المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحذير الداعيه من القصص الواهيه



أهــل الحـديث
06-02-2012, 06:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قصة بناء الكعبة قبل خلق آدم و مبتدأ الطواف

وإلى القارئ الكريم تخريج وتحقيق هذه القصة الواهية:
أولاً: متن القصة
رُوِيَ عن محمد بن علي بن الحسين قال: كنت مع أبي علي بن الحسين بمكة، فبينما هو يطوف بالبيت، وأنا وراءه؛ إذ جاءه رجل من الرجال طويل، فوضع يده على ظهر أبي فالتفت أبي إليه، فقال الرجل: السلام عليك يا ابن بنت رسول الله، إني أريد أن أسألك فسكت أبي، وأنا والرجل خلفه حتى إذا فرغ من أسبوعه فدخل الحجر، فقام تحت الميزاب فقمت أنا والرجل خلفه، فصلى ركعتي أسبوعه، ثم استوى قاعدًا، فالتفت إليَّ فقمت فجلست إلى جنبه، فقال: يا محمد، فأين هذا السائل؟
فأومأت إلى الرجل فجاء فجلس بين يدي أبي، فقال له أبي: عمَّ يسأل؟
قال: أسألك عن بدء هذا الطواف بهذا البيت لِمَ كان؟ وأنّى كان؟ وحيث كان؟ وكيف كان؟
فقال له أبي: نعم، من أين أنت؟
قال: «من أهل الشام».
قال: أين مسكنك؟
قال: في بيت المقدس.
قال: فهل قرأت الكتابين؟ - يعني التوراة والإنجيل -.
قال الرجل: نعم.
قال أبي: يا أخا أهل الشام، احفظ، ولا تروين عني إلا حقًّا.
أما بدء هذا الطواف بهذا البيت: فإن الله تبارك وتعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة، فقالت الملائكة: أي ربِّ أخليفة من غيرنا ممن يُفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون ويتباغون؟
أي رب اجعل ذلك الخليفة منا، فنحن لا نفسد فيها، ولا نسفك الدماء، ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى، ونحن نسبّح بحمدك، ونقدس لك، ونطيعك، ولا نعصيك، فقال الله تعالى: «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» [البقرة:30].
قال: فظنت الملائكة أن ما قالوا ردًّا على ربهم عز وجل، وأنه قد غضب من قولهم، فلاذوا بالعرش، ورفعوا رؤوسهم، وأشاروا بالأصابع يتضرعون، ويبكون إشفاقًا لغضبه، وطافوا بالعرش ثلاث ساعات.
فنظر الله إليهم، فنزلت الرحمة عليهم، فوضع الله تعالى تحت العرش بيتًا على أربع أساطين من زبرجد، وغشاهن بياقوتة حمراء، وسمى ذلك الضراح، ثم قال الله تعالى للملائكة: طوفوا بهذا البيت، ودعوا العرش، قال: فطافت الملائكة بالبيت، وتركوا العرش، وصار أهون عليهم من العرش، وهو البيت المعمور الذي ذكره الله عز وجل يدخله في كل يوم وليلة سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه أبدًا، ثم إن الله سبحانه وتعالى بعث ملائكة، فقال لهم: ابنوا لي بيتًا في الأرض بمثاله وقدره، فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.
فقال الرجل: صدقت يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا كان». اهـ.
ثانيًا: التخريج
هذا الخبر الذي جاءت به هذه القصة أخرجه أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الأَزْرَقي في «أخبار مكة» (1/32- 34) قال: حدثني علي بن هارون بن مسلم العجلي عن أبيه قال: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: حدثني محمد بن علي بن الحسين قال: كنت مع أبي علي بن الحسين بمكة، فبينما هو يطوف بالبيت وأنا وراءه إذ جاءه رجل...». القصة.
ثالثًا: التحقيق
علة هذا الخبر الذي جاءت به هذه القصة الواهية «القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري»:
1- أورده الإمام الحافظ ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/2/112) قال:
أ- القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري روى عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين سمعت أبي يقول ذلك.
ب- ثم قال: قُرئ على العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين أنه قال: «القاسم بن عبد الرحمن ليس بشيء». اهـ.
جـ- وقال: سألت أبي عن القاسم بن عبد الرحمن فقال: «ضعيف الحديث، مضطرب الحديث، حدثنا عنه الأنصاري بحديثين باطلين».
د- وقال: سألت أبا زرعة عن القاسم بن عبد الرحمن، فقال: «منكر الحديث». اهـ.
2- وأورده الإمام الذهبي في «الميزان» (3/374/6820) قال: القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري.
أ- قال ابن معين: ضعيف جدًّا، حكاه الساجي عنه.
ب- قال ابن المديني: القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري حدّث عنه اللاحقي بحديث زُريب بن برتملا، ولم يَرْوِ هذا الحديث إلا من وجهٍ مجهول». اهـ.
3- وأورده الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» (4/541) (21/6638) قال: قاسم بن عبد الرحمن الأنصاري، ثم نقل كلام الإمام الذهبي في «الميزان»، وأقره، ثم أضاف في «اللسان» قول الإمام ابن خزيمة في القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري: قال ابن خزيمة: «ففي القلب من القاسم شيء». اهـ.
رابعًا: الاستنتاج
نستنج من أقوال أئمة الجرح والتعديل:
أن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري ضعيف جدًّا، وليس بشيء، منكر الحديث، مضطرب الحديث، أحاديثه أباطيل.
وبهذا تصبح القصة: «قصة بناء الكعبة قبل خلق آدم ومبتدأ الطواف»، قصة منكرة باطلة واهية.
خامسًا: ذكر هذه القصة في التفاسير
ومن التفاسير المشهورة التي أوردت هذه القصة تفسير الإمام القرطبي «الجامع لأحكام القرآن» (1/529) عند تفسير الآية في قوله تعالى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» [البقرة:127].
قال الإمام القرطبي: واختلف الناس فيمن بنى البيت أولاً وأسسه: فقيل الملائكة، روي عن جعفر بن محمد قال: سئل أبي وأنا حاضر عن بدء خلق البيت، فقال: إن الله عز وجل لما قال: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» [البقرة:30]، قالت الملائكة: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ» [البقرة:30].
فغضب عليهم، فعادوا بعرشه، وطافوا حوله سبعة أشواط، يسترضون ربهم حتى رضي ربهم عنهم، وقال لهم: ابنوا لي بيتًا في الأرض يتعوذ به من سخط عليه من بني آدم، ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي، فأرضى عنه، كما رضيت عنكم، فبنوا هذا البيت». اهـ.
سادسًا: مناهج المفسرين بالنسبة للأحاديث والآثار التي يذكرونها
هذه القصة التي أوردها الإمام القرطبي – عفا الله عنا وعنه – سكت عنها فلم يذكر لها تصحيحًا ولا تضعيفًا، فظن كثير من القصاص والوعاظ أن القصة صحيحة، كما ظن البعض أن قصة ثعلبة بن حاطب صحيحة بسكوت ابن كثير عنها في «تفسيره» مع الفارق الذي سنبينه بمناهج المفسرين.
وقلنا: إن الإمام القرطبي أورد القصة، ولم نقل أخرج القصة؛ لأن تفسير القرطبي لم يكن من مصادر الحديث الأصلية.
لأن مصادر الحديث الأصلية هي كتب السنة التي جمعها مؤلفوها عن طريق تلقيها عن شيوخهم بأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مثل الكتب الستة والمسانيد وغيرها، وكذلك الكتب المصنّفة في الفنون الأخرى كالتفسير، والتي تستشهد بالأحاديث والآثار ولكن بشرط أن يرويها مصنفها بأسانيدها استقلالاً.
ومعنى «يرويها مصنفها بأسانيدها استقلالاً»: أي لا يأخذها من مصنفات أخرى قبله، فيكون استشهادًا بنصوص الأحاديث والآثار ضمن أبحاثهم في تفسير الآيات أو بيان الأحكام.
ولكن من أهم هذه الشروط أنهم عند استشهادهم بتلك الأحاديث والآثار يروونها عن شيوخهم بالأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة، أو من دونهم، فتصبح هذه التفاسير من المصادر الأصلية مثل «تفسير عبد الرزاق» المتوفى سنة 211هـ، وتفسير الطبري المسمى «جامع البيان في تأويل القرآن» لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ، و«تفسير القرآن العظيم» سندًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين تأليف الإمام الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ابن أبي حاتم المتوفى سنة 327هـ.
في مثل هذه التفاسير عند التخريج نقول: أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره»، أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» أخرجه الطبري في تفسيره؛ لأن هذه التفاسير مسندة.
سابعًا: تفاسير تعزو ولا يُعزى إليها
وهناك تفاسير يستشهد مصنفوها بالأحاديث والآثار، ولكن لم يروها مصنفوها بأسانيدها استقلالاً بتلقيها عن شيوخهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة أو التابعين، بل يأخذونها من مصنفات أخرى، وهذا ظاهر في «تفسير ابن كثير» المسمى «تفسير القرآن العظيم» للإمام الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774هـ حيث قال:
في تفسير الآية (التوبة: 75): إن سبب نزول هذه الآية الكريمة في ثعلبة بن حاطب الأنصاري، وقد ورد حديث رواه ابن جرير ههنا وابن أبي حاتم من حديث معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية عن أبي أمامة الباهلي عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعُ الله أن يرزقني مالاً... القصة في أكثر من ثلاثين سطرًا.
لقد ذكرنا مناهج المفسرين في ذكرهم للأحاديث والآثار في تفسيرهم؛ لأهمية ذلك لطالب العلم، فكم زلت أقدام! وضلت أفهام بعدم معرفة هذه المناهج، فقد صحح الصابوني هذه القصة الواهية -قصة ثعلبة بن حاطب- في كتابه «اختصار تفسير ابن كثير».
حيث توهم من سكوت الحافظ ابن كثير في تفسيره عنها ولم يذكر فيها صحة ولا ضعفًا أن القصة صحيحة.
ولم يدر أن الإمام الحافظ ابن كثير أورد القصة وعزاها إلى الإمام ابن جرير الطبري في «تفسيره»، والإمام ابن أبي حاتم في «تفسيره»، وذكر السند كما هو عند الإمامين ابن جرير (ح17002)، وابن أبي حاتم (10406) والقاعدة: «من أسند فقد أحال».
وبالسند تظهر علة الخبر الذي جاءت به القصة، ولكن هيهات، فقد غابت عن الصابوني – عفا الله عنا وعنه – هذه القواعد التي لا يغفل عنها أصحاب الصنعة.
ولما كان تفسير ابن كثير لإمام من أئمة الصنعة الحديثية هو الإمام الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، والذي من أهم شيوخه الذين تتلمذ لهم ابن كثير هم:
الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي، والإمام الحافظ شمس الدين الذهبي، وشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية.
ثامنًا: تصحيح الحافظ ابن كثير للخطأ الذي وقع في تفسير القرطبي عند ذكر راوي القصة:
1- قال الإمام القرطبي: رُوي عن جعفر بن محمد قال: سئل أبي وأنا حاضر عن بدء خلق البيت.. فقال... القصة.
قلت: مما أوردناه آنفًا من بيان مناهج المفسرين بالنسبة للحديث والآثار يتبين:
أ- أن الإمام القرطبي لم يرو القصة عن شيخ له حتى يصل إلى قائلها؛ ولذلك لا يصح أن نقول: أخرجها القرطبي.
ب- كذلك لم نجد الإمام القرطبي يعزو القصة إلى مصادرها الأصلية، بل ولم يذكر لها سندًا حتى نقول: «من أسند فقد أحال».
جـ- حتى مع حذف السند في تفسير القرطبي، فقد وقع خطأ في نسبة القصة إلى قائلها، ويتبين ذلك من قول الحافظ ابن كثير في «تفسيره» للآية (125 من سورة البقرة)؛ حيث قال: «وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة، فقيل الملائكة قبل آدم، رُوي هذا عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين، ذكره القرطبي، وحكى لفظه، وفيه غرابة». اهـ.
قلت: ولقد أورد الحافظ ابن حجر في «التقريب» (2/192) محمد بن علي بن الحسين، وقال: «محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر ثقة فاضل، روى له أئمة الحديث الستة: البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه».
ومن هذا يتبين مدى تقدير أهل السنة لآل البيت، فلا نامت أعين المتعصبين من الرافضة!!
وبالرجوع إلى القصة في مصدرها الأصلي، والتي أخرجها الأزرقي في «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» (1/32) كما بينا آنفًا.
وتبين من تخريج القصة وتحقيقها دقيق معرفة حقيقة السند من مصدره الأصلي، وأن محمد بن علي بن الحسين قال: كنت مع أبي علي بن الحسين...».
وهو الذي قال: يا محمد أين السائل؟
فأومأت إلى الرجل فجاء فجلس بين يدي أبي، فقال له أبي: عَمَّ تسأل؟
قال: أسألك عن بدء هذا الطواف بهذا البيت؟
هذا ليتبين للقارئ الكريم من الذي سُئل عن بدء الطواف؟ وذلك بالرجوع إلى الأصول التي لم تذكرها التفاسير.
ولقد تبين من الأصل أن الذي سُئِل هو علي بن الحسين، ولقد أورده الحافظ ابن حجر في «التقريب» (2/35) وقال: «علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، زين العابدين، ثقة ثبت عابد، فقيه فاضل، مشهور، قال ابن عيينة: عن الزهري: ما رأيت قرشيًّا أفضل منه، مات سنة ثلاث وتسعين، روى له أئمة الحديث الستة». اهـ.
قلت: وبهذا يتبين أيضًا مدى تكريم وتقدير أهل الحديث والسنة لأهل البيت، وهذا هو علم الرجال لعلماء الجرح والتعديل من أهل الحديث والسنة يكرم أهل البيت تكريمًا لم يكرمه أحد، تكريمًا لا إطراء فيه، تكريمًا في أعلى مراتب التعديل، تكريمًا لا يعرف حقيقة مصطلحه إلا أهل الصنعة في قولهم: ثقة ثبت عابد، فقيه فاضل، مشهور، كما بينا آنفًا في زين العابدين، وبهذا التفضيل تستبين سبيل الرافضة المجرمين الذين يسبّون السابقين الأولين من صحابة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.
تاسعًا: الاقتصار على اسم الراوي الذي ينسب إليه خبر القصة
من التحقيق الذي أوردناه آنفًا يتبين أن الاقتصار على اسم الراوي الذي ينسب إليه خبر القصة، مع عدم العزو إلى الأصل الذي له هذا الخبر في التفاسير، يوهم القارئ أن القصة صحيحة، خاصة وأن من نُسب إليه الخبر هم من أهل البيت الثقات الأثبات الأفاضل، وحذف السند يؤدي إلى عدم معرفة العلة، وكما بينا آنفًا أن علة القصة: «قصة بناء الكعبة قبل آدم ومبتدأ الطواف»: «القاسم بن عبد الرحمن».
عاشرًا: المتفق والمفترق:
مما أوردناه آنفًا في مناهج المفسرين بالنسبة للاستشهاد بالحديث أن الحافظ ابن كثير ذكر من التخريج في سند قصة ثعلبة بن حاطب الراوي «القاسم بن عبد الرحمن».
وفي قصة بناء الكعبة في سندها «القاسم بن عبد الرحمن».
وهناك فارق عظيم بين القاسم بن عبد الرحمن الراوي في سند قصة ثعلبة بن حاطب، وبين القاسم بن عبد الرحمن الراوي في سند قصة «بناء الكعبة ومبتدأ الطواف»، وهذا يسمى عند علماء الصنعة «المتفق والمفترق»، وهذا في «علوم الحديث» للإمام ابن الصلاح النوع الرابع والخمسون، قال: «هذا النوع متفق لفظًا وخطًا، وزلق بسببه غير واحد من الأكابر، ولم يزل الاشتراك من مظان الغلط في كل علم». اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في «النخبة» (63): «ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماءُ آبائهم فصاعدًا، واختلفت أشخاصهم، فهو المتفق والمفترق». اهـ.
ومن أهمية هذا العلم «المتفق والمفترق»:
أ- عدم ظن المشتركين في الأسماء واحدًا.
ب- التمييز بين المشتركين في الاسم، فربما يكون أحدهما ثقة، والآخر ضعيفًا؛ فيضعف ما هو صحيح أو بالعكس.
قُلْتُ: وبتطبيق هذا المصطلح على من يسمى «القاسم بن عبد الرحمن» في القصتين:
1- يتبين الاتفاق في اسم الراوي، واسم أبيه.
2- الاختلاف في شخصيهما:
أ- فالراوي في قصة ثعلبة بن حاطب الواهية هو القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، صدوق روى له الإمام البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة، ولم تكن علة القصة منه، ولكن من الراوي عنه علي بن يزيد الألهاني، متروك، منكر الحديث. كذا في «التقريب» (2/118).
ب- أما الراوي في قصة «بناء الكعبة قبل خلق آدم ومبتدأ الطواف» فهو القاسم بن عبد الرحمن، روى عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، لم يرو له أصحاب الكتب الستة، وهو علة القصة، وهو ضعيف جدًّا، ليس بشيء، منكر الحديث، مضطرب الحديث، أحاديثه أباطيل، كما بينا بالتفصيل آنفًا، وبه تصبح القصة واهية.
قُلْتُ: بهذا التخريج والتحقيق وقفنا على درجة هذه القصة من خلال بحوث علمية حديثية، يجد فيها طالب العلم تطبيقًا لعلم التخريج، وعلم الجرح والتعديل، وعلم المصطلح على الترتيب، وهو ما يسمى بعلم المصطلح التطبيقي، وبهذا نحقق ثمرة علم الحديث كما في «ألفية السيوطي»:
علم الحديث ذو قوانين تحد
يُدْرى بها أصول متن وسند
فذانك الموضوع والمقصود
أن يُعْرَف المقبول والمردود
قُلْتُ: فعلم الحديث لا يقتصر على حفظ نظم، أو مختصر كما بينت ذلك بالتفصيل في مقالنا «الشيخ الألباني – رحمه الله – مكانة ومنهجًا» مجلة «التوحيد» عدد شعبان 1420هـ، وبذا تعم الفائدة التي هي أساس هذه السلسلة:
أ- فالقارئ الكريم يقف على درجة القصة.
ب- والداعية: يكون على حذر، ويسلم له عمله على السنة وحدها.
جـ- وطالب هذا الفن: يجد نماذج من علم الحديث التطبيقي.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد. والحمد لله رب العالمين.

منقول من مجلة التوحيد

للشيخ علي ابراهيم حشيش