المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فائدة حول مقام إبراهيم عليه السلام



أهــل الحـديث
05-02-2012, 06:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أورد ابن كثير في تفسيره بعد قوله تعالى ( واتخذوا مقام إبراهيم مصلى ) قال:
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ .
فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ إِنَّمَا هُوَ الحَجَرُ الذِي كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السلام، يقوم عليه لِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ، لَمَّا ارْتَفَعَ الْجِدَارُ أَتَاهُ إِسْمَاعِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِهِ ليقومَ فَوْقَهُ وَيُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ فَيَضَعُهَا بِيَدِهِ لِرَفْعِ الْجِدَارِ، كلَّما كَمَّل نَاحِيَةً انْتَقَلَ إِلَى النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، يَطُوفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ، كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ جِدَارٍ نَقَلَهُ إِلَى النَّاحِيَةِ التِي تَلِيهَا هَكَذَا، حَتَّى تَمَّ جِدَارَاتُ الْكَعْبَةِ... وَكَانَتْ آثَارُ قَدَمَيْهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا مَعْرُوفًا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي قَصِيدَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ اللَّامِيَّةِ:
ومَوطئُ إِبْرَاهِيمَ فِي الصَّخْرِ رَطْبَةٌ ... عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْرَ نَاعِلِ
وَقَدْ أَدْرَكَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا.
وساق بسنده إلى: أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ: رَأَيْتُ الْمَقَامَ فِيهِ أَثَرُ أَصَابِعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وإخْمَص قَدَمَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَذْهَبَهُ مَسْحُ النَّاسِ بِأَيْدِيهِمْ.
و عَنْ قَتَادَةَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا عِنْدَهُ وَلَمْ يُؤَمَرُوا بِمَسْحِهِ. وَلَقَدْ تَكَلَّفَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ شَيْئًا مَا تَكَلَّفَتْهُ الْأُمَمُ قَبْلَهَا، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا مَنْ رَأَى أَثَرَ عَقِبِه وَأَصَابِعِهِ فِيهِ ، فَمَا زَالَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ يَمْسَحُونَهُ حَتَّى اخْلَوْلَقَ وَانْمَحَى.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ الْمَقَامُ مُلْصَقًا بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ قَدِيمًا، وَمَكَانُهُ مَعْرُوفٌ الْيَوْمَ إِلَى جَانِبِ الْبَابِ مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ يُمْنَةَ الدَّاخِلِ مِنَ الْبَابِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ هُنَاكَ، وَكَانَ الْخَلِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ وَضَعَهُ إِلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ أَنَّهُ انْتَهَى عِنْدَهُ الْبِنَاءُ فَتَرَكَهُ هُنَاكَ؛ وَلِهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أُمِرَ بِالصَّلَاةِ هُنَاكَ عِنْدَ فَرَاغِ الطَّوَافِ، وَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ انْتَهَى بِنَاءُ الْكَعْبَةِ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أحدُ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، الَّذِينَ أُمِرْنا بِاتِّبَاعِهِمْ، وَهُوَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ فِيهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْتَدَوْا باللَّذَين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ". وَهُوَ الذِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِوِفَاقِهِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيج، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: قَالُوا: أَوَّلُ مَنْ نَقَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ معمر عن حَمِيد الأعرج، عن مجاهد قال: أول من أخر المقام إلى موضعه الآن، عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وساق الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بسنده عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ الْمَقَامَ كَانَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ مُلْتَصِقًا بِالْبَيْتِ، ثُمَّ أَخَّرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ العَدَني قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ -[يَعْنِي ابْنَ عُيَيْنَةَ] وَهُوَ إِمَامُ الْمَكِّيِّينَ فِي زَمَانِهِ-كَانَ الْمَقَامُ فِي سُقْع الْبَيْتِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَوَّلَهُ عُمَرُ إِلَى مَكَانِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ قَوْلِهِ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قَالَ: ذَهَبَ السَّيْلُ بِهِ بَعْدَ تَحْوِيلِ عَمَرَ إِيَّاهُ مِنْ مَوْضِعِهِ هَذَا، فَرَدَّهُ عَمَرُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ قَبْلَ تَحْوِيلِهِ. قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي أَكَانَ لَاصِقًا بِهَا أَمْ لَا؟.
فَهَذِهِ الْآثَارُ مُتَعَاضِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه وساق بسنده عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ صَلَّيْنَا خَلْفَ الْمَقَامِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَكَانَ الْمَقَامُ عِنْدَ الْبَيْتِ فَحَوَّلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعِهِ هَذَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: قَدْ كَانَ عُمَرُ يَرَى الرَّأْيَ فَيَنْزِلُ بِهِ الْقُرْآنُ .
تفسير ابن كثير ، 1 / 170
د . سالم قطوان