المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبو حيّان يعيب على مُشتري الكتب



أهــل الحـديث
04-02-2012, 08:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



أبو حيّان يعيب على مُشتري الكتب

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر أبو الصَّفاء الصَّفَدِيُّ (تـ: 676) في "أعيان العصر" وعنه المَقْري في "نَفْح الطِّيْب": أنَّ أبا حَيَّان النحويّ الأندلسيّ الغَرْنَاطي المولد والمنشأ المصري الدار والوفاة (تـ: أوائل سنة 745) كان يعيب علي مشتري الكتب، ويقول: (الله يرزقك عقلاً تعيش به، أنا أي كتاب أردته استعرته من خزائن الأوقاف، وإذا أردت من أحد أنْ يُعِيْرَنِي دراهم ما أجد ذلك).اهـ. - ولا أدري: لو بُعِثَ رحمه الله حيًّا ما يكون حاله مع [pdf، hard disk، ipad، iphone ولكن لكل زمانٍ رجال وأدوات] - لقد كان أبو حيّان رحمه الله تعالى عالي الهمّة، بدأ في كتابة العلم وعمره ست عشرة سنة، وهلمّ جرّا، قال الصفدي في "الأعيان" و"الوافي": (لم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه؛ لأني لم أره قط إلا يُسمع أو يشتغل أو يكتب، ولم أره على غير ذلك).اهـ. ثم إنَّ الأظهر أنّ خبر الاستعارة من الخزانة جرى بمصر، وقد نزلها أبو حيّان سنة (680 هـ وقيل: نزلها 679) بعد أنْ ارتحل من الأندلس قبل نزوله مصر بثلاث سنوات (677 هـ وقيل: ارتحل عن الأندلس أول سنة 679) وسبب رحلته عن غرناطة ذكرها ابن الخطيب في "الإحاطة" وعنه ابن حجر في "الدرر"، قال: (حملته حِدّة الشبيبة على التعرُّض للأستاذ أبي جعفر ابن الطباع، وقد وقعت بينه وبين أستاذه أبي جعفر بن الزبير وَحشة، فنال منه، وتصدّى للتأليف في الردّ عليه، وتكذيب روايته، فرفع أمره للسلطان بغَرْنَاطة، فامتعض له، ونفّذ الأمر بتنكيله، فاختفى، ثم أجاز البحر مختفيا، ولحق بالمشرق يلتفت خلفه). وتوفي بمصر بعد أنْ أضرّ في آخر عمره بمنزله خارج باب البحر بالقاهرة في يوم السبت بعد العصر الثامن والعشرين من صفر سنة (745 هـ)، وذكر الصفديُّ أنه دُفِنَ من الغد بمقبرة الصُّوفية خارج باب النصر، وذكر ابن الخطيب الأندلسي أنه دُفن بالقَرَافَة. قلت: هما سواء – والله أعلم – قال في معجم البُلدان: (القرافة: .. وهي اليوم مقبرة أهل مصر، وبها أبنية جليلة، ومحال واسعة، وسوق قائمة، ومشاهد للصّالحين وترب للأكابر).اهـ. وقد وصف الذهبيُّ أبا حيّان في "المقتني" بأنه: (عالم ديار مصر)، وقال عنه في "معرفة القرّاء" - وتأمّل ما قال فإنه لطيف مهم -: (وهو مفخر أهل مصر في وقتنا في العلم، تخرّج به عدّة أئمّة مد الله في عمره وختم له بالحسنى، وكفاه شر نفسه. وودِّي لو أنه نظر في هذا الكتاب وأصلح فيه، وزاد فيه تراجم جماعة من الكبار؛ فإنه إمام في هذا المعنى أيضًا).اهـ. وعدّد الصفدي في "الوافي" و"النُّكَت" محاسن أبي حيّان فذكر منها أنّ: (له اليد الطولى في .. تراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم خصوصا المغاربة وتقييد أسمائهم على ما يتلفّظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم لأنهم مجاورو بلاد الفرنج وأسماؤهم قريبة وألقابهم كذلك، كل ذلك قد جوّده وقيّده وحرّره، والشيخ شمس الدين الذهبي له سؤالات سأله عنها فيما يتعلّق بالمغاربة، وأجابه عنها).اهـ. نعود: قد يقال: إنّ سبب استعارة الكتب من خزانة الأوقاف وتثبيط طالب الكتب عن الشراء البخل الذي كان يفتخر به أبوحَيّان، قال الصفديُّ: (قال لي: إذا قرأتُ أشعار العشق أميل إليها، وكذلك أشعار الشجاعة تستميلني، وغيرهما، إلا أشعار الكرم ما تؤثر فيّ، انتهى. قلت: كان يفتخر بالبخل كما يفتخر غيره بالكرم، وكان يقول لي: أوصيك احفظ دراهمك، ويقال عنك: بخيل، ولا تحتج الى السُفَّل. وأنشدني من لفظه لنفسه:
رجاؤك فَلْسا قد غدا في حبائلي * قنيصا رجاء للنتاج من العقم
أأتعب في تحصيله وأضيعه * إذًا كنت معتاضا من البر بالسقم). والتسبيب بالبخل منقوض بأمرين: الأول: قول أبي حَيَّان: (وإذا أردت من أحد أنْ يُعِيْرَنِي دراهم ما أجد ذلك) وتقديره: "وإذا أردت من أحد أنْ يُعِيْرَنِي دراهم لأشتري بها الكتب ما أجد ذلك" وسياق الخبر يفيد هذا التقدير، ولعلّ ذلك كان في زمن دون زمن وسياق دون آخر وحالة دون أخرى. والثاني: قول الصفديُّ: (والذي أراه فيه أنه طال عمره وتغرّب، وورد البلاد، ولا شيء معه). قال: (وسمعته غير مرة يقول: يكفي الفقير في مصر أربعة أفلس: يشتري له طُلْمة [خبزة] بَايْتَة بفلسين، ويشتري له بفلس زبيبًا، وبفلس كوز ماء، ويشتري ثاني يوم ليمونًا بفلس يأكل به الخبز). - ولا أدري لو بُعِثَ حيًّا ماذا يقول في حدّ كفاية المصري الآن - . ومن اللطائف في ترجمة أبي حيّان ما ذُكِر من عادات المصريين، قال الصفدي في "الوافي": (توجه الشيخ أثير الدين أبو حيّان يوما لزيارة الشيخ صدر الدين ابن الوكيل فلم يجده في منزله، فكتب بالجبس على عادة المصريين: "حضر أبو حيّان" وكانت الكتابة على مصراع الباب، فلما حضر الشيخ صدر الدين رأى اسم الشيخ، وكتب إليه:
(قالوا أبو حيان غير مدافع * ملك النحاة فقلت بالإجماع
اسم الملوك على النقود وإنني * شاهدت كنيته على المصراع).
ومن اللطائف التي سررت بالوقوف عليها، ما ذكره أبو حيّان في كتابه "النضار عن المسلاة عن نضار" بخطِّه في مجلد صخم ذكر فيه أوليته وابتداء أمره وصفة رحلته وتراجم الكثير من أشياخه وأحواله إلى أنْ استطرد إلى أشياء كثيرة تشتمل على فوائد غزيرة، منها قوله: (غَرْنَاطة: قاعدة بلاد الأندلس، تشبه دمشق في كثرة الفواكه، وهي إسلامية).اهـ. انظر: ابن حجر، الدرر الكامنة 4: 307 وط. 6: 62.
هذا وقد خلط غير واحد من المعاصرين بين أبي حيان التوحيدي المعتزلي، وبين أبي حيان الأندلسي النحوي .. وأبو حَيَّان اثنان: متقدِّم، وهو أبو حَيَّان التوحيدي المعتزلي الشَّيْرازي وقيل النَّيْسابوري وقيل: الواسطي، علي بن محمد (تـ: نحو 400)، له: "المقابسات" و"الإمتاع والمؤانسة" و"البصائر والذخائر" وغيرها، ومتأخِّر، وهو أثير الدِّين (لُقّب به في المشرق)، محمد بن يوسف الأندلسي الجَيَّاني الشهير بأبي حَيَّان، أمير المؤمنين في النحو (تـ: 745)، له: "البحر المحيط" في تفسير القرآن العظيم، ومختصره "النهر"، و"إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب"، و"الشذا في مسألة كذا"، و"مجاني العصر" في تراجم رجال عصره، وغيرها. وقد ميّز بينهما السُّيوطي في باب المتفق والمفترق - وهو أن تتفق الأسماء وتختلف المسميات - من "بغية الوعاة". ثم إنَّ أبا حيَّان الأندلسي مدحه كثيرٌ من الشعراء والكبار الفضلاء، ذكر منهم الصفدي في "الأعيان" القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر [وقد سمعه يتكلم في مسألة أصولية = من الوافي بالوفيات]:
قد قلت لما أنْ سمعت مباحثا * في الذّات قرّرها أجَلُّ مفيد
هذا أبو حيان، قلت: صدقتم * وبررتم هذا هو التوحيدي
قال محقق "أعيان العصر" عند قوله: "هذا هو التوحيدي": (فيه تورية باسم أبي حيّان التوحيدي، والتوحيدي أيضًا من أجود أنواع التمور).اهـ.
والتوحيدي: بفتح التاء المثناة من فوقها وسكون الواو وكسر الحاء المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة، والأوجه في هذه النسبة أنها راجعة إلى التوحيد الذي هو الدِّين؛ فإنّ المعتزلة يسمُّون أنفسهم: أهل العدل والتوحيد. نقله السيوطي (تـ: 911) في "بغية الوعاة" عن ابن حجر (تـ: 852)، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": (وقد سمَّى المعتزلة أنفسهم أهل العدل والتوحيد، وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية لاعتقادهم أنّ إثباتها يستلزم التشبيه، ومن شبّه الله بخلقه أشرك). قال أبو حَيَّان النَّحوي! في "البحر المحيط": (المعتزلة ، يسمون أنفسهم: أهل العدل والتوحيد، ويوجد ذلك في أشعارهم ...)، وبه جزم الذهبي (تـ: 748) في ترجمة أبي حَيَّان التوحيدي، فقال: (وهو الذي نسب نفسه إلى التوحيد، كما سمى ابن تومرت أتباعه بالموحّدين، وكما يسمّي صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوَحدة وبالاتّحاديّة). سير 17: 121. قال السخاوي (تـ: 902) في "المقاصد": (المعتزلة .. يوجبون عقوبة المسيء ويدّعون أن ذلك هو العدل ومن ثم سموا أنفسهم: أهل العدل والعدلية). وفي هذه النسبة قول آخر ذكره ابنُ خَلِّكان (تـ: 681)، في "وفيات الأعيان"، وقدّمه السيوطي في "البغية"، قال ابن خلّكان: (لم أر أحدًا ممّن وضع كتب الأنساب تعرّض إلى هذه النسبة، لا السمعاني ولا غيره، لكن يقال: إنَّ أباه كان يبيع التوحيد ببغداد، وهو نوع من التمر بالعراق، وعليه حمل بعض من شرح ديوان المتنبي قوله:
يَتَرَشَّفْنَ من فَمِي رشفاتٍ * هُنّ فيه أحلى من التّوحيدِ. والله أعلم بالصواب). وبالله التوفيق.