقبة الله في كل حركة وسكنة حتى وإن كان باب مكتبه مغلقا. كان بوسعه أن يثري بالحرام، وكان بإمكانه أن يُشيّد عمارات ويسجل سيارات بعقود وهمية. وكان يستطيع أن يقبل هدايا مريبة وكان يمكنه أن يحصل على مصالح ومنافع جراء تغافل بسيط وتحييد كاميرا ضميره جانبا. لكن مسلم كان عنيدا. خرسانة أخلاقه صلبة جدا، وعيناه تكشفان لعقله وقلبه إلى أين سيكون المنتهى. فهو يتذكر باستمرار كثيرا من معارفه وأصدقائه وزملائه ممن كانوا بين الأحياء وصاروا اليوم أمواتا، ترافقهم أعمالهم وضمائرهم وسرائرهم في قبورهم.
دأب مسلم منذ اليوم الأول لالتحاقه بعمله أن يشغل نفسه بالعمل ولا شيء سوى العمل. درب نفسه جيدا؛ لكي يجعل مكتبه نظيفا، وأدراج طاولته فارغة تماما من معاملات الناس التي يتلذذ الكثيرون بإرجاء البت فيها وإعطاء الوعود والتسويف للمراجعين. اعتاد أن يداوم قبل زملائه ورؤسائه وينصرف عند انتهاء الدوام، ولم يكن يضطر أن يعمل في أوقات إضافية، لأنه يعمل وفق قاعدة مهنية " لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد". أشد ما يكره مسلم أن يسقط أحيانا في مجالس تتعاطى الغيبة والنميمة وإفشاء عيوب مختلقة على كبار المسؤولين والملتصقين بهم، فيتصدى مسلم لتلك المجالس قائلا: هل صدر لكم تكليف لتكونوا مراقبين أخلاقيين على الآخرين؟! وكالعادة يمتعض زملاؤه من هذه اليقظة الأخلاقية الزائدة، لكنهم يحترمونه ويتمنون لو يصيرون مثله! لقد ذاق مسلم ثمرة إخلاصه وإعراضه عما لا يعنيه، ويتمثل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: طوبى من شغلته عيوبه عن عيوب غيره. لماذا ينشغل الإنسان بعيوب الآخرين، ويعتبر نفسه مثاليا، ولو راقب نفسه لاكتشف سجل عيوبه وذنوبه وأخطائه. كان مسلم يتساءل منذ يومين وهو يشاهد تجارب علماء المخ الذين يسعون إلى اختراع برامج محوسبة لقراءة أفكار الإنسان بمجرد التركيز على نشاط المخ وذبذباته، وقال كيف بالله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟!. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟! بلا!!****
يشكر مسلم الله سبحانه وتعالى أن رزقه وعيا ذاتيا، يراقب به نفسه في كل لحظة، ويساعده على تركيز عقله ومشاعره في الجوانب الإيجابية للحياة، ويشكر الله تعالى أن حصنّه ضد الغيبة والنميمة. فقد درب نفسه طويلا حتى اكتسب مناعة أخلاقية تجعله يغض الطرف عن عيوب وأخطاء الآخرين، ويركز تفكيره وعمله فيما يمكن أن يعود عليه وعلى الآخرين بنتائج مفيدة.
قرأ مسلم أن الإنسان يوجه من حيث لا يقصد ثلاثة أرباع حياته إلى التذمر والهدم واغتياب الآخرين والانشغال عما عليه أن يقوم به. إن الأحاسيس السلبية تجاه الآخرين وتصيد أخطائهم والتقول عليهم، أخطر على الشخص نفسه من إدمان المخدرات والكحول. ولو انضبط كل موظف عماني وأخلص عمله وركز جهده وتفكيره نحو كيف يجعل عمله مفيدا ومعطاء ومتميزا لنافست عمان شعوبا سبقتها بمئات السنين ولاستطاعت أن تعيد حضارة قرون مضت كان الإنسان العماني هو قلبها النابض وجوهرها الحي ونورها المضيء.

الدكتور أحمد بن علي المعشني
رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية